• - الموافق2025/01/31م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إنما يتقبَّل الله من المتقين

وأثرُ عامر بن عبدالله العنبري حريٌّ بتكرار النظر والاعتبار؛ إذ هو تدبُّر واتّعاظ، والمرء في سكرات الموت. وإن لتدبُّر القرآن في تلك اللحظات شأنًا عظيمًا؛ لما عُلم بالتواتر من هول لحظات الاحتضار.


أسند الإمام الطبري في تفسيره إلى عامر بن عبدالله العنبري[1] في قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}  [المائدة: ٢٧]؛ أنه حين حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يُبْكِيك، فقد كنتَ وكنتَ؟ فقال: يُبْكِيني أني أسمَعُ الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} [المائدة: ٢٧][2].

ويُستدل له بقوله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [الحج: 37]. ورُوِيَ في بعض الآثار: «إنَّ الله لا يقبل عمل عبدٍ حتى يَرضى عنه»[3].

وأثرُ عامر بن عبدالله العنبري حريٌّ بتكرار النظر والاعتبار؛ إذ هو تدبُّر واتّعاظ، والمرء في سكرات الموت. وإن لتدبُّر القرآن في تلك اللحظات شأنًا عظيمًا؛ لما عُلم بالتواتر من هول لحظات الاحتضار. وهذا يدلّ على رصيد إيماني كبير، مع تلاوة كتاب الله، والعيش في رحابه؛ فالقوم يعيشون مع القرآن، ويموتون عليه، وقد قال العلماء -رحمهم الله تعالى-: «قد أجرى الكريم عادته بكرمه أنه مَن عاش على شيءٍ مات عليه، ومن مات على شيء بُعِث عليه»[4].

والظن بهذه الحال عند الاحتضار أنها كاشفة عن حاله في حياته؛ فلعل هذه الآية كانت تقضّ مضجعه -رحمه الله تعالى-؛ فلا يبعد أنه فَهم منها ما ذكره الطبري؛ فقال: «وَكَانَتْ قَرَابِينُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أُمَّتِنَا كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فِينَا، غَيْرَ أَنَّ قَرَابِينَهُمْ كَانَ يُعْلَمُ الْمُتَقَبَّلُ مِنْهَا وَغَيْرُ الْمُتَقَبَّلُ فِيمَا ذُكِرَ بِأَكْلِ النَّارِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا وَتَرْكِ النَّارِ مَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهَا. وَالْقُرْبَانُ فِي أُمَّتِنَا: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ: مِنَ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَلَا سَبِيلَ لَهَا إِلَى الْعِلْمِ فِي عَاجِلٍ بِالْمُتَقَبَّلِ مِنْهَا وَالْمَرْدُودِ»[5].

 وتدبُّره، وهو في هذا الحال، يبعث القلب على الاقتداء بمثل أحوالهم -رحمهم الله تعالى-، والحرص على تحصيل شروط قبول العمل الصالح، والخوف من العُجْب وحبوط العمل به. نسأل الله السلامة والعافية.


 


[1] عامر بن عبدالله العنبري، أبو عمرو، من بني تميم، روى عن عمر، وسلمان، وعنه: الحسن، ومحمد بن سيرين، وغيرهم، تُوفّي زمن معاوية. يُنظَر: الطبقات الكبرى، ابن سعد (7/102)، تهذيب التهذيب، ابن حجر (5/77).

[2] تفسير الطبري (8/327-328).

[3] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنّفه، كتاب الزهد، ما ذُكر عن نبينا صلى الله عليه وسلم  في الزهد، رقم (34341)، عن الحسن مرسلاً.

[4] تفسير ابن كثير (2/87).

[5]  تفسير الطبري (8/327).

 

  

أعلى