خير الدين التونسي.. رائد الإصلاح في تونس

ناهض خير الدين الحكم الاستبدادي القائم على الحكم الفردي سواء في تونس أم في الأستانة، من خلال سعيه للحدِّ من سلطات الباي والسلطان عبد الحميد.


مقدمة:

يعد خير الدين التونسي واحداً من أبرز رجال الإصلاح خلال القرن التاسع عشر في المغرب الكبير. حاول النقل عن الغرب مستفيداً من رحلاته الدبلوماسية واحتكاكه بالتجربة الحضارية الأوروبية، ضمن ما يسمح به الوضع في تونس خلال القرن التاسع عشر، وهو ما جعله رائد الإصلاح في البلاد التونسية خلال هذه الحقبة التاريخية. إلا أن تجربته الإصلاحية واجهت مقاومة داخلية وخارجية من قوى الفساد وهو ما أدى إلى فشلها.

في هذه المقالة نحاول الوقوف عند هذا المصلِح في زمن الفساد من خلال التطرق للنقاط التالية:

العوامل التي ساعدت على تبلور فكره الإصلاحي.

ركائز الإصلاح عند خير الدين التونسي

إجراءات خير الدين لتحقيق مشروعه الإصلاحي.

العوامل التي أدت إلى فشل مشروعه الإصلاحي.

أولاً: العوامل التي ساعدت على تبلور فكر خير الدين باشا الإصلاحي

ساهمت زيارات خير الدين باشا باعتباره مبعوثاً للباي إلى أكثر من اثني عشر بلداً أوروبياً (فرنسا وإنجلترا وألمانيا والنمسا وإيطاليا وهولندا والسويد والدنمارك وبلجيكا... إلخ) في بلورة حسه الإصلاحي؛ فقد انبهر خلالها بمظاهر التقدم الأوروبي في مختلف الميادين (سياسياً وثقافياً واقتصادياً وعمرانياً)، وتعرَّف على نُظُمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كما لعبت السنوات الأربع التي أمضاها في باريس لمعالجة الدعوى القضائية التي رفعها الوزير السابق في الحكومة محمود بن عياد ضد تونس، دوراً مهمّاً في تعرُّفه على المجتمع الفرنسي والثقافة والحضارة الفرنسية التي كان متأثراً بها، وفي احتكاكه برجال السياسة وفهمه لأغراضهم، ووضع عينه على أسباب رقي الأمم، وحاول المقارنة بينها وبين أوضاع تونس، ووقف على البون الكبير بينهما.

ولعل الشيء الأبرز الذي لفت نظره في المدنية الحديثة هو نزعتها الديمقراطية، ومن هنا كان دأبه أن تتمثل تونس في البلدان التي زارها واطلع على أحوالها خاصة فرنسا، التي كانت في ذلك الحين بلغت شوطاً مهمّاً في هذا المجال، لذلك حاول معرفة أسباب تأخُّر تونس، وكيف لها أن ترتقي؟ وهو ما كان له أثر كبير على حياته المستقبلية وبرنامجه الإصلاحي، الذي ركز فيه على دعائم التقدم الأوروبي المتمثلة في التربية والتعليم والقوانين التنظيمية والنهضة الاقتصادية.

ثانياً: ركائز الإصلاح عند خير الدين التونسي

لقد أدرك خير الدين باشا أن تغيير أوضاع البلاد التونسية لا يمكن أن يتم دون تغيير في الأوضاع السياسية عبر مؤسسات دستورية قائمة على العدل والمساواة والحرية، لذلك اعتمد على فكر إصلاحي ينطلق من فكرة الاقتباس من الغرب سبيلاً للرقي مع الحفاظ على الأصالة، ولتحقيق ذلك اعتمد على برنامج يقوم على ثلاثة محاور أساسية، هي:

• الاعتقاد الجازم بأن الحرية شرط العمران، وفي المقابل فإن الظلم ملازم لخرابه، واعتبرها أساس تقدم أوروبا، وفي ذلك يقول: «إن الحرية هي منشأ سعة نطاق العرفان والتمدن بالممالك الأوروبية»[1].

• الإيمان الواضح بعدم التعارض بين الإسلام والحياة العصرية، أو بين النقل والعقل من خلال الطابع التوفيقي بين الأصالة من جهة والانفتاح من جهة أخرى؛ إذ تدعو أفكاره إلى التجديد والاجتهاد في الشريعة الإسلامية بما ينسجم وملابسات العصر مع الأخذ بمعارف الآخر الأوروبي، وبأسباب العمران والتقدم والرفاهية التي نجح في الاهتداء إليها، والاستفادة من تجارب الأمم الغربية بوصفها الطريق المؤدي إلى تحقيق الرقي والتقدم، وبذل مجهوداً كبيراً لإقناع المحافظين، ومن ذلك قوله : «رجال الدين يعلمون الشريعة ولا يعلمون الدنيا، ويريدون أن يطبقوا أحكام الدين بحذافيرها بغضِّ النظر عما جدَّ واستُحدث، ورجال السياسة يعرفون الدنيا ولا يعرفون الدين، ويريدون أن يطبقوا النظم الأوروبية بحذافيرها في غير رجوع إلى الدين فنقول للأولين: اعرفوا الدنيا. ونقول: للآخرين اعرفوا الدين»[2]. ويرى أن الدين الإسلامي لا يمنع الأخذ عن الآخر: «الإسلام لا يمنع أن يقتبس الصالح من الأمر، حيث كان وممن كان»[3].

لم يتوجه خير الدين باشا إلى المدنيَّة الأوروبية مسلوخاً من جذوره، بل انطلاقاً من هويته الدينية. ومن ثَمَّ فهو يركز على ضرورة عدم التناقض مع مقتضياتها وفي ذلك يرى أنه يجب: «أن نتخير منها ما يكون بحالنا لائق، ولنصوص شريعتنا مساعد وموافق»[4].

• التسليم بحتمية التطور وضرورة الخروج من التخلف والدخول في الحداثة، «حتى تستطيع تونس تجاوز تأخرها، لأنها كسائر بلاد الشرق مقرٌّ لحضارة قد هرمت وذهبت روحها، ولم يبقَ إلا رسمها»[5].

ولتحقيق فكره الإصلاحي قام خير الدين باشا بالعديد من الإجراءات؛ فما هي؟

ثالثاً: إجراءات خير الدين باشا لتحقيق مشروعه الإصلاحي

قام خير الدين التونسي لتحقيق برنامجه الإصلاحي بعدة إجراءات، نذكر منها:

الإصلاح من الداخل: حاول خير الدين باشا الإصلاح من الداخل لكونه أداة من أدوات السلطة السياسية سواء في تونس أم في الأستانة. لقد تحمل العديد من المسؤوليات السياسية وهو يدرك أنه يتحرك في محيط غير مناسب؛ فقد حاول التخفيفَ من الفساد، والضربَ على أيدي المفسدين، بالوقوف إلى جانب الباي في الصواب ومعارضته في الخطأ. إلا أن مهمته كانت صعبة، رغم إحاطة نفسه - قدر الإمكان - بفريق من الموظفين والإداريين الأَكْفَاء والمخلصين.

فالسلطة السياسية فاسدة، ومن ثَمَّ فهي تقف ضد أي نجاح للإصلاح بتونس، ومن ثَمَّ تعرُّضه لكثير من الدسائس والمشاكل في علاقته بالسلطة ورجالاتها سواء في تونس أم في الأستانة، وهو ما جعله غير محبَّب لديهم، وخير مثال على ذلك ما رواه رئيس التشريفات العثماني من أن علاقة خير الدين باشا مع السلطان عبد الحميد لم تكن مرنة؛ إذ «إن لهجته وتصرفه في أحاديثه مع السلطان، إلى جانب هفوات صغيرة أخرى، جعلته شخصاً غير محبب لدى جلالته»[6].

مناهضة الحكم الاستبدادي: ناهض خير الدين الحكم الاستبدادي القائم على الحكم الفردي سواء في تونس أم في الأستانة، من خلال سعيه للحدِّ من سلطات الباي والسلطان عبد الحميد. ففي تونس أنشأ مجلس شورى منتخباً عام1860م يتمتع رئيسه بصلاحيات واسعة في سن القوانين ومراقبة تنفيذها، وقلَّص صلاحيات الباي ورجاله. وهو ما ساهم في مواجهة المجلس لمشاكل عدة، منها تأليب الموالين للباي عليه، وكذلك طائفة علماء الدين: «اصطدم بطائفتين لهما خطرهما فرجال الدين لم يرضوا عنه لأن بعض أحكام القانون سياسية لا شرعية، ولأن القانون يقضي بالحكم بالأغلبية وقد ترى الأغلبية ما لا يرضي الدين، وأصحاب السلطان وعلى رأسهم الوالي ومصطفى خزندار لم يرضوا عنه في باطن نفوسهم لأنه يسلبهم سلطانهم»[7].

تجاوزت إصلاحات خير الدين مقاومة الحكم الفردي، والتقليص من صلاحيات الباي ورجاله، بل أصبح هو من يحدد رواتبهم ومخصصاتهم، انسجاماً مع وضعية البلاد المالية المتأزمة، ومع فكرته القائمة على «أن من لا يقوم بعمل ذهني أو عضلي، ليس له في ذمة الدولة أجر أو دين»[8].

فالباي فاسد، وكان يشارك المفسدين في فسادهم، ويسعى للاحتفاظ بسلطته المطلقة، في حين كان خير الدين يسعى للحد من سلطته ومن الفوضى المالية، وكان يحاول تحييده وتقويمه. هذا ما جعل أحمد أمين يقول: «فالباي محمد الصادق، كان مصطفى خزندار الناهب السارق الخائن، أحب إليه من خير الدين النزيه العادل الحازم. فهذا لم يكن يعطيه من المال إلا ما يقدَّر له في الميزانية، وذلك يعطيه ما يشتهيه، ليأخذ لنفسه ما يشتهي وهذا حازم لا يجيز من الأمر إلا ما وافق العدالة ومصلحة الشعب»[9]. والشيء نفسه حاول القيام به في السلطنة العثمانية عندما عُيِّن صدراً أعظماً، إذ سعى إلى الحد من سلطات السلطان عبد الحميد، وهو ما أدى إلى عزله بعد ثمانية أشهر من تعيينه.

مقاومة الفساد المالي: كانت تونس تعاني في تلك الآونة القرن من أزمة مالية خانقة بسبب فساد السلطة وتراخي الباي في مواجهتها. فقد كان في السلطة رجلان فاسدان، هما مصطفى خزندار ومساعده محمود بن عياد مدعومان من طرف باي تونس، سلبا ونهبا وأغرقا البلاد والعباد في أزمة اقتصادية خانقة، تمثَّلت في تراكم الديون التي وصلت مائة وخمسين مليون فرنك فرنسي[10].

وصلت البلاد التونسية حافة الإفلاس، ولم تعد معه قادرة معه على أداء رواتب الموظفين والجنـود. وهـو ما أدى بالـدول الأوروبيـة - خصـوصاً فرنسـا وإنجلترا وإيطاليا - إلى تشكيل الكومسيون المالي عام 1869م لتحصيل قروضهم، وهي لجنة مكوَّنة من ممثلي الدول الثلاث برئاسـة خيـر الدين باشا مهمتهـا تحديد الديون وجدولتها وطريقة استيفائها وتحديد الفوائد المترتبة عليها.

قام خير الدين باشا للخروج من هذه الأزمة المالية بتطهير الدولة من المفسدين، فعزل الوزير مصطفى خزندار وتمَّت محاكمته وتغريمه بخمسة وعشرين مليون فرنك فرنسي.

 كما عمل على إصلاح الاقتصاد، ومن ذلك تشجيعه الزراعة بتقسيم الأراضي الزراعية إلى مناطق، والتقليص من الضرائب، وتحرِّي الأمناء في جمعها، ونظَّم العلاقات بين الـمُلاك والمزارعين، وبين المزارعين والدولة، وشجع غراسة الأشجار المثمرة خصوصاً النخيل والزيتون مع إعفاء هذين النوعين من الضرائب مدة عشرين عاماً[11].  كما قام بمجموعة من التدابير الأخرى لمقاومة الفساد: كوضعه صندوقاً للشكاوي في وسط ميدان مدينة تونس، وإصلاح القضاء.

الإصلاح في مجال التعليم: اهتم خير الدين باشا بإصلاح مجال التعليم، إذ قام بالعديد من الإجراءات، أهمها:

إحداث المكتبة العبدلية: من خلال جمع الكتب المبعثرة في المساجد، ووهب لها من عنده ألفاً ومائة كتاب ومخطوط، ونظَّمها تنظيماً حديثاً على شاكلة المكتبات الأوروبية.

تحسين مطبعة الدولة: إذ وَكَل إليها نشر الكتب العلمية والأدبية، وقام بإصلاح إدارة (الرائد التونسي) وهي الجريدة الرسمية للحكومة.

إصلاح التعليم الزيتوني: من خلال إعادة ترتيب وتنظيم الدراسة في المسجد الأعظم؛ فقضى بجمع لجنة من رجال الدولة والعلماء تحت رئاسته. وأصدر قانوناً لإصلاح التعليم الزيتوني يهدف إلى تجديد الثقافة العربية الإسلامية، وتلقيحها بالعلوم العصرية وطُرُق البحث العلمية الحديثة. كما أهدى خير الدين باشا الزيتونة مكتبة عظيمة، جُمعَت من مساجد عدة، وقدَّم مكتبته الخاصة التي تحتوي على ألفي مخطوط لمكتبة جامعة الزيتونة[12]، كما تم عمل بعض الإجراءات كضبط عدد الأساتذة.

تأسيس المدرسة الصادقية: التي كان إحداثها حسب الجابري يهدف «إلى إيجاد مؤسسة لتكوين الأطر للدولة الحديثة التي كان خير الدين يحلم بإنشائها، على غرار الدول الأوروبية وخاصة فرنسا، التي كان معجباً بها وعلى معرفةٍ بلغتها ومقومات حداثتها»[13].

هذه أهم الإصلاحات التي قام بها خير الدين باشا بهدف إصلاح أحوال البلاد التونسية لمواكبة التطور الذي تعرفه أوروبا ولمواجهة التغلغل الاستعماري؛ إلا أن عوامل داخلية وخارجية ساهمت في فشل هذه التجربة الإصلاحية؛ فما هي؟

رابعاً: العوامل التي أدت إلى فشل مشروع خير الدين الإصلاحي

تعددت أسباب فشل إصلاحات خير الدين باشا بتونس خلال القرن التاسع عشر، ومنها ما هو ذاتي ومنها ما هو خارجي. فالإصلاح لم يأتِ نتيجة صيرورة تطور داخلي؛ وإنما بفعل ظروف خارجية (حملة نابليون على مصر واحتلال فرنسا للجزائر...)، فالمواجهة العسكرية كشفت البون الكبير بين عالم عربي إسلامي يعاني من التخلف والانحطاط وينهكه الفساد السياسي والاستبداد، وعالم أوروبي تتحرك في ركابه حضارة مادية متطورة، حضارة وليدة ثورات صناعية وسياسية واجتماعية وفكرية. فقد كان نتاج الصراع العسكري هو خروج تونس من جمودها ومؤسساتها التقليدية العتيقة ورغبتها في التجديد والتغيير، مثَّلته إصلاحات خير الدين كإجابة عن الرغبة في دخول العصر الحديث. ومن ثَمَّ فالإصلاح جاء ردَّ فعل ضد الأطماع الخارجية وضد الهزيمة الحضارية، وليس وليد تراكم وتطور داخلي، وفي ظل غياب مجتمع وبيئة مؤهلة لاحتضانه من حيث بنياتُها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.

فالإصلاح في تونس كان هدفه ضمان وإعطاء النظام الحاكم مقومات الاستمرار، وليس إحداث تغيير جذري في هذا المجتمع.

ومن أسباب الفشل كذلك اعتماد الإصلاح المنقوص من خلال رفض التحديث الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وتأييد التحديث العسكري المتجلي في الرغبة في إعداد جيش أوروبي الطابع، انطلاقاً من المقولة القائلة: إن مواجهة الآلة العسكرية الأوروبية إنما تكون بآلة مماثلة لها. وهو إصلاح منقوص كذلك، لكونه ركَّز على التعلم في مدرسة الغرب فقط علومِه وتقنياتِه المدنية والعسكرية وتنظيمِه الإداري والتربوي، دون الأخذ باحترامه لسيادة الشعب وتعظيمه للحقوق الفردية. فتونس لم تكن تتحصل على برنامج إصلاحي متكامل ومنسجم، كما كانت تفتقد لنخبة قادرة على بلورته على أرض الواقع، فخروج أوروبا من العصور القروسطية تم بفضل الطبقة البورجوازية، التي كانت تحمل مشروعاً قوامه حرية التجارة والملكية الفردية اقتصادياً، ومحاربة الاستبداد والإيمان بسيادة الشعب والتبشير بالمساواة والديمقراطية اجتماعياً، واعتبار العقل أساس الفكر الإنساني والسعي للتجديد والمخاطرة لفهم المجهول.

كما ساهم الآخر في فشل الإصلاح في تونس خلال القرن التاسع عشر، خصوصاً أن العربي لم ينظر إليه بمنظار يقوده لاكتناهه ولم ينجح في جدلية الأنا والآخر إلا أن يكون تابعاً أو مقلداً، إضافة إلى البيئة الفكرية المتحجرة وتخلُّف البُنى الفكرية والمجتمعية وغياب العقل النقدي، وعدم تحقيق استقلالية العقل وخضوعه لما هو خارج عنه، وتجريده من الفاعلية النقدية وكذلك نقده لمرجعيته، وبذلك عجز عن الوقوف أمام الأيديولوجية المغلقة التي كانت ترفض الآخر وتركن إلى الدين بعيداً عن أي اجتهاد.

لقد ساعدت هذه النظرة المتخلفة على معارضة الإصلاح باعتباره مشروعاً وضعياً ومعادياً. فالغرب في مخيلة العربي هو العدو والنصراني والكافر، ومن ثَمَّ الأخذ والاقتداء به يعدُّ بدعة وربما كفراً.

فالتربة لم تكن صالحة لنمو الإصلاحات في تونس، فلم يتطور مجتمع صناعي أو نظام اقتصادي يراكم الثروة. لقد ساهم الآخر (الغربي) بنصيب كبير في عرقلة الإصلاح من خلال عمله على وضع العراقيل في طريق نجاحها، استعداداً منه لاحتلالها. فهذه المحاولات الإصلاحية كانت مرتبطة به لدرجة كبيرة، سواء في تمويلها من خلال إغراق البلاد بالقروض والديون، أم من خلال التأطير والإشراف باستقدام الأطر الأجنبية، وإرسال البعثات الطلابية لتلقي العلوم الحديثة في أوروبا.

وساهم فشل المحاولات الإصلاحية في تونس خلال القرن التاسع عشر في تزايد التغلغل الأجنبي فيها سياسياً واقتصادياً، وفقدانها تدريجياً لسيادتها لينتهي الأمر بدخولها مرحلة جديدة في علاقتها بالآخر الأوروبي هي مرحلة الاستعمار؛ إذ تم فرض الحماية على تونس من طرف فرنسا ليتم الكشف عن وجه جديد لحضارة الآخر ميزته استغلال البلاد والعباد.

----------------------------

ختاماً:

تأسيساً على ما سبق، لقد شكَّل خير الدين التونسي نموذجاً حيّاً للمصلح السياسي والاجتماعي، الذي سعى لتغيير البلاد التونسية في محاولة للرقي بها، ومثالاً على أن الإصلاح لم يكن مقتصراً على بلاد المشرق العربي خصوصاً مصر. إلا أن عوامل داخلية وخارجية ساهمت في إجهاض هذه التجربة الإصلاحية المبكرة في بلاد المغرب، لتجد تونس نفسها في مواجهة الضغط الاستعماري، لتدخل حقبة جديدة سمتُها الاستغلال الاستعماري.

 


 


[1] خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، الدار العربية للكتاب، 1998م، ص231.

[2] أحمد أمين، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، دار الكتاب العربي، بيروت، د.س، ص 164.

[3] سمير أبو حمدان، خير الدين التونسي أبو النهضة التونسية، الشركة العالمية للكتاب، بيروت، 1993م، ص160.

[4] خير الدين التونسي، مرجع سابق، ص 148.

[5] أحمد أمين، زعماء الإصلاح... مرجع سابق، ص 148.

[6] ألبير حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة 1939 - 1798 ، ترجمة كريم عزقول، دار النهار للنشر، بيروت، ص113.

[7] أحمد أمين، مرجع سابق... ص164.

[8] سمير أبو حمدان، مرجع سابق... ص51.

[9] أحمد أمين، مرجع سابق... ص172.

[10] سمير أبو حمدان، مرجع سابق... ص38 .

[11] سمير أبو حمدان، مرجع سابق... ص46.

[12] نبيل مصطفى، جامع الزيتونة وريح التغيير في تونس، مجلة العربي، عدد 276، نوفمبر 1981م ، ص 83.

[13] عابد الجابري، التعليم في المغرب العربي، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1989م، ص312.

 

 


أعلى