• - الموافق2024/05/17م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل يعيد الملك الجديد الرؤوس المقطوعة؟

تم جلب الأفارقة مرات عديدة إبَّان تلك الحقبة، ووُضِعُوا في أقفاص في حدائق الحيوانات بجانب القرود للتدليل على أنهم أقل من البشر.


منذ أيام قلائل رحلت الملكة اليزابيث، وتولَّى ابنها تشارلز سُدَّة المُلك من بعدها، وفي خطابه الأول كمَلِك جديد لجموع الشعب البريطاني تعهَّد بأن يسير على خُطا والدته.

لكنَّ تشارلز إبَّان عهدته الطويلة في ولاية العهد كانت له طموحاته التغييرية؛ حيث كان يرغب في تقليص عدد الأنشطة التي يشارك فيها كمَلِك. كما صرَّح أيضًا بأنه لن يمانع في انفصال أي من الدول التابعة للتاج البريطاني؛ شريطةَ أن يتم ذلك «بهدوء ومن دون أيّ ضغائن»، مضيفًا «أن لكل شعب الحق في اختيار مصيره؛ إما أن يكون ملكيًّا أو جمهوريًّا».

وبخلاف المعمول به؛ حيث يتعين على العائلة الملكية ألا تُبْدِي مواقفها صريحة أمام الجماهير تجاه الإجراءات الحكومية، وإن كان ذلك متاحًا لأعضاء البرلمان والحكومة؛ فقد أعلن تشارلز موقفه من ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، ورأى أن هذا القرار الحكومي خطأ وغير إنساني، ولا يتناسب مع القِيَم البريطانية.

 كل ذلك ربما يكون جيدًا، لكن هل يستطيع الملك الجديد الاستجابة لبعض الطلبات لدى الشعوب التي قُهِرَت إبَّان حكم والدته اليزابيث؟

فالكينيون مثلاً يطالبون برؤوس زعمائهم التي قطعها جنود الملكة، ثم أخذوها معهم إلى بريطانيا ولم يعيدوها حتى الآن.

وقلائد التاج الملكي الذي رُصِّعَ بها أيضًا جُلِبَت من رقاب حُذَّت من فوق أكتاف أصحابها. فهل يستطيع الملك الجديد إعادة الأموال المسلوبة؟

يعود التاريخ الاستعماري لكينيا إلى تأسيس ألمانيا محمية في المناطق الساحلية في عام 1885م، تلاها وصول شركة إمبريال البريطانية لمنطقة شرق إفريقيا في عام 1888م. ثم سلمت ألمانيا ممتلكاتها الساحلية إلى بريطانيا في عام 1890م. فشرعت بريطانيا في بناء ما يسمى «لوناتيك إكسبريس»؛ وهو خط سكة حديد يمتد من ميناء مومباسا على المحيط الهندي في كينيا عبر أراضي عِرقية ناندي في الوادي إلى بحيرة فيكتوريا في أوغندا.

وانتفض شعب ناندي يقاوم هذه الخطوة؛ حيث رأى أن البريطانيين ينهبون خيرات بلادهم، ويقتلون مواشيهم، ويقتطعون أراضيهم لصالح البيض بقيادة زعيمهم أوركيوت كويتال أراب ساموي لمدة عشر سنوات من عام 1890 إلى عام 1900م.

لكن البريطانيين ارتكبوا ضد هذه الانتفاضة مجازر بشعة، ووضعوا هذا الشعب في محمية طبيعية تحيط بها الأسلاك من كل جانب، تمامًا مثل المحميات الطبيعية المنتشرة الآن في إفريقيا لحماية الحيوانات النادرة من الانقراض، لكن كان الغرض من هذه المحميات البشرية حماية البريطانيين من شعب ناندي، ومنعهم من تعطيل بناء خط السكك الحديدي، وكانت أول مجموعة عِرْقية يتم وضعها في محمية.

ولا عجب في ذلك، فقد تم جلب الأفارقة مرات عديدة إبَّان تلك الحقبة، ووُضِعُوا في أقفاص في حدائق الحيوانات بجانب القرود للتدليل على أنهم أقل من البشر.

أما أوركيوت كويتال أراب ساموي فقد قام البريطانيون باستدراجه ورفاقه إلى اجتماع للتفاوض والحوار معه، لكن بدلًا من ذلك غدروا به وقتلوه هو وعدد من رفاقه بالرصاص. ثم قاموا بعد ذلك بقطع رأس هذا الزعيم الروحي لشعب ناندي. وتم نقله إلى إنجلترا كغنيمة حرب، أو لنقل: إنها محاولة للاحتفاظ بتلك الرأس بعيدة عن موطنها؛ خشيةَ أن يتسرب من بين عظامها المفتَّتة عدوى المقاومة والحرية لبقية الشعوب الإفريقية.

لقد قتل البريطانيون 20 ألفًا من عرقية ناندي خلال هذه الانتفاضة، ونزح آلاف آخرون عندما استولت السلطات البريطانية على 140 ألف فدان من الأراضي الخصبة التي تستخدمها الآن الشركات البريطانية متعددة الجنسيات لزراعة الشاي.

وفي عام 2006م، أعاد ورثة العقيد في الجيش البريطاني ريتشارد هنري مينرتزهاجين، الذي قيل: إنه مَن قتل ساموي، عصًا للمشي وهراوة إلى كينيا كانت مِلْكًا للزعيم القبلي.

ويقوم الكينيون ونُخَبهم السياسية والثقافية بمطالبة بريطانيا في كل مناسبة بإعادة رأس زعيمهم ليتم دَفْنها بالشكل اللائق. فهل يقبل الملك الجديد؟

من جهة أخرى وخلال الاستعمار البريطاني لجنوب إفريقيا الذي بدأ رسميًّا سنة 1815م، عانى السود (سكان البلاد الأصليون)، كثيرًا من المعاملة القاسية، خاصةً بعد تشجيع بريطانيا على انتقال المستوطنين إلى المنطقة لتطوير الزراعة والصناعة والتجارة هناك.

واحتلت بريطانيا جنوب إفريقيا، والتي كانت تسمى كيب تون، واستغلوا السود وجعلوهم عمالاً بالسخرة في مناجم الذهب والماس التي كانت تَعُجّ بها تلك البلاد، ولم يَجْنِ سكان البلاد الأصليون من ذهبهم غير الموت والقهر والظلم. وعندما ثاروا فقط من أجل الحصول على لقمة عيش لزوجاتهم وأبنائهم كان مصيرهم حرق قراهم واعتقال الأحياء منهم في معسكرات اعتقال بشعة.

وفي يوليو 1900م، أمر الفيلدمارشال روبرتس قواته باعتقال 2500 من النساء والأطفال ونقلهم كرهائن إلى معسكر اعتقال أُقيم في منطقة الترانسفال في جنوب إفريقيا، كما أمر الجنرال سير أرتشيبلد هنتر في أكتوبر من نفس السنة بإحراق مدينة بوتهافيل. كما أمر اللورد كتشنر قيادة القوات البريطانية في جنوب إفريقيا بإحراق بلدات عدة من بينها: ريتز وأرميلو وباريز وليندلي وكارولاينا.

وبأيدي مئات من العبيد السود البؤساء تم استخراج أكبر وأنقى ماسة في العالم من مناجم الماس في جنوب إفريقيا 1905م، والتي يملكها بالطبع رجل بريطاني، وأطلق عليها «كولينان»، وهي اسم مَالِك المنجم البريطاني.

بعد عامين لم يتقدم أحد لشرائها فقامت حكومة الاحتلال البريطاني في جنوب إفريقيا بشرائها، ثم تم إهداؤها للملك البريطاني إدوار السابع. هذه الماسة هي التي تُرصّع تاج الملك تشارلز الآن، فهل يعتذر الملك الجديد ويُعيد الماسة إلى أهلها؟

أما في نيجيريا فقد نهبت بريطانيا الاستعمارية تراث البلاد؛ مثل الأعمال البرونزية التي تُعدّ من بين أفضل الأعمال الفنية التي أنتجتها القارة الإفريقية؛ فهي أعمال فنية لا تُقدَّر بثمن مصنوعة من معادن البرونز والنحاس الأصفر والعاج صُنعت بدقة متناهية لتزيين القصر الملكي للأوبا أوفونراموين نوجبيسي في مملكة بنين (نيجيريا الحاليّة)، وتطالب نيجيريا الآن باستعادتها منذ عقود، فقد استولى عليها الجيش البريطاني في غارة على مملكة بنين سنة 1897م.

لكن كان رد حكومة صاحبة الفخامة: «إن بقاء هذه القِطَع في المتاحف البريطانية أكثر أمانًا لها من عودتها إلى بلدانها الأصلية». تمامًا مثل الرأس المقطوعة، والماسة المنهوبة، والأفراد السود في الأقفاص الذين كان يلهو بهم أطفال البيض... فهل يكون لحكومة الملك الجديد ردّ مختلف؟

 


أعلى