• - الموافق2024/07/16م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كيف تكون  ثريًّا قِيميًّا؟

تعكس القِيَم الإنسانية المبادئ الأخلاقية والاجتماعية والثقافية التي يتبنَّاها الفرد والمجتمع، وتُمثّل الأساس الذي تتمركز حوله الحياة الإنسانية بشكل كونيّ كليّ لتترسخ القِيَم الإنسانية إلى جميع الثقافات والأديان والمجتمعات في العالم أجمع.

 

إنّ ما يجب أن يبقى لنا في عالم يقيس البشر بثنائية الامتلاك وعدم الامتلاك (فكلما امتلك الإنسان كان أقرب إلى امتلاك إنسانيته، وحين يفتقر إلى الملكية أو غاب ما يملك؛ يبتعد عن الإنسانية) هو القيمة. لكن لسائل أن يسأل: أيّ ضرب من الامتلاك يَفترضه الوجود الإنساني؟ امتلاك الأشياء أم امتلاك الإنسان نفسه؟

 الثراء الحقيقي هو ثراء المعنى والقيمة

تعكس القِيَم الإنسانية المبادئ الأخلاقية والاجتماعية والثقافية التي يتبنَّاها الفرد والمجتمع، وتُمثّل الأساس الذي تتمركز حوله الحياة الإنسانية بشكل كونيّ كليّ لتترسخ القِيَم الإنسانية إلى جميع الثقافات والأديان والمجتمعات في العالم أجمع.

 لكنَّ ما تتسم به المجتمعات المعاصرة اليوم هو تقديسها وعبوديتها نحو المادة بما هي الوسيلة المثلى للتملك، فنحن بالمال نشتري الأشياء والمكانة الاجتماعية والمظاهر. فهذه المجتمعات في طبيعتها البراغماتية لا تبحث سوى عن الامتلاء المادي الحسي، وليس الامتلاء القِيمي أو الروحي.

يتَّجه الدين نحو الموقف القائل بالثراء القيمي والروحي؛ فهو يحثّ الإنسان ويوجّهه نحو الاهتمام بالثراء المعنوي والقيمي الذي يتغافل عنه الإنسان، ويتجاهله أمام الملذات الحسية التي تأتيه من الثراء المادي، بالرغم من أن الملذات والنعم والوعود التي تأتيه من الثراء الروحي والقيمي أثمن وأرقى وأرفع من ملذات المادة، لذلك على المؤمن أن يضع في اعتباره أن الثراء الروحي هو الأجدر باهتمامه؛ لأنه إذا ما توفّر له الثراء المادي، وكان فقيرًا داخليًّا، أي في نفسه وذاته، فإنه لا يُحقّق إنسانيته، ولا يضمن قيمته وسعادته.

والاهتمام بالجانب الروحي هو اهتمام بالجانب الخُلقي؛ ولذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ أكملَ أو من أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا.« وقال رسول الله #: «وإنَّ أفضَلَكُمْ أحسَنُكُمْ أخلاقًا، وإنَّ مِنَ الإيمانِ حُسْنَ الخُلُقِ».

إن الصدق والقِيَم التي تُثري المؤمن كثيرة تزيد من رفعة المخلوق في علاقته بالخالق، ولعل الصدق أنبلها، وهي قيمة تفترض من الفرد الصدق في التعامل مع ذاته ومع الآخرين، وفي الكلام والأفعال؛ لأنه إذا كان الإنسان صادقًا مع نفسه فسوف يمتلك تصديق الآخرين، وفي هذا يغنم ثراءً روحيًّا يُغنيه عن الثراء الحسي الفاني.

وقد ورد عن رسول الله # قوله: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ»، وبالتالي سوف يغنم قيمة أخرى، وهي الاحترام؛ فالذي يحترم نفسه ويحترم الآخرين يفوز باحترامه لنفسه ويفوز باعتراف الآخرين بأن له قيمة وهيبة. ففي الاحترام المتبادل بين الأفراد فوز بالكرامة، وهذه الأخيرة قيمة يزداد بها الإنسان ثراءً.

الصدق، النزاهة، الاحترام، الكرامة، العدل، الشجاعة، التسامح، التعاطف، الإيثار، الرحمة، والمحبة، وغيرها هي قِيَم روحية أخلاقية يغتني بها الإنسان، ويحقق ثراءه المعنوي والنفسي.

تشترك إذن الإنسانية جمعاء في قِيَم عظيمة ثرية مُثرية تخدم الإنسان ككلّ مهما كان عِرقُه أو دينه، وتُعدّ من الثوابت التي لا محيد عنها، ولا تفنى لا في المكان ولا في الزمان.

  

أعلى