• - الموافق2025/01/31م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أهم أهلة العام

استوجب صوم شهر رمضان العناية بأنواع من الأهلة، وهي هلال شعبان -لارتباطه بأول شهر رمضان- وهلال الشك. ويوم الشك هو اليوم التالي للتاسع والعشرين من شعبان، ويقع فيه الشك؛ لأنه إما يكون مُكمِّلاً لشهر شعبان ثلاثين يومًا، وإما أن يكون أول أيام رمضان


في رمضان لا صوم ولا صبر ولا أجر إلا برؤية الهلال. والهلال عند العرب ليس مهمًّا فقط في تحديد بداية شهر الصوم (الحبس) فقط، وإنما لتحديد بداية كل الشهور.

فالهلال لغة: غرة القمر حين يهلّه الناس في غرة الشهر.

وأهل الرجل: نظر إلى الهلال، وأهللنا هلال شهر كذا. واستهللناه: رأيناه، وأهللنا الشهر واستهللناه: رأينا هلاله. وأهل الشهر واستهل: ظهر هلاله وتبيَّن. وسُمِّي الهلال هلالًا لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه، وفي حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن ناسًا قالوا له: «إنا بين الجبال لا نهل هلالًا إذا أهله الناس»؛ أي: لا نُبصره إذا أبصره الناس لأجل الجبال.

أما عن التوقيت الذي يُسمَّى فيه الهلال بهذا الاسم؛ فقد أورد ابن منظور في اللسان: «وقيل يسمى هلالًا لليلتين من الشهر، ثم لا يُسمَّى به، إلى أن يعود في الشهر التالي، وقيل يسمى به ثلاث ليال، ثم يسمَّى قمرًا، وقيل يُسمَّى هلالًا إلى أن يبهر ضوؤه سواد الليل، وهذا لا يكون إلّا في الليلة السابعة».

والثابت أن القمر يُسمَّى هلالًا في أول ليلتين من الشهر، وفي آخر ليلتين من الشهر، ويسمى ما بين ذلك قمرًا.

ويتعيَّن لبَدْء الشهر الهجري شرطان:

الأول: أن يُولَد الهلال الجديد بحدوث الاقتران؛ (والاقتران هو وقوع كلٍّ من الأرض والقمر والشمس على خط واحد تقريبًا، والشهر الهجري هو الفترة الزمنية بين اقترانين متتاليين، ويحدث كل 29.5 يوم، ولذا فإن طول الشهر القمري يكون إما 29 أو 30 يومًا).

الثاني: أن يمكث الهلال الجديد فوق الأفق بعد غروب الشمس؛ بحيث يمكن رصده. فإذا تحقق الشرطان يكون اليوم التالي هو بداية الشهر الهجري الجديد.

وعلى هذا، فالهلال: غرة القمر، أو أول ما يُرَى من القمر ليلةَ يهلّ. وعند أهل الهيئة: الهِلال ما يُرى من القمر أوَّل ليلة. وعند غيرهم يسمى هلالًا لليلتين من أول الشهر، أو إلى ثلاث، أو إلى سبعٍ، أو لليلتين من آخر الشهر. وفي الحديث الشريف: «فإذا أهل هلال ذِي الحجة». والجمع: أَهلة -على القياس-، وأهاليل: وهي نادرة.

والأهلة مذكورة في القرآن الكريم، قال الله -عز وجل-: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189]؛ وقد رأى المفسرون أن هذه مواقيت للناس لتحديد مواعيد صومهم وفِطْرهم وحجّهم، وهو رأي يقصر هذه المواقيت على المسلمين فقط، رغم أن الآية أضافت المواقيت إلى عموم الناس، وقد فطن إلى ذلك أبو عبد الله القرطبي (ت: 671هـ)؛ حيث قال: إن «وجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه هو زوال الإشكال في الآجال والمعاملات والأَيْمان والحجّ والعِدَد والصوم والفطر ومدة الحمل والإجارات والأكرية، إلى غير ذلك من مصالح العباد» (تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن ٢/٣٤٢).

والعرب يعرفون الشهر بأنه مدة مسير القمر من حيث يفارق الشمس إلى حين يفارقها مرة أخرى، وبعبارة أخرى هو عود شكل القمر في جهة بعينها إلى شكله الأول، وعلى ذلك فإن الشهر يُعرَف برؤية الهلال.

ورغم أن الأوروبيين، ومعهم أغلب شعوب الأرض في العصر الحديث يُؤرّخون بالشهر الشمسي الاصطلاحي، إلا أنهم في تعريف الشهر يعودون من الناحية التاريخية إلى ارتباطه بالقمر، ففي معجم أكسفورد نجد أن الشهر هو مقياس زمني يُعبِّر عن المسافة التي يقطعها القمر في دورانه حول الأرض مرة واحدة، وقد رأى علماء العرب أن الشهر القمري تسعة وعشرون يومًا ونصف يوم على التقريب، وهذا التحديد قريب من ذلك الذي توصل إليه العلماء الغربيون المحدثون؛ حيث إن مقداره عندهم بالتحديد هو تسعة وعشرون يومًا واثنتا عشرة ساعة وأربع وأربعون دقيقة وثلاث ثوانٍ.

وقد عالَج العرب هذه الكسور في الشهر؛ حيث «عدّوا جملة الشهرين تسعة وخمسين يومًا؛ أحدهما ثلاثون وهو التام، والآخر تسعة وعشرون وهو الناقص»، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذا وهَكَذا. يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وعِشْرِينَ، ومَرَّةً ثَلاثِينَ» (صحيح البخاري: ١٩١٣). وكل اثني عشر شهرًا متتابعة متوالية تساوي سنةً أو عامًا.

ولأن اللغة العربية لغة اشتقاقات واسعة، فمن المفيد أن نذكر بعض معاني الهلال اللغوية، ومنها:

الهلال: الجمل المهزول من ضَرْب أو سَيْر.

الهلال: حديدة يُعرقب بها الصيد.

الهلال: الحية.

الهلال: نصف الرحا، وطرف الرحا إذا انكسر منه.

والإهلال: التلبية، وأهل الإهلال: رفع الصوت، وكل رافع صوته فهو مُهِلّ. 

وعلى هذا: فالهلال هو القمر أول ما يبدو. فإن رؤيته تؤثر في الشهر كله. فإذا رآه أحد هلل، وابتهل إلى الله وقال: «اللهم اجعله شهرًا مباركًا علينا وعلى مَن يتصل بنا».

ولأهمية الهلال في الوجدان العربي والإسلامي أصبح وحدة زخرفية تُنفّذ على العديد من الخامات؛ مثل الجلود، والأخشاب، والأقمشة، والمعادن، والرسوم الجدارية، والورق، وكذا يُستخدم في التطريز وغيره. 

اختلاف المطالع الفلكية للكواكب في العالم الإسلامي

تختلف المطالع الفلكية للكواكب في العالم الإسلامي اختلافًا ظاهرًا؛ خاصةً الشمس والقمر، والفقهاء متفقون علي وجوب مراعاة التوقيت الخاصة بكل بلد، وذلك في العبادات كلها؛ فلا يُصلّي أهل بلد أيّ فرض من الصلوات الخمس بحلول ذلك الوقت في بلد غير بلدهم، بل عليهم أن ينتظروا دخول الوقت شرعًا بحسب مطلع البلد الذي هم مقيمون فيها؛ إلا في بداية الصيام، أو في أول شهر رمضان وفي نهايته؛ فقد أجاز الفقهاء هنا قولاً وعملًا متابعة مَن تثبت رؤية الهلال في بلدهم في أول شهر رمضان وفي نهايته؛ بشرط الاشتراك بينهم في جزء من الليل أو النهار.

وقد حدث هذا في عصر الخلفاء الراشدين؛ فقد صام أهل الحجاز يوم السبت، وصام أهل الشام يوم الجمعة؛ تمسكًا بمطلع كل بلد. ولو كانوا جميعًا قد صاموا يوم الجمعة أو السبت لكان صيامهم صحيحًا؛ لأن التمسك بالمطلع في هذه الفريضة ليس واجبًا كما تقدَّم، وقد نُسِبت هذه الرواية لابن عباس -رضي الله عنهما-.

هلال شهر شعبان

استوجب صوم شهر رمضان العناية بأنواع من الأهلة، وهي هلال شعبان -لارتباطه بأول شهر رمضان- وهلال الشك. ويوم الشك هو اليوم التالي للتاسع والعشرين من شعبان، ويقع فيه الشك؛ لأنه إما يكون مُكمِّلاً لشهر شعبان ثلاثين يومًا، وإما أن يكون أول أيام رمضان. وفي ختام الشهر تكثر العناية بهلال شهر شوال.

وهذه القيمة الدينية للأهلة استتبعت قيمة أدبية أخرى؛ فقد كثر وصف الشعراء للأهلة الثلاثة الأخيرة على مر العصور؛ فهلال شعبان العناية به دينية بحتة، (ولكن في الأشعار الشعبية التي تقصّ أخبار الزناتي خليفة وأبي زيد الهلالي يُوصَف الوجه الجميل بأنه كهلال شعبان، وقد التفت البعض إلى هذا المعنى؛ فثبت لديهم أن هلال شعبان يبدو غاية في الإشراق، بصورةٍ تُميّزه عن سائر الشهور، وتجعله هلال شبعان بلا جدال).

هلال شهر رمضان

أما هلال شهر رمضان فتعتني به الدول الإسلامية وشعوبها عناية فائقة، وترصد مطالعه؛ حتى تتثبت من رؤيته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم  إذا رأى الهِلالَ قال: «هِلالُ خَيرٍ ورُشدٍ، هِلالُ خَيرٍ ورُشدٍ، هِلالُ خَيرٍ ورُشدٍ، آمَنتُ بالذي خَلَقَك ثلاثَ مرّاتٍ، ثُمَّ يقولُ: الحَمدُ للهِ الذي ذهَبَ بشَهرِ كذا، وجاء بشَهرِ كذا. (سنن أبي داود ٥٠٩٢، وحسَّنه الأرناؤوط).

ولمطلع هلال رمضان سِحْر خاصّ دون بقية الشهور؛ حيث يرتقبه الجميع على شوقٍ، وتُجنّد الدول الإسلامية أجهزتها الإعلامية لمتابعة ظهور هذا الوليد الذي يملأ الدنيا بِشْرًا وسعادة، وذلك عملًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ غُبِّيَ علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاثِينَ». (صحيح البخاري: ١٩٠٩).

وهلال رمضان في أغلب أحواله نَحِيل، وبسبب نُحُوله فقد تراه عيون، ويغمّ على عيون أخرى.

يقول ابن حمديس الصقلي:

قلتُ والناسُ يرقبون هلالا

يُشبه الصب في نحافة جسمه

مَن يكن صائمًا فذا رمضان

خط بالنور للورى أول اسمه

وكان الخلفاء والأمراء يخرجون إلى الأماكن العالية مع القضاة والشهود لرؤية هلال رمضان، يقول الأصمعي: «صعدت مع الرشيد -رحمة الله عليه- ننظر هلال رمضان»، وقال السيوطي في «حسن المحاضرة»: «إن أول مَن خرج لرؤية الهلال في مصر القاضي غوث بن سليمان، (المتوفَّى عام 168هـ)، وقيل: إن أول قاضٍ خرج مع الشهود لرؤية الهلال هو -عبد الله بن لهيعة- الذي تولى قضاء مصر سنة 155هـ. عندما خرج بنفسه لرؤية الهلال بفعل اضطراب وقع الناس فيه؛ إذ أكَّد بعضهم رؤية الهلال، والبعض نفاها».

وحافَظ سلاطين المماليك على الاحتفال بليلة رؤية هلال رمضان؛ ففي عام 920هـ، وفي عهد السلطان المملوكي «الأشرف قانصوه الغوري»، خرج جمع كبير من العلماء والوجهاء يتقدمهم قضاة المذاهب الأربعة بالمدرسة المنصورية، وحضر «الزيني بركات بن موسى» المحتسب؛ فلما ثبتت رؤية الهلال، وانفض المجلس ركب المحتسب ومشى أمامه السقاؤون بالقِرَب، وأوقدوا الشموع في الدكاكين وعلقوا المواقد والقناديل على طول الطريق إلى بيت المحتسب».

كما كانت الدولة العثمانية تقوم بتقديم مكافآت كبيرة لأول مَن يرى هلال شهر رمضان المبارك، ويخبر اللجنة العليا بذلك.

ويروي المستشرق الإنجليزي «إدوارد لين» مشاهد رؤية الهلال في مصر عندما زارها سنة 1240هـ؛ فيقول: «إن العادة جرت في مصر ليلة الرؤية أن يسير موكب المحتسب، ومعه أصحاب الحِرَف كالطحانين والخبازين والجزارين تصحبهم فِرَق الإنشاد وجماعة من الجند. وعند سماع خبر الرؤية، يعود بعض الجند إلى القلعة ويطوف الباقون في أحياء القاهرة، وهم ينادون بأعلى أصواتهم: يا أُمَّة خير الأنام.. صيام.. صيام.. صيام».

وقد ظلت عادة الاحتفال بالمواكب منتظمة في مصر حتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، ثم تلاشت تحت وطأة الظروف المختلفة.

واليوم يرصد الهلال في جميع البلدان الإسلامية جماعة من الناس الموثوق بهم، وتُعلن نتيجة الرصد رسميًّا دار الإفتاء عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

وقد رحَّب الشعراء والأدباء برؤية الهلال؛ يقول أمير الشعراء أحمد شوقي مستقبلًا شهر رمضان وهلاله بقصيدة رائعة تحت عنوان -هلال الصيام-، يقول فيها:

يا هلال الصيام مثلك في السَّا

مين للعز من طوى الأفلاكا

مرحبًا بالثواب منك وأهلاً

بليال جمالها لقياكما

كل عالٍ أو كابر أو نبيل

أو وجيه من النجوم فداكا

كيف يبلغن ما بلغت وما حا

ولن شأوا ولا سرين سراكا

أنت مهد الشهور والحسن والإشـ

راق مهد الوجود منذ صباكا

فوق هام الظلام ضوء جبين الـ

كون تاج للكائنات ضياكا

أما الأبيات التالية فتُصوّر ظمأ الملايين إلى هذا الهلال الذي يُعطّر نوره الأرجاء، وكأنه يناديهم إلى رياض السعد:

تبدو وثغرك للأحبة باسِم

كالروض يزكو في الربيع ويسعد

والمسلون عيونهم ظمأى إلى

شلال ضوء في السماء يزغرد

يدعو عباد الله هيا استبشروا

فالسعد لاح وفجره المتورد

ويقول الشاعر أحمد سالم باعطب بعد أن ثبتت رؤية هلال شهر رمضان:

غدًا يهلُّ هِلالُ الصَّوم مؤتلقًا

في موكبٍ مشرقٍ والليلُ يعتكرُ

وقفتُ بين كرام الناس أنتظرُ 

ضيفًا عزيزًا بنور الله يأتزرُ

نغفو ونصحو على ذكرى شمائله

نكادُ نشرق بالذكرى ونَنْفَطِرُ

رأيتُهُ قبلَ عامٍ في مساجدنا

يضيء في راحَتيْهِ الشمسُ والقمرُ

يُهدي مكارمَه للناس تذْكرةً

يُصغي لها السمعُ والإحساسُ والبصَرُ

هلال شوال

هو من أحبّ الأهلة إلى الناس عامّة، وإلى الشعراء خاصةً؛ لأنه يرفع عنهم قيود الصيام، ولأنه يأتي بعيد الفطر الحبيب لديهم.

ومن الطرائف التي تتصل برؤية هلال شوال أن الملك المُعظم الشاعر الأديب عيسى الأيوبي كان قد صعد إلى مئذنة الجامع الأموي في دمشق؛ لاستطلاع هلال شوال، ومعه القاضي والشهود، فلم يَر الهلال أحدٌ منهم، ولكن رأته جارية؛ فقال الملك لابن القصار الشاعر، قُل في ذلك شعرًا؛ فقال ابن القصار:

توارى هلال الأفق عن أعين الورى

وغطّى بستر الغيم زهوًا مُحياه

فلما أتاه لاجتلاء شقيقه

تبدي لهُ دون الأنام فحيّاه

ويقول ابن الرومي:

ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله

تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ

كحاجـب شيخٍ شاب من طُول عمْره

يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـل والشُّـرب

وقال فيه ابن المعتز شاعر بني العباس:    

مرَّ بنا والعيون ترمقه

في قدّ غُصْن وحُسن تمثال

فخِلْتُه والعيون تأخذه

من كل فجّ هلال شوال

وقال ابن المعتز في الترحيب بهلال شهر العيد:

أهلًا بفطر قد أناف هلاله

فالآن فاغْدُ إلى السرور وبَكِّر

وانظر إليه كزروق من فضة

قد أثقلته حمولة من عنبر

وقال الطغرائي:

هذا هلال الفطر قد جاءنا

بمنجل يحصد شهر الصيام

وكل عام أنتم بخير.

 

 

 

  

أعلى