نص شعري
يقول الدكتور والفيلسوف طه عبد الرحمن في كتابه «ثغور المرابطة»، تنبيهًا على ظُلم قادم عظيم، بدأت ملامحه تتراءَى في الأفق، وتمييزًا لمآسٍ غير مسبوقة تنتظر الأُمَّة والعالَم: «في هذا العالَم الذي فَقَد الحياء، بحيث بات كلّ قويّ فيه يَصنع ما يشاء، لا غَرَابة أن يَلقى الإنسان ألوانًا شتَّى من الأذى، غيرَ أن ما يلقاه الإنسان الفلسطيني -متمثلاً في الإنسان الغَزَّاوي- من أذى الأباعد والأقارب جميعًا ليس له نظيرٌ ولا تقدير، ناهيك عما يُقاسيه من الكيان الشرير الذي أضحى إيذاؤه بلا وصف وحتى بلا اسم، وكأنه الشر المطلق. إذ إن أشكال هذا الإيذاء أكثر من أن نُحصيها واحدًا واحدًا، فلا نَكاد نُحصي ما وُجد فيها في الآن، حتى تفْجَأنا أشكال من بعدها أشكال أخرى لم تكن في الحسبان».
ألا قُم بنا صاحِ نَروِ الثَّرى
خِفافًا سِراعًا دَمًا أحْمَرَ
ونسترخص النفس كَيْ نثأرَ
نَجُود بها في سبيل الإله
فنحيا إذا نحن مِتنا هنا
فما طِيب عيش لنا في الدنا
إذا ما رأيناه قدسًا لنا
على رغمنا يُستباح حماه
أتَلْتَذُّ صاحِ بأكلٍ ونومٍ
وأنت ترى غزة كُلَّ يومٍ
تُدمَّر قصفًا على أيْدِ قومٍ
بُغاة طُغاة جُفاة عُتاه
ألَستَ ترى في دموع اليتامى
ووجه الثَّكالى وعين الأيامى
وقهر الرجال إذا ما تسامى
سبيلاً لِقَوْمَةِ شَعْب كُماة
ألا فَلِخَيْبَر جاء الوعيدْ
فقم يا أُخَيَّ لكي نستعيدْ
مجدًا قديمًا ونِعْمَ التليدْ
ونرفع رأسًا ونُعلي الجباه
فقم يا أُخَيَّ كفى الانبطاحْ
فقد نُكِئَت أُمَّتي بالجِراحْ
فَقَعْقِعْ سيوفًا وسِنَّ السلاحْ
بعزم ونادِ الكفاح الكفاحْ
فإن عُيُوني بدمع تسيلْ
لشيخ أسير وطفل قتيلْ
وبحر دماءٍ كما الأَرْخَبِيلْ
إذا فاضت الروح عند الرواحْ
لا يعفو الله إن نحن خُنَّا
بَني أُمتي أو إنْ نحن هُنَّا
فلا نحن منهم ولا همُ منَّا
ونحن نرى حقهم يُستباحْ
أليست هي النفس ترجو النوالْ
فيأتي لها موتها لا محالْ
فسارِع إلى ميتة في النزالْ
تفز بالجنان ورَوحٍ ورَاحْ
فمن مات منا فَذاكم شهيدْ
ومن لم يمت حَقَّه يستعيدْ
ويمضي يُرَدِّدُ أحلى نشيدْ
فَتَبْرَأ قروحٌ وتُشفَى الجراحْ