• - الموافق2025/04/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الكُتب المعزوَّة  إلى غير مُصنّفيها  (2-2)

يرى يوسف داغر أن الأسباب التي دعت الأدباء والكتاب المحدثين، إلى التستر وراء هذه الأسماء المستعارة، تختلف عن تلك التي اعتصم بها الأدباء والشعراء القدامى، فقد يكون الباعث لدى الكاتب للتستر خلف تلك الأسماء المستعارة، مصلحة مادية صِرْفة، وقد يعمد الكاتب إلى ا


سبق في العدد الماضي ذِكْر بعض الأسباب التي أدَّت إلى وقوع الخطأ في نسبة بعض المُؤلَّفات لغير أصحابها، ونكمل في هذا العدد، فنقول وبالله تعالى التوفيق:

السبب الرابع: الخوف على النفس من الأذى

بسبب انتشار مذهب بدعي أو يكون لبعض أهل البدع حظوة ومكانة لدى السلطان أو تسود طائفة حاكمة، ومن ذلك ما وقع لعبدالودود يوسف، وهو أحد علماء حمص، حينما ألَّف كتابًا مشهورًا عنوانه: (قادة الغرب يقولون: دمِّروا الإسلام أَبِيدُوا أهله)، وقد نشره باسم جلال عالم[1].

كما ألَّف الشيخ محمد المجذوب كتابًا سماه (الإسلام في مواجهة الباطنية)، ولكن طبعه باسم مستعار وهو (أبو الهيثم)، والذي دفَعه إلى ذلك أنه تحدَّث فيه عن النصيرية في سوريا، منذ وصولهم إلى الحكم في السبعينيات الميلادية، ومما يُميِّز بحثه أنه لم يعتمد على ما كتبه السابقون عن هذه الفِرْقة، بل استوفى حقيقتها من واقعها والتطورات التي طرأت عليها، وهي حصيلة جهد ربع قرن، استقى معلوماته عن النصيرية من مصادرها الحية؛ كالمخطوطات، وأفواه الشباب الذين تحرّروا من أغلال الأوهام، وآخرين يكتمون إيمانهم ويترقَّبون أجَل إعلانهم مفارقتهم لها[2].

وقد ذكَر مُحبّ الدين الخطيب أن الشيخ أمين الحلواني ألَّف كتابًا بعنوان: (السيول المغرقة على الصواعق المحرقة)، ردًّا على أحمد أسعد المدني، وهو من المنتمين إلى طريقة الشيخ أبي الهدى الصيادي[3]، ولم يُصرِّح باسمه، ولكن انتحل اسمًا مستعارًا وهو عبدالباسط المنوفي[4].

وهناك كتاب الخافي والبادي في فضائح الصيادي، كُتب باسم مستعار وهو نديم حويمل الكندي، وهو في الحقيقة لولي الدين يكن، الذي كان يُعدّ من أشد أعداء الصيادي؛ ونتيجة لهذه الرسالة نُفِيَ إلى الأناضول، وزُجَّ به في السجن من دون محاكمة، ثم نُفِيَ الى سيواس، واستمر ولي الدين يكن فيها منفيًا سبع سنوات، وظل حتى أعلن الدستور العثماني 1908م، وأفرج عن جميع السجناء والمنفيين[5].

ومن الطرائف أن الصيادي اشتهر بوضع الكتب ونسبتها لبعض المتقدمين، أو ينسبها لشخص لا حقيقة ولا وجود له؛ قال الشيخ محمد راغب الطباخ: «طبع عدة كتب ونسبها لبعض المتقدمين، ولشيخه الشيخ مهدي الرّواس الذي لا وجود له إلا في مخيلته»[6]، ومن ذلك كتاب غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلية، الذي وضعه أبو الهدى الصيادي، ونسبه لتاج الدين بن محمد بن حمزة الحسيني نقيب حلب[7]، وأحيانًا ينتحل اسمًا ويضع له مُؤلِّفًا، قال الشيخ جمال الدين القاسمي: «والقرماني اسم بلا مسمى، انتحله الصيادي، وعزا له كتابًا كان لفَّقه على عادته، عليه ما يستحق في الافتراء والاختلاق»[8].

وتحدَّث محمود شكري الألوسي[9] في أحد كتبه، عمَّا نسبه الصيادي لأحمد الرفاعي من أنه ألَّف كتابًا بعنوان (البرهان المؤيد)، فقال: «ولكن الذي نسب هذا الكتاب إليه، دجال العصر شيخ الضلال منبع الكذب والافتراء، وكم له من مثل هذه المكايد والدسائس... وكم قد انتحل له كتابًا وافترى له دعاوى باطلة... ودجال العصر نسب إليه وإلى أصحابه كثيرًا من الكتب المشحونة بالكذب وقول الزور»[10].

كما أن كتاب (غاية الأماني في الرد على النبهاني)، هو في الحقيقة لمحمود شكري الألوسي، ولكنه طبع في سنة 1327هـ باسم غير صريح، هو أبو المعالي الحسيني السلامي الشافعي، لتجنُّب المناوئين لدعوته الإصلاحية، وتأليب دولة الخلافة العثمانية عليه، والاسم صحيح غير أنه لم يكن يشتهر به، فأبو المعالي كنيته، والسلامي نسبة إلى مدينته بغداد دار السلام. قال رشيد رضا في تقريظه لهذا الكتاب: «كتاب مُؤلّف من سفرين كبيرين، لأحد علماء العراق المكنى بأبي المعالي الحسيني السلامي الشافعي، ردّ فيهما ما جاء به النبهاني من الجهالات والنقول الكاذبة، والآراء السخيفة والدلائل المقلوبة، في جواز الاستغاثة بغير الله تعالى، وما تعدَّى به طَوْره من سبّ أئمة العلم وأنصار السُّنة، كشيخ الاسلام ابن تيمية»[11].

الخامس: الكذب والاختلاق

تتعدد دوافع الكذب والاختلاق، في تأليف الكتب ونسبتها لغير مؤلفيها، فقد تكون عائدة لأهداف شخصية دنيوية صرفة، وقد يكون ذلك لتحقيق أهداف عقدية، بنشر باطل وترويجه أو تشويه بعض الدعوات الإصلاحية.

ومن أشهر القدماء الذين اشتهروا بالسطو على مؤلفات الآخرين؛ متخذين ذلك مهنة لهم ومصدر كَسْب: يحيى بن أبي طي حميد الطائي أبو الفضل البخاري الحلبي[12]، قال عنه ابن حجر: «وتشاغل بالتصنيف فاتخذ رزقه منه، قال ياقوت: كان يدّعي العلم والأدب والفقه والأصول على مذهب الإمامية، وجعل التأليف حانوته، ومنه قُوته وكسبه، ولكنه كان يقطع الطريق على تصانيف الناس؛ بأخذ الكتاب الذي أتعب جامعه خاطره فيه؛ فينسخه كما هو، إلا أنه يُقدّم فيه ويُؤخِّر، ويزيد وينقص، ويكتب كتابة فائقة لمن يُشبّه عليه، ورُزِقَ من ذلك حظًّا»[13].  

وهذا النوع يمكن تقسيمه إلى قسمين؛ قسم دنيوي أو أهداف شخصية، بينما الآخر هو قسم ديني متعلق ببعض الجوانب والأغراض العقدية.

1- الأهداف الشخصية:

ونعني بها أن هناك كتبًا ومؤلفات نُسِبَت لغير مصنّفيها، ولا نعلم الغاية والهدف من هذا الفعل على وجه التحديد؛ إذ لم يتضح من خلال محتوى الكتاب، أن ذلك لترويج بدعة أو نشر مذهب، ولكن يظهر أن ذلك جاء ضمن الأغراض الدنيوية المتنوعة، ولهذا أطلقت عليه الأهداف الشخصية.

ومن أمثلة ذلك: الكتابان المنسوبان إلى ابن سيرين وهما: تعبير الرؤيا ومنتخب الكلام في تفسير الأحلام؛ حيث يرى الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان، أنهما ليس من تأليفه على الرغم من شهرته وكثرة طبعاته.

واستدل على ذلك ببعض الأمور، منها: أنه لم يذكر أحد من المؤلفين خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، أن ابن سيرين ألَّف كتابًا في أيّ عِلْم من العلوم، فضلًا عن التعبير، وكان ابن النديم صاحب الفهرست هو أول مَن نسب إليه كتاب تعبير الرؤيا، بعد أن سرد الكتب المُؤلَّفة في تعبير الرؤيا، ويُردّ على هذا أن ابن النديم كان وَرّاقًا، وهمّه سرد أسماء الكتب المؤلفين لا أن يُحقّق ويُدقّق.

كما أن إلقاء نظرة عابرة على كتاب تعبير المنام، المتداول في أيدي الناس منسوبًا إلى ابن سيرين، تُوضّح أن روح التأليف وشواهد المؤلف ونسَقه وتعبيره، لا تنتمي للقرن الأول الهجري؛ أي عصر ابن سيرين[14].

وكذلك فإن بعض العلماء والمحققين والمستشرقين، كانت عباراتهم تدل على التشكيك في صحة نسبة هذه المؤلفات لابن سيرين، فنجد أن ابن خلدون يتحدث في مقدمته عن عِلْم تعبير الرؤيا، ثم يختم بقوله: «ولم يزل هذا العلم متناقلًا بين السلف، وكان محمد بن سيرين فيه من أشهر العلماء، وكُتبت عنه في ذلك قوانين، وتناقلها الناس لهذا العهد، وألَّف الكرماني فيه من بعده»[15].

وأما فؤاد سزكين فيقول: «وكان ابن سيرين حجة في تفسير الأحلام، غير أننا لا نعلم ما إذا كان قد ألَّف في تفسير الأحلام رسالة أو رسائل، أم لا»[16].

وأما المستشرق كارل بروكلمان فيذكر بعض مؤلفات الإمام ابن سيرين، ويقول: «نُسِبَ له كتاب في تعبير الأحلام، بعنوان (الجامع)، ثم يقول: ويُنْسَب له (منتخب الكلام في تفسير الأحلام)، ويذكر أن المؤلف المسمى (تعبير الرؤيا) هو اختصار له، ثم يقول أيضًا: ويُنسَب إليه كتاب (الإشارة في علم العبارة أو الإشارات في تفسير المنامات)»[17].

 وهناك كتاب (تنبيه الملوك والمكايد) المنسوب إلى الجاحظ، وهذا الكتاب زَيْف لا ريب فيه؛ إذ حُشِدَت فيه أخبار تالية لعصر المؤلّف، وتجد في أبوابه باب (نكت من مكايد كافور الإخشيدي) و(مكيدة توزون بالمتقي لله)، وقد تُوفِّي الجاحظ قبلهما بعشرات السنين، وأعجب من ذلك مقدمته التي لا يصح أن تنتمي إلى قلم الجاحظ[18].

كما ذكر الشيخ أحمد شاكر أن من الكتب المنسوبة قصدًا للنفاق، كتابًا يسمى (الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن وعلم البيان)، ونسب إلى الإمام ابن القيم، فقال عنه: «وهو كتاب لا بأس به، فيه فوائد أدبية ونكت بلاغية، فصيح العبارة، ويظهر أن مؤلّفه كان من الكتاب المنشئين لا العلماء المحققين، أمثال إمامنا ابن القيم، فإن في بعض المسائل تحقيقات واختيارات سخيفة»[19].

2-الأهداف العقدية:

ومن الكتب الدخيلة التي وُضِعَت قصدًا: كتاب سرّ العالمين؛ حيث يقول عنه أبو الأشبال: ألَّفه أحد الزنادقة من الفِرَق الباطنية، ونحَله حجة الإسلام أبا حامد الغزالي، فأدخَل فيه كثيرًا من عقائد الباطنية، التي كان الغزالي من أكثر العلماء عداءً لمعتقديها والرد عليهم، كما أدخَل فيه كثيرًا من علوم السحر، ومما استدل عليه بأن الكتاب منحول على الغزالي، تلك العبارة التي ذكرت فيه وفضحت مؤلفه، حينما قال: «أنشدني المعري لنفسه وأنا شابّ»، وهذا كذب فاضح؛ فالمعري توفي قبل أن يُولَد الغزالي بسنوات[20].

كما نُسِبَ إلى الإمام ابن قتيبة الدينوري، كتاب الإمامة والسياسة، والكتاب ليس من مؤلفاته، وقد شُحِنَ بالقدح العظيم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول الدكتور علي العلياني: «وبعد قراءتي لكتاب الإمامة والسياسة قراءة فاحصة؛ ترجَّح عندي أن مُؤلّف الإمامة والسياسة رافضي خبيث، أراد إدماج هذا الكتاب في كتب ابن قتيبة؛ نظرًا لكثرتها، ونظرًا لكونه معروفًا عند الناس بانتصاره لأهل الحديث. وقد يكون من رافضة المغرب؛ فإن ابن قتيبة له سُمعة حسنة في المغرب، بل إن أهل المغرب يُغلون فيه؛ حتى إنهم قالوا: مَن ليس في بيته شيء من تصانيف ابن قتيبة فلا خير فيه. ومن يطعن في ابن قتيبة عندهم يتَّهمونه بالزندقة، فاستغل أحد الروافض اسم ابن قتيبة اللامع في تلك المنطقة، ووضع عليه تخريفاته لتَروج عند مَن لا علم له»[21].

ومن الكتب التي اشتهرت في الإساءة إلى دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب، كتاب بعنوان (مذكرات مستر همفر)، وهو كتاب يُنسَب لكاتب إنجليزي وصف بأنه جاسوس بريطاني، وترجمه للعربية شخص مجهول رمز له (ح.خ)، وكان محور الكتاب يدور حول أن الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- صنيعة الاستعمار البريطاني. ولكن الأستاذ أحمد الكاتب يرى أن هذا الكتاب ألَّفه محمد بن مهدي الشيرازي، الذي تنتسب له المدرسة الشيرازية الإمامية الإثني عشرية[22]؛ وحيث إن الكاتب كان من تلاميذ الشيرازي سابقًا، فهو يحدثنا عن مبررات هذا الرأي، ويقول: إنه بحث في بريطانيا عن هذا الكاتب المزعوم، فلم يعثر على اسم (همفر)، والموجود هو اسم (هنفر)، كما أن الكاتب غير معروف وهو مجهول العين والحال، ولا تُعرف اسم دار النشر ولا المطبعة التي طبعت الكتاب، كما أنه مطبوع في إيران، ثم إنه قرأ الكتاب في لبنان سنة 1976م؛ فوجد أن أفكار الشيرازي متمحورة في الكتاب، ثم زار الشيرازي في الكويت قبيل الثورة الإيرانية، وقال للشيرازي: مبروك الكتاب الجديد -يقصد مذكرات همفر-؛ فتبسم الشيرازي ولم يُجِب بنفي أو إثبات، ثم بعد الثورة الإيرانية انتقل أحمد الكاتب إلى إيران؛ فوجد نُسخًا كثيرة لهذا الكتاب في بيت صهر الشيرازي، وهذا كله يراه من الشواهد والقرائن التي تثبت أن هذا الكتاب من تأليف محمد الشيرازي[23]، ثم إن عادل اللباد وهو من المنتمين للتيار الشيرازي، يقول: إنهم زاروا الشيرازي فوزع عليهم مؤلفاته ومذكرات مستر همفر[24].

 وحتى لو لم تصح نسبته للشيرازي، فإن الكتاب مُختلَق، والكاتب شخصية غير حقيقية ولا أثر لها، كما أن هناك مَن طعن في مضمون صحة ما في الكتاب وأثبت تناقضاته[25].

السادس: الأسماء المستعارة

اشتهرت ظاهرة الأسماء المستعارة لدى الكُتّاب، وقد يتخذ أحدهم اسمًا مستعارًا فيكون كاللقب له أو مثل التوقيع، كما قد يتخذ الكاتب أكثر من اسم مستعار، فعلى سبيل المثال كان الشاعر إلياس أبو شبكة، له أكثر من خمسة أسماء مستعارة، كما كان لمنير الحسامي وهو أحد الكتاب اللبنانيين 15 اسمًا مستعارًا، ولعل أكثر الكتاب العرب استعمالًا للأسماء المستعارة، كان الأديب المشهور أنستاس ماري الكرملي، فقد أوصلها المحقق كوركيس عواد إلى 39 اسمًا مستعارًا[26].

كان المستشرق الفرنسي جان أرتوركي، من أعضاء المجمع العلمي العربي، وعُيِّن مترجمًا لبعض القنصليات في دمشق وطرابلس الغرب، ثم قنصلًا في طرابلس الغرب وإزمير وزنجبار، كما عمل في تحرير دائرة المعارف، ونشر بالعربية كتاب الأشربة لابن قتيبة، وله مقالات باللغة العربية كان يُذيلها باسم مستعار، وهو (الشيخ يحيى الدبقي)[27].

 وصموئيل بن أنطونيوس بن جرجس ينّي، من أهل طرابلس الشام، وُلِدَ وتُوفِّي فيها، له كتابات في مجلات المقتطف والهلال والجامعة والمباحث، كما ترجم للعربية كتابًا عن اللغة الفرنسية بعنوان (التمدن الحديث)، وجعل له اسمًا مستعارًا (الكاتب المحجوب)[28].

كما كان هناك عدد من المستشرقين الذين تخفوا خلف ألقاب وتواقيع، ومنها: الشيخ عبدالولي وهو لقب للمستشرق الفنلندي جورج أوغست والين، والشيخ محمد الطويل وهو توقيع للمستشرق بيتر شولتز، زوج المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه، والشيخ بركات وهو لقب للمستشرق والرحالة السويسري أوهان لودمنيغ، والشيخ بعيث الخضري، وهو اسم مستعار للأب أنستاس ماري الكرملي[29].

أسباب ودوافع الأسماء المستعارة

يرى يوسف داغر أن الأسباب التي دعت الأدباء والكتاب المحدثين، إلى التستر وراء هذه الأسماء المستعارة، تختلف عن تلك التي اعتصم بها الأدباء والشعراء القدامى، فقد يكون الباعث لدى الكاتب للتستر خلف تلك الأسماء المستعارة، مصلحة مادية صِرْفة، وقد يعمد الكاتب إلى التستر باسم مستعار بسبب الحشمة والأدب، أو بدافع الظلم والحقد، أو تماشيًا مع الزّيّ أو العُرْف السائد.

وقد يكون الداعي إلى ذلك طبيعة المركز الاجتماعي، والمكانة والوجاهة والمنزلة المرموقة، فيكون من الوجهاء أو رجال القضاء، أو يكون سيدًا في قومه، فيتحرّر من الاسم، حتى يكون أدعى في التعبير عما يجول في خاطره من آراء وأفكار، أو قد يأنف النزول إلى مصافّ الكَتَبة وزُمْرة الروائيين، فيتنكر باسم مستعار؛ إذ مهنة الكتابة حرفة ينظر إليها القوم بإشفاق، وأحيانًا يكتب المقال في الجريدة أو المجلة ولا يُذيَّل باسم أو توقيع، اعتمادًا على البداهة التلقائية لدى القارئ، فيعرف أن هذه المقالات تُكتَب بقلم رئيس التحرير[30]

من تاريخ الأسماء المستعارة:

ذكر أحمد أمين في كتابه الشهير فيض الخاطر، لونًا طريفًا له تاريخ لطيف، وكان هذا الحدث من سنة 1857م إلى سنة 1863م، فقد كان في القاهرة شابان موسران، وهما أديبان طريفان يقرآن كثيرًا من كتب الأدب، ولهما معرفة دقيقة بالشعراء، هما إبراهيم أفندي طاهر، وعبدالحميد بك نافع، فخطر لهما أن يستعرضا الأدباء والعلماء في عصرهما، ويجعلا لكل واحد منهم لقبًا يناسبه ويوافق حاله من ألقاب الأدباء القدامى.

و«كان في القاهرة علي أغا الترجمان، وكان عينًا من الأعيان، فيه جلال ووقار، بعمامة نظيفة وشيبة طريفة فسمياه القاضي الفاضل، وكان عبدالله باشا فكري، أديبًا طريفًا رقيق اللفظ عذب العبارة، سهلًا في طباعه، يرسل الحديث على سجيته، والنكتة على فطرته، فسمياه ابن سهل، وكان له صديق اسمه عبد الغني بك فكري، ضخم كبير الرأس فسمياه الأخطل.

وعرض عليهما محمود صفوت الساعاتي، الشاعر المشهور، وكان نحيفًا قصيرًا كثير اللفتات، فسمياه ديك الجن... وكان الشيخ إبراهيم الدسوقي، الأديب المصحح في مطبعة بولاق، طويل القامة قوي البنية، كبير الهامة كثير الفكاهة حلو السمر... وله ضحكة عالية تُسمع من آخر الشارع، فسمياه مهيار الديلمي، والشيخ محمد قطة العدوي، أحد علماء الأزهر، وكبير مصحّحي المطبعة الأميرية، كان إذا درس تمايل يمينًا وشمالًا... فسمياه أبو شادوف.

والسيد علي أبو النصر والشيخ علي الليثي، كانا نديمي الخديوي إسماعيل، وكانا معروفين بالطرف والتنادر، كان أبو النصر طويلًا جدًّا فسمياه ابن العماد، وسمّيا الشيخ علي الليثي أبا دلامة؛ إذ كان فَكِهًا مُضْحِكًا كما كان أبو دلامة للرشيد، وكان إبراهيم مرزوق أبِيّ النفس، شجاعًا جريئًا في قول الحق، حتى نُفِيَ إلى الخرطوم ومات بها، وكان شاعرًا قويًّا فسمياه أبا فراس، ومحمود سامي البارودي، كان أيام هذه التسمية جميل المنظر، لطيف القدّ، فسمياه ابن رشيق... والشيخ حسين المرصفي، كان كفيفًا نحيفًا يُتَّهم بالزندقة، فلقَّباه أبا العلاء المعري، ونسيبه الشيخ زين المرصفي، كان قليل الكلام، فسمّياه ابن السكيت... ولما فرغا من منح الألقاب، طلب كل واحد منهما من صاحبه أن يُلقِّبه، فلقب إبراهيم أفندي طاهر بالشاب الظريف، وعبدالحميد بك نافع بالصاحب ابن عباد»[31].

الخاتمة:

وبعد، فهذا الموضوع من الموضوعات المشوّقة، وله جوانب متعددة، ويحتوي على فوائد وطرائف، وفي ظني أنه جدير بأن يكون عنوانًا لإحدى الرسائل العلمية في الماجستير أو الدكتوراه، أسأل الله أن يُقيِّض له مَن يكتب فيه، ويُثري الساحة الثقافية بهذا الموضوع.

 


 


[1] انظر: أسماء المستعارة، عبدالحكيم أنيس، موقع الألوكة، على الرابط: https://www.alukah.net/culture/0/103554 ، نقلًا عن علماء دمشق وأعيانها في القرن الخامس عشر الهجري، نزار أباظة، (ص76).

[2] انظر: الإسلام في مواجهة الباطنية، محمد المجذوب، (5-6).

[3] أبو الهدى محمد بن حسن الصيادي، من كبار دعاة الطرق الصوفية وهي الطريقة الرفاعية، كان من أحظى ندماء الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد الثاني وأخص جلسائه، وكان له من سعة النفوذ ومضاء الكلمة والجاه العريض الذي لم يحصله غيره، توفي سنة 1327ه. انظر: جناية الصيادي على التاريخ، عبد الرحمن الشايع، (6، 11).

[4] انظر: مقدمة مختصر مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داوود، عثمان بن سند الوائلي، (ص «كب»).

[5] انظر: ديوان ولي الدين، (6-7)، الموسوعة العربية، على الرابط:

 https://arab-ency.com.sy/details/13896  

[6] إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، محمد راغب الطباخ، (7/331).

[7] معجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف سركيس، الاستدراك آخر المجلد الثاني، (2-3).

[8] الرسائل المتبادلة بين القاسمي والألوسي، (ص102).

[9] في عام 1307ه وحينما كان الشيخ في عمر الثلاثين، فاز بجائزة (أسكار الثاني)، ملك دولة السويد والنرويج، حينما أعلن عن جائزة لمن يكتب مؤلفًا عن تاريخ العرب قبل الإسلام، وكان عنوان كتابه (بلوغ الأرب في أحوال العرب). انظر: محمود شكري الألوسي وآراؤه اللغوية، محمد بهجت الأثري، (62-73).

[10] غاية الأماني في الرد على النبهاني، محمود الألوسي، (2/341-342).

[11] مجلة المنار، (12/785).

[12] انظر: كتب حذر منها العلماء، مشهور آل سلمان، (2/375).

[13] انظر: لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، (6/263).

[14] انظر: كتب حذر منها العلماء، مشهور آل سلمان، (2/275-283).

[15] مقدمة ابن خلدون، (ص441).

[16] تاريخ التراث العربي، فؤاد سزكين، (4/97).

[17] انظر: تاريخ الأدب العربي، كارل بروكلمان، (1/225-226).

[18] انظر: تحقيق النصوص ونشرها، عبدالسلام هارون، (ص46).

[19] الكتب المعزوة إلى غبر مؤلفيها، أبو الأشبال، مجلة المنار، مجلد (19)، الجزء (1-2)، الصفحات (ص121).

[20] الكتب المعزوة إلى غبر مؤلفيها، أبو الأشبال، مجلة المنار، مجلد (19)، الجزء (1-2)، الصفحات (ص120).

[21] عقيدة الإمام ابن قتيبة، عليّ العلياني، (ص90)، يقول العلياني: إن الأستاذ عبدالله عسيلان أثبت بطلان نسبة الكتاب لابن قتيبة من اثني عشر وجهًا، وذلك من خلال مقال كتبه في مجلة كلية اللغة العربية بالرياض، لخَّصها في كتابه، انظر المرجع السابق، (ص88)، كما جزم ببطلان هذه النسبة كثير من المؤلفين والمحققين، مثل: محب الدين الخطيب، وثروت عكاشة، وعبدالحليم عويس، وسيدة إسماعيل الكاشف، وأحمد صقر، انظر: كتب حذر منها العلماء، مشهور حسن آل سلمان، (2/298-301).

[22] للاستزادة حول هذه المدرسة أو التيار الشيرازي، يُراجَع كتابي: (الشيرازية الإمامية: عرضًا ونقدًا).

[23] من هو مؤلف (مذكرات مستر همفر)؟، أحمد الكاتب، على الرابط:

 https://www.youtube.com/watch?v=igfQxcC2vYc.

 [24] انظر: الانقلاب، عادل اللباد، (ص172).

[25] انظر: مذكرات (همفر) في الميزان، مالك بن حسين، مجلة الراصد، على الرابط:

 https://www.alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no =5597.

[26] انظر: معجم الأسماء المستعارة وأصحابها، يوسف داغر، (14-15).

[27] انظر: الأعلام، الزركلي، (2/107)، معجم الأدباء، كامل الجبوري، (2/10).

[28] انظر: الأعلام، الزركلي، (3/209).

[29] انظر: معجم الأسماء المستعارة وأصحابها، يوسف أسعد داغر، (174-175).

[30] انظر: معجم الأسماء المستعارة وأصحابها، يوسف داغر، (19-21).

[31] فيض الخاطر، أحمد أمين، (6/231-233).

 

 


أعلى