• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
صراخ السودان الذي يجري كتمه

ما هو سر عدم قدرة الجيش السوداني على الحسم العسكري؟ بل وصل الأمر إلى تراجُعه أمام قوات الدعم السريع في الأسابيع القليلة الماضية! وهل الصراع هو مجرد صراع محلي أم له أبعاد إقليمية ودولية؟


في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بما يجري في غزة من حرب إبادة، يشنّها الكيان الصهيوني، ومقاومة باسلة تحاول وَقْف عدوانه؛ يعلو صراخ أهل السودان بما يجري في أراضيه، ولكن لا سميع، وبالتالي فلا مجيب.

بل هناك مَن يتعمّد أن يتم التعتيم إعلاميًّا على مآسي السودان، وما يشهده من مذابح وانتهاكات تتجاوز ما اشتُهر به السودانيون من نخوة ومروءة ورحمة.

وعلى الرغم من أن القتال قد اندلع بين ميليشيات الدعم السريع بقيادة حميدتي، وبين قوات الجيش السوداني منذ أكثر من ثمانية شهور، والذي أسفر عن أكثر من 12 ألف قتيل، وما يزيد عن 7 ملايين نازح ولاجئ، بينما يواجه ستة ملايين سوداني آخرين خطر الجوع، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة... لكن بمرور الوقت أخذت الحرب شكلًا ثابتًا من كَرّ وفرّ بين الطرفين، واستقر الوضع إلى شبه سيطرة للدعم السريع في الغرب والجنوب والجيش في الشمال والشرق، ومعارك محتدمة بين الطرفين في تسع ولايات من بين 18 ولاية سودانية، الخرطوم، وخمس ولايات في دارفور، وثلاث ولايات في كردفان.

إلا أنه في الشهرين الماضيين دخل الصراع في مرحلة تحوُّل جديدة؛ إثر اتساع نطاق الحرب لتشمل ثلاث ولايات أخرى، الأمر الذي أسفر عن سقوط مدينتين كبيرتين؛ هما نيالا وود مدني في أيدي قوات الدعم السريع، وهاتان المدينتان تضمّان كثافة سكانية كبيرة وحاميات عسكرية ذات وزن عسكري، ومدينة ود مدني بالذات تعتبر من أهم مدن السودان، فهي وسط البلد الجغرافي، وممر كل الطرق الرابطة بين شمال وشرق السودان وغربه وجنوبه، وتعتبر ولاية الجزيرة والتي عاصمتها ود مدني مستودع الاقتصاد الوطني متمثلًا في مشروع الجزيرة الزراعي العملاق، وما لا يقل عن 35٪ من القاعدة الصناعية للبلاد، بجانب مرور أنابيب أطول خطي بترول في شرق ووسط إفريقيا الناقل لنفط السودان ودولة جنوب السودان، وازدادت أهميتها مؤخرًا؛ حيث كانت تُعدّ المركز الأساسي لتحرك قوات الإغاثة الإنسانية باتجاه مدن السودان كاملة.

وعقب تلك الأحداث المتسارعة تناقلت تقارير صحفية حوادث تطهير عرقي، ونهب وسلب واغتصاب على نطاق واسع.

وفي وقت سابق من شهر ديسمبر 2023م، حذّر برنامج الأغذية العالمي من أن المناطق التي مزَّقتها الحرب قد تُواجه مجاعة كارثية بحلول مايو المقبل، ما لم يصل إليها المزيد من المساعدات الغذائية.

ولكنَّ الأمر الأخطر والأكثر إيلامًا، هو ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، من شهادات صادرة من فتيات سودانيات، تطلب فتاوى بإمكانية قتل أنفسهن؛ لمنع تعرضهن للاغتصاب على يد قوات الدعم السريع، بينما طلبت أُخريات توفير حبوب منع الحمل، بسبب شيوع هذا الفعل الشنيع مِن قِبَل قوات حميدتي، وشبَّه البعض ما يحدث في السودان حاليًّا بما كان يحدث في سوريا على أيدي النظام ضد المعارضين والثوار والمدنيين.

وقد اعترفت قيادات في الدعم السريع بالجرائم، ولكن لم تُفصّل هذه الجرائم؛ حيث قال رئيس دائرة الفكر والثقافة بالدعم السريع حافظ الزين الموجود في ود مدني للجزيرة: إن القائد الثاني لهذه القوات عبد الرحيم دقلو أمر بتوقيع عقوبات مشددة على المنفلتين من قواته الذين يعتدون على المواطنين وحقوقهم.

وإزاء ما يَجري تُثار أسئلة مهمة حول حقيقة الصراع الدائر الآن في السودان:

ما هو سر عدم قدرة الجيش السوداني على الحسم العسكري؟ بل وصل الأمر إلى تراجُعه أمام قوات الدعم السريع في الأسابيع القليلة الماضية!

هل الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع، هو مجرد صراع محلي أم له أبعاد إقليمية ودولية؟

ما حقيقة مساندة دولة الإمارات للدعم السريع؟ وإن صح ذلك فما الذي تستفيده من ذلك؟

والأهم؛ ما المصير الذي ينتظر السودان بعد الذي حدث؟

هل ستتوالى انتصارات حميدتي حتى يسيطر على كل السودان؟

أم سينتهي السودان إلى حالة من الفوضى والاقتتال وربما التقسيم؟

هذه الأسئلة تنبع من حقيقة أنه لا يمكن فَهْم الحرب التي اندلعت في 15 أبريل الماضي بشكلٍ وافٍ، بدون محاولة قراءة مواقف وأدوار كلٍّ من الجيش السوداني ودولة الإمارات.

سرّ تراجُع الجيش السوداني في المعارك الأخيرة

تأسست القوات المسلحة السودانية عام 1925م تحت مسمى قوات دفاع السودان، وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية تحت القيادة البريطانية.

وتصنّف تقارير منظمات دولية متخصصة القوات البرية السودانية في المرتبة الـ69 عالميًّا؛ حيث تضم 170 دبابة، و6967 مركبة عسكرية، و20 مدفعًا ذاتي الحركة، و389 مدفعًا مقطورًا، و40 راجمة صواريخ، فضلًا عن الأسطول البحري، واعتُبر بذلك من أقوى وأكبر الجيوش في منطقة القرن الإفريقي.

وتُقدّر التقارير عدد قوات الجيش السوداني بنحو 205 آلاف جندي، بمن فيهم النظاميون العاملون والاحتياط وشبه العسكريين.

ويضع التصنيف العسكري سلاح الطيران السوداني في المرتبة الـ47 عالميًّا بقوة 191 طائرة، 45 منها مقاتلة، و37 هجومية، وكذلك 25 طائرة شحن عسكري، و12 طائرة تدريب.

ويُنتج الجيش كثيرًا من حاجاته العسكرية عبر هيئة التصنيع الحربي، لا سيما الذخائر المختلفة والراجمات والمركبات المصفحة، كما أنشأت الهيئة شركة «صافات» لتصنيع الطائرات، كما سبق أن أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان إنتاج طائرات مسيرة قتالية.

كما حصل الجيش السوداني على دعم خارجي، خاصةً من مصر، كما ساهمت تركيا بتقديم طائراتها المسيرة البيرقدار، بمشاركة تدريبية على استعمالها من الجانب المصري.

وبالرغم من ذلك، فإن كثيرًا من الشكوك والارتياب تتعلق بأداء الجيش في قتاله مع قوات الدعم السريع، خاصةً في الأسابيع الأخيرة.

وتمثَّل ذلك في انسحابه من ود مدني، والتي كان من نتيجتها أن تراجعت سيطرة الجيش السوداني من13 ولاية إلى خمس ولايات فقط.

قبلها انسحبت الفرقة 16 مشاة في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور بعد صمود لأكثر من ستة أشهر؛ رغم هجمات الدعم السريع المتكررة التي تجاوزت 40 محاولة، ثم تلاها انسحاب الفرقة 21 مشاة من زالنجي وسط دارفور بعد ما يقارب سبعة أشهر، وبعدها الفرقة 15 مشاة من الجنينة، والفرقة 20 بمدينة الضعين شرق دارفور بعد حصار لأيام عدة، ولكنَّ هذه المدن تُعتَبر حواضن طبيعية لسكان القبائل العربية في دارفور والتي ينتمي لها مقاتلو الدعم السريع.

وفي وقتٍ لا تزال الفرقتان الخامسة بالأبيض شمال كردفان، والسادسة مشاة في الفاشر شمال دارفور صامدتين أمام كل محاولات اقتحامها، جاء انسحاب الفرقة الأولى مشاة بمدينة ود مدني مُفاجئًا بعد أربعة أيام فقط من المعارك، على الرغم من الدعم الجويّ الكثيف.

والأمر الأكثر غرابة، هو انسحاب قوات الجيش والشرطة من «الحصاحيصا» ثاني أكبر مدن ولاية الجزيرة بعد ود مدني، بالرغم من عدم وصول قوات الدعم السريع لها.

وعقب انسحاب الجيش السوداني من ود مدني، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في بيان: أنها شرعت في التحقيق حول ملابسات سقوط الفرقة الأولى بمدينة ود مدني في يد قوات الدعم السريع، وأوردت منصات إعلامية على الإنترنت، قريبة من المؤسسة العسكرية، أن لجنة تحقيق عسكرية برئاسة اللواء حيدر الطريفي بدأت التحقيق في مدينة سنار مع قائد الفرقة الأولى في ود مدني وغيره من قيادات الفرقة، وسينتهي خلال أيام محدودة، ولكن حتى الآن لم تظهر نتيجة لهذا التحقيق الذي ينتظره الرأي العام داخليًّا وخارجيًّا، رغم مرور أسابيع على سقوط ود مدني، وهذا التأخير يدفعنا للتساؤل هل يمكن اعتبار الإعلان عن تحقيق مِن قِبَل الجيش السوداني بمثابة حفظ ماء الوجه لإخفاء الأسباب الحقيقية؟

وفي حديث صحفي يوضح مستشار لوزارة الدفاع السودانية -والذي طلب عدم الكشف عن هويته- أن هناك فرضيات عدة قد تكون وراء الانسحاب، وهي التواطؤ، أو نقص في الأسلحة والذخائر والمقاتلين، أو تقديرات غير مرئية للآخرين من قائد الفرقة. ورفَض ترجيح أيّ فرضية قبل انتهاء لجنة التحقيق من مهامها.

بينما يتحدث بعض المراقبين عن انسحابات غير مُبرَّرة تمَّت في مناطق أخرى، ويستذكرون ما حدث في مصنع اليرموك، ومعسكر جبل أولياء، جنوب الخرطوم، ومعظم حاميات دارفور، بطريقة أقرب إلى عمليات التسليم والتسلم، ولو شئنا الدقة، صفقات سرية بين قيادات المناطق والدعم السريع.

ويرى الصحفي السوداني عزمي عبد الرازق: أنه من المعروف أن قوات الدعم السريع تعتمد على دفع الأموال والعطايا لشراء الضباط ورجال الإدارة الأهلية وأصحاب النفوس الضعيفة، ويكاد يكون بهذه الطريقة نفسها سقط اللواء الأول مشاة في ود مدني في اليوم الأول للحرب، بعملية خيانة من أحد ضباط المؤسسة العسكرية.

بينما يرى المحلل العسكري السوداني يعقوب عبد الله دينق الموضوع من زاوية مختلفة بالذات في حالة ود مدني، فقد كان من الممكن أن يدافع المقاتلون ذوو الخبرة عن الجسر (يقصد الجسر الذي يربط المدينة بالنيل الأزرق) بنجاح أكبر، كما كان بإمكانهم التراجع مرة أخرى إلى المدينة للقتال من منزل إلى منزل ومن مبنى إلى مبنى. كما إنهم سيكونون قد استعدوا بالفعل لهذا السيناريو من خلال التدريب على كيفية صنع الأفخاخ المتفجرة، وحفر الأنفاق، وإعداد أعشاش القناصين، وتحصين نقاط القوة، وإخفاء مخازن الذخيرة السرية في جميع أنحاء المدينة، في حال وضعوا في اعتبارهم احتمالية الهجوم عليها. بالإضافة إلى هذه الترتيبات العملية، كانت القوات بحاجة إلى قيادة فعّالة على مستوى ضباط الصف والضباط الصغار، الذين يمكنهم قيادة الوحدات بشكل مستقل، والقتال في جميع أنحاء المدينة دون الحاجة إلى تعليمات من مستويات القيادة العليا. وبهذه الطريقة، حتى لو تم كسر الدفاعات الخارجية للمدينة، لكان المدافعون قادرين على التراجع والقتال من حي إلى حي.

بعد تحليلات الخبراء والمطلعين، يمكننا الحديث عن مكامن الخلل في استراتيجية الجيش السوداني.

فقد اتبع الجيش السوداني في القتال مع الدعم السريع إستراتيجية تقوم بإسناد مهمة الدفاع عن كل منطقة أو ولاية إلى الفرقة العسكرية الموجودة بها، مع إسناد جوي من المركز، بينما إستراتيجية الدعم السريع تمحورت حول نظرية الفزع، والتي تقوم على إسناد جميع الوحدات القريبة للفرقة التي عليها الثقل الهجومي أو الدفاعي، فهي تتجمع بسرعة وتهاجم ثم تتشتت عائدةً لمواقعها ونقاط ارتكازها الأصيلة.

ومن الواضح أن إستراتيجية الجيش السوداني قد فشلت؛ لأنه حتى دون مساندة قوات من خارج الولاية؛ فإن جاهزية القوات داخل الولاية لم تكن كافية؛ حيث يوجد نقص في الذخائر والوقود لا يكفي لحركة القوات العسكرية رغم عدد الجنود الكبير في الولاية، والذي يبلغ حوالي 40 ألف مقاتل، بما في ذلك جنود هيئة العمليات والمستنفرين، بينما نجحت ميليشيا الدعم السريع بنظرية الفزع.

وإنَّ المرء ليندهش! كيف تقطع قوات الدعم السريع كل تلك المساحات الواسعة والمفتوحة بقوة قوامها 150 عربة معظمها ليست قتالية، حسب شهود عيان، حتى وصلت الدعم السريع إلى شرق الجزيرة، ومن ثم إلى مشارف مدينة ود مدني، انطلاقًا من مناطق شرق النيل بالخرطوم بحري من دون أن تتعرض إلى أيّ مقاومة أو رادع، متخفية بين القرى ومستغلة الوجود الأمني والعسكري الضعيف في تلك المناطق؟!

الدور الإماراتي في السوداني

إذا كنا نريد إدراك خلفيات ما يحدث في السودان، فلا يمكننا إغفال الدور الإماراتي في الصراع الدائر في هذا البلد.

بحسب صحيفة نيويورك تايمز؛ فإن الإمارات تُعدّ من بين أهم اللاعبين الأجانب في السودان، وكذلك ترى مجلة فورين بوليسي التي ترى أن الإمارات ليست فقط باتت من الدول الأكثر تأثيرًا في السودان الآن، بل إنها أصبحت اللاعب الخارجي الأكثر نشاطًا في القرن الإفريقي على مدى السنوات الخمس الماضية.

وتتعدَّد الرُّؤى التي تنظر منها الإمارات للسودان، فمنها رؤية أنها مجال جيد للاستثمار، سواء الاستثمار الزراعي أو في مجال الموانئ؛ حيث تخطط لتشييد ميناء بقيمة 6 مليارات دولار على البحر الأحمر وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، ويبرز الاستثمار الإماراتي الأبرز في تسويقها الذهب السوداني؛ حيث أشارت تقديرات إلى أن إنتاج السودان من الذهب في عام 2012م بلغ حوالي 1.2 مليار دولار.

ولكنَّ الأخطر من ذلك، ما يتعلق بدَوْر طموح تريده الإمارات لنفسها، في منطقة تعاني من فراغ من قوة مهيمنة ومسيطرة، بينما تتصارع فيها استراتيجيات لدُوَل تريد ملء هذا الفراغ.

فالسودان بما يملكه من ثروات، يمكن اعتباره دولة تقع في قلب التنافس العالمي على الموارد الطبيعية في إفريقيا بما تحويه من الذهب والمعادن الأخرى إلى البترول والغاز الطبيعي والمنتجات الزراعية والحيوانية، فضلاً عن موقعه على البحر الأحمر ومرور النيل عبر أراضيه وكمدخل لإفريقيا، فالإمارات بإيجاد موطئ قدم لها في السودان ستجد نفسها قد قطعت شوطًا مهمًّا في صعودها كقوة إقليمية مهيمنة.

ومع ظهور المحاور في الدول العربية بعد تغييرات الربيع العربي، اتخذت حكومة الإمارات موقفًا من عمر البشير، خاصةً أن البعض يَعتبره جزءًا من تيارٍ كان له الدور الفاعل في ذلك الربيع.

وتحدثت بعض الأنباء عن دور للإمارات في تحريض الجيش والدعم السريع على الإطاحة به.

ولكنَّ الإمارات راهنت على ميليشيا الدعم السريع وحميدتي، مستغلةً العلاقات التي نسجتها معه أثناء تدخُّل تلك الميليشيات في حرب اليمن، وبالرغم من النفي الإماراتي العلني لأيّ دور لها في الحرب الجارية الآن في السودان؛ إلا أن المصادر الصحفية الغربية تؤكد هذا التدخل:

فقد ذكر تحقيق نشرته نيويورك تايمز في سبتمبر الماضي، أن أبو ظبي زوَّدت قوات الدعم السريع بأسلحة ومسيرات لدعم قتالها ضد الجيش السوداني.

ونشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريرًا صحفيًّا، نقلت فيه عن مسؤولين أوغنديين قولهم: «إنهم عثروا على أسلحة في طائرة شحن كان يُفترض أن تنقل مساعدات إنسانية إماراتية إلى لاجئين سودانيين في تشاد». وترى الصحيفة الأمريكية أن الإمارات تراهن على حميدتي للمساعدة في حماية المصالح الإماراتية في السودان.

وحتى أعضاء مجلس النواب الأمريكي استنكروا هذا الدور؛ فقد نقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الرسالة، التي بعث بها نحو عشرة نواب في الكونجرس الأمريكي إلى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، يدينون فيها الدعم الإماراتي المقدّم لقوات الدعم السريع، كما حذروا فيها من أن هذا قد يضرّ بالعلاقات الأمريكية الإماراتية.

ونصت الرسالة على أن: «هذا الانتهاك الإماراتي سيُشكِّل خطرًا كبيرًا على سُمعة دولة الإمارات العربية المتحدة وسيضع الشراكة الوثيقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة موضع شك»، وأضاف النواب أنهم ينتبهون إلى تصرُّفات الإمارات في السودان.

وبعدها قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية: «لقد أَثَرْنَا بشكل مباشر مع المسؤولين الإماراتيين مخاوفنا بشأن التقارير عن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع، وأوضحنا وجهة نظرنا أن توفير الأسلحة لأيّ من الجانبين لن يؤدي إلا لتعميق الصراع»، وقد تكون أمريكا مستاءَة من الدور الإماراتي في السودان؛ لأنه استعان بالروس.  

وفي الفترة الأخيرة صعّدت قيادات الجيش موقفها من الإمارات؛ فقد سرَّبت قيادات الجيش حديث عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، في أواخر نوفمبر الماضي، أمام مجموعة من أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان: إن المعلومات الواردة إلينا من جهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية ومن الدبلوماسية السودانية، تشير إلى أن الإمارات ترسل الإمدادات إلى الدعم السريع.

وزعم العطا أن الإمارات أرسلت الإمدادات عبر مطارات في أوغندا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.

وبعدها بأسابيع أعلن السودان أن 15 من موظفي سفارة أبو ظبي بالخرطوم أشخاص غير مرغوب فيهم، وأمرهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، ما يشير إلى تصاعُد الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.

ويتجلى الدور الإماراتي في نقل حميدتي زعيم ميليشيا الدعم السريع من داخل السودان في جولته الخارجية الأولى بعد اندلاع صراعه مع الجيش السوداني؛ حيث ذكرت الجزيرة نت نقلاً عن خبير أمني السودان، أن حميدتي انتقل برًّا عبر الطريق الغربي وصولاً إلى دارفور ومنها لتشاد؛ حيث أُرسلت إليه طائرة إماراتية أقلته إلى أبو ظبي، ومنها نقلته إلى أوغندا، ثم أديس أبابا. ويذكر الخبير رقم الطائرة وهي من نوع بوينغ 737 مسجَّلة في دولة الإمارات.

وكما استعانت الإمارات بالروس في ليبيا لدعم حفتر، وبالتحديد ذراعهم المرتزق وهم مجموعة فاغنر، استعانت بهم كذلك لدعم حميدتي في السودان، وهذا لا يمنع من وجود أجندة لروسيا في السودان تتقاطع مع الأجندة الإمارتية وتتشابه معها.

فبعد أيامٍ قليلةٍ من اندلاع القتال بين حميدتي والجيش السوداني، سئل وزير الخارجية الروسي لافروف، في مؤتمر صحافي في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، عما إذا كانت فاغنر تعمل في السودان، أجاب بأن ما يحصل في السودان مأساة، مضيفًا أن لهذا البلد الحق في الاستفادة من خدمات فاغنر.

ومن المعروف أن روسيا لها وجود عسكري متزايد في دول إفريقيا الوسطى أو دول الساحل، والذين يريدون التخلص من النفوذ الفرنسي، وبالطبع فإن ازدياد نفوذها في السودان سيُعزِّز من وجودها الإفريقي.

إن المراقب لأفعال وتصرفات ميليشيا الدعم السريع، وعلاقات حميدتي الخارجية والصورة التي يظهر عليها، يدرك جيدًا أن وراءه قوة تُحدِّد له خطواته، وتضع له حتى خطاباته الموجهة، وهذه القوة لا يمكن إلا أن تكون دولة الإمارات، التي وفَّرت له شخصيًّا ولقواته خدمات التدريب والاستشارات والعلاقات العامة والإعلام، عن طريق شركات دولية وإقليمية.

مصير السودان

أمام السودان ثلاثة سيناريوهات قد يتحدد على ضوئها مصيره، مع العلم بأن التنافس الإقليمي والدولي سيلعب دورًا كبيرًا في ترجيح إحداها.

أولاً: سيناريو الفوضى، يتحول فيه السودان إلى مناطق سيطرة متنافسة، يماثل الوضع الراهن في ليبيا؛ بحيث تسيطر قوات حميدتي على عددٍ من الولايات، بينما يظل الجيش السوداني موجودًا في الولايات الأخرى.

ثانيًا: سيناريو سيطرة حميدتي، وسبق أن صرح عبد الرحيم دقلو نائب رئيس قوات الدعم السريع، بأنَّ هدف قواته هو السيطرة على كامل التراب السوداني، ولكن شرط نجاح هذا السيناريو هو القدرة على التقدم نحو منطقة شرق السودان وميناء بورت سودان.

سيناريو سيطرة الجيش، ولكي يتحقق لا بد من إجراء إصلاحات سريعة على إستراتيجيات الجيش في معاركه ومعداته القتالية، كما يعتمد على قدرته في تجييش وعسكرة وتسليح الفئات الشعبية الداعمة له؛ لكي تتصدى لهجمات ميليشيا حميدتي.

وسيظل موقف الشعب السوداني هو العامل الحاسم في ترجيح أيّ سيناريو سيذهب إليه السودان، وظهر ذلك جليًّا في الاستجابة الواسعة لدعوات الجيش لتسليح الأفراد لكي يتصدّوا لميليشيات الدعم السريع، وتوليهم بأنفسهم حماية منازلهم وقراهم وأحيائهم وأعراضهم.

 

أعلى