• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل العملية السياسية في اليمن حوار البنادق ينسف حوار الفنادق

مستقبل العملية السياسية في اليمن حوار البنادق ينسف حوار الفنادق

على مدى ثلاث سنوات من انطلاق ثورة 11 فبراير 2011م، تكشف مواقف مجلس الأمن أن الفاعلين الإقليميين والدوليين قرروا إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل هذا الحراك الشعبي الذي اجتاح بلدان ما يعرف بـ«الربيع العرب» مطالبًا بالتغيير الديمقراطي والإصلاحات السياسية، غير أن تطورات المشهد اليمني الدراماتيكي على النحو الذي يصب في مصلحة إيران سرعان ما أثار قلق الخليج، خصوصًا في ضوء التغييرات الجديدة في بيت الحكم السعودي، عقب تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في البلاد.

في اليمن، وحتى وقت قريب، كان شركاء العمل السياسي قد أنهوا قرابة عام من الحوارات التي استضافتها العاصمة صنعاء مرورًا ببرلين ووصولًا إلى أبوظبي، شملت مختلف القضايا الشائكة والخروج بروزنامة إصلاحات دستورية وإجرائية تؤسس لدولة اتحادية من عدة أقاليم.

غير أن فرص المضي في مسار العملية السياسية سرعان ما تلاشت منذ الانقلاب الذي نفذته جماعة «أنصار الله» الحوثية بالتحالف مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما تلاشت على إثره فرص العودة إلى أي حوار سياسي في ضوء التمدد المسلح للتحالف الحوثي - الصالحي، الذي اجتاح العديد من المدن والبلدات تحت ذرائع محاربة «الدواعش» و«الإرهابيين» و«التكفيريين»، وأعاد رسم خريطة المشهد السياسي بقوة السلاح، قبل أن تقطع العمليات العسكرية للتحالف العربي المكون من عشر دول بقيادة المملكة العربية السعودية، التي أُطلق عليها «عاصفة الحزم»، الطريق على الجميع.

انطلقت «عاصفة الحزم» منتصف ليل الخميس 26 مارس، بطلب من الرئيس اليمني المعترف بشرعيته إقليميًّا ودوليًّا عبدربه منصور هادي، مستهدفة مئات المواقع العسكرية التابعة لقوات صالح والحوثيين في مناطق مختلفة من البلاد، بعد أن فرضت هذه العمليات العسكرية حظر الطيران في أجواء اليمن، وقطعت كافة خطوط الإمداد عن الحوثيين والوحدات العسكرية الموالية للرئيس السابق علي صالح.

استند التحالف العربي في عمليات «عاصفة الحزم» على اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وقرارات مجلس الأمن بشأن عملية الانتقال السياسي في اليمن، وأثارت انقسامات حادة في الأوساط اليمنية، بين مؤيد ومعارض، غير أنه حتى المعارضين لها يلقون باللائمة في هذا التدخل العسكري على الحوثيين أنفسهم وسلوكهم العنيف تجاه شركائهم من اليمنيين والأطراف السياسية.

«عاصفة الحزم» جاءت بناءً على طلب السلطة الشرعية في اليمن، غير أنها لا تخلو من أهداف تتعلق بالأمن القومي الخليجي والعربي عمومًا والسعودي بدرجة خاصة، لاسيما بعد تزايد التهديدات العلنية لقيادات الحوثيين للسعودية، وممارسة العديد من الإجراءات العدائية المثيرة للقلق، بدءًا بإجراء مناورات عسكرية على حدود المملكة السعودية، وانتهاءً بإبرام اتفاقات سيادية مع طهران، من بينها تسيير أكثر من 24 رحلة جوية أسبوعيًّا للطيران الإيراني بين صنعاء وإيران.

من المؤكد أن عمليات «عاصفة الحزم» ستلقي بظلالها على مستقبل العملية السياسية في اليمن، وفقًا لنتائجها على الأرض، وفي مقدمتها، بحسب المتحدث العسكري، القضاء على القوة العسكرية لمليشيات الحوثي وقوات صالح التي استخدمت لتقويض شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي ونسف العملية السياسية في البلاد، وصولًا إلى تثبيت شرعية هادي وخروج المليشيات الحوثية من مؤسسات الدولة، والمضي في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

قد يبدو من الصعوبة بمكان استشراف مستقبل العملية السياسية في اليمن في ظل الوضع الراهن، غير أن السيناريوهات المحتملة في البلاد، لا تخلو من عدة احتمالات، أبرزها إجمالًا:

إعادة رسم الخريطة السياسية من خلال الاتفاق على سقف زمني للمرحلة الانتقالية يمهد لإعادة بناء مؤسستي الجيش والأمن على أسس وطنية، والمضي في مشروع الدولة الاتحادية، بما يسهم في فكّ ارتباط تحالف الحوثي - صالح.

يتعذر حتى الآن تقدير حجم نفوذ صالح داخل جماعة الحوثيين والعكس، غير أنه من غير المستبعد أن يكون اطمئنان علي صالح في بقائه داخل العاصمة صنعاء، برغم الاضطرابات الأمنية، راجعًا إلى ثقته بنفسه في التحكم بإدارة اللعبة وأن مقاليد القوة لا تزال بيده والأمور تحت سيطرته، قبل أن تقلب عمليات «عاصفة الحزم» الطاولة على الجميع.

فك ارتباط تحالف الحوثي - صالح، يصعب التنبؤ بإمكانيته دون الحديث عن نجاح صالح في مقايضة المحيط الإقليمي والدولي بشأن العقوبات التي فرضها مجلس الأمن عليه - شملت تجميد أرصدته -، بالإضافة إلى مدى قدرة قواعد حزب المؤتمر الشعبي العام ونخبه المدنية على الضغط باتجاه فك الارتباط مع جماعة الحوثي التي تحمّل بسببها الحزب أعباء كبيرة، بسبب سجلها الحافل بالعنف وانتهاكات حقوق الإنسان.

انتفاضة المؤتمريين المحتملة ضد صالح والجناح الثأري في جماعة الحوثيين قد تبدو وشيكة لاسيما في مناطق وسط وجنوب وشرق البلاد ذات الكثافة السنية «الشافعية»، بخلاف مناطق الشمال التي تمثل في الغالب حاضنات شعبية للجماعة الحوثية، ومن المحتمل أن يستمر فيها التحالف المؤتمري الحوثي، وربما يزداد متانةً بفعل الخطاب الإعلامي الموجه ضد السعودية، والذي يصوّر «عاصفة الحزم» على أنها عدوان على الشعب اليمني، ويستحث المواطنين رغبة ورهبة للتصدي لهذا «العدوان»، ويستثير الكثير من الأحقاد والضغائن تجاه المملكة. وهذا السيناريو (فك ارتباط الحوثي - صالح)، كانت مؤشراته بدأت قبيل انطلاق «عاصفة الحزم»، من خلال تناولات بعض ناشطي المؤتمر وإعلاميه الذين بدأت تطالهم سياسات الحوثي القمعية، كما بدأت مؤشرات انفراط عقد التحالف الحوثي الصالحي بخلافات بينية داخل جماعة الحوثي نفسها بين الجيل القديم من الحوثيين والمتحوثين الجدد حول تركة بقايا الدولة التي خلفها الصراع السياسي في البلد. وفي هذا السياق ستبدو جماعة الحوثي، في حال القبول ببقائها في المشهد السياسي، أفضل حالًا من سيطرتها على كامل المشهد، خصوصًا إذا جاء بالتوازي مع إجراءات صارمة لنزع سلاحها، إن أرادت بالفعل الانخراط في العملية السياسية، وعملت على طمأنة بقية القوى السياسية لجهة قبولها بالتعايش مع الآخرين والتخلي عن العنف.

الاحتمال الثاني استمرار كافة أطرف الصراع السياسي في التمترس خلف مواقفهم المتصلبة، وهو ما يعني إطالة أمد التدخل العسكري في البلاد، لاسيما إن استمر تحالف الحوثي - صالح في استكمال سيطرته المسلحة على كافة المناطق اليمنية في الجنوب والشرق، بالتوازي مع إجراءات حوثنة مؤسسات الدولة، وتحويلها إلى إقطاعية خاصة بهم، وفرض إملاءاتهم على القوى السياسية والمجتمع بقوة السلاح، وفي هذه الحالة، سوف تشتد حدة الفرز المناطقي والمذهبي، وتزداد المخاوف من احتمالات انزلاق البلاد في حرب أهلية، يصعب التنبؤ بمآلاتها ونهايتها، وهذا الاحتمال لا شك يبدو كارثيًّّا على تحالف الحوثي - صالح قبل غيره، وذلك بالنظر إلى ظروف المرحلة الراهنة والتحولات الجديدة التي تشهدها المنطقة في ضوء انحسار المد الإيراني وأذرعه المسلحة. وهو ما قد يعني القضاء على ما تبقى من القدرات البشرية للجيش والأمن اليمني، التي تقاتل تحت شعار «الموت لأمريكا»، ليس فقط بفعل عمليات عاصفة الحزم، وإنما كذلك بأعمال المقاومة المسلحة لأي وجود عسكري لتحالف الحوثي - صالح في مناطق الجنوب والشرق، مع احتمال امتداد أعمال المقاومة المسلحة للتمدد الحوثي إلى مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم في الشمال وشمال الشمال، ناهيك عن الحديث عن احتمالات تدخل عسكري عربي بري لإنهاء سيطرة تحالف الحوثي صالح على مقاليد الحكم في البلاد.

كشفت أحداث السنوات الأخيرة الماضية أن الصراعات السياسية في اليمن كانت خاطفة، ناهيك أن تحاشي حركات الإسلام السني، خصوصًا حزب التجمع اليمني للإصلاح، الدخول في أي حروب من شأنها تبديد مشروعه السياسي ورصيده النضالي السلمي، أو وصمه بـ«الإرهاب»، ولعل ذلك هو ما أغرى تحالف صالح - الحوثي على المضي في مشروع الانقلاب على الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي، بعد أن ضمن تحييد حزب الإصلاح عن المواجهة، دون أن يكون في حسبان الشريك الأكثر تأثيرًا (وهو علي صالح) حدوث تدخل عسكري سعودي عربي خاطف وقوي على النحو الذي حدث.

ولذلك أطلق الرئيس السابق علي صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام بعد أيام من «عاصفة الحزم» مبادرة لوقف العمليات العسكرية والعودة إلى الحوار. غير أنه في الوقت ذاته واصلت حشوده العسكرية المتحالفة مع الحوثيين توغلها في محافظات جنوب البلاد، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك حول جديته في العودة للحوار، ناهيك أنه لا يزال مكر ودهاء صالح يثير قلق الداخل والخارج، على حد سواء، بمن في ذلك حلفاؤه الحوثيون الذين كانوا ولا يزالون يخططون للتخلص منه، بالإضافة إلى التداخلات الإقليمية والدولية في الحالة اليمنية، وهو ما يلقي بظلاله على المشهد اليمني، ويزيد الوضع تعقيدًا، لاسيما مع حالة الفزع التي تنتاب اليمنيين كلما تذكروا مأساة السوريين في الحرب الممتدة لأكثر من ثلاث سنوات بفعل التدخل الإيراني والروسي للإبقاء على الدكتاتور بشار الأسد في السلطة.

حفظ الله اليمن من كل مكروه..

:: مجلة البيان العدد  335 رجب  1436هـ، إبريل – مايو  2015م.

googleplayappstore

أعلى