ما وراء الصراع حول غاز شرق المتوسط

ما وراء الصراع حول غاز شرق المتوسط


«الوضع في شرق المتوسط صعب ومعقَّد وقابل للانفجار».

هذا كلام وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كارينباور نقلته قناة العربية خلال اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، كشفت فيه الوزيرة بالخطأ معلومات حساسة بشأن الخلاف بين تركيا واليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ فخلال الاجتماع في برلين ردت أنيغريت على سؤال من قبل جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، حول مدى نجاح المحادثات بين البلدين (تركيا واليونان)، لكن الوزيرة الألمانية فيما يبدو لم تكن على علم بأن الميكروفون الخاص بها ما يزال متصلاً بحسب وكالة أسوشيتد برس، ونتيجة هذا الخطأ كشفت أنيغريت لجميع الحضور وفيهم الصحفيون عن ردِّها الذي جاء فيه: «الموقف صعب ولكن الجانب اليوناني يبـدو أكثر سلاسة، لكنه صعب للغاية من الجانب التركي»، ليرد عليها منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بوريل بقوله: «الأتراك مستاؤون للغاية، ويشعرون أن اليونانيين لا يمكن الاعتماد عليهم».

لقد سببت تلك القضية المتفجرة انقساماً محدوداً ومأزقاً كبيراً داخل الاتحاد الأوروبي وخاصة حين بدأ الصراع على غاز شرق المتوسط يأخذ منحىً تصاعدياً منذ عدة شهور؛ عندما أعلنت تركيا العزم على توسيع نفوذها في المياه الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط، وسارعت إلى عقد اتفاقية بينها وبين حكومة الوفاق الليبية، لترسم تلك الاتفاقية الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا بشكل يتقاطع مع خريطة خط الغاز الإسرائيلي التي كانت تنوي إسرائيل مدَّه إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه سارعت اليونان وقبرص إلى اتهام تركيا بأن خريطـة المعاهدة التركية - الليبية تتعدى على الحدود البحرية اليونانية والقبرصية في انتهاك للقانون الدولي في البحار.

وجاءت هذه الاتفاقية التركية - الليبية ردّاً على تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذي عقد في يناير 2019م في القاهرة لوزراء الطاقة في الدول المنتجة والمستهلكة والعابرة في شرق المتوسط ومن بينها مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا، وقد تم تجاهل دعوة تركيا للمشاركة فيه، وأرسى المنتدى خريطة طريق لصادرات غاز شرق المتوسط تستبعد منها تركيا.

وسرعان ما أخذ الخلاف بُعداً آخر عندما وقَّعت مصر واليونان الشهر الماضي اتفاقاً لتعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين في شرق المتوسط، وهو ما اعتبرته تركيا اتفاق قرصنة وردَّت بإرسال سفينتها (عروج ريس) لإجراء مسح زلزالي من أجل التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، وقالت إن قواتها البحرية ترافق سفينة الأبحاث.

وبعدها ازداد التصعيد العسكري بين اليـونان وتركيا واقتربت طائرات البلـدين من بعضهما في أكثر من موقف ولكن لم يحدث اشتباك، وارتفعت وتيرة التهديدات العسكرية المتبادلة بين البلدين بعد إعلانهما عن عزمهما إجراء مناورات عسكرية في المنطقة نفسها المتنازع عليها بينهما.

فهل هي بوادر الحرب بين البلدين، وما مدى خطورتها؛ خاصة بعد إعلان أطراف عديدة عن دعم اليونان في خضم تعنُّتٍ تركي وإصرار على المضي قُدُماً إلى آخر مدى في سبيل الحصول على غاز المتوسط مهما كلفها من ثمن؟

وهل هذا النزاع هو بسبب الغاز فقط، أم له دوافع أخرى وتصفية حسابات أو فرض معادلات إستراتيجية جديدة لا بدوافع إقليمية أو اقتصادية فقط بل على صعيد الصراع الدولي وبين القوى الكبرى؟

والسؤال الأخطر: لماذا تبدو تركيا متحدية لأوروبا كلِّها في مثل هذا النزاع وكأنه لا يعنيها الصدام معها؟

طبعاً، هناك دوافع أيديولوجية في هذا الصراع ولكن سنقتصر في هذه المقالة على الدوافع الاقتصادية والإستراتيجية في هذا النزاع المتفجر.

الدوافع الاقتصادية:

لا شك في أهمية الدافع الاقتصادي في هذا الصراع؛ إذ يقدِّر معهد الدراسات الجيولوجي الأمريكي (USGS) عام 2010م كميات الغاز في تلك المنطقة بحوالي 345 تريليون (345 ألف مليار) قدم مكعب من الغاز، منها 223 تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض دلتا النيل، و 122 تريليون قدم مكعب من الغاز في منطقة حوض المشرق، وحوالي ثلاثة ونصف مليار برميل من النفط، ويتراوح مقدار هذه الثروة ما بين 700 مليار دولار و 3 تريليونات دولار على حسب أسعار الخام المتغيرة. هذه الاستكشافات تجعل من حوض شرق المتوسط يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الاحتياطات بعد حوضي سيبيريا والربع الخالي.

وبالفعل، منذ شهرين أنجزت إسرائيل اتفاقاً مع قبرص واليونان لمدِّ خط أنابيب بحري سيزود أوروبا بالغاز الطبيعي من شرق المتوسط، ويهدف خط الأنابيب الذي يجري التخطيط له منذ عدة سنوات، لنقل الغاز من قبالة سواحل إسرائيل وقبرص إلى اليونان ومنها إلى إيطاليا، وتطمح هذه الدول إلى الانتهاء من خط الأنابيب الذي سيكلف ستة مليارات يورو (6.86 مليار دولار) ويبلغ طوله 1900 كم.

قبل هذه الاتفاقية كانت روسيا تورِّد قرابة 33% من غازها إلى دول أوروبا، أي ما يصل 193.9 مليار متر مكعب سنوياً بقيمة 37 مليار دولار، حتى أنه هنالك 11 دولة أوروبية من بينها ألمانيا، تعوِّل على صادرات الغاز الروسية بنسبة 75%.

أما تركيا التي تم تجاهلها في هذا الاتفاق فهي تعاني من مشاكل مزمنة في إمدادات الطاقة؛ فإنتاجها يغطي حوالي 5% من احتياجها من النفط، و 1% من احتياجها من الغاز الطبيعي، و 47% من احتياجها من الفحم، وهي بهذه الأرقام تحتل المركز السادس عشر في استهلاك الطاقة بين دول العالم، وهو ما ينتج عنه دفع فاتورة سنوية للطاقة تقترب من 40 مليار دولار، هذه الفاتورة تمثل عبئاً مرهقاً للاقتصاد التركي.

وقد لجأت تركيا في السنوات الأخيرة إلى تنويع مصادر الطاقة للخروج من هذه المعضلة؛ فأقامت عدة مشاريع لبناء محطات للطاقة النووية السلمية من أجل توليد الكهرباء بالتعاون مع روسيا، ويتوقع أن تنتهي مرحلتها الأولى عام 2023م، إلى جانب مشاريع كبرى لتوليد الطاقة من الهواء ومشاريع الطاقة الشمسية، إلى جانب مشروع ضخم لبناء عشرات السدود لتوليد الطاقة الكهربائية من قوة دفع المياه، لكن هذه المشاريع تبقى عاجزة عن سد الفجوة في عجز الطاقة، وهو ما دفع الحكومة التركية أكثر للتركيز في السنوات الأخيرة على عمليات التنقيب عن الغاز والنفط في البحرين الأسود والأبيض المتوسط.

أما اليونان فتعاني أوضاعاً صعبة وأزمة اقتصادية خانقة، بعد أن وصلت ديونها العامة إلى أكثر من 180% من الناتج المحلي الإجمالي، لتقع تحت إشراف صارم من قبل دائنيها، وتعرضت عدة مرات لمحاولات صندوق النقد الدولي لإشهار إفلاسها ولكن تدخلات الاتحاد الأوروبي بالدعم المالي حال دون ذلك، بالرغم من أنها تلقت طيلة ثمان سنوات أكثر من 289 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي في شكل حزم إنقاذ على دفعات مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية قاسية.

إذن الثروة الهائلة من الغاز والنفط التي توجد في البحر التوسط تسد حاجة تركيا إذا تمكنت من الاستحواذ على جزء هام منها، وفي الوقت نفسه فإن اليونان التي يعاني اقتصادها من أزمة إفلاس فهي في حاجة ملحَّة لهذا الثروة ليس لاستغلالها مباشرة ولكن لبيعها ونقلها إلى أوروبا.

الصراع الإستراتيجي:

يمكن النظر لبيئة الصراع السياسية من خلال تتبع المطالب المباشرة لطرفي الصراع؛ إذ تريد تركيا توسيع حدودها البحرية لتتمكن من استخراج الطاقة التي تعاني عجزاً فيها بينما تريد اليـونان ألا يتعدى أحد على حدودها البحرية.

ولكن عند النظر للبيئة الإستراتيجية للصراع فإننا نبحث في الأهداف الإستراتيجية لأطراف الصراع سواء المباشرة أو التي تلعب في خلفية المشهد ودور القوى الإقليمية والدولية وما تريده من توظيف الصراع لصالح أهدافها وإستراتيجيتها في المنطقة والعالم. وهذه الأطراف تأتي على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

الدور الأمريكي في صراع شرق المتوسط:

منذ بداية هذا القرن مرَّت الإستراتيجية الأمريكية في العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة بثلاثة تحولات كبرى:

ففي أواخر عصر الرئيس الأمريكي بوش الابن ونتيجة الهزائم التي تلقتها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، بدأت الولايات المتحدة إستراتيجية التقليل من الوجود العسكري، والانسحاب من مناطق الصراع في العالم، في محاولة منها لتقليل نزيف الخسائر البشرية والمادية والتفكير في استخدام أدوات جديدة للهيمنة لضمان استمرار تربُّعها على قمة النظام الدولي.

ومثال على ذلك فإن الخزينة الأمريكية كانت تتكلف مليون دولار سنوياً تنفقها على الجندي الأمريكي الواحد في أفغانستان، وفي ذروة الحرب على هذا البلد كان لديها مئة ألف جندي؛ أي بحسبة بسيطة كانت الولايات المتحدة تنفـق ١٠٠ مليـار دولار سنوياً تكلفة احتلالها لهذا البلد. أما خسائرها في العراق فطبقاً لآخر تقرير في شهر فبراير الماضي صادر عن صحيفة بزنس إنسايدر الاقتصادية الأمريكية ونقلته وكالات الأنباء، فإن الحرب في العراق كلَّفت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من تريليوني دولار.

ونتيجة لذلك في عصر أوباما إلحاقاً بالانسحاب العسكري من مناطق نفوذها ولضمان استمرار مصالحها، شرعت في تنفيذ إستراتيجية جديدة تتضمن الاستعانة بالوكلاء وهم في الغالب منظمات وجماعات عسكرية تقطن في أماكن النزاعات تمدهم بالمال والسلاح والأنشطة اللوجستية والاستخبارية مثل الجماعات العسكرية الكردية في سوريا والعراق.

ولكن في عهد ترامب وجدت إدارته أن الوجود في المنطقة وتحقيق المصالح الأمريكية من خلال الوكيل قد أصبح عبئاً من زاويتين: التكلفة المادية، والمصالح الأمريكية المتحققة.

لذلك يحاول ترامب الانتقال من نظرية الوكلاء إلى نظرية جديدة وهي الاستعانة بالشركاء الإستراتيجيين.

ولكن ما هو الفرق بين الاستعانة بالوكلاء وبين الاستعانة بالشركاء الإستراتيجيين؟

يتمحور مصطلح الحرب بالوكالة حول محاولة تجنب الدول الكبرى - سواء كانت إقليمية أو دولية - التورط مباشرة في حروب مباشرة نظراً لارتفاع كلفتها المادية والبشرية فتحاول التأثير على دول أصغر أو منظمات عسكرية لتنوب عنها في هذه الحرب، واشتهرت تلك النوعية من الحروب بعد الحرب العالمية الثانية أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحـدة والغرب والاتحاد السوفييتي سابقاً، مثل حرب كوريا وحرب فيتنام والحرب في أفغانستان والعديد من صراعات إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

بينما هناك فريق من الباحثين يعرِّفها بصـورة أوضح؛ فهي امتناع اللاعبين الأصليين عن النزول إلى الميدان، وتسليحهم لاعبين محليين أو إقليميين ليقوموا بالاقتتال عوضاً عنهم، والحرب بالوكالة في نظر هذا الفريق هي في الوقـت نفسه حرب اسـتنزاف، حـرب لا ينتصر فيها أي طرف، وليس فيها غالب ولا مغلوب، ينجم عنها نتائج غير متوقعة.

وفي ذلك يقول الجنرال فنسون ديسبوت، المدير السابق للمدرسة الحربية الفرنسية: أثناء الحرب الباردة استعانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي على حدٍّ سواء بالأذرع والخلايا في الحروب والمواجهات والنزاعات العسكرية بالوكالة، فلم تعد الدول الغربية قادرة على تحمل تبعات سفك الدماء والقتال، إلا إذا كان الأمر يتعلق بحدث جسيم أو خطر داهم، كانت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م) آخر حرب شاملة تنتصر فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

ولكن لماذا تلجأ القوى الكبرى لمثل تلك الوكالة؟

يجيب عن ذلك الباحث دانيال بايمان وهو أستاذ بمركز بروكينغز لسياسة الشرق الأوسط في مقال بمنشور بمجلة ناشونال إنترست الأمريكية حيث يرى أن السبب الذي يدفع كثيراً من القوى - سواء الدولية والإقليمية للقيام بهذه الحروب أي حروب الوكالة - هو تجنب التكاليف العالية سواء كانت تكاليف مادية أم بشرية. وما لم يذكره بايمان أنها قد تكون تكاليف سياسية أيضاً.

باختصار: في حروب الوكالة تعمد بعض القوى الكبرى إلى الدخول في مواجهة غير مباشرة من خلال الاعتماد على الأطراف الوسيطة التي تدعمها عسكرياً ومالياً وتدريبياً ولوجستياً وحتى استخباراتياً.

أما في الشراكة فتحاول كلٌّ من القوى الكبرى تعزيز التحالفات وإقامة شراكات مع أكبر عدد ممكن من الدول ذات الطموح الإقليمي في مختلف مناطق العالم، بشرط أن تخدم هذه التحالفات مصالح القوة الكبرى على المدى الطويل، وبهذه الطريقة سيسيطر المشارك الواحد على منطقة معيَّنة وهو ما يتيح للقوة الكبرى السيطرة - بفضل هذا التحالف - على أكبر قدر من رقعة الشطرنج العالمية.

وتلجأ القوى الكبرى للشراكة عندما تعجز القوى الوكيلة عن إنجاز المهمة ومصالح القوى الكبرى أو تصبح القوى الوكيلة أداة لاستنزاف القوى الكبرى بدلاً من أن تكون وسيلة لتخفيف الأعباء عنها، لذلك يشترط للشراكة الإستراتيجية أن يكون الشريك الإستراتيجي يتمتع بالكفاءة العالية سواء التقنية والتكنولوجية، والقدرة التسليحية وغيرها من عناصر القوة القادرة على إنجاز مصالح القوى الكبرى نظير تحقيق مصالح الشريك الإستراتيجي أيضاً.

ثمة مؤشرات عديدة على أن الإدارة الأمريكية في عهد ترامب بدأت في اتخاذ شركاء إستراتيجيين بديلاً عن الوكلاء، ويتمحور الاختيار الأمريكي على اتخاذ كلٍّ من إسرائيل وتركيا شريكين رئيسين تستطيع أمريكا تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط من خلال هاتين القوتين، ومن بين هذه المؤشرات تسارع وتيـرة الانسحاب العسكري من أفغانستان والعراق، وتقليل الدعم للجماعات الكردية في سوريا والعراق، وأيضاً الإعلان الأمريكي بنيتها في تقليص الوجود العسكري الأمريكي في ألمانيا.

ومن بين هذه المؤشرات الإعلان كذلك عن رجوع تركيا مرة أخرى للمشاركة مع الولايات المتحدة في إنتاج وتصنيع طائرات إف 35، تلك المقاتلة الأمريكية التي تعد أحدث الطائرات الأمريكية بعد أن كانت أمريكا قد علقت المشاركة التركية في برنامج إنتاج الطائرة عقب الإصرار التركي على شراء منظومة الصواريخ الروسية الحديثة إس 400.

الشريك الإسرائيلي أثبت فاعليته بالنسبة للمصالح الأمريكية بنجاحه في العمليات العسكرية الإسرائيلية الخفية ضد المصالح الإيرانية وأذرعها العسكرية سواء في الداخل الإيراني أو في العراق ولبنان، كما عزز مكانته ودوره في المنطقة بإعلانه التطبيع مع عدد من الدول العربية.

والشريك التركي أثبت فاعليته في ليبيا ونجح في وقف التمدد الروسي المقلق لأمريكا في هذه المنطقة عندما أرغم قوات فاغنر - وهم المرتزقة الروس - على فك حصار طرابلس وبعدها الانسحاب من الغرب الليبي.

ولكن، هل منطقة شرق المتوسط والنزاع المتفجر فيها يقع في نطاق الشراكة الإستراتيجية بين أمريكا وتركيا؟

إدارة ترامب ترى في أوروبا منافساً إستراتيجياً لها في العالم مثلها مثل الصين، بعكس بعض الإدارات الأمريكية السابقة التي كانت تعتبـر أوروبا حليفاً للولايات المتحدة، وربما تشترك أمريكا مع روسيا في وجوب محاصرة أوروبا وتقليل نفوذها ودائرة تأثيرها.

أيضاً يحاول ترامب ابتزاز أوروبا مالياً، ففرض عليها إما أن تدفع مليارات الدولارات نظير رسوم جمركية على صادراتها المتجهة لأمريكا، وإما توقف كل القيود التجارية المفروضة على المنتجات الأمريكية، ولذلك يعمل ترامب على إضعاف أوروبا بتحالفه الإستراتيجي مع تركيا.

وتمت ترجمة المشاركة الأمريكية التركية الإستراتيجية عملياً في شرق المتوسط وهو ما ذكرته وسائل الإعلام التركية عن مشاركة فرقاطة أمريكية في إحدى المناورات التدريبية التي أجرتها البحرية التركية في هذه المنطقة الملتهبة منذ عدة أسابيع، وتنظر أوروبا بغضبٍ وحدَّة إلى الموقف التركي واستعراض القوة البحرية والعسكرية ولا تستطيع أن تفعل معه شيئاً لإدراكها أنها لعبة شراكة أمريكية تركية حيث الشريكان يستفيدان.

لقد حققت تركيا مكاسب إستراتيجية هائلة عن طريق الشراكة مع الولايات المتحـدة؛ فعن طريقها نجحت في إقامة قواعد بحرية وجوية في ليبيا حتى وصلت إلى إقامة قاعدة لها في النيجر في غرب إفريقيا وهي منطقة نفوذ فرنسي، وإذا ظلت الشراكة قائمة لفترة أطول ربما تستطيع أن تحصل تركيا على حصة كبيرة من غاز شرق المتوسط.

وبسبب هذه الشراكة قفزت تركيا لتكون لاعباً إقليمياً أساسياً وفي طريقها لتكون قوة عالمية.

ولكن هناك قلق تركي كبير من استمرار هذه الشراكة وما نتج عنها من مكانة وصعود إذا جاءت الانتخابات الأمريكية بالمرشح الديمقراطي جو بايدن الذي لا يخفي رغبته في الإطاحة بأردوغان في تسجيل ظهر له منذ عدة أشهر.

ولكن إذا استطاعت تركيا تعزيز موقفها الإستراتيجي الإقليمي بالمعطيات الحالية فربما يجبر ذلك المرشح الديمقراطي - إن فاز - أن يتعامل مع تركيا لتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة.

 


أعلى