الحرية الفلسطينية عن طريق القوافل

الحرية الفلسطينية عن طريق القوافل

 كشفت قوافل الحرية لغزة، التي نظمتها منظمات فلسطينية أهلية، وعدد من الناشطين الأحرار في مختلف أنحاء العالم عن أن هناك طريقاً خصباً لتحريك القضايا المعقدة، بل لتحقيق نتائج لم تكن في حُسبَان أحد، ويرى المحلل البريطاني المنصف روبرت فيسك أن القرار الآن لم تعد تتخذه الحكومات ولا وزارات الخارجية؛ بل النشطاء والمنظمات الأهلية. والصحيح أن نقول - بناءً على رأي روبرت فيسك -: إن الفساد وازدواج المعايير قد أصاب الحكومات في معظم أنحاء العالم؛ بحيث إنها أصبحت غير قادرة أو غير راغبة في اتخاذ الموقف العادل في مختلف القضايا، وعلينا أن نقرأ المستجدات ونستخلص النتائج.
فالذي حدث أن عدداً من السفن تحمل موادَّ غذائية وطبية وإنشائية قد عزمت على التوجُّه إلى غزة لمساعدة أهلها، فتصدت لها قواتٌ بحرية وجوية إسرائيلية، واعتدت عليها وقتلت عَشَرة من أفرادها وجرحت خمسين آخرين، واهتز ضمير العالم، وبات من الممكن جداً أن يٌكسَر الحصار على غزة لو استمرت تلك القوافل، وقد يقول بعض الناس: إن الضمير الإنساني قد اهتز نتيجة حماقة إسرائيل في قيامها بالتصدي للقوافل والبواخر في المياه الدولية وكذا قَتْلها وجَرْحها عدداً من الناشطين، وهذا صحيح جزئياً؛ لأن العدوان والقتل زاد من تأثُّر الضمير الإنساني في كل أنحاء العالم، ولكن هذا التأثر كان سيحدث أيضاً لو لم يسقط قتلى وجرحى، وكذا فإن الغريزة الاستعمارية عموماً، والصهيونية خصوصاً، لا بد أن تقود الدول الاستكبارية إلى مثل هذه التصرفات الحمقاء.
والشيخ رائد صلاح - وهو من عرب فلسطين المحتلة عام 1948م الذين يعيشون داخل فلسطين ويحتكُّ يومياً بسلطات الاحتلال الصهيوني - يعرف طبيعة تركيب المجتمع الصـهيوني، ويرى أنه كيان متغطرس وغبي، ونضيف إليه أنه أيضاً هش، والغطرسة والغباء والإحساس بالمأزق داخل المجتمع الصهيوني سيقود حتماً إلى المزيد من الممارسات الغبية التي تؤجج الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، ونحن في عالـم الأقمار الصناعية والقنـوات الفضـائية والإنترنت لا يمكـن تجـاهل التحـركات الأهليـة ذات الطـابع السـلمي، ولا يمكن لإسـرائيل أو أمريكا أو أحد أن يتجاهل أو يتجاوز هذا الفعل الإنساني، وهكذا كانت قافلة الحرية كلها خير على الرغم من سقوط شهداء فيها، لقد كانت خيراً لغزة، وخيراً لفلسطين كلها وخيراً لمن شارك فيها، وقد كشفت قافلة الحرية لغزة عدداً من الحقائق، منها:
- أن الكيان الصهيوني كيان متغطرس غبي أحمق هَشٌّ.
- أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تَصلُح وسيطاً، بل هي نفسها تتحمل جزءاً من المسؤولية الجنائية والأخلاقية عما حدث.
- أن الأطر الرسمية الدولية لا قيمة لها، مثل مجلس الأمن أو غيره.
- أن أوروبا الرسمية منافقة.
- أن الحكومات العربية عاجزة.
- أن الدور التركي يتعاظم في المنطقة على حساب الدور الإيراني مثلاً، وهناك ترحيب بين الشعوب العربية والإسلامية بهذا الدور؛ لأنه لا يثير حساسية طائفية، فتركيا دولة مسلمة سُنية.
وقد حققت قافلة الحرية لغزة عدداً من النتائج الإيجابية، منها:
- اضطرار حكومة مصر إلى فتح معبر رفح؛ وهو أمر لم يتحقق من قَبْلُ بسهولة.
- اضطرار حكومات عربية إلى تجميد مشاركتها في مبادرة السلام العربية.
- اضطرار سلطة أبي مازن لإدانة إسرائيل.
- تحقيق نوع من التضامن الشعبي في مختلَف أنحاء العالم مع أهالي غزة، وأعادت قصة حصار غزة وأهلها إلى الصدارة بعد أن جرى إهمالها طويلاً.
- حققت للحكومة التركية رغبتها في تقليص العلاقات مع إسرائيل تمهيداً لقطعها في النهاية؛ لأن من المعروف أن القرار الإستراتيجي في تركيا ليس بيد وزارة حزب العدالة والتنمية، بل هو مسألة معقدة يدخل فيها الجيش والقضاء والدستور العَلماني التركي، وإذا كانت حكومة أردوغان لم تكن تستطيع تقليص التعاون العسكري التركي الإسرائيلي، أو التوجه إلى آخر المدى إلى الفضاء العربي والإسلامي؛ لأن ذلك سيثير العَلمانيين الأتراك ومجلس الأمن القومي والقضاء والجيش في تركيا؛ فإن ما أراده حزب العدالة والتنمية في التوجه إلى الفضاء الإسلامي، أو تقليص العلاقات مع إسرائيل قد أصبح مطلباً للأحزاب العَلمانية ذاتها، بل اتخذ الجيش التركي نفسه قراراً بإلغاء المناورات العسكرية مع إسرائيل؛ لأن كرامة تركيا قد امتهنت على يد الجيش الصهيوني، وسالت دماء شهداء أتراك بنيران أسلحته.
وقد يقول بعضهم: إن هذا المكسب الذي حققه حزب العدالة والتنمية داخل تركيا سيكون أمراً مؤقتاً؛ فالجيش والأحزاب العَلمانية التركية سوف تعود لامتلاك زمام المبادرة وحصار هذه الرغبة لرجال أردوغان، والولايات المتحدة الأمريكية سوف تضغط على تركيا لتحسين علاقاتها مع إسرائيل مرة أخرى، ولكننا نَرُدُّ بأن حزب العدالة والتنمية وأردوغان لا يتراجع بسهولة عن مكسب حققه، خاصة أن المجتمع التركي كان شديد الاستفزاز تجاه إسرائيل وأن الولايات المتحدة تعرف أن الصراع مع تركيا فيه خسارة مؤكَّدة للولايات المتحدة على مستوى إستراتيجيتها العالمية في الحرب على الإرهاب؛ فوجود حزب قومي ذي ميول إسلامية معقولة في تركيا ضرورة لعدم انتشار الإرهاب عن طريق تركيا أو في تركيا ذاتها ممتداً إلى أوروبا وأمريكا، وحكومة أردوغان تعرف هذا الأمر وتتصرف بثقة تجاه الولايات المتحدة.
إذا أردنا أن نستفيد من تلك التجربة، فإن علينا الدعوة إلى مزيد من القوافل لتحقيق كسر الحصار عن غزة، بل يمكننا أيضاً الدعوة إلى قوافل برية مليونية عن طريق تجميع العرب والمسلمين وأحرار العالم وكل فلسطيني في الخارج أيضاً على الحدود مع الكيان الصهيوني من خلال الحدود المصرية والأردنية واللبنانية والسورية وعن طريق قوافل بحرية كبيرة جداً أمام الشواطئ الفلسطينية المحتلة، وإذا نجحنا في تحقيق عدد من المظاهرات المليونية على الحدود ومن البحر، فربما تكون هذه هي بداية أفول إسرائيل بالفعل، ولا يعتقدون أن هذا مجرد خيال لن يتحقق، فإن الثقة في الله - تعالى - أولاً ثم الثقة في شعوبنا العربية والإسلامية، وأحرار العالم، ومنظمات المجتمع المدني ثانياً، أكبر كثيراً مما نتصور. 
 

أعلى