إن
الدعوة إلى الله هي عمل الرسل والأنبياء وأتباعهم وَلْنقرأ معاً إجابة العلاَّمة
الرباني الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – على السؤال التالي: هل الدعوة إلى الله
واجبة على كل مسلم ومسلمة أم تقتصر فقط على العلماء وطلبة العلم؟
قال
– رحمه الله –: (إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه؛ أي يكون عالماً فيما
يدعو إليه، فلا فرق بين أن يكون عالماً كبيراً يشار إليه أو طالب علم مجدٍّ في
طلبه أو عامياً؛ لأن من دعا بلا علم فإنه يُفسِد أكثر مما يصلح. أما المنكرات
الظاهرة فله أن ينكرها بالحكمة. وأما قول بعض الناس: إنه يمكن أن يكون داعية بلا
علم فنقول: من أراد داعية بلا علم غزير يستطيع أن يفتي ويناظر ويستنبط المسائل من
أدلتها فيمكن قبول قوله هذا، وأما داعية لا يعلم ما يدعو به فهذا لا يُقبَل)
وبهذه
الإجابة نقف على الحقيقة التي يجب على الجميع علمها والعمل بها، وهي: أن الدعوة
إلى الله باب مشرَع لكل من رزقه الله علماً مَّا يدعو إليه، ولكن نشترط أن يكون
علماً صحيحاً من مصادره الصحيحة؛ سواء من الكتب أو العلماء، ولا يعتمد على أقاويل
وكلمات منثورة في صفحات ورقية أو إلكترونية، ويرى أنه لا يتخطاه ويغتر بنفسه
فيتكلم بما لا يعرف، بل هذا ينبغي أن يكون دافعاً لطلب العلم وتأصيله.
والدعوة النسائية في المملكة العربية السعودية. يمكن تسميتها بالدعوة المؤصَّلة
التي خرجت للإعلام بقوة وحاول بعضهم تغيير قناعاتها الشرعية تحت دعاوى العصرنة
ومجاراة الواقع والتيسير والإصلاح.
ولا
أعلم أن هناك جهة واحدة تجمع الداعيات إلا ما تقوم به مكاتب الدعوة ومراكزها التي
تبذل جهدها لجمع شتات الداعيات وتنظيم دعوتهن. ووزارة الشؤون الإسلامية أصدرت
تصريحاً لبعض الداعيات كان فيه نقص واضح وعدم وضع أسماء معروفة في الدعوة، كما أن
الجمعية العلمية للدراسات الدعوية لم تشملنا إلى الآن؛ ربما لأنها حديثة عهد رغم
رغبة الكثيرات منَّا في الانضمام إليها.
لذا
كل مطَّلع على أعداد الداعيات في صفوة النساء فإنه سيرى أنه ليس بالمستوى الكافي؛
لأن بلادنا الحبيبة مترامية الأطراف ومناشط الخير فيها كثيرة وإقبال الناس على
الخير كل ذلك يحتاج إلى أعداد وفيرة جداً من الدعاة المؤهلين. ونحن حقاً نحتاج
بصورة مستمرة إلى تزايد أعداد الداعيات ذوات البصيرة؛ فأعدادهن الآن لا تكفي لتؤدي
الواجب وهذا ملاحظ من خلال:
-
تزايد الطلب على الداعيات لمناشط عدة ومناطق مختلفة.
-
عدم قدرة بعضهن على المشاركة المستمرة والفاعلة لظروف أسرية – وهذا حق لأسرتها –
وظروف عملية.
-
توسُّع العمل الدعوي في مجالات مختلفة تتطلب أعداداً كثيرة.
-
تأخُّر بعض الناس عن القيام بواجب الدعوة تحت دعاوى شتى منها دعاوى الخلافات
الشخصية.
وعلى
الرغم من كل ماسبق إلا أنه بحمد الله هناك كثير من المعاهد الدعوية المنتشرة في
المملكة تؤهل الداعيات ومعلمات القرآن بمناهج مؤصَّلة وعلى أيدي ثقاة وبشهادات
معتمدة. ولكنها قليلة بالمقارنة للاحتياجات الملحَّة في الواقع الملموس؛ وسبب ذلك:
-
ضعف الموارد المادية أو غيابها في بعض المناطق.
-
قلة أعضاء التدريس المؤهلين للقيام بتعليم الدعاة، وإن وُجِدُوا فهم في ضغط قوي
لكثرة ارتباطاتهم.
-
عدم تكاتف أيدي الغيورين على الدعوة وما ينتج عنه من تشتت الجهود وضياع النتائج
المرجوَّة وإن وجدت فهي ضعيفة.
-
عدم وجود هيئة دعوية خيرية تدعم مشروع نشر معاهد إعداد الدعاة في كافة المدن الرئيسة،
وتتعاون مع كبار العلماء والدعاة لوضع المناهج وسنوات الدراسة ومخرجات ذلك؛ وهذا
سيقضي على الازدواجية وتشتيت الجهود.
إن
هذا الأمر ليس خاصاً ببلادي الحبيبة، بل تشكو منه كل مناطق الدعوة الإسلامية في كل
العالم للأسف الشديد.
كما
نلاحظ أنه على الرغم من هذه القلة العددية قيام الداعية السعودية بالدعوة خارج
البلاد وهذا يحتاج إلى ضوابط منها:
1 - السفر مع محرم كما قال بذلك جمهور
العلماء تكريماً وصيانة لها، وللقيام على شؤونها بما يحقق لها الانصراف للدعوة في
هدوء.
2 - أن تكون هناك حاجة ماسة لسفرها.
3 - دعم منهج أهل السنة والجماعة.
4 - تكثير سواد الداعيات اللاتي يشاركنها
المنهج.
5 - الرد على أهل البدع والأهواء بما يحتاجه
أهل تلك البلاد.
6 - أن تكون ذات علم شرعي قوي مبني على أسس
راسخة؛ فلا تتأثر بكل ما تسمع ولا تتلعثم أمام بعض المداخلات المناوئة ولا تثار
بسرعة.
7 - أن لا تجعل السفر - وإن كان لحاجة -
مقدَّماً على واجبها الأصلي وهو رعاية بيتها والقيام على شؤونه وعدم تركه بيد
الخدم والسائقين؛ فكيف تخدم غيرها في فرض كفاية وتترك فرض العين؟
8 - أن لا تعتاد السفر الدائم تحت حجج شتى؛
إذ قد تقع في التساهل في الاختلاط ومحادثة الرجال ومزاحمتهم وإن كانت بحجابها
الكامل.
وختاماً
أقول: إن الداعية - بفضل الله - تمتلك رصيداً قوياً وأساساً راسخاً في العلم
الشرعي السلفي القائم على منهج أهل السُّنة والجماعة من خلال ثلة مباركة من
العلماء نذروا أنفسهم لذلك بمباركة من وفقها الله لكل خير، وهذا الثناء ليس من عند
نفسي بل سمعته مراراً من الأخوات الوافدات من دول عربية وغير عربية وحرصهن على
حضور دورات علمية مؤصَّلة في المملكة أو من خلال الغرف الصوتية، وشراؤهن لكتب
علمائنا وأتمنى من كل سعودية أن تشعر بهذه النعمة التي يشعر بها الفاقدون لها.
وأسأل
الله أن يجمع قلوبنا وأهدافنا وأن لا يجعل للشيطان علينا سبيلاً في التحريش بيننا.