ليست كل البيوت على ما يرام

فالأصل العِشْرة الحسنة قلبًا وقالبًا، فإن تعسَّر الحب واعترضته العوارض، فالأَوْلَى الإمساك والصبر رغم تشوُّش القلب، فإن ذلك يُورث خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة


في الجانب الآخر... بينما ينشد الإنسان دفئه النفسي في زوج يصاحبه ويأوي إليه ويلتئم به في مسكن واحد؛ فإذا بهذا الزوج يصبح الجحيم الذي يتعذب بها صاحبه، وتنقلب به الحياة إلى شقوة ومتاعب.

ليست كل البيوت على ما يرام، وليس كل الأزواج سكنًا ولباسًا. وهذا نوع ابتلاء لا يختلف عن الابتلاء بالأمراض والمصائب إن لم يكن أعظم منها، والمؤمن ينظر إلى ذلك بمنظار القرآن والسنة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه الكرام.

الإيمان والكفر في حجرة واحدة

يحدث ألا يكون الزوجان على درجة متقاربة في التدين والاستقامة، أما أن يكون أحدهما صالحًا والآخر كافرًا، فهذا قليل. لكنَّ القرآن الكريم حدَّثنا عن بيتٍ فيه زوجة تُعدّ من نوادر النساء إيمانًا وعقلاً، وزوج كافر من نوادر الرجال تمرُّدًا على الرسل والشرائع؛ ألا وهو بيت آسية وفرعون، وكيف ابتلى الله -تعالى- آسية بنت مزاحم بزوجها فرعون؟!

قال الله -تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْـجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ} [التحريم: ١١]. قال قتادة: «كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم، فوالله ما ضرَّ امرأتَه كفرُ زوجها حين أطاعت ربها؛ ليعلموا أنَّ الله -تعالى- حَكَم عدل لا يُؤاخِذ أحدًا إلا بذَنْبه»[1].

ثم إن هذا الزوج الكافر؛ حين رأى ثبات زوجته تخلَّى عن علائق المودة والرحمة، وباع المروءة في أقرب مزاد، فأمر بتعذيبها تعذيبًا قاسيًا. قال أبو العالية: «أَطْلع الله فرعون على إيمانها، فقال للملأ: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها، فقال لهم: إنها تعبد غيري. فقالوا له: اقتلها فأوتِدْ لها أوتادًا فشُدَّ يديها ورجليها. فدعت آسية ربها فقالت: رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة»[2].

وربما حدَّث إنسان نفسه يومئذ، فقال: ألا تستحق هذه المرأة أن تكون زوجة لرجل صالح بدلاً من فرعون؟

إنه الابتلاء في الحياة الزوجية؛ صراع الإيمان والكفر في بيت واحد.

ومع ذلك جهدت آسية ألا تنفصل عن بيت الزوجية بطريقةٍ لا تليق بإيمانها ومروءتها، فاختارت التوكل على الله ودعاءه أن يُنجّيها -بما يشاء- من هذا الزوج الكافر، قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْـجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ} [التحريم: ١١].

وعلى خلاف ذلك كانت زوجتا نوح ولوط!

قال الله -تعالى-: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِـحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10]؛ فهذان نبيان عظيمان، ابتلى الله -تعالى- كلاً منهما بزوجة كافرة عنيدة، تجاوز انحرافها إلى عداء دعوته، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تُطْلِعُ على سرّ نوح، فإذا آمَن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها؛ وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطًا أحدٌ خبَّرتْ به أهل المدينة ممن يعمل السوء، فلم يُغنيا عنهما من الله شيئًا»[3]؛ فأي بلاء كان فيه نوح ولوط -عليهما السلام-!

بيوت أنبياء وصالحين، لكنها خالية من دفء الزوجية الذي شعر به النبي صلى الله عليه وسلم  حين نزل عليه الوحي، فرجع إلى خديجة، وهو يرتجف، ويقول: لقد خشيت على نفسي، فتقول له: كلا والله! لا يخزيك الله أبدًا. فليست كل بيوت الأنبياء والصالحين على ما يُرَام.

وقد ابتُليت زينب بنت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  سنين عددًا بكُفْر زوجها، وهاجرت ولا يزال زوجها كافرًا، ثم إنه أسلم مُؤخَّرًا فالتأم البيت والتقى الحبيبان.

ومع ذلك فقد فارَق عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  زوجاتهم؛ حين أبين الإسلام، فهاجروا بدونهن، وهاجرت نساءٌ مسلمات إلى النبي صلى الله عليه وسلم  متخليات عن أزواجهن الكافرين؛ كل ذلك تقديمًا لدين الله -تعالى- وخوفًا على النفس من فتنة العشير.

 الزوجية الخشنة

ومما يحدث في البيوت الزوجية أن تجد زوجين مسلمين قارئين لكتاب الله متمسكين به، لكنهما لا يتوافقان كثيرًا، فيحصل بينهما من المشاحنات والمغاضبات ما يُورث بينهما النفور والكراهية.

وقد يعود ذلك لتسلُّط الشيطان على أحدهما أو كليهما، وقد يعود إلى التنافر الطبيعي بين نمطي شخصيتهما دون بذل أسباب التوافق، وقد يكون لضعفهما في التواصل وحُسْن العِشْرة.

وحين يحدث هذا في البيوت، فإن السكن القلبي يضعف، وتتجه الحياة الزوجية نحو البرودة والجفاف، وهذا يقع في عوالي البيوت وأسافلها، فقد جاءت المُجادِلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم  تشتكي حين غضب عليها زوجها، وقال: «أنتِ عليَّ كظهر أمي». لقد بلغ الحال بهما أن حرَّمها على نفسه؛ قال الله -تعالى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: ١].

وهنا ينبغي التأكيد على أن هذه الحال ليست موجبًا للفراق وقطع الحبال، فهناك الخُلُق الحسن والديانة والمروءة والنظر في المآلات وحفظ المعروف، ولهذا قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لرجلٍ همَّ بطلاق امرأته: لِمَ تطلقها؟ قال: لا أُحبّها. قال: «أَوَكُلّ البيوت بُنِيَتْ على الحُبّ! وأين الرعاية والتذمُّم؟»[4]. أي: إن ثمة مبادئ ومكونات يُبنَى بها البيت الزوجي، والحبّ واحد منها، والرعاية والتذمم مما تُبْقِي على البيوت تماسكها، فإذا عدمت البيوت واحدًا فلن تعدم سائر المكونات والمبادئ.

والله -تعالى- أرشدنا بجليل العبارة إلى ذلك؛ فقال: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوفِ فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]؛ فالأصل العِشْرة الحسنة قلبًا وقالبًا، فإن تعسَّر الحب واعترضته العوارض، فالأَوْلَى الإمساك والصبر رغم تشوُّش القلب، فإن ذلك يُورث خيرًا كثيرًا في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «الخير الكثير أن يعطف عليها، فيُرزَق الرجل ولدها، ويجعل الله في ولدها خيرًا كثيرًا»[5].

واستطلع السعدي أبعادًا أُخرى؛ فقال: «أي: ينبغي لكم أيها الأزواج أن تُمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهنَّ، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. من ذلك: امتثال أمر الله، وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة. ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رُزِقَ منها ولدًا صالحًا نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور. فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم»[6].

وكثير من بيوت الزوجية فيها ما يُنغّصها، فليست كل البيوت على ما يرام، وهذا واقع، ولكن بالصبر والتقوى والدعاء تتحسَّن الظروف وتتعطف القلوب على بعضها، فتعود المياه إلى مجاريها، وتنقلب المُنغّصات إلى بهجة وسرور ومودة ورحمة؛ {وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

فإذا وصلت المباغضة إلى طريق مسدود، وكان الاتصال ربما أحدث ضررًا بالغًا؛ فإن في الشريعة أباحت الافتراق؛ لما فيه من المصلحة.

البيوت بعد زوال النعمة

صبرٌ من نوع آخر، وهو الصبر على مُرّ الحياة الزوجية؛ وما يَكتنفها في بعض الأحيان من ضروب الفقر والجوع والمرض وتحوُّل النعمة، ونحو ذلك مما تُصاب به البيوت ابتلاءً من الله ورفعةً في الدرجات وتطهيرًا من الذنوب، فيظهر حينها جوهر الزوجة الصابرة، الزوجة التي تَلْزَم زوجها في الحال البائسة كما لزمته في الحال المنعَّمة، وتحفظ وُدّه في الضراء كما ذاقت حلاوته من قبل في السراء.

ولقد كانت زوج أيوب -عليه السلام- كذلك، بل ضربت أروع الأمثلة على الصبر على مُرّ الحياة، وذلك حين ابتُلي أيوب بفقد المال والأهل والصحة بعد غنًى وسعة واجتماع وقوة، قال الله -تعالى-: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ 41 ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ 42  وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ 43 وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 41 - ٤٤].

قال ابن كثير -رحمه الله-: «لم يبقَ من جسده مغرز إبرة سليمًا سوى قلبه، ولم يبقَ له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه. غير أنَّ زوجته حفظت وُدّه؛ لإيمانها بالله -تعالى- ورسوله؛ فكانت تخدم الناس بالأجرة وتُطعمه وتخدمه نحوًا من ثماني عشرة سنة. وقد كان قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة في الدنيا فسُلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أنْ أُلقي على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها، ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته -رضي الله عنها-، فإنها كانت لا تُفارقه صباحًا ومساءً إلا بسبب خدمة الناس، ثم تعود إليه قريبًا»[7].

والمقصود هنا هو النظر إلى ثماني عشرة سنة من البلاء بعد العافية، والفقر بعد الغنى والوحشة بعد الإيناس، ثماني عشرة سنة قضتها زوجة أيوب صابرة مُنتصِبةً لخدمة زوجها مُلازِمةً له.

فأيُّ عذرٍ لمن تمزق قلبها لأجل فوات كماليات؟!

وكيف تتشوَّف المرأة إلى هدم بيتٍ لأنه لا يجاري الموضات والمستجدات؟!

ها هي زوجة أيوب -عليهما السلام- تقف مع زوجها في أحلك الظروف وأشد الأزمات، تمنحه هدوء النفس وطمأنينة البال، تُسند إليها ظهره وتستر عجزه، تُخفي أحزانها عن الناس لتكتم سرّه، فكانت مكافأة الله العاجلة لها أنْ أعاضها بعد ذلك سعادةً وغنًى وسعةً في عصمة زوجها.

إن الصبر عبادة قلبية جليلة؛ قال الله -تعالى-: {إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]؛ فإذا شعر أحد الزوجين بالعجز والضعف لجأ إلى باب الله -تعالى- يدعوه ويسأله أنْ يجعل له فرجًا ومخرجًا، وأن يُصْلِح حاله ومعاشه ومعاده، قال -تعالى-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: ٢، ٣].

 التوكل على الله تعالى: العبودية الغائبة

وأصل المسألة أن المستقبل بيد الله -تعالى-، ومهما اجتهدنا في محاولة الوصول إلى قرار جيد في الخطبة والزواج؛ فإننا لا نستطيع اختيار كل شيء يحصل في حياتنا، وهنا تبرز قيمة الإيمان في قلب كلٍّ من الزوجين، وذلك أولاً بحرصهما على الزواج؛ لأنه سُنَّة الأنبياء والمرسلين وفطرة الله التي جعل منها نظام الحياة الإنسانية، وثانيًا باتباع سُنة الإسلام في الاختيار والقبول وأخذ الميثاق، وثالثًا بالتوكل على الله وتفويض الأمر إليه فيما يقدِّره -سبحانه- بعد ذلك، فيتحصل «النصيب» الذي يشير إليه الناس في حديثهم.

و«النصيب» كلمة تحمل في طيّاتها عجز الإنسان وحاجته إلى ربه، بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه ودعائه، فإن من صفات المؤمنين الدعاء بصلاح الزوجية، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]. والأمر كله لله، فليس هناك ضمانات على النجاح أو الصلاح، والمؤمن يعلم ذلك، وهذا ما يجعله كثيرَ اللجوء إلى الله أن يُصلح له زوجه ويعيذهما من نزغات الشيطان.

وفي بيوت الرعيل الأول عبرة على «النصيب»؛ فإن أسماء وعائشة ابنتي أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- من أُمّ واحدة، وأسماء أسبق بالإسلام والبلاء في ذات الله من عائشة، لكنهما بعد الزواج اختلفت حياتهما.

فعائشة تزوجها نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم  فصارت أُمًّا للمؤمنين، ونالت من الحب ما يعرفه أهل الإسلام كافة، وسُمِّيت حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعاشت في ظله حياة ما أروعها وأجملها. وأسماء تزوجها الزبير بن العوام -رضي الله عنه- الصحابي الجليل وأحد العشرة المبشرين بالجنة، لكنَّ حياتهما كانت تحمل ألوانًا من المعاناة والاختلاف، وكانت أسماء تتعب في العمل للبيت، وليس لها من يخدمها، وجرت عليها قسوة.

فتأمل الفرق بين حياتين لأختين هما من أعظم النساء!

ثم يموت النبي صلى الله عليه وسلم  عن عائشة عام 11هـ، ولَمَّا تبلغ العشرين من عمرها، فتعيش بعده مدة طويلة بلا زوج ولا أبناء حتى تُوفِّيت عام 57هـ، أي ما يقارب 46سنة قضتها وهي صابرة على فراق حبيبها صلى الله عليه وسلم ، وهو أحق إنسان بالحب وأجدره، وكان مدفنه الشريف في حجرتها! وكما قال الأول: فيا لكِ من نُعمى تبدَّلْتِ أبؤسا.

ويموت الزبير بن العوام -رضي الله عنه- فتعمَّر أسماء بعده حتى بلغت المائة عام تقريبًا، وعاشت إلى عام 73هـ، ويروى أنه طلقها من قبل، ثم هي عميت وفقدت بصرها، وكانت تُصاب بالأوجاع، ثم أُصيبت بفاجعتين؛ لقد قُتِلَ ابناها مصعب وعبد الله، فأما مصعب فقُطِعَ رأسه وحُمِلَ إلى الشام، وأما عبد الله فقد صُلِبَ في مكة[8].

فالمقصود أن مصائرنا ومستقبلنا بيد الله -تعالى-، وأنه مهما حرصنا على أن يكون مستقبلنا جميلاً، فلا غِنَى لنا عن توفيق الله -تعالى-، وربك يخلق ما يشاء ويختار، وهو اللطيف الخبير، وهو الحكيم العليم.

وخلاصة الأمر أن علينا بَذْل الأسباب في استجلاب التوفيق والبركة والسعادة إلى بيوتنا، وعلينا أن نُفوِّض الأمر إلى الله القادر على كل شيء والقاهر فوق كل شيء، ثم الرضا بـ«النصيب» الذي كتبه الله -تعالى- لنا، والتعامل معه قَدْر ما نستطيع بالرضا من جهة، وبالصبر من جهة أخرى، وبعد ذلك لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها؛ قال -تعالى-: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: ٧].

 

 

 

 


 


[1] تفسير القرآن العظيم 7/326.

[2] تفسير القرآن العظيم 7/327.

[3] جامع البيان 23/112.

[4] عيون الأخبار 3/18.

[5] جامع البيان 8/123.

[6] تيسير الكريم الرحمن: ص172.

[7] تفسير القرآن العظيم 6/429.

[8] انظر: سير أعلام النبلاء 2/287-296.

 

  

أعلى