• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العلاقات الإفريقية المصرية على ضوء رحلة السلطان منسى موسى إلى الديار المقدسة سنة 1324م

تخبرنا بعض المصادر أنَّه كان للمساجد حُرمة مقدسة عند الماليين سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، لذلك كانوا يلجؤون إليها عندما يجيرُ عليهم حاكم ظالم.

 

ملخص:

تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء بشكل موجز على العلاقات بين إفريقيا جنوب الصحراء ومصر من خلال حجة السلطان منسى موسى سنة 1324م، هذه الرحلة الحجية التي بدأنا نلحظ صداها وتأثيرها ليس فقط في البلاد الإفريقية، بل في معظم الأرجاء الإسلامية؛ وذلك من خلال فتح صفحة جديدة من العلاقات الثقافية والروحية والتجارية بين مصر وإفريقيا جنوب الصحراء، كما كانت هذه الرحلة الحجية فرصة للأفارقة حكومة وشعباً، للتعرف والاحتكاك بإخوانهم المسلمين المنتمين إلى مختلف الأقطار الإسلامية.

مقدمة:

تعدُّ علاقة إفريقيا جنوب الصحراء بالمشرق العربي قديمة جداً عبَّر عنها رواة التاريخ الشفوي من خلال ادعاء روابط عرقية تشد الأسر الإفريقية المالكة إلى رموز عربية في شبه الجزيرة العربية، وعبَّرت التقاليد والطقوس الدينية المشتركة من جهتها عن الامتداد الثقافي والتجاري بين المشرق وخصوصاً مصر وإفريقيا جنوب الصحراء، ثم جاء الإسلام بمنظوره الجديد، لمفهوم الدولة وللمؤسسات ليساهم في إعطاء شكل جديد، وخصوصية معيَّنة للعلاقات بين الطرفين.

أهداف الدراسة وأهميتها:

قلة الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع؛ فأكثر الأبحاث والأعمال تناولت الجانب السياسي، والاجتماعي، وأهملت الجانب الديني ودوره في ربط ونسج علاقات الأخوة بين إفريقيا والمشرق.

التأكيد على أنَ منطقة إفريقيا جنوب الصحراء كانت جزءاً من الدولة الإسلامية الوسيطية القوية، وأنها لم تنعزل عن تطورات العالم الإسلامي في العصر الوسيط، ومطلع الحديث؛ بل ساهمت فيه وتأثرت بأحداثه، فعاشت مرحلة قوَّته وتأثرت بضعفه.

إبراز مكانة وأهمية العقيدة الإسلامية لدى المجتمع الإفريقي، سواء على المستوى الرسمي (السلاطين)، أم على المستوى الشعبي (عامة الناس)؛ لما وجدوا في الدين الإسلامي من فضل وعدلٍ ومُساواةٍ وتكريمٍ لإنسانيتهم، ومؤاخاةٍ لهم مع غيرهم من أبناء الشعوب الإسلامية الأخرى على اختلاف أجناسهم لا فضل لبعضهم على بعض، ولا للَونٍ على لونٍ.

الرغبة في سد فجوة من فجوات تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في العصر الوسيط، ولملمة حلقاته المفقودة.

إشكالية ومنهجية الدراسة:

تتلخص إشكالية الدراسة في السؤال التالي: كيف ساهمت حجة السلطان منسى موسى في نسج وتمتين العلاقات الاقتصادية والروحية بين إفريقيا جنوب الصحراء ومصر خلال القرن (14م)؟

وقصد معالجة الإشكالية، فقد اتبعنا المنهج السردي التاريخي، مع مقارنة المعلومات من خلال المصادر والمراجع بغية الوصول إلى الحقيقة التاريخية.

حجة السلطان المنسى موسى ودورها في توطيد العلاقات الإفريقية - المصرية:

الحجُ هو الركن الخامس من أركان الإسلام، يقول المولى عزَّ وجل في كتابه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران: 97].

ولكن أنْ يحج سلطان من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في القرن (13 أو 14م)، فهذه مسألة يُمكن أنْ تطرح بعض التساؤلات وعلامات الاستفهام:

- هل يعني ذلك رغبة السلطان في تطبيق أركان الإسلام؛ علماً بأنَّ تركه للعاصمة وقيامه برحلة نحو الديار المقدسة تستلزم وقتاً طويلاً يتراوح ما بين 18 و 24 شهراً، وهو ما قد يشكل خطراً على مملكته؟

- هل يمكننا أنْ نُعلل ذلك برغبة السلطان في الاطلاع على أحوال بلدان المشرق العربي ونظمها، ليقلد بعضها؟

- هل يوحي ذلك أيضاً برغبة السلطان في توطيد علاقات بلاده الثقافية مع تلك البلدان، ومن ثَمَّ جلب مجموعة من كبار العلماء للسهر على تكوين نُخبة محلية مثقفة، ومن ثَمَّ الانتقال من مرحلة ممارسة السلوك الديني كما دعا إليه الإسلام إلى مرحلة أخرى، وهي تكوين نخبة مطلعة على التراث الإسلامي والنُّظُم الحضارية الإسلامية، لتنقلها إلى إفريقيا جنوب الصحراء؟

- وختاماً هل يمكننا القول بأنَّ كل هذه العوامل هي التي جعلت السلاطين الماليين الذين أدوا فريضة الحج ينفقـون بسخاء أموالاً طائلـة في رحلاتهـم إلى القاهرة ومكة والمدينة وهي مراكز ذات ثقل ثقافي في العالم الإسلامي؟

تخبرنا بعض المصادر التاريخية، أنَ السلطان منسى ولي (1255 - 1270م) كان من أوائل سلاطين مملكة مالي الذين أدوا فريضة الحج سنة 658هـ/ 1259م؛ أي زمن ملك مصر الظاهر بيبرس، ثم تلاه بعد ذلك السلطان ساكوره (1285 - 1300م)، الذي قُتِل بطرابلس أثناء عودته في أواخر القرن (13م)[1]. ويُعد السلطان منسى موسى أشهر من عُرِفَ بحجه من سلاطين مملكة مالي؛ وذلك لكثرة ما انفقه في رحلته، فقد كان «يسعى بين يديه إذا ركب خمسمائة عبيد، وبيد كل واحد منهم عصا من ذهب، في كل منها خمسمائة مثقال»[2]. وكانت تلك الرحلة استهلالاً لتوافد أعداد كبيرة من التجار والعلماء إلى مالي؛ حيث ساهموا في ازدهار النشاطين الاقتصادي والثقافي اللذَين شجعهما منسى موسى، وقد أحضر معه في طريق العودة جُملة من الكتب الدينية، التي تركت نشاطاً علمياً ملحوظاً.

يمكن القول: إنَّ حجَّ السلطان منسى موسى أصبح معلماً في تاريخ مالي وبلاد السودان، وورد ذكره في المصادر الإسلامية، بل حتى الأوروبية، وهو ما يعني أنَّ صدى رحلته الحجية تجاوز حدود دار الإسلام. يقول فرناند بروديل عن شهرة منسى موسى بعد حجه: «إنَّ ذهب السودان كان أكثر من أساسٍ لرخاء شمال إفريقيا والأندلس، فهذا الذهب لعب دوره في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط كله، حيث بدأ تداول هذا الذهب من القرن (14م) عَقِبَ الحج الشهير لملك مالي منسى موسى»[3].

وإذا عُدنا إلى كلام السعدي صاحب تاريخ السودان، نلاحظ أنَّه بالغ في تقدير حمولة السلطان، إذ حددها في خمسمائة مثقال من الذهب،[4] وإذا كان مثل هذا التقدير يملك جانباً من الصحة، فإنَّه يدعونا للتساؤل حول مسالك تصريفه أثناء الرحلة الحجية؟

نميل إلى الاعتقاد بأنَّ المنسى أراد أنْ يتقرب إلى حكام وعلماء مصر والمدينة المنورة ومكة، ومن ثَمَّ توطيد العلاقات الثقافية بين مملكته وبلدان المشرق العربي. كما كان لهذا التوجه بواعث داخلية؛ بمعنى أنَّ حج منسى موسى جاء استجابة لحركة دينية إسلامية ببلاد السودان أخذت في التنامي بين مختلف الفئات الاجتماعية، لذلك لم يرغب المنسى أنْ يعزل نفسه عن هذا التطور، وأحبَّ أنْ يظهر بمظهر الحاكم الشرعي المدافع عن الدين الجديد، فنجده يفتخر في القاهرة كونه مالكي المذهب[5].

وفي السياق ذاته، ألا يمكننا القول بأنَّ الهدف من هذا الحج فضلاً عن أداء هذه الفريضة هو التعرف على النظم الحضارية الإسلامية السائدة في المشرق العربي وخاصة الديار المصرية، وخاصة الإطلاع على ملامح الحركة التعليمية ومحاولة الأخذ بها في البلاد السودانية، علماً بأنَّ الانفتاح على التقاليد الإسلامية يلزمه أنْ يمر عبر الإطلاع أولاً على المعرفة الدينية؛ أي إدراك معظم العلوم المرتبطة بالشرع الإسلامي. ونعتقد أنَّ التفسير نفسه يعلل إرسال منسى موسى لمجموعة من الطلبة إلى مدينة فاس للتفقه على يد علمائها.

وبالموازاة مع ما تقدم، نلاحظ أنَّ منسى موسى شرع بعد عودته من الحج في بناء مجموعة من المساجد، التي كانت في الوقت نفسه أماكن العبادة ومراكز للتعليم. يقول السعدي: «ورجع موسى من الحج فابتنى مسجداً ومحراباً خارج مدينة كاغ، كما قام ببناء مساجد أخرى في أماكن متفرقة من البلاد»[6].

وتخبرنا بعض المصادر أنَّه كان للمساجد حُرمة مقدسة عند الماليين سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، لذلك كانوا يلجؤون إليها عندما يجيرُ عليهم حاكم ظالم.

ويمكننا القول: إنَ حُكام مصر حققوا من حجة السلطان منسى موسى مكاسب اقتصادية مهمة؛ فالعمري الذي كتب مؤلفه بعد اثنتي عشرة سنة من الحجة، وجد المجتمع المصري ما زال يغنم من تأثيراتها الإيجابية على الاقتصاد المصري، فقد لخص على لسان المنهدار الخير الذي عمَّ مصر نتيجة لهذه الزيارة، بقوله: «ولقد أفاض هذا الرجل على مصر فيض الإحسان، لم يدع أميراً مقرباً ولا رب وظيفة سلطانية حتى وصله حقه من الذهب، ولقد كسب أهل مصر عليه وعلى أصحابه في البيع والشراء، والأخذ والعطاء ما لا يُعد ويحصى، وبذلوا الذهب حتى أهانوا في مصر قدره، وأرخصوا سعره. قلت وقد صدق المنهدار فإنه حكى مثل هذا غير واحد، ولما مات المنهدار وجد الديوان فيما خلفه آلافاً من الذهب المعدني مما أعطاه له باقياً على حاله في ترابه لم يصنع»[7].

من ذلك أيضاً ما حصده التجار المصريون من أرباح ضخمة من تعاملهم مع الحجاج الإفريقيين المرافقين لموكب المنسى. يذكر العمري نقلاً عن تجار القاهرة أنفسهم أنهم كانوا يبيعونهم الثوب أو الإزار أو غير ذلك بخمسة دنانير، وهو لا يساوي ديناراً واحداً[8].

 فبذْلُ المنسى موسى والموكب المرافق له للذهب بسخاء لاقتناء مشتريات زهيدة القيمة، مقابل أثمان باهظة كان له نتائج مهمة على السوق المالية في مصر؛ تجلى من خلال انخفاض سعر المثقال من خمسة وعشرين درهماً إلى ما دون اثنين وعشرين درهماً إلى ما دون ذلك. وقد ظلت مصر تنعم بهذا الرخاء مدة اثنتي عشرة سنة أخرى، لكثرة ما جلبوه من الذهب إلى مصر وأنفقوه بها[9].

وهكذا فتحت حجة السلطان منسى موسى عهداً جديداً من العلاقات التجارية بين مصر وإفريقيا جنوب الصحراء؛ لقد أخبر العلَّامة ابن خلدون عند لقائه في بسكرة لدى أميرها يوسف بن مزني بسفير ملك تكدا في اللايير سنة 1353، أنَ مدينتهم عبرتها خلال السنة الجارية قافلة من التجار مكونة من اثني عشر ألف جمل قادمة من المشرق في طريقها إلى مالي، وذكر لي غيره أن ذلك هو الشأن في كل سنة[10]. وعاين ابن بطوطة في منطقة اللايير، أنَ لا شغل لتكدا غير المتاجرة مع مصر؛ إذ يسافرون في كل عام ويجلبون كل ما بها من حسان الثياب وسواها[11]. كما أشار رحالتنا إلى ازدهار تجارة الأثواب المصرية في عاصمة مملكة مالي ذاتها في مدينة ولاتة[12].

وفي القرن (14م) تسجل لنا المصادر العربية وصول أعداد مهمة من التجار المصريين إلى إفريقيا جنوب الصحراء، من بينهم يرد اسم شمس الدين بن النقويش المصري. ومما يدل على ثراء التجار المصريين وأهمية رؤوس أموالهم المسخَّرة للتجارة مع إفريقيا جنوب الصحراء، إقدامهم على شراء إحدى الذخائر النفيسة الكبرى لمملكة مالي من ملكها ماري جاطة الثاني، وهو عبارة عن حجر الذهب الذي كان في جملة الذخيرة عن أبيهم، وهو حجر يزن عشرين قنطاراً منقولاً من المعدن من غير علاج بالصناعة ولا تصفية بالنار، كانوا يرونه من أنفس الذخائر والغرائب لندرة مثله من المعدن[13].

وفي منتصف القرن التاسع الهجري (15م) أكدت كتابات المستكشفين الأوروبيين الأوائل على أهمية دور مصر في التجارة الخارجية لإفريقيا جنوب الصحراء. لقد عاين كودينو (Godinho) الذي كان مقيماً في توات سنة 1447م وصول تجار مصريين إلى المدينة للمتاجرة مع الإفريقيين[14]. وفي سنة 1455م سمع كادا موستو (Ca Da Mosto) أن جزءاً من الذهب القادم من مملكة مالي كان ينقل إلى مدينة غاو عن طريق كوكيا تجاه مصر وسوريا[15]. وفي السنة الموالية أبحر ديوجو جومش (Diogo Gomes ) عبر نهر غامبيا تجاه كنتار (Gantar)؛ حيث أخبر البرتغاليون بأنَ قافلتين محملتين بالذهب تتجهان على رأس كل ستة أشهر إلى مصر عن طريق مدينة فزان[16].

ومما تجدر الإشارة إليه، أنَ العبيد شكلوا موضوع تجارة مهمة بين إفريقيا جنوب الصحراء ومصر؛ إذ استُخْدم عبيد إفريقيا بشكل مكثف في الجندية، ويعدُّ الفاطميون أول من استقدم العبيد السود إلى مصر من نوبيا وإثيوبيا، كما وجدت في الجيش الفاطمي منذ هذا العهد فرقة عرفت باسم (زويلة) نسبة إلى مدينة زويلة؛ حيث كان يعقد أكبر سوق للنخاسة في تاريخ إفريقيا الغربية والوسطى[17].

وفي القرنين الثامن والتاسع الهجريين (14 و 15م)، ونتيجة لحجة المنسى موسى، انضاف إلى عبيد إثيوبيا ونوبيا عبيد إفريقيا جنوب الصحراء؛ فقد أشار المقريزي إلى الأعداد الكبيرة من العبيد التكروريين التي كانت تصل إلى مصر سنوياً. وفي السياق نفسه أشار صاحب السلوك إلى أنه في شهر شوال سنة 842هـ/ 1438م، وصل إلى مصر ركب التكرور برقيق كثير وتبر، فسار أكثرهم إلى الحج، بعدما باعوا الرقيق[18]؛ فالفقيه صبيح بن عبد الله التكروري الذي توفي سنة 731هـ/ 1330م، والذي تلقى تكوينه العلمي عن كبار علماء عصره، وحدث في دمشق والقاهرة، كان عبداً قبل أن يشتري حريته بخمسمائة درهم، وهو مبلغ حصل عليه من صناعة الطرابيش التي كان يمتهنها[19]. وفي سنة 731هـ/ 1394م توفي الشيخ الصالح رشيد التكروري الأسود المرابط بجامع راشدة، خارج أسوار مدينة مصر القديمة. وخلال القرن التاسع الهجري (15م) تمكن تكروريان خالص وعنبر من الوصول إلى أعلى مرتبة (قيادة الخصي) في دولة المماليك، أيام حُكم السلطانين الأشرف أبي النصر قايتباي، المعروف بالمحمودي الظاهري حقمق، والظاهر أبي سعيد قانصوه[20].

ومن جانب آخر، ورد في مؤلف العمري في سياق وصفه لمجلس ملك مالي ما يفيد وصول عبيد بيض مشارقة إلى إفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ يقول في ذلك: «ويقف خلفه نحو ثلاثين مملوكاً من الترك وعندهم ممن تبتاع له في مصر، بيد كل واحد منهم حرير عليه قبة، وطائر من ذهب، وأمراؤه جلوس»[21]. فوجود عبيد أتراك في بلاط السلطان منسى موسى، شيء مستحدث اقتبسه ملوك إفريقيا جنوب الصحراء من التقاليد المصرية، وأنَ اقتناءهم قد تم بواسطة الشراء؛ ففي ذلك يُشير المقريزي إلى مشتريات المنسى موسى ورفاقه من الجواري الأتراك[22].

وخلال القرون الثامن والتاسع والعاشر الهجري (14 - 15 - 16م)، يسجّل حضور طباخات وخصي بيض في قصور ولاة وسلاطين إفريقيا جنوب الصحراء[23].

خاتمة

مما سبق ذكره، يمكن القول وبكل اطمئنان: إنَ حجة السلطان منسى موسى كانت أكبر محرك لديناميكية التجارة بين مصر ومملكة مالي خلال القرن الثامن الهجري (14م) وما بعده، ولم تعمل الحجة على تطوير حاسة الذوق لدى ساكني مالي وسلاطينها تجاه المنتجات المصرية فحسب؛ بل عملت أيضاً على تطوير الجانب الروحي العقائدي لدى أهالي مالي، ومن ثَمَّ في ارتفاع نسبة وعدد قوافل الحجيج، الأمر الذي ساهم بشكل أو بآخر في تطوير العلاقات الثقافية بين البلدين.

كما أنَ تعدد رحلات حج سلاطين مملكة مالي تعني نمو الحركة الدينية الإسلامية بمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء؛ فحج السلطان بما يتطلبه من نفقات، وما قد يُشكله من خطر على العرش بعد غياب الحاكم عن العاصمة مدة قد تناهز السنتين، يعكس قبول الطبقة الحاكمة للإسلام.

وليس في هذا التوجه ما يبرر قول بعض الدارسين، بأن حج السلاطين في إفريقيا جنوب الصحراء إنما هو رغبة منهم في كسب الشرعية السياسية. وإذا كان بإمكاننا أنْ نأخذ حُكمهم بنوع من الاعتبار؛ فكيف نفسر تعلق أهالي مالي بأداء فريضة الحج، فهل كانوا يبحثون أيضاً عن مسوغ شرعي للانقلاب على السلطة الحاكمة؟

وبناء عليه يمكن القول بأنَّ الحج بهذا الشكل قد عكس تطوراً إيجابياً في طريق أسلمة إفريقيا جنوب الصحراء التي سوف تتعزز بمكتسبات جديدة، من خلال ربطها بعلاقات أخوة وصداقة متينة مع بعض أقطار العالم الإسلامي حينئذٍ، ومن بينها مصر.


 


[1] عبد الرحمن بن خلدون، 1981م، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر (العبر)، بيروت، دار الفكر، 6/ 267. المقريزي، أحمد بن علي، 2009م، الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك، تحقيق كرم حلمي، القاهرة، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ص110.

[2] عبد الرحمن السعدي، 1981م، تاريخ السودان، باريس، ميزونوف؛ وهي النشرة الثانية عن الطبعة الأصل الصادرة عام 1898 - 1900م. وقف على طبعه من تغيير نصه مع ترجمته للفرنسية أوكتاف هوداس والسيد بينوة. تاريخ السودان، ص7.

[3] فرناند بروديل، 1993م، المتوسط والعالم المتوسطي، ترجمة مروان أبي سمرة، بيروت، دار المنتخب العربي، ص70.

[4] عبد الرحمن السعدي، تاريخ السودان، مصدر سابق، ص7.

[5] المقريزي، الذهب المسبوك، مصدر سابق، ص112.

[6] تاريخ السودان، ص57.

[7] العمري، 1988م، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق وتعليق مصطفى أبو ضيف، الدار البيضاء، مكتبة النجاح الجديدة، ص73.

[8] العمري، ص73.

[9] Trimingham, J.S. 1962. A History of Islam in West Africa, Oxford, p. 93.

[10] ابن خلدون: 7/62.

[11] ابن بطوطة، محمد اللواتي الطنجي، 2009م، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، تحقيق محمد عبد الرحيم، دمشق، دار الأرقم، ص799.

[12] ابن بطوطة، ص777.

[13] ابن بطوطة، ص781.

[14] Godinho Magalhàes (1969). Léconomie de LEmpire portugais auv XVe et XVIe siècles, Paris, p. 122.

[15] Ca Da Mosto (A .De.), 1895, Relation des voyages à la cote occidentale dAfrique, Paris, publié par M. Charles Schefer, p. 63.

[16] Mauny Raymond (1961). Tableau Géographique de louest Africain au moyen âge Mem, dI.F.A.N.B, No 61- Dakar, p. 122.

[17] زوليخة بن رمضان، 2015م، المجتمع والدين والسلطة في إفريقيا الغربية ما بين القرنين 11و 16، الرباط: منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ص476.

[18] المقريزي، السلوك... ص415.

[19] ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، بيروت: دار الجبل، السفر الثامن: 2/ 205.

[20] ابن تغري (جمال الدين أبو المحاسن يوسف بردي)، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، القاهرة: دار الكتب، 1926- 1956م، 12/ 139.

[21] العمري، ص65.

[22] المقريزي، السلوك... ص113.

[23] ابن بطوطة، 2/796.

 

 


أعلى