تونس... أيُّ فراشات غداً ستنطلق؟

تونس... أيُّ فراشات غداً ستنطلق؟


من كان يدري أو يدرك أن تلك الشرارات التي أشعلها الشاب التونسي (بوعزيزي) في جسده النحيل ستتحول إلى بركان يقتلع نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي؟ لقد كانت تونس على موعد مع 17 ديسمبر عام 2010م، تاريخ مرَّ عليه عقد من الزمن لكنه لن يُنسَى..

فأمام حالة القهر القصوى قام الشاب التونسي محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية لعربة كان يتكسب بها رزقه، صادرت شرطية عربته وصفعته على وجهه أمام المارة، حاول الشاب الضعيف أن يحتمي بالقانون ويوصل صرخة ألمه من الشرطية التي منعته من التكسب ومزقت ثوب كرامته، فقدم شكوى ضدها لكنها قوبلت برفض سلطات المحافظة. فأحرق نفسه في لحظة استبد به اليأس فهانت عليه، لأنه شعر ألا قيمة لحياته في هذه الدنيا. لقد بعثت قطرات دمه التي نزفت من جسده النحيل، وزفرات أنفاسه الأخيرة التي ودَّعت الدنيا، انتفاضة شعبية دامت قرابة الشهر أنهت نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

بحسب أدبيات علم الفيزياء والفلسفة فإن ما حدث يُعرَف لديهم بنظرية (تأثير الفراشة)؛ فمن كان يدري - على سبيل المثال - أن ذلك الصيني الذي تناول وجبة الخفاش على الغداء - إن صحَّت الراوية - سيحول أكبر مدن العالم إلى مدن أشباح، وسيتوقف الاقتصاد، وستهبط أسعار النفط، وستسقط حكومات وتصعد أخرى، وستتوقف حركة النقل والطيران... إنه (تأثير الفراشة)، حيث الأحداث متناهية الصغر، قد تشكِّل نتائج هائلة الاتساع.

تأثير الفراشة أو The butterfly effect مصطلح استعمله لأول مرة عالم الرياضيات إدوارد لورينتز في عام 1963م، الذي حاول جمع المعادلات الرياضية للتنبؤ بالأحوال الجوية لفترة معيَّنة، وقام بإدخال البيانات لأجهزة خاصة قام بتطويرها بنفسه. حيث وجد تفاوتاً واختلافاً كبيراً في النتائج عند تكرار التجربة بسبب إهماله لبعض المنازل العشرية البسيطة التي لا يتم احتسابها عادةً، فوجد أن هذه الأعشار البسيطة تُحدِث فرقاً عند التكرار ولمدة طويلة، وهو ما جعله يطلق نظرية تأثير الفراشة.

إن مصطلح تأثير الفراشة في النظريات الفيزيائية والفلسفية وغيرها من فروع المعرفة هو مصطلح يصف الترابطَ والتأثيرَ المتبادلَ أو المتواترَ الناتج عن فعل بسيط المؤدي إلى تأثيرات بالغة؛ بمعنى أن أحداثاً عظمى قد تكون نتاجاً لمجموعة أحداث صغيرة لم يلاحظها أحد، أو يعطها الأهمية والتأثير التي تستحقها.

لقد تم نقل هذا المصطلح من علوم الرياضيات والفيزياء إلى علوم التاريخ والسياسة، ومن أقوى الأمثلة التي يمثَّل لها بـ (تأثير الفراشة) الحرب العالمية الأولى التي أحدثت خراباً ودماراً عظيمين، كان مبدؤها رصاصة انطلقت لتقتل ولي عهد النمسا آنذاك، رصاصة واحدة أُطلِقت فتسلسلت الأحداث لتُنشئ حرباً شارك فيها العديد من دول العالم، وأسفرت في النهاية عن مقتل ما يقارب 8.5 مليون شخص، وأعادت تشكيل النظام العالمي، وأنهت قوى عظمى في العالم وأظهرت أخرى، إنها تداعيات الرصاصة التي قتلت وليَّ عهد النمسا أو حركة جناحي الفراشة.

بعد عقد من الزمان مرَّ على الانتفاضة التونسية هل تنتظر تونس وغيرها من الدول التي حدثت فيها انتفاضات شعبية أحداثاً مشابهة؟ كثير من الخبراء يتوقعون ذلك، حتى إن مراكز الأبحاث والاستخبارات الصهيونية وهي تقدم إفادتها لصانع القرار في بلادها، تتوقع حدوث احتجاجات شعبية وفوضى في تلك الدول، فقد نقل موقع (والاه) الصهيوني، يوم 19 ديسمبر 2020م. عن مصادر استخبارية في (تل أبيب)، قولها: «إن انعدام الاستقرار الإقليمي وتعاظم تأثير مواقع التواصل وتطور التضامن الجماعي، من شأنها أن تمهد لانفجار حركات احتجاجية شعبية واسعة النطاق وبقوة كبيرة في العالم العربي».

وأضافت المصادر الاستخبارية أنه: «رغم تمكُّن أنظمة الحكم من احتواء كثير من الثورات والهبَّات، فإن العوامل التي تساعد على انفجارها من جديد ما زالت قائمة».

الجميع يدرك ذلك، كثير من الخبراء والمحللين السياسيين يتوقعون ذلك، التاريخ نفسه يقول ذلك؛ فقد ثار الفرنسيون على آل البربون، ثم أعادوهم إلى الحكم مرة أخرى بعد عشر سنوات، وعاد آل البربون إلى ممارساتهم التعسفية نفسها، فثار الناس عليهم مرة أخرى.

الطغاة أنفسهم يعلمون ذلك. الإشكالية أنهم لا يعلمون أيَّ فراشات غداً ستحلق فوق رؤوسهم وترفرف بجناحيها، فهم يشنون حملة على كل الفراشات، ومع ذلك لا أحد يدري لعل فراشة صغيرة فوق غصن صغير، في حديقة نائية سيكون لها هذا الشرف، وتطلق جناحيها للريح، لتتحرك بعدها الأعاصير.

وإن كان من كلمة بعد عقد على انتفاضة الياسمين في تونس، فهي: غداً ستنطلق الفراشات. أو هكذا توقعت مراكز الأبحاث الصهيونية.

 

أعلى