• - الموافق2025/08/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تقرير المصير...  حق فلسطيني آمنَت به الشعوب ورفضته الدبلوماسية الغربية

ومن العيوب التي تُوضّح وتؤكد أن الإعلان مجرد فقاعة هدفها تدارُك موجة الغضب الشعبية تجاه الدولة العبرية: أنه لم يَحْتوِ على أيّ نصٍّ يُلزم المُوقِّعين عليه بالالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية واتفاقية الإبادة الجماعية، وركّز على مضامين شفّافة مثل الرفض و


الخلاصة التي توصَّلت إليها المعاهد القريبة من دوائر صناعة القرار في الدولة العبرية، مثل معهد الأمن القومي الصهيوني، تُجمع على أنّ السابع من أكتوبر كان أكبر اختراق أمني وعسكري أفقَد المؤسسة العسكرية قدرة الردع، وأجبَرَها على خوض أكبر حرب في تاريخها، على أمل أن تَستعيد شيئًا من هيبتها، ليس فقط أمام الصهاينة، بل أيضًا أمام حلفائها ومحيطها الإقليمي؛ فوفقًا لتقريرٍ نشرته صحيفة «يديعوت آحرونوت»، فإن الجيش الصهيوني خسر خدمات 12 ألف جندي في الحرب، غالبيتهم من الوحدات المقاتلة، منهم 898 قتيلًا بحسب البيانات الرسمية، بالإضافة إلى تراجع بنسبة تصل إلى 70%، بالإضافة إلى تضرُّر البنية الاجتماعية والاقتصادية الصهيونية، كلّ ذلك أرْبَك المسار المستقبلي للدولة الصهيونية، وقُدرتها على الهيمنة وتحقيق السيادة في المنطقة، وجعَلها غير جديرة بالثقة بالنسبة لجيرانها وحلفائها.

لذلك خرجت كثير من المبادرات الدبلوماسية الغربية للتصدّي لأكبر هجمة اجتماعية غربية معادية للدولة العبرية، ولليهود خاصة، والتي ظهرت على شكل موجات مقاطعة أكاديمية واقتصادية وثقافية وسلوكيات تحوَّلت فيما بعد إلى مراكز للتغيير على المدى الطويل ستُحاصر أيّ نفوذ للدولة العبرية في الغرب، ولا سيما في الولايات المتحدة التي تُعدّ من أبرز مسببات القوة والتمكين لهذا الكيان.

في وجه هذه الموجة التي تتحوَّل إلى أدوات تُركّز على الاستدامة؛ من خلال سلسلة اعترافات شعبية بحقوق الفلسطينيين، وثوابت راسخة تُحاكي النموذج الجنوب إفريقي، بالتزامن مع استمرار الدولة العبرية في الإبقاء على قيادة يمينية متطرفة تسعى إلى التوسُّع، وهذا الأمر عبَّر عنه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في آخر لقاءاته الإعلامية، حينما تحدَّث عن «إسرائيل الكبرى»، ومشاريع الاستيطان لتقويض أيّ فرصة لوجود دولة فلسطينية؛ فإن الحراك الدبلوماسي جاء ليؤكد الحاجة الغربية المُلِحَّة لإعادة الدولة العبرية لمسارها الصحيح الذي وُجِدَت من أجله في المنطقة قبل أن تذهب في مسار اللاعودة من خلال استمرار المواجهة المفتوحة مع جيرانها وخسارتها السريعة لكل مسببات دعمها أمام الأجيال القادمة في الغرب، فهي كيان استيطاني استدعت الحاجة إنشاءه للحفاظ على الانقسام الموجود في المنطقة العربية كبيئة حاضنة للإسلام السُّني ومركز عالمي للحضارة والهوية الإسلامية.

لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن مجموعة قرارات بشأن الدولة الفلسطينية، مثل القرار رقم 242 ورقم 338، واتفاقية أوسلو، ومبادرة السلام العربية لعام 2002م، وبحسب بيانات الأمم المتحدة فهناك 147 دولة من أصل 193 دولة تَعترف بالدولة الفلسطينية، لكنّ تأثير كل ذلك ليس له انعكاس ميداني على واقع الفلسطينيين؛ لأن المنظومة الدولية تتحرَّك وفقًا لما تُمليه المصالح الغربية في المنطقة.

 وقد جاء إعلان نيويورك الذي تجاوبت معه وقبله 15 دولة حول الاعتراف بفلسطين كحصانة غربية لإفساد أيّ هوية سياسية جديدة للمنطقة قد تُسفر عن الصراعات الميدانية التي جلبتها حرب غزة، والتي قد تتطور في ظل استمرار التوتر مع إيران وفي سوريا ولبنان، وبقَدْر ما حمل الإعلان الكثير من الوعود بشأن فلسطين، إلا أنه لم يحمل عنوانًا واحدًا بشأن إقرار تلك الدول بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم على أرضهم.

وقد حدَّد الإعلان -في صفحاته السبعة- عدة نقاط استهدفت بالدرجة الأولى عنوانًا واحدًا، وهو دولة فلسطينية ذات سيادة منزوعة السلاح، يقابلها توفير الأمن والسلام للدولة العبرية، مع التأكيد على نزع سلاح المقاومة الفلسطينية مقابل وعود دولية بـــــ«دولة فلسطينية».

ولم يتطرَّق الإعلان إلى عصابات المستوطنين، وميليشيات فتية التلال، وإلزام دولة الاحتلال بنزع سلاحهم، ووقف الاستيطان في الضفة المحتلة؛ لضمان السلام للدولة الفلسطينية الموعودة، كما استبعد إعلان نيويورك أيّ مشاركة ديمقراطية لفصائل المقاومة، بما في ذلك حماس؛ أي: أن الإعلان جاء لغاية واحدة، وهي إجماع دولي لإخراج المقاومة من أيّ تأثير سياسي مستقبلي.

فقد طالَب إعلان نيويورك حماس بالإفراج عن «الرهائن الإسرائيليين»، بالمقابل يدعو إلى تبادل «السجناء الفلسطينيين» الذين يبلغ عددهم أكثر من 10000 آلاف أسير يتم سجنهم دون محاكمات، ومنعهم من التواصل مع ذويهم، بالإضافة إلى قتل العديد منهم تحت التعذيب وفقًا لتوثيق منظمة «هيومن رايتس ووتش»، وقد رفض الإعلان التمييز بين مقاومة الفلسطينيين للدفاع عن أرضهم، وبين المحتل الصهيوني الذي جُرِّم بموجب قرارات واضحة من محكمة العدل الدولية التي أصدرت مذكرات اعتقال بحق قياداته، واعتبر أن الضحية والجلاد متكافئا القوة. 

ورغم أن محكمة العدل الدولية أصدرت ثلاثة قرارات بشأن وقف أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة، وفتح المعابر لدخول المساعدات، وإنهاء العمليات العسكرية في رفح؛ إلا أن الإعلان ركَّز فقط على «إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين».

ومن العيوب التي تُوضّح وتؤكد أن الإعلان مجرد فقاعة هدفها تدارُك موجة الغضب الشعبية تجاه الدولة العبرية: أنه لم يَحْتوِ على أيّ نصٍّ يُلزم المُوقِّعين عليه بالالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية واتفاقية الإبادة الجماعية، وركّز على مضامين شفّافة مثل الرفض والإدانة والاستنكار!

جاء في نص الإعلان التأكيد على الاعتراف بدولة فلسطين، لكنّ مرحلة الالتزام بهذا الإعلان وضمان الانفصال الاقتصادي والأمني يصبح رهينة بصورة مستمرة بالمتطلبات الأمنية للدولة العبرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا تستطيع مصر فتح معبر رفح بينها وبين قطاع غزة دون وجود رقابة أمنية إسرائيلية على الحركة التجارية والإنسانية على المعبر، وهذا الأمر مُوثَّق بصورة رسمية في اتفاقية المعابر التي تم توقيعها عام 2005م.

والمفارقة الأخرى في نص الإعلان هي أن دولًا مشاركة في هذا الإعلان مثل كندا وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا لا تعترف بفلسطين كدولة، وترفض الاعتراف بحقّ الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره!

يسعى الإعلان إلى إيجاد أرضية سياسية جديدة تفرض تدخلًا دوليًّا سيكون من البوابة المصرية، هدفه استكمال القضاء على أيّ فرصة للإبقاء على هوية السيادة الفلسطينية بالتوازي مع المخططات الاستيطانية التي يتم تثبيتها في الضفة المحتلة؛ فالدول المعلنة هي نفسها التي رفضت التصدي لمحاولة الدولة العبرية القضاء على منظمة الأونروا المخصصة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين باعتبار وجودها أحد مسارات الحفاظ على حقّ العودة؛ فالإعلان ينصّ بصورة واضحة على نشر بعثة دولية «مؤقتة» في غزة لضمان أمن الدولة العبرية، لكنّه لم يُؤكّد على آلية واحدة لضمان أمن الفلسطينيين.

وبينما تفشل محاولات صناعة ميليشيات محلية على الطريقة إبراهيم العرجاني في شمال سيناء؛ يدير صانع القرار الصهيوني المنظومة الإقليمية باتجاه طرحٍ يَزُجّ بقوات عربية لمواجهة المقاومة من خلال طرح صِيَغ تحت مظلة الأمم المتحدة، وهذا الأمر تحدَّث عنه وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي؛ حينما أشار إلى تدريب قوة فلسطينية من 5000 عنصر لتثبيت السلطة الفلسطينية في غزة، لكن ما يجري هو محاولة مصرية واضحة المعالم تشبه إلى حد كبير التجربة المصرية في شرق ليبيا، وهي القضاء على أيّ مقاومة في غزة، وحُكمها بطريقة غير مباشرة من خلال دوائر استخباراتية تُدير المصالح الاقتصادية المصرية فيها، مثل مشاريع إعادة الإعمار، وحركة المعابر؛ باعتبارها مصدرًا من مصادر الدخل القومي المصري، وهي بذلك تساهم في تحقيق المخطط الصهيوني القديم القاضي بإلحاق غزة للسيطرة المصرية.

إن مناقشة بنود الإعلان المتنوعة التي ركَّزت في جميع تفصيلاتها على مسار واحد يضمن القضاء على أيّ مقاومة مسلحة للشعب الفلسطيني، وإخضاعه من خلال تلك البنود التي تُحفّز إيجاد شرعية دولية لتحرُّكات صهيونية غير مباشرة؛ هدفها صَرْف النظر عن الجرائم التي تَرتكبها آلة الحرب في قطاع غزة والضفة المحتلة، وتقويض أيّ فرصة لوجود كيان فلسطيني يُمثّل بصورة شرعية الفلسطينيين، بالتزامن مع الوضع الهشّ لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك القيادة السياسية والعسكرية الصهيونية التي قد تنجرّ لحروبٍ مفتوحةٍ في سوريا وجنوب لبنان، لا سيما وأن القيادة السورية الجديدة ترفض مشروع التقسيم الذي يقوده «توم باراك»، وكذلك يرفض حزب الله مشروع نزع السلاح ويهدد بتأجيج الصراع من جديد.

 

أعلى