• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تنبُّؤات صهيونية سوداوية بشأن اتفاقات التسوية

تنبُّؤات صهيونية سوداوية بشأن اتفاقات التسوية


كان للثورات السلمية في العالم العربي تأثيرات عديدة تتعلق بأنها ضربت العديد من المسلَّمات التي سادت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأحدثت تغييراً سياسياً عميقاً، ولها قدرة كامنة على تغيير وجه المنطقة، ومن بينها: علاقات «إسرائيل» مع جيرانها العرب، والاتفاقات الرسمية بينهما، وبقيت صامدة سنوات عديدة.

ويوجد بين «إسرائيل» وجيرانها العرب 4 اتفاقات قائمة حتى اليوم، وهي:

1- اتفاق فصل القوات مع سورية منذ عام 1974.

2- معاهدة «كامب ديفيد» مع مصر منذ عام 1979.

3- اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين منذ عام 1993.

4- معاهدة «وادي عربة» مع الأردن منذ عام 1994.

وقد طرحت الثورات في العالم العربي علامات استفهام حول فرص بقاء واستمرار هذه الاتفاقات، والقدرة على الصمود في وجه ضغوط القوى السياسية التي عارضتها في الماضي، بل ورفضت الاعتراف بـ «إسرائيل».

• مصير «كامب ديفيد»:

يرى الصهاينة أن معاهدة السلام مع مصر كفيلة بأن تكون حالة اختبار أولي لتأثير الثورات في العالم العربي، وتعمل كورقة فحص لباقي الاتفاقات، انطلاقاً من الافتراض بأن هناك حكومات عربية أخرى ستسير في أعقاب سلوك النظام الجديد في مصر على نفس النهج، خاصة أن الاتفاقية محاولة للتوازن بحذر بين مطالب ومصالح الطرفين.

ويتساءلون: هل تحتاج مصر في ظل وجود نظام حكم إسلامي لأن تغير معاهدات السلام مع «إسرائيل» لقطع علاقاتها معها؟ معتبرين أي خطوة مصرية أحادية الجانب لإلغاء العلاقات الدبلوماسية خرقاً واضحاً للمعاهدة، وتوجد احتمالية عالية بأن يتخذ الكونجرس الأمريكي عدة خطوات ضد مصر.

هنا يمكن الحديث عن تقييد القوات المصرية في سيناء التي تطرح مسائل أكثر تعقيداً، فقد كان لـ «إسرائيل» مصلحة حيوية ألا تكون في سيناء قوات مصرية ذات قدرة هجومية ترابط على مسافة قريبة من الحدود معها، مع منح إذن للمصريين بأن يحتفظوا بقوة مهمة في غربي سيناء، بما فيها فرقة واحدة من سلاح المشاة، و22 ألف جندي، وعدد من المدرعات والمدفعية والصواريخ المضادة للطائرات، وعدد معين من وحدات حرس الحدود وسط سيناء، وفي المناطق القريبة من الحدود مع «إسرائيل»، وعدد غير محدود من الشرطة المدنية.

وقد أتاح هذا الأمر إعادة شبه جزيرة سيناء للسيادة المصرية الكاملة، وتشكلت فيها قوة متعددة الجنسيات من المراقبين مهمتها المراقبة والإشراف على القوات دون امتلاك صلاحيات عملية تنفيذية.

وقد أفرزت الانتخابات الأخيرة  في مصر التي انتهت بانتصار جارف للإسلاميين، توتراً بين الميل الأيديولوجي للإسلاميين بتحرير مصر من التزامات المعاهدة، وبين الآثار السياسية والاقتصادية لهذه الخطوة، وسيجدون أنفسهم وراء مقود الحكم والمشاكل الاقتصادية الهائلة لمصر تضاعفت وتفاقمت.

ومع ذلك، فإن الاستنتاج المحتم أن على «إسرائيل» أن تُعد نفسها لطلب مصري لمفاوضات معادة على الملحق العسكري للمعاهدة، وإذا كانت مطالبها معقولة، فستتصرف بحكمة إذا ما وافقت عليها.

كما أن الحصول على مصادقة متجددة لمعاهدة السلام من حكومة الإخوان المسلمين سيحقق مكاسب سياسية كثيرة تتجاوز علاقات مصر بـ «إسرائيل» في كل الأحوال.

وهنا تعتقد إسرائيل أن واجب الولايات المتحدة أن تواصل جهودها للحفاظ على المعاهدة، ومنع المس بها، والحيلولة دون تدهور العلاقات الصهيونية - المصرية كنتيجة لمطالب مبالغ فيها لتغييرها، فالمساعدات الأمنية السنوية من الولايات المتحدة لمصر بملياري دولار، والدور العظيم لنفوذها في المؤسسات المالية الدولية؛ سيؤثران بلا شك على موقف القاهرة من «كامب ديفيد».

• العلاقات مع الأردن:

بالحديث عن معاهدة السلام الصهيونية - الأردنية، فقد أوجدت قيوداً على نشر القوات، وتسويات إقليمية في منطقة وادي عربة، وهي تواجه معارضة قوية في الأردن منذ أن وقّع عليها، بمشاركة أجزاء واسعة من الفلسطينيين، ومحافل دينية واتحادات مهنية.

لكن الاحتجاجات الحالية ضد الحكومة منذ بداية 2011 لم تجعل المعاهدة مسألة مركزية في مطالبها، لأن موقف الأردن من المعاهدة ستُمليه بقدر كبير مصالح استراتيجية حيوية، ونظرة أمنية بعيدة المدى، ومسائل المياه، والعلاقات مع الولايات المتحدة، والدور الذي يراه لنفسه في القدس، ما يُملي عليه الحفاظ على المعاهدة، وإن جرى تطبيقها بمستوى منخفض فقط.

كما أن نجاح الملك الأردني في صد الضغوط لإلغاء المعاهدة سيكون منوطاً ببعض التطورات المتعلقة بالمسيرة السياسية الصهيونية – الفلسطينية، ومساهمة «إسرائيل» في الاقتصاد الأردني، والتعاون الثنائي في مواضيع المياه، والطاقة، والبنى التحتية، ومشاريع اقتصادية مشتركة، ما سيشكل حاجزاً يحمي المعاهدة في وجه الضغوط التي تُمارس عليها.

• مصير السلطة الفلسطينية:

كان للانتفاضات في العالم العربي أن تعقِّد أكثر فأكثر الأمور في ساحة المفاوضات الصهيونية - الفلسطينية، فقد شرعت في فترة طويلة من عدم الاستقرار وعدم اليقين، خاصة أن محاولات حركتي فتح وحماس للوصول لمصالحة تلقت زخماً في أعقاب الثورات، ما يشكل تهديداً جدياً لاتفاقات أوسلو.

وهناك حاجة للحفاظ على أساس قانوني وإطار لإدارة التعايش الصهيوني – الفلسطيني وشكله، من خلال اتفاق انتقالي جديد بين الجانبين كخطوة في خريطة طريق متفق عليها وصولاً إلى حل الدولتين.

مع العلم أن غياب اتفاقات أوسلو سيخدم من يعارضونه في الجانبين، ويضيف انعداماً آخر للاستقرار في المنطقة التي تختبر على أي حال ظروفاً جديدة وحساسة، محذراً من خيار حل السلطة الفلسطينية الذي من شأنه أن يُدخل المنطقة بأسرها في وضع جديد من الفوضى.

• فصل القوات مع سورية:

يرى الصهاينة أن ذلك الاتفاق مع سورية صمد لفترة زمنية طويلة للغاية مع كل دولة عربية مجاورة أخرى، حتى في ظل التوتر مع لبنان وحربي 1982 و2006 لم يمسه الطرفان، وامتنعا عن خرقه، وعن مواجهة مباشرة بينهما في هضبة الجولان.

وفي ظل أن النظام السوري يقاتل حالياً ضد المعارضة في بلاده، ورغم أكثر من 22 ألف قتيل وعدد أكبر من الجرحى، لا يبدي أي مؤشر على التنازل، ولو حصل أمر سقوطه، فسيستغرق النظام الجديد زمناً طويلاً لتستقر الدولة السورية، وتوجد احتمالية عالية أن تتنازل الحكومة الجديدة عن العلاقات الخاصة مع إيران، وربما تقطعها تماماً، ويمكن أن تتخذ موقفاً مشابهاً من «حزب الله».

وهنا قد تتبنى حكومة «إسرائيل» نهجاً ديناميكياً تجاه الثورات في العالم العربي، وأن تبحث فيها عن الفرص، وإن كانت اليوم افتراضية فقط.

:: مجلة البيان العدد 302 شوال 1433هـ، أغسطس 2012م.

 

أعلى