• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خيار الحزم المسارات المحتملة للعاصفة

خيار الحزم المسارات المحتملة للعاصفة

بدأت قوات التحالف بقيادة السعودية عملية «عاصفة الحزم» التي تهدف إلى وقف التهديد الحوثي في جنوب الجزيرة العربية بأن يتحول إلى «حزب الله» جديد، هذه المرة في خاصرة دول مجلس التعاون الخليجي، وبالرغم من التكلفة العالية المتوقعة لهذه العملية إلا أنها كانت حتمية لا مناص منها، بعد أن استنفدت السعودية وحلفاؤها الخيارات السلمية لإجراء حوار سياسي يمني، وأن مخاطر الانتظار لا يمكن تحملها. وفي هذا التحليل نحاول أن نرصد المسارات المحتملة لـ«عاصفة الحزم»، بالنظر إلى مآلاتها وتداعيات المسارات الثلاثة المحتملة: الاكتفاء بالضربات الجوية لإجبار الأطراف على الحوار، التطور إلى الانتشار البري وتداعياته، ثم خيار إطالة أمد الحرب بدون انتصار حاسم.

فالمهمة في اليمن عسيرة وتحتمل تحديات جسيمة، وذلك لتعدد اللاعبين على الساحة في كل من شمال اليمن وجنوبه، ما بين مليشيات الحوثي ومليشيات القاعدة، وفي ظل انهيار الدولة وجيش متداعٍ ومنقسم يدين بولاءات مختلفة سياسية وقبلية، وكذلك بوجود مطالب قديمة بعودة الانفصال بين الشطرين الشمالي والجنوبي، وفي ظل بيئة جبلية صعبة على العمليات العسكرية البرية لقوات التحالف؛ فالقوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي أثبتت عدم فاعليتها أمام تقدم الحوثي من الشمال وسيطرتهم على صنعاء وتعز بمعاونة القوات الموالية للرئيس المعزول علي صالح.

الهدف المعلن للعمليات العسكرية لقوات التحالف استعادة شرعية الرئيس هادي، ولكن الأهداف الرئيسة لتلك العمليات هي كسر شوكة مليشيا الحوثي ونزع سلاحها ووقف تهديدها الجنوبي على المملكة ومنع سيطرتها على القلب الصلب لليمن المتمثل في صنعاء ومدينة مأرب الغنية بالنفط، وكذلك كسر طوق الهيمنة الإيرانية على الجزيرة العربية. لذا من المتوقع أن تتطور العمليات العسكرية إلى اجتياح بري من الشمال بمائة وخمسين ألف جندي متمركزين على الحدود الشمالية لليمن، وذلك بعد أن يتم القضاء على كافة نقاط السيطرة والتحكم الحوثية وأهم نقاطهم الحصينة وتشتيت قواتهم.

وعلى الجانب الآخر من الخليج فإن الخيار المفضل لإيران حاليًا هو سرعة اللجوء إلى الحوار ووقف العمليات العسكرية والتفاوض على حل سلمي قبل أن تخرج الأمور عن سيطرة الحوثي، وقبل أن تنفد موارده العسكرية والمالية في ظل الحصار البري والبحري والجوي على اليمن، فالسعودية حتى الآن تمتلك رفاهية إطالة أمد الحرب بدون خسائر تذكر على اقتصادها أو موقفها العسكري طالما كانت المعارك في مرحلة الضربات الجوية والحصار البحري البري، كما أن الملاءة المالية للملكة واحتمالات ارتفاع أسعار النفط بسبب المعارك تمكنها من الاستمرار في استخدام الورقة المالية لدعم الأطراف الموالية لها سواء كانت قبلية أو عسكرية من أجل تعزيز موقفها على الساحة الداخلية لليمن، وهو الأمر الذي ظلت إيران تفعله مع الحوثي منذ سنوات، فبالوضع في الاعتبار الحالة الاقتصادية المزرية لليمن فإن الداعم الخارجي سيكون له اليد العليا فيما يتعلق بمخرجات الأزمة الراهنة بعد انقشاع غبار العمليات العسكرية.

كما أن التفوق النوعي للقوات السعودية وقوات التحالف المصاحبة لها سيردع إيران عن التدخل في المعارك العسكرية، وهو الأمر الذي ظهر في اسم العملية «عاصفة الحزم»؛ حيث إن المملكة ردت بحزم على كل الموالين لإيران أو حتى الذين يريدون التلاعب بمقدرات اليمن مثل قوات علي عبدالله صالح وابنه أحمد، ووجهت رسائل شديدة اللهجة للأخير أن أي قوات ستقاوم العمليات العسكرية سيتم إفناؤها، وذلك على لسان وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، كما أن البحرية المصرية والباكستانية تشاركان في العمليات في منطقتي بحر العرب ومضيق باب المندب، وذلك لمنع تسليح الحوثي عن طريق الدخول إلى موانئ البحر الأحمر التي يسيطر عليها.

أما تطور العمليات إلى نشر قوات برية، وهي الخطوة الحاسمة في «عاصفة الحزم»، فربما تتخذ عدة أشكال، من بينها التقدم البري للقوات السعودية من شمال اليمن، ومن ثم حدوث مواجهة مباشرة مع قوات الحوثي، أو الاكتفاء بالتمركز في المناطق الشمالية لليمن لحصار قوات الحوثي، في حين يتم إنزال بري لقوات مصرية وباكستانية على سواحل البحر الأحمر، فقد رشحت أنباء عن إنزال ألفي مظلي مصري من قوات النخبة على السواحل الغربية لليمن، بالإضافة إلى العمل من الجنوب من عدن بالتعاون مع القوات الموالية للرئيس هادي والتقدم باتجاه الحوثي من الجنوب باتجاه صنعاء وتعز ومأرب لحصاره وإجباره على الانسحاب إلى مناطقه في الشمال، مع الاستمرار في العمليات الجوية لإجهاده مع الحصار من الغرب والشمال ومنعه من أي إمدادات لوجستية مع الاستمرار في توجيه ضربات عن طريق قوات خاصة وعمليات إغارة نوعية متواصلة، وذلك بمصاحبة مدرعات على الأرض للهجوم على تمركز قواته مدعومة بغطاء جوي من مروحيات وطائرات مقاتلة وقاذفة متعددة المهام.

ويمكن أن يتم ذلك بالتوازي مع إعادة تجهيز القوات الموالية للرئيس هادي وإعادة تنظيم صفوفها وتنقية قياداتها وذلك لإعداده لتسلم مهام حفظ الأمن في مرحلة ما بعد انتهاء العمليات، وذلك ربما يستغرق وقتًا طويلاً إلا أنه خيار حتمي للحفاظ على مكتسبات العمليات العسكرية وتسليم تلك القوات للمناطق التي يتم السيطرة عليها في خضم العمليات العسكرية، والتي من المؤكد أنها لن تكون نزهة سهلة في تلك البيئة الوعرة، مع سابق تجربة مريرة للجيش المصري في الستينات ضد قوات أيديولوجية مدافعة عن أراضيها التي هي على دراية كاملة بها ضد قوات مهاجمة من الخارج، مما يزيد بتوقع زيادة الخسائر في ظل هذا السيناريو، لاسيما في ظل احتمالية استهدافها من تنظيم القاعدة والمليشيات الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية، مع استمرار المواجهة معهم على الأراضي المصرية في سيناء.

ويبقى خيار الدفاع الثابت لقوات التحالف أحد الخيارات الناجعة، وذلك بالتمركز في المناطق الشمالية من اليمن من القوات السعودية، وكذلك التمركز من القوات المصرية والباكستانية من الغرب، وتقدم قوات الرئيس هادي من الجنوب، وفي تلك الحالة فإن إطالة أمد الصراع ستصب في مصلحة قوات التحالف وستقلل الخسائر في مقابل خيار الاجتياح البري، وحينئذ يمكن في أي مرحلة إجراء عملية التفاوض السياسي من موقف قوة، ويكون المطلب الأساسي لقوات التحالف هو نزع سلاح مليشيا الحوثي كشرط لبدء الحوار السياسي بين مختلف الأطراف على الساحة اليمنية، وقد أشار تحليل لمركز ستراتفور إلى أنه منذ بدء العمليات الجوية لقوات التحالف لجأت قوات علي صالح إلى الشمال خوفًا من اجتياح بري سعودي[1].

ومن المؤكد أن الرئيس المعزول علي صالح سيجنح إلى محاولة إحراق اليمن، وهو الخيار المفضل له عن استقرار البلاد وتنصيب حكومة مستقرة ومن ثم محاسبته على جرائمه وسرقاته طوال عهده، لاسيما بعد رفع الغطاء السعودي عنه وتجميد أمواله ومنعه من السفر وإحباط مخططات ابنه في إرث الحكم واستخدام الإمارات كقاعدة خارجية لتنفيذ أهدافه، لذلك فإنه يستثمر ثروته في شراء الولاءات القبلية والعسكرية داخل الجيش المنشق، والذي يجب إخضاعه هو الآخر كجزء من إنجاح عملية «عاصفة الحزم»، ولكن يظل مستقبل اليمن معلقًا على مخرجات التدخل الخارجي وتحكم مختلف الأطراف في العملية السياسية والسيطرة على حكومتها في ظل أزمة قيادة داخل البلاد وضعف الرئيس هادي وعدم قدرته على بناء شرعية له طوال فترة حكمه، وعدم قبول مختلف الأطراف لعملية سياسية ديموقراطية والتي انهارت في ظل الأجواء الراهنة التي تعتمد على الجهوية والطائفية والقبلية والالتجاء إلى السلاح أكثر من اعتمادها على الاحتكام إلى الصناديق تحت الهوية الوطنية.

لذلك يظل اللجوء إلى الضربات الجوية مع الحصار البري والبحري وتقدم قوات هادي وتسليحها ورفع قدراتها بمرور الوقت والعمل على الهدف الأساسي وهو نزع سلاح الحوثي هو الخيار الأمثل والأكثر أمانًا لقوات التحالف، ووضع الرهان كله على الرئيس هادي ومن ثم تشكيل حكومة توافق وطني تشمل مختلف المكونات السياسية، مع التعهد بحزمة مساعدات اقتصادية لانتشال البلاد من عثرتها ووضعها على طريق الاستقرار، في حين أن خيار الاجتياح البري سيكون عالي التكلفة وطويل الأمد بتداعيات غير معلومة على الداخل اليمني، أما الاكتفاء بضربات جوية وحصار بري بحري فإنه ربما يشجع الحوثي على تنفيذ عمليات نوعية ضد القوات المتمركزة في البلاد وربما نقل المعركة إلى داخل دول التحالف ذاتها.

ومن المتوقع أن تؤدي عملية «عاصفة الحزم» إلى ردع إيران عن التدخل في الشؤون اليمنية بالنظر إلى حجم وعدد القوات المشاركة في التحالف، وما يشبه الإجماع الإسلامي وليس العربي فقط على خطورة التدخلات الإيرانية للعب في الهويات الطائفية والتركيبات القبلية ونصرتها لأطراف على أطراف في الداخل العربي، وأن عملية اليمن ربما تكون مقدمة لعملية في سوريا لإعادة تأمين الساحات المخترقة داخل العالم العربي، على أن يكون الهدف التالي هو المكون العربي داخل العراق بدعم الأطراف السنية والشيعية التي تؤيد عروبة العراق وبقاءها داخل المنظومة العربية، بالتعاون مع الأطراف غير العربية المعارضة للتدخلات الإيرانية مثل تركيا وباكستان.

إن «عاصفة الحزم» كانت حتمية في ظل انزلاق المنطقة كلها إلى حرب طائفية بالوكالة لصالح إيران والتي كانت تعمل على إضعاف الأنظمة وتقوية المليشيات الموالية لها وخلق حقائق جديدة على الأرض انطلاقًا من رؤية مذهبية وثارات تاريخية، كما فشلت كل المبادرات التي كانت تهدف إلى تعظيم حسن النوايا والحوار بين الجانبين في ظل قدوم روحاني، والذي استبشر به البعض خيرًا، إلا أن الأحداث أثبتت أن الرؤية الطائفية لنظام الملالي تفوق حتى تحقيق المصلحة البراجماتية للشعب الإيراني، وأدخلته في أتون محارق اقتصادية وعسكرية، من أجل تحقيق أحلام الهيمنة الشيعية في المنطقة، لذلك لم يكن بد من إظهار الحزم، وتشكيل قوة عربية موحدة كما تمخضت عنه نتائج القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ، بل إن بعض الكتاب المقربين من دوائر صنع القرار في المملكة تحدثوا عن بدء حقبة جديدة من نقل الحرب إلى الداخل الإيراني نفسه؛ من الشرق البلوشي والغرب الأحوازي والشمال الكردي.

:: مجلة البيان العدد  335 رجب  1436هـ، إبريل – مايو  2015م.


 [1]   Exploring Saudi Arabia>s Options in Yemen, March 27, 2015, on:    https://www.stratfor.com/sample/analysis/exploring-saudi-arabias-options-yemen

 

googleplayappstore

أعلى