الانتخابات الإسرائيلية.. كهانا يعود من جديد

(إيتمار بن غفير) زعيم حزب عوتسما يهوديت على سبيل المثال يرى في الإرهابي باروخ غولدشتاين - الذي قتل المسلمين في الحرم الإبراهيمي وهم يصلُّون في رمضان - مَثَلَه الأعلى


سواء أكان حزبَ الليكود أم حزبَ العمل أم أيّاً من الأحزاب الإسرائيلية الأخرى، لا جديد في نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فالحكومات المتعاقبة على اختلاف مشاربها تتنافس في قضم الأراضي الفلسطينية، وتوسيع نفوذ دولتهم اللقيطة، والتفنن في تشريد الفلسطينيين وهدم بيوتهم ومصادرة أراضيهم.

ورغم أننا يمكننا أن نصنِّف سياسة بنيامين نتنياهو الذي ولد لأب بولندي زعيم حزب الليكود بأنه يميني، فخلال فترات رئاسته للوزراء شن الحروب المتتالية على قطاع غزة ودشَّن صفقة القرن التي انتهت بمجموعة من صفقات التطبيع مع بعض الدول العربية، وعمل بشكل مستمر على بناء المستوطنات شرقيَّ القدس والضفة الغربية. ودعم المستوطنين.

لكن المفارقة في نتائج تلك الانتخابات أنها جاءت بأحزاب صهيونية شديدة التطرف، كانت تصنف داخل الكيان الصهيوني المغتصِب نفسه، وفي الولايات المتحدة أنها إرهابية ممنوعة من ممارسة السياسية ودخول الانتخابات. لكن نتنياهو المأزوم والمتهم بقضايا فساد، سعى لتوطيد علاقاته بهؤلاء النازيين الصهاينة كما أطلق عليهم، وسمح لهم بالعودة إلى الحياة السياسية فالبقاء في المنصب يعني بالنسبة لنتنياهو تمديد بقائه خارج أسوار السجون وعلى رأس السلطة التنفيذية، لعله ينجح في سن قوانين تنجيه من قبضة السجان.

لقد احتفت الكهانية[1] بنجاح عدد من زعمائها على رأسهم (إيتمار بن غفير) و (بتسلئيل سموتريتش)، وكلاهما من أتباع الحاخام المتطرف مئير كهانا الذي أسس منظمة تدعو إلى تهجير العرب وطردهم وهدم المسجد الأقصى وانتهاج أساليب عنيفة لتنفيذ خطته.

(إيتمار بن غفير) زعيم حزب عوتسما يهوديت على سبيل المثال يرى في الإرهابي باروخ غولدشتاين - الذي قتل المسلمين في الحرم الإبراهيمي وهم يصلُّون في رمضان - مَثَلَه الأعلى، ولا يُخفي في أي تجمع انتخابي إعجابه الشديد به، بل يضع صورته في مكتبه، وسبق أن وُجِّهت له عشرات لوائح الاتهام بسبب نشاطه السياسي المتطرف، وأُدين عدة مرات بارتكاب جرائم جنائية، بما في ذلك إثارة أعمال الشغب والاعتداء على الشرطة والتحريض على العنصرية ودعم منظمات إرهابية، إلا أنه الآن صار عضواً في الكنسيت الإسرائيلي يَسنُّ القوانين وقد يشارك في أعمال الحكومة الجديدة.

أما (بتسلئيل سموتريتش) فهو يترأس ائتلاف (الصهيونية الدينية) في الكنيست الجديد اليميني المتطرف، وهو عضو مجالس المستوطنات الذي يؤيد طرد العرب بالكامل، ويرى سموتريتش أن «الجيش الإسرائيلي يجب أن يطلق النار على الشبان الفلسطينيين ردّاً على رشق الحجارة»، وأنه «لا يمكن للشعب اليهودي أن يعيش جنباً إلى جنب بسلام مع الفلسطينيين»، و «لا حلَّ يصلح للفلسطينيين إلا القوة ويجب عدم التسامح معهم مطلقاً، واستخدام سياسة الردع بهدم المنازل وطرد العائلات التي تنتج الإرهابيين».

وفي عام 2005م تم القبض على سموتريتش من قبل الشاباك بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي داخل إسرائيل، احتجاجاً على الانسحاب من غزة عام 2005م، لكن في النهاية نجا من توجيه التهم إليه. ولنا أن نتخيل أن هذين المتطرفَين قد يتبوأ - أحدهما أو كلاهما أو بعض المقربين منهما - مقاعد في وزارة نتنياهو الجديدة!

لقد مثَّل صعود الكهانية في الانتخابات الإسرائيلية ردَّ فعل صادم لكل المتابعين للشأن الصهيوني في الداخل والخارج، وصرح العديد من الصحفيين - سواء في الداخل الإسرائيلي أم في الغرب - بخشيتهم من تحول سياسي داخل النظام الإسرائيلي أشبه بما حدث في ألمانيا النازية، الذي أنتج في النهاية دماراً كبيراً وحرباً مدمرة خرج الجميع منها خاسراً منتصراً كان أم مهزوماً.

في الانتخابات الأخيرة أسفرت النتائج عن عدم تمكُّن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود وحلفائه من الحصول على أغلبية تسمح لهم بتشكيل ائتلاف حكومي. وحصد المعسكر المؤيد لنتنياهو 52 مقعداً في الكنيست بينما حصل المعسكر المعارض له على 51 مقعداً وهو ما يفتح الأبواب أمام معركة سياسية، إلا أن فصيل المعارضة أشدُّ تشرذماً، وأقلُّ تماسكاً ولا يمتلك رموزاً سياسية تجتمع حولها المعارضة. وهذا ما يدعم موقف نتنياهو ويعزز من فرص نجاحه في تأليف وزارة جديدة، أو السيناريو الآخر وهو الذهاب مرة أخرى لانتخابات مبكرة، أما السيناريو الأخير - وهو نجاح المعارضة في تشكيل حكومة - فيبقى أشد الاحتمالات ضعفاً.

هنا يبرز دور الأحزاب المتطرفة وعلى رأسها حزب يمينا القومي اليميني برئاسة نفتالي بينيت (7 مقاعد)، وهو وجه آخر من أوجه كهانا المتطرفة، ومع صغر حجم تلك الأحزاب إلا أنها يمكنها ممارسة الابتزاز السياسي للحصول على مكاسب أكبر من حجمها الانتخابي، وتأثيرها على النهج الحكومي سيكون قويّاً في ظل حكومة إن كتب لها الظهور فستكون بأغلبية بسيطة بعيدة عن الاستقرار.

منحنيات التطرف في صعود في المجتمعات الغربية، وإذ بها تصل إسرائيل لتنبئنا أنه كلما ازددنا تسامحاً ازداد عدونا قوة وتوحشاً، وكلما تخلينا عن المبادئ والثوابت توغل الأعداء في تشددهم وتطرفهم. ولن يرضى الأعداء إلا بأن يصير ضحاياهم عرايا تماماً، وهذا ما حصدته دول التطبيع الأخيرة، حتى ورقة التوت لم يُبْقِها العدو لهم.

وبعيداً عن تفاصيل الانتخابات الإسرائيلية وصعود اليمين المتطرف فيها، وسيناريوهات الائتلافات المختلفة، فإن مستقبل القضية الفلسطينية لا ينفك عن حالة الضعف التي تمر بها الأمة الإسلامية. إلا أنها في المحصلة تزيد القضية وضوحاً وتكشف بجلاء عن حقيقة الصراع. وانكشافُ الحقائق يزيد من صدمات الوعي التي تحتاج إليها الشعوب؛ إذ باءت الأنظمة بفشلها في إدارة الصراع مع كيان غاصب كوحش يزداد توحشاً كلما أحس بضعف ضحيته، والفلسطينيون كما الشعوب الإسلامية والعربية جميعها فيها من القوة لو شعرت بها وسرت حياة في شريانها لاستطاعت قلب كل المعادلات السياسية مهما عظمت قوَّتها. وإن عاد (كهانا) اليوم من الجديد مطلّاً من بوابة الانتخابات الإسرائيلية؛ فإن (نصيراً) جديداً سيُطلُّ له أيضاً ليلقنه الدرس مرة أخرى، ففلسطين ليست أرضاً والقدس ليست مدينة؛ إنها عقيدة والعقائد لا تموت.


 


[1] الكهانية: مصطلح رائج في الساحة السياسية الإسرائيلية يشير إلى مواقف عنصرية خطيرة قريبة من تلك التي نادى بها مئير كهانا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وخاصة الدعوة إلى مضايقة وملاحقة العرب في إسرائيل والدعوة إلى تنفيذ ترانسفير للعرب (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)).

 

 


أعلى