هل يصبح السودان خاتمة التيه؟!

إذا أردنا استجلاء أسباب هذا التقهقر العام في المسلمين على صعيد الحكومات والمجتمعات، حتى كاد يغيب النموذج المقبول ولو بأدنى درجات الإجزاء بله المنشود، فسوف نرى أن المصير المحزن الذي آلت إليه ديار المسلمين يعود إلى أسباب يسندها الدليل الشرعي، ويرويها التاري

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وبعدُ:

تعاني الأمة الإسلامية بمجملها من حال تِيه وشتات في جوانب عديدة من شؤونها المختلفة، وهو وضع طارئ ليس خلاف الأَولى والمأمول فقط؛ بل هو نقيض النتيجة الطبيعية التي تؤدي إليها العوامل المجتمعة في الأمة من أسباب وحدة، وتعداد سكان، وتوافر ثروات، وامتلاك مواقع، وأعظم من هذا كله اتباع الدين المرتضى من الرب الجليل سبحانه وتعالى.

وإذا أردنا استجلاء أسباب هذا التقهقر العام في المسلمين على صعيد الحكومات والمجتمعات، حتى كاد يغيب النموذج المقبول ولو بأدنى درجات الإجزاء بله المنشود، فسوف نرى أن المصير المحزن الذي آلت إليه ديار المسلمين يعود إلى أسباب يسندها الدليل الشرعي، ويرويها التاريخ، وتؤكدها التجارب الحاضرة.

فأولها: المسافة البعيدة بين واقع المسلمين ولوازم دين ربهم سبحانه وسُنّة نبيهم -عليه الصلاة والسلام-، وهو ابتعاد يصل أحيانًا إلى درجة الفجوة الشديدة، وربما العداء والبينونة التي ليس لها ما يسوّغها؛ إذ يمكن لأيّ حكومة اضطرت إلى الانحراف –حسب تقديرها- ألّا تجبر الناس عليه، وتلجئهم إليه بالإكراه عبر أنظمة وإجراءات وسبل قهر وغصب، وهذا المسلك الإجباري قد ينفي الاضطرار، ويؤكد أن الفعل مُراد بذاته!

وثانيها: الغياب شبه التام لأهل العلم والرأي والمشورة والحكمة عن المشاركة في إدارة الشأن العام، وتقويم السياسات، والإنكار الشرعي على المنحرف، وإعادة المسير إلى جادة الصواب، وإذا غاب هؤلاء فغياب جمهرة الناس وعامتهم يغدو حتميًّا، ولن تنجو أمة يستفرد بها فئة قليلة، ويُقْصَى عن الأمر سوادها الأعظم.

كذلك من الأسباب: التَّسلُّط الأجنبي والمكر المتواصل مِن قِبَل الأعداء والمستفيدين من وضع الأمة في خانة المفعول به الصامت الذي لا حراك به ولا منه سوى الطاعة والاستهلاك، ومهما كانت دوافع الأمم والقوى الأخرى من دينية أو سياسية أو اقتصادية؛ فإن مصالحهم أيًّا كان مبعثها تُوجب عليهم فِعل ما يرونه الأجدى لهم؛ فمتى تغدو مصالح الأمة العليا والعامة هي المُحرّك الأعظم لها؟!

أخيرًا: يمكن الإشارة إلى أن بلاد المسلمين المصابة ببلاء التغريب أو الفقر أو الحروب أو التخلف أو استلاب السيادة أو غير ذلك؛ قد تولَّى إدارة شؤونها في بعض البلدان أقوامٌ أظهرت الأيام والأرقام والمقارنات أنهم ليسوا أهلًا للمسؤولية، وأنهم لا يُحسنون تمثيل الغالبية، ولم يتخلّصوا من التبعية، ولم يَصْدُقوا في العبودية، فمتى تخرج بلاد العرب والمسلمين من نفق التيه المظلم الطويل؟!

 

أعلى