مصر بين شقي الرحى!

واستنادًا إلى صور للأقمار الاصطناعية، فقد كشفت شركة «ماكسار» لتكنولوجيا الفضاء عن تدمير عدد من الطائرات المقاتلة المصرية الرابضة في مطار مروي شمالي السودان بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المطار.


«أعمال العنف المتواصلة في السودان بين الطرفين المتحاربين قد تمتد إلى كامل المنطقة، وربما أبعد منها»..

هذا التحذير أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عقب اندلاع الحرب الداخلية في السودان في يوم 15 أبريل الماضي، بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دوقلو الشهير بحميدتى.

لقد كانت أحد أهم الأسئلة البارزة والمثارة والتي طُرحت عند نشوب هذه الأزمة: هل ستمتد هذه الحرب إلى دول الجوار سواء الجغرافي أو الإقليمي وتؤثر على أمنها القومي؟ وهل من بين الدول التي ستمتد إليها تلك الحرب مصر؛ لما لها من روابط جغرافية تاريخية وسياسية واجتماعية مع السودان؟

ومما زاد من صحة هذه التكهنات، ما نشرته تقارير غربية عن مشاركة الجيش المصري في القتال الدائر في السودان؛ فقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أن مصر أرسلت طائرات حربية وطيارين لدعم البرهان، ودمَّرت طائرة مصرية مستودع ذخيرة تسيطر عليه قوات الدعم السريع.

وهذا ما صرَّح به حميدتي نفسه في قناة العربية، عندما قال في معرض حديثه عن عدد الضحايا في صفوف قواته: «إنه لا يستطيع حصر الضحايا، وأن الطيران المصري.. -ثم عدل كلماته للطيران الأجنبي- قام بتدمير عدد كبير جدًّا من القوات».

ولكن ما بدا فيه حميدتي مترددًا في تصريحه ذلك؛ أكده أحد قادته في تقرير صادر عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، والتي نسبت إلى المتحدث باسم قوات الدعم السريع عز الدين الصافي اتهامه للقوة المصرية بأنها تساند الجيش السوداني في حربه على قوات الدعم السريع بالغارات الجوية، وأن معظم القوة المصرية المشاركة تشمل طيارين وفنيي صيانة الطائرات.

ولام المتحدث باسم قوات الدعم السريع مصر؛ لمشاركتها في قصف قوات الدعم السريع في بورتسودان وأم درمان والخرطوم.

ثم تناول تقرير الصحيفة الأمريكية، نتائج ذلك القصف، وأسر الدعم السريع للقوات المصرية والذين وصل عددهم إلى ما يقرب من ثلاثين عسكريًّا ما بين جنود وضباط، في قاعدة مروي شمال السودان، بالإضافة إلى استيلاء قوات الدعم السريع على 7 طائرات مصرية كانت موجودة بالقاعدة.

ومما يؤكد تقرير الصحيفة الأمريكية: ما نشرته قوات الدعم السريع منذ بداية الأزمة؛ حيث ظهرت مجموعة من الفيديوهات لأَسْرهم كتيبة من الجيش والقوات المصرية في قاعدة عسكرية بمروي، كما أظهر فيديو آخر وجود مقاتلات مصرية.

واستنادًا إلى صور للأقمار الاصطناعية، فقد كشفت شركة «ماكسار» لتكنولوجيا الفضاء عن تدمير عدد من الطائرات المقاتلة المصرية الرابضة في مطار مروي شمالي السودان بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المطار.

وقد سارع قائد قوات الدعم السريع بعد ذلك ليطمئن الجانب المصري، ويؤكد على أن القوات المصرية الموجودة في مطار مروي بأمان، مؤكدًا أن القوات غير محتجزة. وأعرب دقلو في مقابلة مع سكاي نيوز عربية عن تقديره لمصر، خاصةً بعد تداول المقطع الذي يُظهر عناصر من الجيش المصري في مطار مروي يُعاملهم جنوده بإهانة وإذلال.

ولكن بعد تلك التصريحات من دقلو، والتي حرص فيها على طمأنة الحكومة المصرية، فوجئ الجميع بما أعلنته الخارجية المصرية عن مقتل مساعد الملحق التجاري المصري محمد الغراوي بينما كان في طريقه إلى مقر السفارة في العاصمة الخرطوم.

وقد بدت دوافع اغتيال الدبلوماسي المصري غامضة؛ فإما أنه بمثابة رسالة واضحة من قوات الدعم السريع إلى مصر بالابتعاد عن التدخل، أو يكون هناك طرف يريد بالفعل إجبار مصر على التورط في الصراع على نطاق عسكري كامل.

أما بالنسبة للجانب المصري، فتبدو التصريحات الرسمية المصرية قليلة، وغير متناسبة مع خطورة ما يحدث، وتعبّر في مجملها عن موقف الحياد وعدم الانحياز إلى أيٍّ من طرفي الصراع.

فبعد أَسْر الجنود المصريين مِن قِبَل الدعم السريع؛ أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية أن قواته كانت موجودة في السودان فقط لأغراض التدريب، وليس للانحياز إلى أيِّ طرف من أطراف الصراع.

وبعده، أعلنت مصر عن عقد اجتماع للمجلس الأعلى للجيش المصري (أعلى جهة عسكرية) برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقال: «إن ما يحدث في السودان هو شأن داخلي ولا ينبغي التدخل فيه، حتى لا يحدث تأجيج أو يتطور الصراع فيه بشكل لا يناسب السودان ولا المنطقة»؛ بحسب كلمة متلفزة.

وشدّد السيسي على أن مصر لن تتدخل في الشأن الداخلي للسودان، وستستمر اتصالاتها لوقف إطلاق النار، معربًا عن استعداد بلاده للعب دور إيجابي أو وساطة لإحداث هدوء واستعادة الأمن والاستقرار بين الفرقاء في السودان.

بينما في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأمريكية، ردد وزير الخارجية المصري سامح شكري نفس الكلام السابق، وأن مصر على اتصال مباشر مع الطرفين؛ للحثّ على ضبط النفس ووقف النشاط العسكري والعودة إلى الحوار.

ثم وجهت له الشبكة الأمريكية سؤالًا مباشرًا حول ما إذا كانت مصر تدعم الجيش السوداني، فأجابها شكري بقوله: «علاقتنا مع السودان تاريخية وتقليدية مع جميع الكيانات السياسية المختلفة في السودان، مشيرًا إلى تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي حول طبيعة الصراع باعتباره صراعًا داخليًّا؛ لذلك فإن مصر تلتزم الحياد».

ومما سبق نفهم أن هناك بَلْبَلة ونوعًا من الشكوك حول الدور المصري في ما يجري في السودان.

ولكن لماذا هذا الغموض وما ظهر أنه تردد؟ وما حقيقة الموقف المصري الحقيقي؟ وهل تغير هذا الموقف مع تطور الأحداث؟ وهل الحكم المصري لا يزال يدعم الجيش السوداني بزعامة البرهان كما قالت الصحافة الغربية؟ أم تغير ذلك الموقف بعد أن وصلته رسائل أسْر الجنود وتدمير الطائرات واغتيال الدبلوماسي، سواء جاءت هذه الرسائل من حميدتي أو من الجهة الرئيسة الداعمة له؟

ولكي نفسر هذه البلبلة وهذا الغموض وحقيقة الموقف المصري من حرب السودان لا بد لنا من تتبع ثلاثة مُحدِّدات:

طبيعة العلاقات التاريخية بين مصر والسودان وسماتها وخصائصها.

التفاعلات المصرية الداخلية وتأثير القوى الإقليمية.

انعكاسات التدخل المصري في السودان.

 

مصر والسودان... بين الاندماج والانفصال

المتتبع لتاريخ مصر والسودان يجد أن البلدين عاشا تاريخًا مشتركًا منذ أقدم الأزمنة وحتى العصر الحالي، إلى الدرجة التي يتعذر معها الحديث عن تاريخ مستقل بمصر أو تاريخ مستقل بالسودان.

فشعبا البلدين حتى استقلال السودان عام 1954م، كانا مزيجًا واحدًا لا يعرف التفرق.

صحيح أن مصر دولة مركزية بطبيعة جغرافيتها في دلتا ووادي النيل، وهذه المركزية جعلتها تتحكم في الأطراف، مع بقاء كل طرف متمسك بعاداته وتقاليده المختلفة عن المركز.

فمثلاً في غرب مصر والذي يمتد من غرب مدينة الإسكندرية وحتى مدينة السلوم، حيث الحدود مع ليبيا؛ نجد أن غالبية سكان تلك المناطق تغلب عليهم اللهجة والزي القبلي الليبي، ومثلهم في شرق مصر في سيناء حيث تغلب على سكانها العادات واللهجة والزي البدوي، بينما جنوب مصر والممتد من أسوان وحتى الحدود السودانية فيغلب على أهل هذه المناطق العادات واللهجة والزي السوداني.

ومما يدل على الطبيعة المركزية للدولة المصرية، نجد مثلاً أنه بالرغم من أن عدد سكان مصر يقدر بأكثر من ضعف عدد سكان السودان، الا أن غالبيتهم موزعون على خمس آلاف قرية، بينما تبلغ عدد قرى السودان ما يربو على ستين ألف قرية، فهذه المركزية تزيد من قبضة السلطة المصرية على البلاد، وتزيد من درجة خضوع المحكومين لتلك السلطة، عكس الوضع السوداني الذي يتمتع فيه سكانه بدرجة أكبر من التحرر في علاقة سكانه بحكوماتهم.

وقد كان ما يُعرف بالاتحاديين السودانيين القوة العليا في استمرار الوحدة مع مصر في ظل الأجواء السياسية المنفتحة، والتي سادت مصر قبل عام 1952م، ولكن بوصول الجيش للحكم في مصر وبروز قمعه واستبداده، انقلب الاتحاديون السودانيون ليتجمعوا مع دعاة الانفصال مطالبين بالاستقلال عن مصر؛ حيث تم لهم ما أرادوا.

وبالرغم من الانفصال، إلا أن روح الود والتآزر بين الشعبين ظلت كما هي، ففي أعقاب هزيمة حرب عام 1967م، وبعد ضرب الكيان الصهيوني للمطارات المصرية وتخريبها، لم تجد الحكومة المصرية بُدًّا من مطالبة السلطات السودانية باستقبال ما تبقى من سلاح الجو المصري، فنزلت هذه الطائرات في قاعدة وادي سيدنا الجوية في الخرطوم حتى تكون بعيدة عن مرمى طيران العدو الإسرائيلي، وكذلك نُقلت الكلية الحربية المصرية إلى السودان.

وباستعراض سمات علاقات النظم السياسية في كل من مصر والسودان منذ استقلالهما، نجد أن الحكم العسكري كان السمة المميزة للنظام المصري، في حين شهد السودان تقلبًا بين انقلابات عسكرية، وحكم مدني ديمقراطي.

ولذلك فإن قوة العلاقات بين البلدين شهدت تذبذبًا، فكانت تبلغ ذروة القوة إذا كان هناك حكم عسكريّ في السودان، مثل عهد جنرالي الجيش: إبراهيم عبود وجعفر نميري، ثم لا تلبث أن تتوتر أو يصيبها الفتور إذا كان رأس الحكم السوداني مدنيًّا، خاصةً إذا كان من بيت المهدي والذي يُكِنّ عداءً تاريخيًّا مع الحكم المصري.

ولكن بعد وصول عمر البشير إلى الحكم عام 1989م بانقلاب عسكري، برز عامل جديد في العلاقة بين نظام الحكم في كل من البلدين؛ ألا وهو النهج الإسلامي لحكومة البشير.

وتردد الحكم المصري في دعمه، ففي البداية كان يعتقد أن البشير مجرد ضابط جاء بحكم عسكري متوافق مع الحكم في مصر، فدعمه وتلاقى معه، ولكن بعد ما بدأت التوجهات الإسلامية للحكم السوداني في الظهور؛ حتى قلب له ظهر المجن.

وظلت العلاقات بين البلدين متوترة طيلة العشر سنوات الأولى من حكم البشير، والذي كان لا يُخفي وجه النظام الإسلامي، ولكن بعد ذلك عندما بدأ نظام البشير يكتسي بطابع البراجماتية ويُخفي توجهاته ويصطدم بمجموعة الترابي في الحكم، بدأت العلاقات في التحسن بين الحكمين السوداني والمصري.

وقبل أن نغادر تلك المراحل التاريخية يجب أن نقف عند حادثة تاريخية لها مدلولاتها الحاضرة، وهي ضرب جزيرة آبا السودانية مِن قِبَل نظام نميري في مارس عام 1970م؛ حيث أعلن الأنصار بزعامة المهدي وبالتنسيق مع مجموعات إسلامية الاصطدام بالحكومة العسكرية السودانية، والتي كانت متحالفة في ذلك الوقت مع اليسار السوداني بجناحيه القومي والشيوعي، وبالرغم من أن الجيش السوداني طلب من الحكومة المصرية مشاركة طائراتها في ضرب المعارضين السودانيين، وكانت هذه الطائرات رابضة في مطارات السودان في حمايته من القصف الصهيوني، تلكأت مصر في الاستجابة، واكتفت بإرسال طائرات لرمي منشورات سودانية تحضّ الأنصار على الاستسلام، وإن كانت هناك روايات غير محققة حول مشاركة فعلية للطيران المصري في القصف.

الحكم المصري والتغيير  

استمد الحكم المصري قوته منذ عام 2013م من دعامتين رئيستين:

الدعامة الأولى تمثلت في دعم إقليمي هائل من قوى إقليمية، رأت أن الفوضى الناتجة عن الربيع العربي ستمتد إلى أراضيها، فاستمرار هذا الربيع سيعمل على تخلخل الوضع المستقر لدول الشرق الأوسط.

ووفقًا لوكالة أسوشييتد برس الأمريكية، فقد قدمت تلك القوى الإقليمية لمصر منذ عام 2013م أكثر من مئة مليار دولار.

وفي نفس الوقت فإن هذه القوى الإقليمية، رأت أن ربط الحكم المصري بالمعونات الضخمة المقدمة له سيجعله تابعًا لأهدافها الاستراتيجية، وليس صاحب استراتيجية مستقلة قد تعرقل طموحات هذه القوى.

أما الدعامة الثانية في الحكم المصري منذ 2013م، فتتمثل في استناده إلى تأييد المؤسسة العسكرية لهذا الحكم، خاصةً أن على رأسه هو أحد رجالات تلك المؤسسة.

وبذلك أصبح لزامًا على من يقف على رأس الحكم المصري استرضاء المؤسسة العسكرية وزيادة تغلغلها وسيطرتها على الحياة المدنية بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقة العسكرية المدنية في مصر.

فأصبح هناك جيش قوي مسيطر ومتغلغل اقتصاديًّا واجتماعيًّا وتقريبًّا في كل مناحي الحياة الإدارية المصرية، لا يكتفي بالسيطرة على القطاع الاقتصادي والإنشائي في مصر، حتى بات يُنظّم مسابقات الأئمة الذين يتم تعيينهم ليشرفوا على المساجد المصرية بعد تلقّيهم دورات لعدة أسابيع أو أشهر في معسكرات الجيش المصري، وامتد إشراف القوات المسلحة أيضًا على مسابقات تعيين المعلمين في المدارس المصرية.

ولكن هذه السيطرة أدت إلى شبه انهيار في الاقتصاد المصري بعد عشر سنوات من سيطرة الحكم المصري بشكله الحالي، وبإجماع الخبراء المتخصصين فإن مصر تمر بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها.

وتتمثل المؤشرات العلمية والتي تبرز الهوة التي بات يسقط فيها الاقتصاد المصري، في أمرين: البيانات الرسمية الصادرة من الحكومة المصرية، ثم توصيات المؤسسات الاقتصادية العالمية للمستثمرين؛ حيث يؤثر خفض التصنيف الائتماني لأي دولة بشكل مباشر وسلبي في صورتها وسُمعتها، ويقلل كثيرًا من قُدرتها على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات.

فقد أظهرت البيانات الرسمية المصرية، ارتفاع التضخم السنوي في مصر إلى 33,9% خلال مارس الماضي صعودًا من 32,9% في فبراير السابق له، مسجلًا أعلى مستوى له على الإطلاق، وجاء ارتفاع التضخم غير المسبوق في أعقاب نقص طويل الأمد في العملات الأجنبية والتأخيرات المستمرة في دخول الواردات إلى البلاد، وسلسلة من التخفيضات في قيمة العملة بدأت في مارس 2022م وتأخيرات مستمرة في إدخال الواردات إلى البلاد.

بينما يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز في ميريلاند ستيف هانك، المتخصص في التضخم: إن نسبة التضخم الحقيقية السنوية تصل إلى 88%!!

وفي شهر مايو الحالي أوصت مؤسسة فيتش بخفض التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية إلى درجة (B) مع نظرة مستقبلية سلبية، وتحدثت الوكالة في بيان لها عن أن كل ذلك يأتي على خلفية حالة من الغموض الشديد في مسار أسعار الصرف وتراجع احتياطات السيولة الخارجية. وتوقعت الوكالة أن يتأثر النمو في مصر بسبب التضخم ونقص العملة الأجنبية وتشديد السياسة المالية وزيادة عدم اليقين الاقتصادي.

وفي شهر أبريل الذي سبقه قدرت ستاندرد آند بورز احتياجات التمويل الخارجي لمصر بـ17 مليار دولار للعام المالي الحالي 2022/2023م، و20 مليار أخرى للعام التالي، وثمة 26 مليار دولار من هذا المبلغ مطلوبة لتمويل عجز الحساب الجاري على مدى العامين.

وتوقعت وكالة التصنيف انخفاض العملة المحلية بنسبة 53% في العام المالي 2022/2023، على أن تواصل التراجع بشكل طفيف في الأعوام التالية.

وقد أسفر هذا الانهيار الاقتصادي عن أن ثلث سكان مصر -البالغ عددهم 104 ملايين- قد أصبحوا تحت خط الفقر وفق البنك الدولي، وهناك ثلث آخر معرّضون لأن يصبحوا فقراء.

الأمر الذي جعل القوى الإقليمية الداعمة للحكم المصري، في موقف صعب وتنتقد أداء المنظومة العسكرية القائمة.

فقد كتب خالد الدخيل في تغريدة على حسابه في تويتر، يقول: «إن ما يحدث لمصر في السنوات الأخيرة، يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952م»، وأضاف الدخيل «أن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف».

فالقوى الإقليمية باتت تعتبر نظام الحكم المصري عبئًا عليها، وفي نفس الوقت عجزت عن تطويع هذا الحكم إلى خدمة أهدافها الاستراتيجية وطموحاتها الإقليمية بشكل كامل، وهنا تصاعد الحديث لدى هذه القوى عن ضرورة تغيير ناعم يجب أن يحدث في قمة هذا النظام ليستجيب لمطالب هذه الدول وأن يكون البديل مدنيًا.

الحرب في السودان والمأزق المصري

مثَّلت لحظة الحرب الداخلية مأزقًا إضافيًّا لدى الحكم المصري، فلم تترك القوى الإقليمية الفرصة له لكي يتحكم في مجريات الأمور.

فقد نشرت فايننشال تايمز تقريرًا خطيرًا عن انسحاب القوى الاقليمية من الاستثمار في مصر بالتزامن مع اشتعال الحرب في السودان، وسط مخاوف من تدخل الجيش المصري لصالح الجيش السوداني.

وفي نفس الوقت فإن هذه القوى أصبحت تضع شروطًا قاسية لبرنامج إصلاح اقتصادي لا توافق الحكومة المصرية على بنود فيه، خاصةً ما يُنهي سيطرة الجيش على الاقتصاد واحتكاره.

فصانع القرار المصري واقع في مأزق شديد؛ أنه مطلوب منه أن ينقذ الاقتصاد المصري بالحفاظ على عمقه الاستراتيجي، سواء في قضية المياه وسد النهضة أو باعتبار السودان كعمق غذائي زراعي حيواني لمصر، وفي نفس الوقت فإن تدخله ذلك سيحرم اقتصاده من الداعمين له، ومن ثم سينهار.

فهل ستكون الحرب السودانية بداية النهاية لاستمرار الحكم المصري؟ ومن ثم انتقال الدولة إلى طور جديد يشهد بداية حكم جديد، أو أنه الدخول في سيناريو الفوضى، وهذا على ما يبدو خيارًا مستبعدًا لسببين؛ الأول هو أنه ليس هناك مصلحة لدول الإقليم أو حتى القوى الدولية في انتشار الفوضى في مصر؛ لأن هذه الفوضى ستمتد وتنتشر وستطول أضرارها الجميع.

أما السبب الثاني -وهو الأهم والحاسم- فهو أن المؤسسة العسكرية المصرية لا تزال هي النواة الصلبة التي تحفظ للدولة المصرية تماسكها، وتاريخيًّا لم تشهد تلك المؤسسة انقسامًا عسكريًّا أو وجود قوة عسكرية أخرى موازية ومُنافسة لها كما الحال في السودان، وتبدو البنية العسكرية العتيدة متماسكة على الأقل في ظاهرها، ونجحت في إدارة خلافات قادتها طوال تاريخها بعيدًا عن العلن والإعلام.

في النهاية إن الحرب في السودان قد تُعجِّل وتُسرِّع خيار التغيير المؤجَّل في مصر، بعد أن تكون القوى الاقليمية قد رفعت عن رأس الحكم غطاء الدعم بعد أن أصبح عائقًا لطموحاتها ومشروعاتها الإقليمية، وبعد أن شعرت قيادات المؤسسة العسكرية أن التغيير الذي يتم من خلالها بات لا يحتمل التأجيل خوفًا من الفوضى القريبة.

أعلى