• - الموافق2024/10/03م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مذكرات البرقعي  (7-7)

أشار أحد الباحثين الشيعة، إلى ظهور توجُّه يدعو إلى ترسيخ المرجعية القرآنية، في مقابل تغييب النص القرآني في الثقافة الشيعية، ويرى أن أول مُنظِّر للحركة القرآنية الشيعية هو محمد حسن شريعت سنغلجي


موقف البرقعي من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب:

بيَّن البرقعي حقيقة الوهابية، والدعوة التي عُنيت بها، وهل هناك مذهب بهذا الاسم؟ وما الباعث إلى رمي الناس بهذه التهمة؟ فقال: «مع أنه لا يوجد في الدنيا مذهب اسمه الوهابية، وإنما هم لغرض استعداء الناس وتنفيرهم، يدعون أهل الجزيرة والحجاز بالوهابية، مع أن مملكة الحجاز كما أعلم وأعتقد حنابلة.

نعم هم من حيث العقيدة، يسيرون على عقائد عالِم يُدعى محمد بن عبدالوهاب، وهو لم يأتِ بمذهب جديد، وإنما أحيا آراء ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وهذان لم يفعلا شيئًا سوى محاربة الخرافات والبدع، ودعوة الناس إلى الإسلام الأصيل، ودعوة الناس إلى الرجوع إلى القرآن.

نعم هما لم يكونا معصومين، وقد أخطآ بعض الأخطاء، خاصةً في توحيد الذات وتوحيد الصفات، فآراؤهما لا تخلو من إشكال[1]، لكنّ مشايخ إيران ليسوا منطقيين، ولا يتردّدون في اتهام كلّ مَن هدَّد متاجرهم ودكاكينهم، وبيّن بطلان ما عندهم بالبراهين بـ«الوهابية»، حتى يهربوا من الاستدلال على أخطائه والرد على براهينه، مما يدلّ على أنهم لا منطق لهم ولا برهان، سوى ممارسة القوة والسجن والقتل»[2].

لم تكن هذه الاتهامات التي وُجِّهت للبرقعي حالة فردية، بل شمل ذلك بعض علماء الإمامية؛ إذ تعرَّض الخالصي لاتهامات وطعونات باطلة، بسبب مخالفته الإمامية في بعض مسائلهم، ولهذا يرى علاء الدين البصير، أنه يمكن تعميم هذا الحكم على كلّ الشيعة، فقال: «إنه يمكن تعميم هذا الاتهام وهذه الحالة، على كل الشيعة، فما من أحد خرج بفتوى، أو كلمة تخالف مقررات الحوزة، إلا وكان نصيبه كنصيب الخالصي أو أكثر، فلك أن تسمع اتهامات بالجاسوسية، أو الجنون، أو الجنس، أو سرقة الأموال، أو الوهابية، إضافةً إلى رميه بالكفر والسبّ واللعن، وقد تصل إلى حد القتل»[3].

 

القرآنيون الشيعة ودورهم في الحراك الإيراني:

أشار أحد الباحثين الشيعة، إلى ظهور توجُّه يدعو إلى ترسيخ المرجعية القرآنية، في مقابل تغييب النص القرآني في الثقافة الشيعية، ويرى أن أول مُنظِّر للحركة القرآنية الشيعية هو محمد حسن شريعت سنغلجي، الذي يمكن تسميته بمؤسِّس المدرسة السلفية القرآنية الشيعية الحديثة، وقد تأثر بتياره مجموعة من الشيعة، مثل عبدالوهاب فريد التنكابني، ويوسف شعار التبريزي، ومصطفى حسيني طباطبائي، إلا أنه قُوبِلَ بالرفض مِن قِبَل المؤسسة الدينية الرسمية في إيران، وحتى إن الخميني عرَّض به في كتابه كشف الأسرار[4].

كما أطلق البرقعي وصفًا وشعارًا، وهو (الموحدين)، وهذا ينطبق على مَن سار على نهجه، في بيان الحقائق الموافقة للقرآن الكريم، ونبذ الخرافات والبدع، والدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، فيقول أحيانًا: «إن فلانًا من خصومه يُكِنّ عداوة لأحد الموحدين»، ومرة يَذكر أن مسجده أصبح مقرًّا للموحدين[5].

صُنّفت هذه المدرسة التي تُعنَى بالقرآن على ثلاثة أقسام؛ صنف ينتمي إلى الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية الرسمية، مثل: محمد حسن شريعت سنغلجي، وأسد الله القزويني، ومحمد جواد الموسوي الأصفهاني، وإسماعيل آل إسحاق الخوئيني. وصنف ثانٍ قضى فترة من الزمن في الحوزات العلمية مثل أحمد كسروي وأحمد الكاتب. وصنف ثالث لا ينتمي للحوزات العلمية، مثل حيدر علي قلمداران[6].

الانتقال إلى حارة بامدادان:

باع البرقعي منزله في طهران، وكذلك منزل قم، واشترى طابقًا أرضيًّا من بيت مكون من ثلاثة طوابق، أمام وزارة العدل والشؤون الاجتماعية في شارع آزادي في حارة بامدادان، وكان يقيم صلاة الجمعة فيه، كما كان يعقد بعض الدروس فيه، وكان ذلك في سنة 1980م.

جاءه زميل له كان رفيق سفره أيام الحج، وكانت لديه بقالة في شارع تخت جمشيد، الذي عرف لاحقًا باسم شارع طالقاني، وقال له: سأبني لك مسجدًا، فقام وخصَّص أرضًا يملكها، ودعا البرقعي ليضع حجر الأساس للمسجد، وصرف مبلغًا كبيرًا لشراء الحديد والطوب، وغير ذلك من لوازم المسجد؛ فلما علمت حكومة الخميني بالأمر، أرسلت شخصًا ليمنع البناء![7].

 وفي السنة نفسها، حينما كان يقيم البرقعي صلاة الجمعة في منزله، وصف ما قامت به الحكومة تجاهه وتجاه من كان معه، فقال: «أرسل علماء المذهب -الذين يدَّعون الحرية والعدالة-، مجموعة من الشرطة في باص، فحاصروني وأخذوني مع أصحابي وسجنونا مدة شهر، وبعد إطلاق سراحنا من السجن، لم أُقم صلاة الجمعة خوفًا على أصحابي من خطر مدّعي العدالة، ثم أخذوا ما شاءوا من منزلي، وإلى الآن لم يردوها... ولم يمتنعوا عن الظلم والتُّهَم والأذية مهما استطاعوا، ثم أخذوني مرة ثانية إلى السجن، وفعلوا بي مثل فعلتهم الأولى، وتعرَّضت لأنواع التعذيب»[8].

حقيقة محاربة هؤلاء العلماء للضلالة والانحراف:

حينما نستعرض مسيرة هؤلاء المعمَّمين مع البرقعي، ومنابذتهم له بالخصومة والعداء، فهل كان هذا نابعًا من حرصهم على العقيدة الصافية، وتحذيرهم من الضلال والانحراف والخرافة، ويقصدون الوصول إلى الحق واتباعه، أم أن هناك وراء الأكمة ما وراءها؟

 أورد البرقعي حادثة جرت له، قد تساعدنا في الوصول إلى إجابة عن هذا السؤال، فقال: إنه في أوائل سنة 1981م، اقترح شابّ أن تُقام مناظرة بين البرقعي وآية الله عبد الرحيم رباني الشيرازي، وفعلًا ذهب البرقعي إلى منزل الشيرازي، فوجد عنده بعض أفراد الحرس الثوري، وعددًا من مسؤولي الدولة، وقد احتفوا بصاحب المنزل.

 كانت نتيجة المناظرة ظاهرة لدى البرقعي؛ إذ يعلم أن هؤلاء لا يريدون الحق ولا يسعون إليه، ولكن مرادهم هو الإيقاع بالبرقعي، فيناقشونه حتى يذكر بعض علمائهم بسوء، فتكون تهمة يُدَان بها، ويُبْعَد بسببها عن الناس[9].

قال البرقعي: «فدعوت رباني مرارًا ليبين أسباب وأدلة ضلالي (كما يدَّعي)، لعلنا نخرج بفائدة من خلال النقاش العلمي، فكان يتهرَّب، ولا يزيد عن ترديد كلامي، والاستدلال به عليَّ، أنت تقول كذا... أنت تقول كذا، ويصرّ على أن أذكر أسماء العلماء الذين يخالفونني، وأسماء الذين يعتقدون الخرافات.

ولما ألحَّ عليَّ أن أذكر بعض الأسماء، وافقت بشرط أن يذكر السيد رباني بدعةً، وأنا أذكر اسم العالم الذي قال بها، فألح عليَّ مرة ثانية أن أذكر أسماء الذين أحدثوا البدع، ولكن لم يظفر بمراده مني... فقال أخيرًا: «قم يا سيد، واذهب فقد انتهى مجلس نقاشنا»[10]

«وبعد يومين من المناظرة أي يوم الخميس، أتاني شخص كان يكتب المناقشة، فدخل عندي في المنزل، وسأل بعض الأسئلة، وسجَّل إجاباتي في نفس شريط ذلك اليوم»[11]، ومن ذلك هذا الحوار، حينما سأله الشاب فقال: «بَيِّنوا لنا بعض علماء الشيعة الذين أحدثوا البدع؟ البرقعي: من الأمثلة العالم المعروف ملا صدرا الشيرازي، وقد سموا شارعًا باسمه في طهران، هل تعلم أنه ألَّف كتابًا اسمه الأسفار؟! وهل تعرف أن الحاج النوري يقول عن كتابه: كله ضد القرآن؟!

يقرّر ملا صدرا فيه عقيدة وحدة الوجود، ويقول: جميع المخلوقات تجليات لله! ويقول: يتجلى الله في كل شيء حتى الحيوانات! ويقول: كما أن النهر يموج ومَوْجه موجود، كذلك الله أيضًا.

مع أن كلام ملا صدرا باطل... وآيات الله (المراجع) كلهم يعرفون ملا صدرا، وقد درسوا كتابه، ولم أذكر اسم ملا صدرا؛ لأنه كان يبحث عن كلمة، يجعلها سببًا للقبض عليَّ؛ لأنه تتلمذ على ملا صدرا، مع أن ملا صدرا ارتكب أقبح أنواع الكفر، ومعلوم أن لأبي حنيفة أخطاء وللشافعي أخطاء، ولكن أين أخطاؤهم من الباطل الذي أسَّس له ملا صدرا؟! الآن في إيران للملا صدرا محبُّون كثيرون، ولو جاهرت بتضليل ملا صدرا، لعاقبوك وسجنوك، بتهمة المخالفة لعقيدتهم، أو بتهمة انقلاب على الجمهورية، ونحو تلك التُّهَم»[12].

وهنا يقرر البرقعي أن قراءته للمشهد كانت قراءة صحيحة، فهؤلاء هدفهم الإيقاع به، فقال: «لقد كان حدسي صحيحًا، وبمجرد أن جاء صباح اليوم التالي، أي يوم الجمعة... إذا بالشرطة تدخل منزلي، من غير أن يذكروا أيّ سبب، فقاموا بالقبض عليَّ، ثم اقتادوني إلى سجن إيفين، وبقيت في السجن أكثر من شهر»[13].

خاتمة الكتاب:

وفي آخر الكتاب خاطب البرقعي الشباب، فقال: «أملي أيها الشباب ألا تنسوا البرقعي بعد موته، وتذكروا بأنه أحبّكم بصدق، لا تحرموني بعد موتي من صالح دعائكم، فقد كان أمَلي أن أخدمكم، وسوف أودعكم يومًا، فلا تنسوا شيخًا عانَى أشد المعاناة، وامتُحِنَ من أشد الرجال دناءةً؛ لأنه يدافع عن المبادئ، فلم يبقَ طغيان وظلم إلا صبُّوه عليه، ولا تهمة ولا بهتان إلا ألصقوه به! ولكن مهما ضعفت قوتنا في هذه الدنيا أمام الظالم، فإننا وإياه في طريقنا إلى محكمة الله العظمى، وسيقضي الله بيننا وبينه بعدله»[14]

 

خاتمة المقال:

وفي نهاية هذا المقال ينبغي التنبيه على أمر مهم قد يُفهَم على سبيل الخطأ؛ فإننا حينما ندرس شخصية من الشخصيات المهتدية، ونذكر بأنها تركت أو خالفت مذهب الإمامية، لا يعني ذلك بالضرورة، أنه أصبح من أهل السنة والجماعة، أو أنه بتوبته تلك قد ترك جميع المخالفات، التي لدى الشيعة الإمامية[15].

وقد وضَّح ذلك الدكتور خالد البديوي، فقال: «ومن المهم أن يعلم القارئ الكريم، أن الحكم على أحد هذه الشخصيات، بأنه خرج من الإمامية لا يعني بالضرورة، أنه أصبح ينتسب إلى أهل السنة والجماعة، ولا أنه ترك كل ما لدى الشيعة من الأقوال.

 بل قد نجد من تخلَّى عن القول بالإمامة وأصبح من المفضِّلة القائلين بأفضلية عليّ على بقية الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، أو قد يكون ترك القول بالإمامة، ولكنه لا يزال جعفريًّا في الفروع، وقد يكون ترك تكفير الصحابة، ولكنه لا يزال يتبنَّى عدم تعديلهم لمجرد الصحبة، أو لا يزال لديه نظرة تاريخية خاطئة لبعض الأحداث، أو يتبنَّى آراء مشوشة، عن بعض علماء أهل السنة مثلًا، وهكذا»[16].

ويمكن القول بأن البرقعي لم يرجع رجوعًا كاملًا إلى مذهب أهل السنة والجماعة؛ إذ بقيت لديه بعض الشوائب والأخطاء، ومن ذلك أنه أخطأ -رحمه الله تعالى- في باب الصفات، فأوَّل بعضها على طريقة المتكلمين، كما أنكَر ظهور المهدي والمسيح الدجال في آخر الزمان[17].

وقد تحدَّث الدكتور عبدالرحمن المحمود عن حقيقة رجوع البرقعي إلى مذهب أهل السنة والجماعة، واعتذاره عن بعض الأخطاء التي وقع فيها، فقال: «تُمثّل نموذجًا للرجوع الجادّ والصادق -فيما نحسبه ولا نزكي على الله أحدًا-... وإذا كان قد بقي عليه بعض الملاحظات، فعذره في ذلك أنه عاش في إيران، ووجود المدارس السائدة المنتسبة إلى أهل السنة، التي يميل بعضها إلى طريقة المتكلمين، وتأويل بعض الصفات، وهو تأثَّر بها»[18].

يؤكد هذه الحقيقة الشيخ حسين المؤيد، الذي كان شيعيًّا، وكان يُلقَّب بآية الله، ثم رجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فقال: «أنا لما رجعت إلى مذهب أهل السنة، رجعت إلى طريقة السلف، وليس إلى طريقة المتكلمين من الأشعرية ونحوهم، وذكر أن سبب ذلك، رجوعه إلى كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومنها: منهاج السنة، وغيره»[19].

 


 


[1] ونحن نقول: إن البرقعي -رحمه الله- لم يكن كذلك معصومًا، وقد وقع في بعض الأخطاء، ومنها موقفه هذا المتعلق بصفات الله -عز وجل-، ولهذا يراجع في هذه المسألة وغيرها (موقف البرقعي من المسائل العقدية)، من كتاب البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، للدكتور خالد التويجري، (209-333).

[2] سوانح الأيام، البرقعي، (303-304).

[3] أسطورة الشهادة الثالثة في الأذان، علاء الدين البصير، (ص133).

[4] انظر: نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، حيدر حب الله، (612-618).

[5] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (101-102).

[6] انظر: نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، حيدر حب الله، (ص646).

[7] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (ص195).

[8] سوانح الأيام، البرقعي، (ص198).

[9] انظر: سوانح الأيام، البرقعي، (224-225).

[10] سوانح الأيام، البرقعي، (ص225).

[11] سوانح الأيام، البرقعي، (ص228).

[12] سوانح الأيام، البرقعي، (229-230).

[13] سوانح الأيام، البرقعي، (ص231).

[14] سوانح الأيام، البرقعي، (318-319).

[15] انظر: البرقعي وجهوده في الرد على الرافضة، خالد التويجري، (ص51).

[16] أعلام التصحيح والاعتدال، خالد البديوي، (ص61).

[17] انظر: البرقعي، خالد التويجري، (308-332).

[18] البرقعي، خالد التويجري، (ص26).

[19] البرقعي، خالد التويجري، (ص26)، هامش رقم (1).

أعلى