• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الجيش الباكستاني وأمريكا.. العلاقات والتداعيات

باكستان - بلا شك - مركز ثقل خطير للأمة الإسلامية، فهي دولة تم تأسيسها على الدين عندما انفصل مسلمو الهند ليكوِّنوا لهم دولة بعيداً عن الهيمنة الهندوسية.


في أعقاب عزل البرلمان الباكستاني لرئيس الوزراء عمران خان بعد سحب الثقة منه منذ أسبوعين، ثارت تساؤلات عديدة حول حقيقة الدور الخفي للجيش الباكستاني في عزله، وهل دوافع الجيش في ذلك ترتبط بضغوط خارجية مارستها قوى كبرى كالولايات المتحدة خاصة بعد اتهامات مباشرة من جانب عمران خان لأمريكا بالسعي للإطاحة به.

أم أن سعي الجيش الخفي لعزل رئيس الوزراء - على فرض صحة تلك الحقيقة - يرجع لخلافات شخصية بين عمران خان وقيادات الجيش، وما يتردد من أن رئيس الوزراء الباكستاني قد سعى لاستخدام سلطاته في تغيير قيادات الجيش التي لا تتوافق معه للإتيان بقيادات موالية له، وأن الأمر لا يرتبط بأجندات خارجية كما يرى بعض المحللين؟

باكستان - بلا شك - مركز ثقل خطير للأمة الإسلامية، فهي دولة تم تأسيسها على الدين عندما انفصل مسلمو الهند ليكوِّنوا لهم دولة بعيداً عن الهيمنة الهندوسية.

وفي ذلك البلد يوجد مائتا مليون مسلم، يمثلون تقريبا 11% من مسلمي العالم. ويمكن عدُّها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عددُ المسلمين، كما تُعدُّ باكستان الدولة الإسلامية النووية الوحيدة، ولذلك من المهم تتبع ما يحدث فيها من تطورات متلاحقة تؤثر على وضع الأمة في العالم.

وفي العقود الأخيرة كان العامل الداخلي الأبرز في صناعة القرار السياسي الباكستاني هو قواتها المسلحة، في حين لعبت الولايات المتحدة الأمريكية الدور الخارجي الأكبر في التأثير على سياسات تلك الدولة لاعتبارات عديدة.

لذلك من الأهمية بمكان لاستشراف مستقبل تلك الدولة دراسةُ العلاقات بين الطرفين سواء الأقوى داخلياً أو خارجياً، ومعرفة القواعد التي تتحكم فيها، وهل هي علاقات تبعية أم علاقة ندِّية أم هي لعبة القط والفأر؟

لذلك ستتناول هذه المقالة عنصرين:

الأول: نظرة الجيش الباكستاني للعلاقات مع الولايات المتحدة.

الثاني: موقع الجيش الباكستاني في الإستراتيجيات الأمريكية الموجهة لهذا الجزء من العالم.

أمريكا في المنظور العسكري الباكستاني:

تلعب عوامل عديدة في تحديد مواقف جنرالات الجيش الباكستاني من الولايات المتحدة: منها النشأة والتدريب، ومنها التقاء المصالح أو تعارضها.

من حيث النشأةُ ترجع الأصول التاريخية للمؤسسة العسكرية الباكستانية إلى ما قبل الاستقلال عام 1947م إلى المدرسة البريطانية نظراً لاحتلال بريطانيا الهندَ، وتتشابه بنية وهيكلة الجيش الباكستاني بصورة كبيرة مع بنية الجيش الهندي البريطاني في نهاية القرن التاسع عشر، ومن تأثُّر العسكرية الباكستانية بالبريطانية تأسست الأكاديمية العسكرية الباكستانية عام 1947م لتكون على نمط الأكاديمية العسكرية البريطانية في ساند هيرست؛ حتى أن أوائل الخريجين من الأكاديمية العسكرية الباكستانية كانوا يلتحقون بساند هيرست.

ومع منتصف خمسينيات من القرن الماضي، ومع  نزع المعسكر الغربي قيادته من بريطانيا وتسليمها إلى الولايات المتحدة، توجه الجيش الباكستاني في ثوبه الجديد تسليحاً وتدريباً نحو الولايات المتحدة، وبالتحديد في كلية القادة والأركان بالولايات المتحدة الأمريكية.

وتلخص صحيفة (ذا كريستيان ساينز مونيتور) الأمريكية ما يجري في الدورات التدريبية التي تتم للضباط الباكستانيين في الولايات المتحدة في كلية القيادة والأركان العامة في فورت ليفنوورث في ولاية تكساس إذ تقول: إن ما يقرب من مائتين وستين ضابطاً أجروا دورة في عام 2008م.

وتضيف الصحيفة، أن هؤلاء الضباط الأجانب يقومون بزيارة الولايات المتحدة ليس فقط لتعلم الثقافة العسكرية والتكتيكات والتاريخ بل أيضاً لصنع علاقات دائمة معهم.

ويقول مسؤول سابق بالقيادة المركزية العسكرية الأمريكية الأدميرال مايك مولن وقد كان يشغل رئيس هيئة الأركان المشتركة: إنه أصبح من الأهمية بمكان أن تسعى الولايات المتحدة لمضاعفة عدد الضباط في هذه الدورات في غضون خمس سنوات. وأردف قائلاً: إنه عامل حيوي للتعامل مع باكستان على المدى الطويل وبطرق إيجابية.

ويبدي الجنرال ديفيد باتريوس قائد القيادة المركزية للقوات الأمريكية السابق الحسرة على أن جيلاً كاملاً من الضباط الباكستانيين لم تتح لهم الفرصة لزيارة الولايات المتحدة بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الجيش الباكستاني في حقبة التسعينيات من القرن الماضي بسبب البرنامج النووي لباكستان، في حين يصرح وزير الدفاع الأمريكي في ولاية أوباما روبرت غيتس بأن إعادة بناء العلاقات مع جيل من الضباط الباكستانيين الذين لم يكن لهم أي اتصال بالجيش الأمريكي ستستغرق سنوات.

ويبدو أن الخبراء في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية في تقرير صادر أواخر عام 2010م كانوا يعوِّلون على هذه النقطة فهم يعبِّرون عن ندمهم في فقدان الوصول إلى جيل قادة العسكريين الباكستانيين بسبب استبعادهم من البرامج التعليمية العسكرية الأمريكية.

ولا شك أن هذه الدورات تركت أثراً على عقلية وفكر الضباط الباكستانيين الذين انبهروا بالثقافة والتاريخ وما أطلقوا عليه الحضارة الأمريكية، فالجنرال محمود أحمد أحد قادة الانقلاب الذي قام به برويز مشرف عام 1999م، ورئيس الاستخبارات الباكستانية إبَّان أحداث الحادي عشر من سبتمبر عبَّر عن انبهاره بالتاريخ الأمريكي العسكري؛ خاصة أن أطروحته في كلية الدفاع الوطني الباكستانية كانت عن معركة جيتسبورج وهي موقعة شهيرة في الحرب الأهلية الأمريكية، وفي إحدى زيارته لأمريكا نظمت له الإدارة الأمريكية جولة في أرض المعركة تلك إذ أبدى تحمساً شديداً لدقائق وتفاصيل هذه المعركة وهو يراها على الطبيعة.

وقد نقلت صحيفة (واشنطن تايمز) تصريحات للجنرال جون كاستر قال فيها: إن القادة العسكريين الباكستانيين القدامى يحبوننا فهم يفهمون الثقافة الأمريكية ويعلمون أننا لسنا العدو لباكستان.

لكن في الوقت نفسه تنامت مشاعر الكره والغضب والإحباط من الولايات المتحدة في سلك الضباط الباكستانيين مع الوقت، نتيجة السياسيات الأمريكية المتقلِّبة في باكستان التي ثبت لهؤلاء الضباط أنها تتبع المصلحة الأمريكية فقط لا غير.

وكان من الضروري لهؤلاء الضباط أن يفقهوا تلك البديهية من قبل ولكن نظراً لأنهم أمضوا مدة من التدريبات داخل الولايات المتحدة، هذه التدريبات كما أسلفنا كانت تقوم في جزء كبير منها على زرع الولاء والحب والتعلق بالنموذج الأمريكي؛ فقد ظهر الصراع بداخلهم، ولكن نظراً لارتباطات هؤلاء الوطنية والعقدية فإن ترجيحهم للمصلحة الباكستانية كان الغالب مع الأخذ في الاعتبار أن الأمر لا يخلو من وجود عدد محدود من الضباط الذين يميلون للتوجه الأمريكي.

يذكر الصحفي الباكستاني زاهد حسين أنه أثناء الاحتلال الأمريكي لباكستان فإن عميداً بارزاً في الجيش الباكستاني في المخابرات الباكستانية قال له: أكره العمل مع الأمريكيين وأتمنى أن يغوصوا في مستنقع أفغانستان.

فكُرْه الأمريكيين من جانب عسكر باكستان كان تاريخياً، ففي الحروب التي خاضها الجيش الباكستاني مع الهند؛ لم تقف أمريكا معهم في هذه الحروب على الرغم من وجود كثير من المعاهدات والأحلاف بينهم، ووقفت موقفاً محايداً وكأنها لا تريد خسارة العلاقات مع الهند العدو التاريخي لباكستان.

ويبدو أن هذا الكره ترسخ وازداد عمقاً بعد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان، إذ تبعه انسحاب أمريكي آخر من المنطقة برمَّتها وترك باكستان لتواجه مصيرها بنفسها.

ولا شك أن قلة الثقة بالأمريكان قد شعر بها الضباط الأمريكان في الرتب الأدنى الذين يتعاملون بصورة دورية مع الضباط الباكستانيين، يقول أحد هؤلاء الأمريكان: لقد تقابلت وتعاملت مع مختلف أفراد الجيش الباكستاني بدءاً من رئيس الأركان نزولاً إلى كافة الجنرالات في الأركان المشتركة في كافة الخدمات، ولم أتحدث إلى أحد يحبُّنا بصرف النظر عما يعنيه ذلك... في الحقيقة لقد قرأت معظم التقييمات عالية السرية لكافة جنرالاتهم ولم أقرأ أي تقرير منهم يقترب حتى من كونهم يحبوننا... إنهم يتلاعبون بنا ليحصلوا على أي شيء يمكنهم الحصول عليه ونحن نخطئ في حق أنفسنا بإعطائهم كل شيء يطلبونه ولا يستطيعون دفع مقابله.

وهناك مسؤول أمريكي كبير سابق في إدارة بوش كان صريحاً بالقدر نفسه إذ قال: إذا ما تحدث الجنرالات الباكستانيون إليك بشأن أصولهم النووية وإذا كانت شفاهه تتحرك فإنه يكذب؛ إن الباكستانيين لن يشركوا أي أحد في أسرارهم وبالأخص مع دولة استخدمتهم من وجهة نظرهم ككوب بلاستيكي رمته بعدما استنفدت هدفها منه.

ولكن هؤلاء الضباط الباكستانيون يغلب عليهم البراغماتية أو بالتعبير الأصولي الموازنة بين المصالح والمفاسد بصرف النظر عن انتماءاتهم الإسلامية أو الوطنية أو حتى العلمانية، يقول برايان كلوفلي الذي خدم ستة سنوات ضابطاً ملحقاً بوزارة الدفاع الأسترالية إلى باكستان ويعمل الآن محرراً متعاوناً مع موقع جينز سنتينال: لا يمكن وصف الضباط الباكستانيين على أنهم موالين للأمريكان، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يعلمون أي جانب من خبزهم هو المدهون بالزبد؛ في إشارة إلى الجانب الذي يتلقون المصلحة منه.

وعلى سبيل المثال لم يسمح لأي أمريكي بأن يصل إلى عبد القدير خان الذي يطلق عليه أبو القنبلة الباكستانية، والذي قايض أجزاء حساسة من الأسلحة النووية في السوق السوداء الدولية. وقد وضعه مشرف قيد الإقامة الجبرية في أوائل عام 2004م زاعماً أنه شعر بالصدمة بعدما علم بتعاملات خان، ولكن تم إطلاق سراح خان بعد عدة شهور بالرغم من أن هناك قيوداً على سفره للخارج.

ومن أسباب عدم الثقة الباكستانية بالولايات المتحدة هي علاقة الأخيرة الوثيقة بالهند العدو اللدود لباكستان، وقد صرَّح مسؤول سابق بوزارة الخارجية الأمريكية عمل في القضايا النووية مع باكستان بعد 11 سبتمبر، بأنه وصل إلى قناعة بأن الباكستانيين يعتقدون أن أية معلومات نحصل عليها منهم سوف نشارك فيها آخرين حتى لو مع الهند ذاتها، فعِلْمُنا بعملية السيطرة والتحكم في منشآت أسلحتهم النووية شيء وأن نعلم المكان الحقيقي الذي يخبئون فيه أسلحتهم النووية شيء آخر.

ويشرح الجنرال جمشيد كياني وهو قائد فيلق راولبندي عام 2001م موقف قادة الجيش الباكستاني من الأمريكان بقوله: بعد الحادي عشر من سبتمبر قمنا نحن قادة الفيالق بنصح رئيس هيئة الأركان الذي كان هو نفسه الرئيس التنفيذي الجنرال برفيز مشرف، نصحناه بأن لا يتبع نهج الولايات المتحدة وأوردنا حينها أسباب ذلك، فالتاريخ يعيد نفسه عندما كنا في حاجة إلى معدات عسكرية في حرب عام 1965م ضد الهند، وأيضاً في حرب عام 1971م، امتنع الأمريكان عن تزويدنا بالمعدات الحربية، أنا كنت أخالف بشدة التعاون مع واشنطن وقد اقترحت عليه دون تلاعب بالألفاظ أن لا نتبع سياسة الولايات المتحدة، ولكن كوننا حينذاك في الجيش فإن مناصبنا تسمح لنا فقط بتقديم الاستشارة، القرار يتخذه رجل واحد وفي حال صدور قرار فلا مجال للنقاش.

ومما زاد عدم الثقة أيضاً من جانب الجيش الباكستاني في الأمريكان، هو التورط الأمريكي في اغتيال الجنرال ضياء الحق الرئيس الباكستاني الأسبق، الذي كان يتمتع بشعبية هائلة داخل الجيش وتعدُّ سياساته هي التي سار عليها قادة الجيش من بعده.

خلاصة موقف قادة الجيش الباكستاني، أنهم لا يثقون في أمريكا ويتمنون الابتعاد عنها، ولكنهم في الوقت نفسه يفرقون بين الشعور بالكره وبين النظر إليها على أنها القوة الكبرى في العالم التي يتحتم عليهم التعامل البراغماتي معها.

ولكن ماذا كان رد الفعل الأمريكي على موقف الضباط الباكستانيين؟

الجيش الباكستاني في الإستراتيجية الأمريكية:

أثناء اجتماع تم في المكتب البيضاوي عام 2009م، حيث كانت تجرى مراجعة للإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان وباكستان، صرَّح الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما بقوله: «نريد أن نوضِّح للشعب أن السرطان في باكستان».

في حين كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أكثر عنفاً، إذ انتقد الدعم الذي قدَّمته الولايات المتحدة لباكستان على مدى 15 عاماً مضت، وقال: إن باكستان لم تقدم للولايات المتحدة مقابل هذه المساعدات سوى الخدع والأكاذيب، وكتب ترامب في منشور على حسابه بموقع تويتر عام 2018م: إن الولايات المتحدة منحت باكستان أكثر من 33 مليار دولار على شكل مساعدات على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، وفي المقابل لم تقدم باكستان سوى الأكاذيب والخدع، معتقدين أن القادة الأمريكيين أغبياء. وجدد الرئيس الأمريكي اتهامه لباكستان بأنها توفر المأوى لمسلحي حركة طالبان القادمين من أفغانستان المجاورة في حين تطارد الولايات المتحدة هؤلاء داخل أفغانستان.

هذه التصريحات توضح أن هناك إشكالية بالنسبة للإستراتيجيات الأمريكية تجاه باكستان.

هذه الإشكالية قد يعبِّر عنها المأزق الأمريكي أثناء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، ولكن هذا المأزق هو مجرد مظهر لأمر أعمق، الإشكال يكمن في أن باكستان تقع في منطقة ضبابية متداخلة بين الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وبين إستراتيجيتها في جنوب آسيا.

فالإستراتيجية الأمريكية في جنوب آسيا باتت تنظر إلى الصين على أنها العدو الأخطر الذي يجب عليها أن تحدَّ من طموحه، عبر تدشين شبكة من التحالفات في المنطقة مع أستراليا واليابان والهند التي هي العدو التقليدي لباكستان.

في حين سياسة أمريكا في الشرق الأوسط تتمحور حول الحرب على الإرهاب التي تشنها الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتخشى من أن تعود أفغانستان تحت حكم طالبان بعد الانسحاب الأمريكي إلى بؤرة جديدة لتصدير ما تطلق عليه الإرهاب، فالسياسيون في الولايات المتحدة خلصوا بعد ما يقرب من ثمان سنوات من التورط في المستنقع الأفغاني، إلى أن خروجهم من هذه الحرب، ثم ضمان ألَّا ترجع أفغانستان بؤرة للجماعات التي تسميها إرهابية لن يمكن إلا عن طريق باكستان.

ولكن أخطر ما يتعلق بخصوص الرؤية الأمريكية لأزمتها مع باكستان، هو ما كشف عنه مؤتمر عقدته مؤسسة جيمس تاون وهي مركز أبحاث أمريكي ذو طابع استخباراتي في عام 2009م، شارك فيه لفيف من خبراء مراكز الدراسات من باكستانيين وهنود وأمريكيين وشارك فيه أيضاً كبار المسؤولين الأمريكيين المعنيين بشؤون الصراع في شبه القارة الهندية، حيث لخص المؤتمر الوضع الباكستاني فيما يلي:

تعاني القيادة الباكستانية من التفكك بما ترتب عليه إضعاف تماسك الدولة ويمكن ملاحظة ذلك على النحو الآتي:

- جهاز المخابرات الباكستانية أصبح يعمل بمعزل عن الحكومة وعن الجيش.

- الجيش الباكستاني أصبح يعمل بمعزل عن الحكومة وجهاز المخابرات.

- الحكومة أصبحت غير قادرة على السيطرة لا على الجيش ولا على جهاز المخابرات.

تعاني النخبة الباكستانية من تعدد التوجهات المتعاكسة ويتضح ذلك على النحو الآتي:

- تتوجه الحكومة الباكستانية نحو التحالف مع أمريكا والغرب كوسيلة لحفظ الاستقرار الداخلي وموازنة الخطر الهندي.

- تتوجه المخابرات الباكستانية نحو التعاون مع الحركات المسلحة الأصولية الإسلامية من أجل ردع الهند.

- يتوجه الجيش الباكستاني نحو تطوير القدرات النووية من أجل ردع الخطر الهندي.

هذه هي خلاصة الرؤية الأمريكية لوضع الدولة الباكستانية، لذلك بَنَت أمريكا إستراتيجيتها في باكستان على محورين أساسين:

الأول: محاولة تصعيد النخبة المدنية لتمكينهم من السيطرة على سياسة باكستان بعيداً عن الجيش، وتوجيه الدعم المالي والسياسي مباشرة لهم.

ممارسة الضغوط المختلفة على قيادات الجيش، سواء كانت ضغوطاً تتعلق بالتسليح أو التلويح بدعم الهند بهدف إبعاده عن السياسة أو على الأقل عدم عرقلة الإستراتيحية الأمريكية في باكستان.

نخلص من هذا إلى أن أمريكا قد نظرت إلى قيادات الجيش الباكستاني نظرة شك وارتياب، وأنهم يتلاعبون بها، ولذلك أولت ثقتها في النخبة المدنية وحاولت مساعدتها لإمساك القرار السياسي بعيداً عن قيادة الجيش وعقلها المفكر وهي المخابرات.

وردّاً على هذه الإستراتيجية الأمريكية، قامت المخابرات الباكستانية بالسيطرة والتغلغل في النخبة السياسية سواء الإسلامية أو العلمانية كي لا ترتبط بالأجندة الأمريكية، ومن يأبى منها الامتثال كان نصيبه الاغتيال كما حدث مع بنازير بوتو أو الإبعاد والنفي مثل ما جرى لنواز شريف.

وفي الوقت نفسه فإن قيادات الجيش الباكستاني استمرت في السياسة التي دشنها ضياء الحق وهي الانحناء أمام العاصفة الأمريكية حتى تمر، فعندما تصل الأمور إلى صدام محتمل يتم إرخاء الحبل.

ولكن ما موقع أزمة الإطاحة بعمران خان في ذلك الصراع الإستراتيجي بين الجيش الباكستاني والولايات المتحدة؟

طريقة وصول عمران خان إلى رئاسة الوزراء توحي بأن المخابرات الباكستانية كان لها الدور الكبير في صعوده للسلطة، ولكن هل إبعاده هو محصلة خلاف بين قيادات الجيش وبين عمران خان كما تتحدث بعض التقارير الصحفية؟ أم أن إسقاطه كان محاولة من الجيش لاسترضاء الأمريكان وَفْق سياسة دع العاصفة تمر؟

المحك الأساسي لترجيح أي الاحتمالين هو هل سيعود عمران خان عبر الانتخابات مرة أخرى؟ حينها نرجح الاحتمال الثاني، أم سيتم التخلص منه بأي طريقة أخرى وإبعاده عن السلطة؟ عندئذٍٍ سيكون الاستنتاج حدوث خلاف حقيقي بين خان والجيش.

 


أعلى