اتفاق "لوزان" ومأزق إيران متعدد الأوجه
يرى الكثير من النخب الصهيونية أنه قد تبين للقيادة الإيرانية أن رهاناتها على دور اتفاق «لوزان» في تحسين مكانتها الإقليمية كان مبالغًا فيه إلى حد كبير، على الأقل في الأمد المنظور. وبحسب هذه النخب، فقد أربكت الإستراتيجية السعودية حسابات كل من طهران وواشنطن، حيث قضى انطلاق حملة «عاصفة الحزم» على أحلام كل من الإيرانيين والإدارة الأمريكية في إرساء تفاهم مشترك حول إدارة شؤون المنطقة، وذلك بعد أن تم التوقيع على «لوزان»، الذي جاء اتفاق إطار ومقدمة لاتفاق نهائي بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني. ويلفت الكثير من الباحثين الصهاينة الأنظار إلى حقيقة أنه لم يعد سرًا أن الإيرانيين راهنوا على أن يسمح التوقيع على اتفاق «لوزان» بتوفر ظروف تقنع الغرب، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة بمنح إيران دورًا إقليميًّا رائدًا. وبحسب ورقة تقدير موقف نشرها مؤخرًا «مركز يروشلايم لدراسة المجتمع والدولة»، فإن الرهانات الإيرانية اعتمدت بشكل أساس على مؤشرات أمريكية كثيرة تؤكد استعداد إدارة الرئيس أوباما منح شرعية لدور إيراني إقليمي. وبحسب هذا التقدير، فقد عبر أوباما في سلسلة مقابلات أجريت معه في أعقاب التوقيع على اتفاق «لوزان» عن هذا التوجه، ناهيك عن التصريحات التي أدلى بها وزير خارجيته جون كيري. ويشير «مركز أبحاث الأمن القومي» الصهيوني إلى أنه لا يمكن إغفال التعاون الأمريكي في كل ما يتعلق بإيران وسوريا. وبحسب المركز، فقد قبلت الولايات المتحدة دورًا رائدًا لإيران في العراق، ناهيك عن أن مواقف الإدارة الأمريكية اقتربت كثيرًا من مواقف طهران بشأن سوريا، حيث تحدث كيري صراحة عن ضرورة الحوار مع نظام بشار الأسد. ويشير الباحث والدبلوماسي الصهيوني «تسفي مزال» إلى أنه حتى في اليمن تبين أن هناك مؤشرات على تفاهم واضح بين الإدارة الأمريكية والإيرانيين. ويوضح مزال أنه لم يصدر عمليًّا عن الولايات المتحدة أي موقف صارم تجاه تغول الحوثيين في اليمن، لاسيما بعدما احتلوا العاصمة صنعاء واتجهوا نحو الجنوب. ويلفت مزال الأنظار إلى حقيقة أن وسائل الإعلام الأمريكية قد كشفت النقاب عن تفاهم تم التوصل إليه بين الحوثيين ووكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية «السي.آي.إيه» ينص على أن يتولى الحوثيون حماية السفارة الأمريكية، ناهيك عن تبادل الأدوار بين الحوثيين والأمريكيين في الحرب على تنظيم «القاعدة»، حيث راهنت الإدارة الأمريكية على أن يسهم التمدد الحوثي في تقليص دور الولايات المتحدة في الحرب على هذا التنظيم في اليمن.
الحزم السعودي والفشل الإيراني يدفع الأمريكيين لإعادة تقييم موقفهم:
بحسب التقديرات الصهيونية، فإن القرار السعودي المفاجئ والمباغت بشن «عاصفة الحزم» تحديدًا بعد التوصل لاتفاق «لوزان» قد أربك حسابات الولايات المتحدة وأضعف مكانة الرئيس أوباما، حيث أظهر القرار السعودي ضعف أوباما بشكل واضح، مما عزز من قوة الأطراف الأمريكية المعارضة للاتفاق، لاسيما في الكونغرس. وبحسب التقديرات الصهيونية، فإن الحزم السعودي وتعاظم الأصوات الأمريكية ضد الاتفاق مع إيران، أحدث تغييرًا جوهريًا في الموقف الأمريكي تجاه إيران ودورها الإقليمي، فقد اضطرت الولايات المتحدة لاتخاذ موقف سياسي صارم ضد التمدد الإيراني في المنطقة، وتعهدت بالعمل على عدم السماح بوصول السلاح للحوثيين. ويرون في تل أبيب أن هناك أسباب أخرى أفضت إلى تراجع مستوى الرهان الأمريكي على الدور الإيراني، فبحسب ما تشير إليه محافل التقدير الإستراتيجي الصهيونية، فقد تبين للأمريكيين أن الإيرانيين فشلوا فشلًا ذريعًا في العراق في المواجهة ضد تنظيم الدولة، لدرجة أن الحكومة العراقية لم تجد بدًا من الاستعانة بقوات التحالف لضرب قواعد هذا التنظيم، على الرغم من أن إيران دفعت بقاسم سليماني، قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري، لكي يشرف على المعارك ضد تنظيم الدولة، لاسيما في منطقة «تكريت». وبحسب هذه المحافل، فقد تبين للأمريكيين أن تدخل سليماني في معركة «تكريت» على وجه الخصوص لم يكن مجديًا، حيث عقّد طابع سلوكه المذهبي الأمور إلى حد كبير وأقنع القبائل السنية بعدم التعاون مع الحكومة العراقية في هذه الحرب، ما قلص من هامش المناورة أمام الإدارة الأمريكية. في الوقت ذاته، فقد تبين للأمريكيين أن الإستراتيجية الإيرانية في سوريا توشك على الانهيار، في ظل الانتصارات التي حققتها فصائل الثورة السورية في شمال وجنوب البلاد، وعجز حزب الله عن ضمان تأمين قدرة النظام على مواصلة الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطر عليها.
إنجاز الاتفاق النهائي على رأس الأولويات الإيرانية:
لا خلاف بين النخب الصهيونية على أنه على الرغم من أن إيران ترى في تمددها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وبقية المناطق العربية مصلحة قومية عليا، إلا أنها في الوقت ذاته ترى في التوصل لاتفاق نهائي مع الغرب بشأن برنامجها النووي مصلحة تفوق أهمية التمدد في هذه المناطق. وبحسب هذه النخب، فإن التوقيع على الاتفاق النهائي يضمن للنظام الإيراني قدرته على البقاء، لأنه سيحسن من الأوضاع الاقتصادية في إيران بشكل جذري. فقد أدت العقوبات التي فرضها العالم على إيران بسبب برنامجها النووي إلى تهاوي الاقتصادي الإيراني ما أثر بشكل جذري على طابع حياة الإيرانيين. وبحسب المحافل الصهيونية، فقد خشى قادة النظام الإيراني من أن يفضي تواصل الحصار والعقوبات الاقتصادية إلى اندلاع ثورة شعبية تطيح بهذا النظام. ويشير الصهاينة بشكل خاص إلى احتفاء الشارع الإيراني الكبير باتفاق «لوزان» بشكل يبرز تعطش الإيرانيين الكبير للتخلص من هذه العقوبات. وبحسب النخب الصهيونية، فإن القيادة الإيرانية باتت تدرك أن العالم لن يضفي شرعية على دورها الإقليمي إلا بعد أن يتم التوقيع على الاتفاق النهائي بشأن برنامجها النووي.
من هنا، فإن التقديرات الصهيونية تؤكد أنه على الرغم من ضجيج المواقف الإعلامية الإيرانية بشأن اليمن وسوريا والعراق، فإن طهران لن تقدم على أية خطوة تهدد فرص التوصل للاتفاق النهائي مع الغرب، وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن الإيرانيين لن يترددوا في التخلي عن أدواتهم في كل من اليمن وسوريا في سبيل التوصل لاتفاق النهائي، لاسيما بعدما تبين لطهران تقلص هامش المناورة المتاح أمام أوباما في ظل المعارضة الشديدة لاتفاق «لوزان».
:: مجلة البيان العدد 336 شعبان 1436هـ، مايو - يونيو 2015م.