حرب المياه في معركة الأنبار.. الأسرار الخفية والتداعيات والآثار
تحتوي محافظة الأنبار على كثير من السدود,
أهمها: سد حديثة، وسد الثرثار، وسد ناظم الورار، وسد الفلوجة. وتحتوي كذلك على
خزانات مياه مهمة، أهمها: بحيرة الثرثار، وبحيرة الحبانية.
ويعد ما سبق من البنى التحتية الاستراتيجية
والمهمة جداً لثروة العراق المائية والزراعية وتوليد الطاقة من جهة، وقوة سياسية
حيوية لسنَّة العراق من جهة أخرى؛ ففي حالة وجود أي تهديد استراتيجي لوجود وأمن
سنة العراق، أو أي انتهاكات أمنية مصيرية واقتصادية تستهدف وجودهم وحقوقهم؛ يمكنهم
استخدامها كأداة ضغط سياسيَّة حقيقية، في حالة توجّههم لتشكيل الإقليم، أو التوسيع
في صلاحيات مجالس محافظاتهم؛ لتحقيق الأمن وتوزيع عادل للثروات بين محافظات
العراق.
وقد استخدمت المياه كأداة في الصراع المسلح
الحاصل في الأنبار بالفترة الأخيرة، فمثلت أوراق ضغط من قبل أطراف خارجية
وداخليَّة عدَّة.
وصف الأزمة في ضوء تسلسل الأحداث
1- بدأت الأزمة الحقيقية للمياه مع غلق سد
«ناظم الورار»[1]
من قبل الجيش، وذلك يوم الإثنين 14-4-2014، وكان الهدف من ذلك إغراق مناطق واسعة
من جنوب مدينة الرمادي، وهي: الملعب وشارع عشرين والطاش. وكان هدف الجيش من غلق
السد إعاقة حركة مسلحي العشائر في الرمادي من التحرك بين الرمادي وامتدادات
الصحراء التي فيها خطوط إمداد للمسلحين من بقية العشائر والفصائل. وبالفعل، غمرت
المياه مناطق واسعة، وعلى أثره تم غلق سد «الثرثار»[2]
لتقليل المياه الواصلة إلى الرمادي، ثم قام المسلحون بغلق «سد الفلوجة» لحصر
المياه المتبقية من جراء غلق سدَّي «الورار» و«الثرثار»[3].
وهذا الغلق تسبب في قطع المياه عن مناطق
قضاء أبي غريب بنواحيه وقراه الزراعية، وكذلك قضاء المحمودية بنواحيه «اليوسفية»
و«الرشيد» و«اللطيفية»، وهي جميعها مناطق تقع في غرب وجنوب بغداد، حيث يرتبط
القضاءان بقناة سقي رئيسة، وهذه القناة تأخذ مياهها قبل سد الفلوجة لارتفاع المياه
قبله، ويمكن أن يؤثر ذلك على ري المزارع في عديد من المحافظات الجنوبية التي تعتمد
على نهر الفرات، من بينها: الحلة وكربلاء والنجف والديوانية. وقد تم تعطيل محولات
الرفع الرئيسة التي تتحكم في فتح وغلق البوابات من قبل مسلحين مجهولين خلال
الاشتباكات التي حصلت في المنطقة، ما تسبب في قطع المياه عن القضاءين لفترة شهر
ونصف "يناير ونصف فبراير"، ما تسبّب في أضرار كبيرة للموسم الزراعي
الشتوي في العراق، وانتهت الأزمة مع تدخل أهالي تلك المناطق وقيامهم بإصلاح
المحولات العاطلة[4].
2- بعد ظهور الحدث وخروجه إلى ساحة الإعلام
وتداوله في الرأي العام، وبتأثير من القيادات الأمنية والإدارية؛ تم فتح سد «ناظم
الورار»[5]،
فارتفعت المناسيب على سد الفلوجة، وغمرت الأجزاء الجنوبية من الفلوجة والمناطق
الزراعية المحاذية، مثل: «النعيمية» و«النساف» وغيرهما[6]،
وأدى هذا الغلق إلى كسر في قناة المياه المؤدية إلى أبي غريب والمحموديَّة من جهة
أبي غريب في منطقة زوبع، وأدى هذا الكسر إلى غمر مناطق واسعة من أبي غريب، مثل:
«العنَّاز» و«زوبع» و«الحصوة» وأطراف من «خان ضاري» ومناطق أخرى، حتى أدى الفيضان
إلى غمر الطريق السريع الرابط بين بغداد والأنبار، وهناك أنباء وتخوفات من وصول
المياه إلى مناطق مركز بغداد: «الشعلة» و«العامرية» و«الغزالية».
3- فغلق بوابة سد الفلوجة من قبل داعش أدى إلى
ارتفاع كبير في منسوب المياه وحدوث فيضانات وصلت إلى منطقة أبو غريب، فشكلت هذه
الحركة ضجة وغضباً شديداً. كما أن جفاف المناطق الجنوبية وتأثرها بفصل الصيف شكل
ضغطاً آخر على الحكومة، ما حدا بها للإيعاز إلى الجيش بضرب السد عدة مرات، لكن
الإصابة كانت غير مؤثرة في السد؛ لسببين، الأول: طبيعة السلاح المستخدم في تدمير
السد، حيث استخدمت الهاونات والطائرات السمتية من أجل فتح البوابات. والآخر: قيام
المسلحين بتغليف السد بالكتل الكونكريتية والتراب، ما شكل حماية إضافية لسطحه[7].
4- وهذا الأمر جعل الجيش يفكر بسيناريو آخر،
وهو القيام في أواخر الأسبوع الأول من شهر مايو بقصف قنوات المياه والأحواض
القريبة من السد بالصواريخ والمدفعية، فاستطاع تدمير أكبر قناة مياه، وهي «القناة
الموحدة»، التي تنقل المياه لسقي المناطق السنية المحيطة ببغداد من جهة الغرب
والجنوب الغربي، وهذه القناة تتفرَّع من نهر الفرات قبل سد الفلوجة بقليل، وتمر في
قضاء أبي غريب، وتنقسم إلى قسمين، الأول: يروي مناطق قضاء أبي غريب. والآخر: يروي
قضاء المحمودية واللطيفية ويصل إلى منطقة مويلحة في شمال بابل. وكذلك ضرب الجيش
المناطق المحيطة بالسد، خصوصاً أن هناك تحويلات قريبة من السد تستعمل لملء كثير من
الأحواض الكبيرة والقريبة من النهر، ومن ثم استطاع تدمير صدر القناة الموحدة
والحواجز القريبة من الأحواض، ما أدى إلى رجوع كميات كبيرة من الماء إلى نهر
الفرات، وبشكل غير مسيطر عليه، وانخفاضه عند مدينة الفلوجة والمناطق التي طالها
الغرق[8]،
فتسبب ذلك في حصول جفاف في المناطق التي كانت تعتمد على الإرواء بالقناة الموحدة،
وهذا يمثل تهديداً خطيراً جداً لحياة السكان الذين هم من أهل السنَّة في تلك
المناطق؛ وذلك لاعتمادهم على الزراعة وتربية الحيوانات، وكذلك يمثل تهديداً
للإنتاج الزراعي العراقي ويُنعش تجارة المحاصيل الزراعية والخضراوات المستوردة من
دول الجوار.
تحليل الأزمة وبيان أبعاد عملية غلق السدود
إنَّ المستفيد الرئيس من حرب المياه وغلق
السدود الحكومة والمالكي تحديداً، بغض النظر عمن المسيطر؟ ومَنْ وراء غلق السدود
الحكومة أم داعش؟ وفائدة الحكومة تكمن في:
1- تحقيق حالة اصطفاف طائفي خلف المالكي في
الانتخابات وحربه ضد أهل السنة؛ لأجل الحصول على تأييد من قبل المحافظات الشيعية
عبر تهديدها بالعطش والجفاف عبر قطع المياه، خصوصاً بعد تراجع حضور المالكي في
الشارع الشيعي قبيل الانتخابات[9].
2- إضعاف الصوت الانتخابي السني في بغداد؛ فعدد
سكان قضاء أبي غريب التابع لبغداد يزيد على (750.000) نسمة، وهو قضاء سني بنسبة
99% تقريباً، أي يمثله في مجلس النواب (7.5) نائب، وفي ضوء هذه العمليات لا يستطيع
هذا القضاء أن يفوز فيه بأحسن الأحوال نائبان.
3- الإضرار بالمناطق السنية في الأنبار ومحيط
بغداد من جهة غرب وجنوب بغداد، والتي تتميز بعمق سني خالص ومترابط يربط بين
جغرافيا المناطق السنية؛ وكذلك تهجير أهالي هذه المناطق وإفقارها عبر تدمير بيوتها
ومزارعها وحقولها الزراعية والحيوانية، وهذه المؤامرة تمتد إلى جميع مناطق غرب
وجنوب جانب الكرخ السني من بغداد؛ لأنَّ مستوى الأرض في الأنبار أوطأ من أراضي
حزام بغداد الأخضر السني.
4- الحصول على تأييد إقليمي ودولي في حربه ضد
أهل السنَّة تحت مسمى «محاربة الإرهاب»[10].
5- تدمير البنى التحتية السنية، وعلى رأسها
تدمير الجسور والسدود، فقد دمر في الأنبار في الثلث الأول من عام 2014 ما يقرب من
22 جسراً، والمخطط القادم هو تدمير السدود، والهدف منه إجهاض عناصر القوة الحيوية
للسنة في العراق، والتي تمثل عناصر قوة استراتيجية، تجعل لهم الحق في مشاركة
الآخرين في الطاقة والثروة.
6- الحيلولة دون استفادة السنة من هذه السدود
في مجال الطاقة الكهربائية والزراعة والحصول على حصة من إنتاج البترول مقابل
الماء.
7- صناعة رأي عام رافض لإقليم الأنبار وأي
إقليم سني، باعتبار أن الإقليم سيكون سبباً في عطش المحافظات الشيعية الجنوبية؛
لذا يجب الوقوف صفاً واحداً لمنعه، وتدمير السدود.
8- محاولة عزل الحاضنة الشعبية السنية عن دعم
الثورة المسلحة، والعمل على صناعة رأي عام سني رافض لوجود أي قوة مسلحة، وربط صورة
ذهنية بأن القوى المسلحة تعني انهيار الأمن وتدمير المنشآت وغيرها، وفي المقابل
يبقى السلاح بيد الأجهزة الطائفية الحكومية والميليشيات الطائفية، وهذا يجعل أهل
السنَّة تحت رحمة الميليشيات، واستمرار مشروع التغيير الديمغرافي[11].
إذاً فالمالكي والمشروع الإيراني هو
المستفيد من غلق السدود وقطع المياه وما نتج عنه من فيضانات، فما زال المالكي لا
يحظى إلا بتأييد من قبل العصائب ومنظمة بدر وما يملكه من أجهزة أمنية تابعة له،
والتثقيف الذي حاولت الأحزاب الشيعية أن تمارسه تجاه الحرب في الأنبار بأنها
انتخابية؛ تسبّب في عدم التفاف الشارع الشيعي حول المالكي بالمستوى الذي يريد، من
خلال إشعار الشيعة بأن مشروعهم ووجودهم مهدد.. فمثلت هذه العمليَّة جهداً مقصوداً
لتحقيق مكسب انتخابي من خلال إثارة الشارع الشيعي بقطع المياه عن محافظات الجنوب،
وحشدهم ضدَّ أي مشروع سياسي سني ينتج عنه تغيير في موازين القوى وانتقال سنَّة
العراق إلى مرحلة جديدة في الاستفادة من الموارد الاقتصاديّة والجغرافية والسياسيَّة،
وكذلك إيحاء المالكي للكتلة الشيعيَّة الشعبية والقوى السياسيَّة والمجتمع
الإقليمي والدولي، بأن الخطر يمتد إلى بغداد، وضرورة إنقاذ بغداد من الغرق.
ويضاف إليه استكمال حلقات استراتيجية
التغيير الديمغرافي الذي تنتهجه حكومة المالكي والقوى السياسية الشيعيَّة
والميليشيات الطائفية، وبالتحديد ما يتعلق بالوجود السني في بغداد ومحيطها
وامتداداته باتجاه الغرب والجنوب، خصوصاً أنَّ هذه المناطق تتميز بثقل سنِّي كبير
سيكون المتضرر الأكبر بالفيضانات، ما يؤثر في إضعاف مشاركتهم الانتخابية بصورة
كبيرة، بل أصل وجودهم وبقائهم؛ فالفيضانات أدت إلى تهجير القرى، وتلف الثروة
الزراعية والحيوانية لأهالي تلك المناطق، وينذر ذلك بانتشار الأوبئة والأمراض،
وكذلك التأثير في الرأي العام للمزارعين الساكنين في تلك المناطق، وجعل موضوع
تدمير السدود مطلباً لهم، وهم لا يدركون الأسرار الخفيَّة والحقيقيَّة وراء ذلك.
ويظهر من نهج الحكومة في إدارتها للحرب في
الأنبار، حرصها على جرّ مناطق الصراع والمواجهة إلى حدود بغداد؛ فقد كانت القوات
العسكرية والأمنية تنسحب من المناطق التي يتم السيطرة عليها أو التي تتمركز فيها،
وتكون الانسحابات إثر صدور أوامر عسكرية من القيادات العليا، ويرافقها ترك أسلحة
ومواقع لتسيطر عليها داعش، ويرافقه تطبيل إعلامي وهتافات «جئناكِ يا بغداد»
و«قادمون» وغيرها.
فهذا يؤكد أن الحكومة حريصة على إبعاد كتلة
انتخابية سنيَّة تزيد على مئات الآلاف عن المشاركة في الانتخابات، وكذلك تُشعر
الكتلة الانتخابية الشيعيَّة بالخطر الذي بدأ يدهم بغداد، فيجب على الجمهور والقوى
الشيعيَّة إسناد الحكومة، وإنقاذ الحكومة الشيعيَّة.. وهذا السيناريو حصل في مناطق
«جرف الصخر القريبة من قضاء المسيب التابع لمحافظة بابل والقريب من كربلاء»،
و«اليوسفية القريبة من قضاء المحموديَّة»، و«بغداد وطريق المحافظات الجنوبية»،
و«الطارمية والتاجي وذراع دجلة القريبات من مدينتي الشعلة والكاظميَّة».
التوقعات
- أن المالكي والميليشيات المرتبطة به سيقوم
بتصعيد العمليات ضد الأنبار، وسيشنّ عمليات واسعة ليستخدمها أوراق ضغط في سعيه
لولاية ثالثة وتشكيل الحكومة؛ لأنَّ إشعار الشيعة بالتهديد وحشد الرأي العام
الدولي حوله في مكافحة الإرهاب المتمثل بداعش؛ هي ورقة الضغط الوحيدة التي يمتلك
التحرك واللعب بها بعيداً، حتى أوصل اللعب بها إلى إثارة الفتنة والكراهية بين
مكونات الشعب العراقي، وحصول مناوشات مسلحة وتصفيات واغتيالات.
- أن الحكومة ستعمل بكل الوسائل لتدمير سد
الفلوجة، وسيتم لها ذلك، وهناك خشية من أن تمتد هذه العمليات إلى سدود أخرى.
- ستستمر داعش - الخط المرتبط
بالمنظومة الإيرانية - بمسيرتها في تدمير البنى التحتية للمناطق السنية.
:: مجلة البيان العدد 324 شعبان 1435هـ، يونيو 2014م.
[1] كان الغرض من إنشائه درء الفيضان من خلال
تحويل المياه الفائضة من نهر الفرات إلى الحبانية عن طريق جدول الورار.
[2] سدّ الثرثار في الفلوجة التي تبعد نحو
70 كيلو متراً إلى الغرب من بغداد، من أكبر المنخفضات
الطبيعية في العراق. أنجز
بشكل كامل عام 1985 لتخزين
المياه وتوزيعها. ويقع
على نهر الفرات جنوب الفلوجة، ويمتد بطول خمسة كيلو مترات، حيث يوفر مياه الري
لمناطق أبي غريب واليوسفية والمحمودية واللطيفية وبعض مناطق بابل وغيرها.
[3] وأغلق المسلحون ثمانياً من بوابات
السد العشر قبل أسبوع، ما أغرق الأراضي خلف السد وقلل من مستويات المياه في
محافظات جنوب العراق التي يمر بها نهر الفرات قبل أن يصب في الخليج. وسد الفلوجة
مهم أيضاً لعدد من مشروعات الري في محافظة الأنبار الصحراوية الواقعة على حدود
سورية.
[4] كما أدى انخفاض مستويات المياه في نهر
الفرات إلى نقص إمدادات الكهرباء في بلدات تقع إلى الجنوب من بغداد تستخدم مولدات
تعمل بالبخار تعتمد بالكامل على مستوى المياه، حيث إن إمدادات الطاقة من محطة
المسيب تراجعت إلى 90 ميجا وات من 170 ميجا وات.
[5] حيث أعاد المسلحون فتح خمس بوابات
بالسد لتخفيف بعض الضغط خوفاً من أن يكون لاستراتيجيتهم أثر عكسي ويغرق معقلهم في
الفلوجة.
[6] إضافة إلى غرق ثلاث مناطق بالكامل في
داخل الفلوجة، مثل: الأزركية (شمال غرب)، وحي نزال (وسط)، وحي الشهداء (جنوب).
[7] بعد أن سيطرت الدولة الإسلامية في
العراق والشام على منطقة النعيمية في فبراير الماضي، حيث يقع السد؛ بدأت بتحصين
مواقعها بجدران خرسانية وأجولة من الرمال.
[8] وبسبب عدم السيطرة على المياه التي
غمرت مناطق حول المدينة، أجبرت بالفعل العديد من العائلات على ترك بيوتها، ومنعت
القوات من الانتشار والقيام بمهمتها لمنع المسلحين من الزحف نحو العاصمة، خصوصاً
انتشار المسلحين في أبي غريب ومناطق زوبع غرب بغداد ، ما قلب السحر على الساحر .
[9] ومما يؤيد هذا ما طرحه المالكي في
كلمته الأسبوعية المذاعة تلفزيونياً، إذ توعد بشن هجوم بري شامل على الفلوجة
للانتقام من المسلحين لتدخلهم في إمدادات المياه.
وقال المالكي: إن «القتلة» استغلوا سياسة
الحكومة بضبط النفس إلى أقصى حد في الفلوجة، لكن يبدو أن الوضع أصبح أكثر تعقيداً
ويقتضي المواجهة. وفعلاً قام بنقل قطاعات من الجيش الحكومي من التاجي والطارمية –
شمال بغداد – إلى محاصرة الفلوجة.
[10] فقد خولت كتلة ائتلاف دولة القانون
التي يتزعمها نوري المالكي، فقالت في بيان في وقت سابق إن (المالكي) حصل على تفويض
من مكونات التحالف «الوطني؟» الشيعي (الكتلة الأكبر برلمانياً) لاستخدام جميع
الوسائل لمحاربة «الإرهاب» في مدينة الفلوجة، وصولاً إلى إطلاق المياه الموجودة
خلف السد، وفي الوقت نفسه حصل المالكي على دعم من واشنطن، حيث أدانت أمريكا
الهجمات التي ينفذها تنظيم داعش في العراق، ومنها استهداف السدود المائية. وذكر
بيان للسفارة الأمريكية ببغداد أنها تشجب “بشدة الأعمال الإرهابية المستمرة من قبل
ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام [داعش] وأتباعها، خصوصاً استهداف
السدود وغيرها“. وأكد البيان أن “الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة قوات الأمن
العراقية في الرد على التهديدات الإرهابية وحماية المواطنين، واستجابةً لطلبات
محددة من الجانب العراقي قدمت الولايات المتحدة إلى العراق كميات كبيرة من الأسلحة
والذخائر تماشياً مع اتفاقية الإطار الاستراتيجي والشراكة الأمنية طويلة الأمد بين
الجانبين، وسنستمر في تسريع إيصال هذه الشحنات من أجل ضمان أن تكون قوات الأمن
العراقية مجهزةً بأسلحة حديثة وفعالة تتناسب وحجم التهديد الخطير الذي يشكله تنظيم
داعش على العراق والمنطقة”. وفعلاً تشهد الفلوجة منذ ثلاثة أشهر عملية نزوح بسبب
اشتداد القصف بعد تصريحات لرئيس الوزراء نوري المالكي قال فيها: إن أهالي الفلوجة
هُجّروا من مدينتهم، وإن من بقي في المدينة هم وعائلاتهم من «الإرهابيين».
[11] ومما يؤيد هذا رفض وضعف دعم الجماهير
التي تم تهجيرها من الأنبار – الرمادي والفلوجة – إلى باقي المحافظات؛ المواجهة
العسكرية، واحتضان أبناء العشائر من المسلحين، بسبب تشويه الصورة النمطية
للمواجهة، وبسبب المعاناة من الخوف والجوع، وهدم المنازل والبنى التحتية، وضعف ذات
اليد، حتى بات أغلب العوائل لا يستطيع أن يدفع إيجار البيوت أو سد رمق الجوع.