• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مـشـانـق بـنـجـلاديــش

مـشـانـق بـنـجـلاديــش

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

فقد أخبرنا ربنا في كتابه الحق باستمرار مقاتلة كارهي دينه وشريعته للمسلمين، وأن هذه المقاتلة مستمرة حتى تتحقق لهم غايتهم من القتال، وهي رد المسلمين عن دينهم إن استطاعوا، قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، فهي مقاتلة مستمرة لا يخبو لهيبها في مكان حتى يشتعل في مكان آخر، ولا في زمان حتى يشب في زمان تالٍ حتى تتحقق لهم إرادتهم وهي ردة المسلمين عن دينهم إن استطاعوا، وذلك منذ خلق الله آدم عليه السلام وحتى تقوم القيامة لأن الله كتب استمرار عباده الصالحين على دينهم برغم المحاربة والتقتيل والتعذيب، قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِـمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، وقال رسوله الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون»[1] وقال: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس»[2]، ولئن كانت صورة المقاتلة غلب عليها فيما سبق الصورة التقليدية من القتال بآلة السلاح المادي بما يوافق العصر إلا أنه دخل في صور المقاتلة صور حديثة، منها استخدام القضاء الوضعي في المعركة، وتسمية هذه الصورة بالمقاتلة من قبيل المجاز لأن المقاتلة تقتضي أن الأطراف المشاركة يقاتل كل طرف منهما الآخر حتى يتمكن من قتله، لكن القتل في هذه الصورة من جانب واحد، إذ القانون هو من وضع الأعداء والقاضي منهم والاتهامات الموجهة هي بحسب تصنيفهم وفق قانونهم والمنفذ للحكم واحد منهم، ثم يحكم القاضي فيما يمكن تسميته بهزلية المحاكمة التي تفتقر لكل معاني الحكم العادل بالحكم الذي يقول به قانونهم وقاضيهم وهو الحكم بالقتل (الإعدام) على خلفية اتهامات تفتقر في إثباتها لكل المعايير التي يعول عليها في إثبات الاتهام على الدعاة والمعارضين لباطلهم والوطنيين المستمسكين باستقلال بلدانهم وحريتهم. يستوي في ذلك أن يكون القاضي من بني جلدتنا والقانون صادر عنهم أحيانًا كما في حادثة دنشواي حيث حكم القاضي المصري على عدد من الفلاحين المصريين بالقتل لتصديهم لجنود الاحتلال الإنجليزي لعدوانهم على ممتلكاتهم، أو يكون القاضي من أعدائنا والقانون صادر عنهم كما حكم القاضي الإيطالي المحتل لليبيا على البطل عمر المختار بالقتل لإدانته بمقاومة المستعمر المحتل الإيطالي القادم من الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، وهذا النهج الإجرامي مستمر لم يتوقف منذ أن بدأ وتمسكت به السلطات الحاكمة العلمانية في البلدان الإسلامية والعربية كافة، واستخدمته في تصفية حساباتها مع الحركة الإسلامية الصاعدة العاملة لإعادة الأمة إلى رشدها والتمسك بكتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى تتخلص الأمة من الذل الذي كبلها نتيجة بعدها عن الدين الحق، فقد استخدمه جمال عبد الناصر ونظامه منذ ما يقرب من ستة عقود فقتل من قتل من القيادات وسجن وعذب الكثير.

واليوم يمارس الأسلوب نفسه بالآليات نفسها النظام العلماني في بنجلاديش البلد المسلم أهله الذي يسيطر عليه حكام علمانيون، فبرغم البعد الجغرافي واختلاف اللغة عن البلاد العربية إلا أنهم يسلكون السبيل الفاسد نفسه، فقد حكمت المحكمة العليا ببنجلاديش بإعدام (قتل) الأمين العام للجماعة الإسلامية في بنجلاديش علي أحسن محمد مجاهد أحد كبار العلماء العاملين بالإسلام وللإسلام في شبه القارة الهندية، حيث علق على حبل المشنقة أواخر شهر نوفمبر من عام 2015م، حيث أدانته المحكمة بخمس تهم بينها الإبادة الجماعية والقتل والتعذيب خلال حرب استقلال بنجلاديش عن باكستان عام 1971م، وهو الذي خلف الشهيد البروفيسور عبد القادر ملا، الأمين العام للجماعة الإسلامية السابق، الذي أعدمته حكومة «عوامي» العلمانية المتطرفة قبل عامين تقريبًا بعد تعديل الحكومة قانون جرائم الحرب بأثر رجعي، ما يعني محاكمتهم بقانون لم يكن له وجود وقت الاتهامات التي يزعمون حدوثها منهم من خلال محكمة استثنائية، وذلك على خلفية اتهامات مر على زمن حدوثها (على فرض حدوثها) قرابة 45 عامًا أي في زمن لم تكن للحكومة القائمة الآن وجود (أي لم يكن لها ولاية)، ثم نفذت حكم القتل أملًا في القضاء على المعارضة الإسلامية للحكم العلماني وإنهائها إرضاء للشيطان وحزبه من الدول النصرانية والوثنية والملحدة. هذه الإعدامات المتتابعة على فترات لقادة الجماعة الإسلامية في بنجلاديش تأتي عقب مقصلة من المحاكمات الجائرة لجميع قادة الجماعة الإسلامية وكوادرها أمام ما يسمى بـ«محكمة جرائم الحرب»، التي حكمت من قبل بالإعدام على الزعيم الإسلامي دلوار حسين سعيدي، رئيس حزب الجماعة الإسلامية.

إن كثرة الإعدامات المتتابعة على قادة الجماعة الإسلامية من خلال محكمة خاصة (استثنائية) وسن قوانين جديدة ومحاكمتهم بأثر رجعي على تهم وهمية واتهامات كاذبة يبين بما لا يدع مجالًا للشك بطلان هذه الأحكام وأنها صنعت خصيصًا لمحاربة الإسلام والقضاء على العلماء العاملين به وله، وما يجرى في بنجلاديش منذ عقود من تقتيل لقادة الجماعة الإسلامية باستخدام القضاء الوضعي أملًا في القضاء على الإسلام هناك يحمل كثيرًا من الدول الإسلامية ظاهرًا العلمانية باطنًا على استنساخ ذلك النموذج، حيث تلقى على ذلك الدعم الكبير من الغرب النصراني واليهود والهندوس والبوذيين وكل كاره لسيطرة الإسلام وعودة الشعوب إلى دينها. 

وهذه الأحكام في بنجلاديش وغيرها من دول العرب هي أحكام لتغليب هوية على هوية ولا دافع لها إلا الرغبة في وأد الحركة الإسلامية والتمكين للعلمانية، وما سبق من تصرفاتهم وأعمالهم يصب في هذا المجال ويدل عليه، فذلك ليس خطأ في التصرف وإنما هو منهج متبع يساندهم فيه ويشد أزرهم الدول العلمانية والنصرانية والوثنية والبوذية الكارهة للإسلام وعلوه.

وبرغم كل هذه المقاتلة التي تآزرت فيها قوى الباطل للقضاء على الحق فإن المسلمين يثقون في وعد الله لهم بالعز والتمكين كما قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣]، ولا يشكون في تحقق ذلك وإن طال الزمن ونحن لا نوصي بالانتقام منهم والظلم لهم حين تحقق وعد الله في الأجل الذي حدده ربنا، ولكننا نأمل محاكمة هؤلاء المجرمين أعداء الله ورسوله والمؤمنين محاكمة عادلة تردع الفجار عن سلوك طريقهم الوبيل، ولسنا في هذه الحالة في موقف الصفح والعفو وقول اذهبوا فأنتم الطلقاء بل الموقف الصواب من هؤلاء المجرمين الذين يحاربون الله ودينه وشرعه وأولياءه الصالحين أن يقال: اقتلوهم ولو كانوا متعلقين بأستار الكعبة فإن الحرم لا يعيذ مجرمًا كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عندما قال له صحابي إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه[3].

اللهم أتمم لنا نورنا وحقق لنا ما وعدتنا به إنك قوي عزيز لا تخلف الميعاد.

:: مجلة البيان العدد  343 ربـيـع الأول 1437هـ، ديسمبر  2015م.


[1] أخرجه البخاري برقم 7311.

[2] أخرجه مسلم برقم 1037.

[3]  أخرجه البخاري برقم 1846، ومسلم برقم 1357.

أعلى