هل ينفذ التهديد الصهيوني باحتلال غزة؟

هل ينفذ التهديد الصهيوني باحتلال غزة؟

 

خاض الفلسطينيون والإسرائيليون منتصف شهر مارس الماضي, مواجهة جديدة ضمن جولات متعددة، شملت إطلاق عشرات الصواريخ على غزة والمستوطنات الإسرائيلية. وكان يفترض أن تنتهي هذه الجولة مثل سابقاتها بتصريحات متبادلة بين غزة وتل أبيب، لكن الأخيرة رفعت سقفها هذه المرة بإطلاق تهديدات غير مسبوقة تتعلق بإمكانية إعادة احتلال قطاع غزة من جديد؛ لتطهيره من الترسانة العسكرية والقدرات الصاروخية التي يحتفظ بها، كما جاء في دعوة «أفيغدور ليبرمان» وزير الخارجية.

لكن المخاوف زادت في غزة بعد أن زادت وتيرة هذه التصريحات الإسرائيلية المهددة، وخرجت عن رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو»، و«موشيه يعلون» وزير الدفاع، و«بيني غانتس» قائد الجيش الإسرائيلي، الذين طالبوا جميعهم باتخاذ قرار استراتيجي يتضمن إعادة احتلال قطاع غزة للرد على تواصل إطلاق الصواريخ.

وبالتزامن مع هذه التهديدات، نشرت كتائب القسام شريط فيديو يظهر رصدها زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي «يعلون» إلى حدود غزة الشرقية، لم تحدد تاريخها بدقة، ووقوعه تحت مرمى قناصتها.

فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أجرى تمريناً عسكرياً يوم الأربعاء الموافق 19 /3 في المنطقة المحاذية لقطاع غزة، بمشاركة وحدات قتالية مختلفة؛ لرفع مستوى الجاهزية القتالية للجنود.

وقد تلا ذلك إعلان إسرائيل مساء الخميس 20 /3 أنها اكتشفت نفقاً جديداً يربط غزة بأراضيها لتنفيذ هجمات، يتوغل مئات الأمتار، وأن بناءه كان بهدف تنفيذ هجوم مسلح، وبني على عمق 6 - 8 أمتار، واستخدمت في بنائه قطع كبيرة من الأسمنت، لكن كتائب القسام أعلنت أن اكتشافه يعود للأمطار وليس إنجازاً إسرائيلياً.

لكن ردود الأفعال الصادرة من غزة لم تتأخر كثيراً في الرد على التهديدات الإسرائيلية باحتلالها، وكان على رأسها رد إسماعيل هنية، رئيس حكومة «حماس»، الذي هدد بأن «أي عدوان جديد على القطاع سيكلف إسرائيل غالياً؛ لأن ما تخفيه المقاومة الفلسطينية من إمكانيات أكبر من التقديرات الإسرائيلية».

ووجه هنية في خطاب أمام مئات الآلاف من أنصاره في مهرجان «حماس» وسط غزة حضره كاتب السطور يوم الأحد 23 /3 في ذكرى اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة؛ حديثه لإسرائيل: «أقول لمن يهدد بعودة احتلال غزة: إن زمن التهديدات ولّى لغير رجعة؛ لأن أي عدوان سيكلف إسرائيل غالياً. وما تخفيه المقاومة في غزة أكبر من تقديرات إسرائيل التي ستواجه مقاومة تطوّرت أضعافاً مضاعفة إن فكرت باحتلال قطاع غزة».

وقد علم الكاتب أن بعض الأوساط السياسية والعسكرية في غزة تداولت جدية التهديدات الإسرائيلية باحتلال القطاع مجدداً، واطلع على ورقة «تقدير موقف» خاصة بأحد الأجنحة العسكرية جاء فيها أنه «يأخذ تهديدات إسرائيل على محمل الجد؛ لأن التصريحات الإعلامية الصادرة منها تزامنت مع حراك عسكري متلاحق، سواء على الحدود مع غزة أو في المناورات الداخلية للجيش، خاصة أن أي هجوم متوقع مرتبط بدعم إقليمي ودولي، بالتزامن مع حالة العداء التي تبديها مصر ضد غزة».

وأضاف التقدير: «ما قد يشجع إسرائيل على اجتياحها لغزة، افتقار القطاع إلى العمق الاستراتيجي لوقوعه ضمن مدى نيران المدفعية، وأشبه ما يكون بمدينة محاصرة، ويمكن إسقاطه باقتحامه عسكرياً، واحتلال مدنه، وتدمير القوى المدافعة؛ عبر الضغط العسكري والاستنزاف الميداني».

وقد وصل الأمر ببعض القنوات الفضائية العربية والفلسطينية إلى أن تضع استطلاعاً للرأي على صفحتها الرئيسة، وطرحت سؤالاً: هل التصعيد الإسرائيلي الأخير بداية اجتياح لقطاع غزة؟

ورغم أن الشعور السائد في غزة بأن التطورات السابقة التي ذكرها هذا التحليل قد تعجل من القرار الإسرائيلي الحتمي بمهاجمة غزة لمواجهة حماس وإضعاف قوتها؛ لكن مسؤولاً في «حماس» بغزة قال إن ما وصفها بـ «المفاجآت» التي تعدها «حماس»، تجعله يستبعد إقدام إسرائيل على إعادة احتلال غزة بالكامل، معتبراً التهديدات بهذا الشأن «فقاعات هوائية»؛ لأن الإقدام على هذه الخطوة سيجعل إسرائيل تبقي مسؤوليتها ووصايتها على القطاع، وهذا ما لا تريده في الوقت الراهن.

وأضاف أن إعادة احتلال إسرائيل لغزة تتطلب منها تكلفة باهظة لا تريد أن تدفعها، والأمر لا يتجاوز رسائل تدعو المقاومة للتوقف عن تصعيدها العسكري الخفيّ تحت الأرض عبر الأنفاق، واصفاً تصريحات «نتنياهو ويعلون وليبرمان» بأنها جزء من الحرب النفسية التي تشنّها إسرائيل ضد غزة.

الإعلام الفلسطيني انشغل الأيام الأخيرة بهذه التهديدات، واستضاف خبراء عسكريين لوضع تصور متوقع لطبيعة الاحتلال المفترض، وخشية إسرائيل من تصاعد مفاجئ في حال قيام مواجهة محدودة مع «حماس»، وربما تحصل بتشجيع وتمويل من الدول العربية لإنهاء حكم «حماس» في غزة، على اعتبار أنها امتداد للإخوان المسلمين، الذين باتوا محاربين من عدد من العواصم المحيطة بإسرائيل، فضلاً عن حصول اتفاق سلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يترتب عليه ضرورة إنهاء العقبة المعيقة في تطبيقه، وهي حكومة حماس في غزة.

على الصعيد العسكري، فإنه لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي المفترض تُجري كتائب القسام ومعها معظم الأجنحة المسلحة الفلسطينية، تدريبات عسكرية يومية لصد أي هجوم محتمل، لا سيما في المناطق المسماة «المحررات»، وهي المستوطنات التي انسحبت منها إسرائيل عام 2005، خاصة جنوب ووسط وشمال قطاع غزة.

وقال مسؤول عسكري في غزة: تأتي هذه التدريبات في ضوء قناعات سائدة في غزة تفيد بأن أي اقتحام إسرائيلي محتمل سيركز على إمكانية تقسيم القطاع لثلاثة محاور: جنوبي ووسط وشمالي، وما يستلزمه ذلك من أساليب «حروب العصابات» من: قناصة، ومقاتلين استشهاديين، وصواريخ مضادة للدبابات، وبيوت مفخخة، وعبوات على الطرق؛ وجميعها تهدف لجباية ثمن باهظ من الإصابات داخل الجيش الإسرائيلي.

أخيراً.. وفي غمرة إعداد هذا التحليل، حصل الكاتب على دراسة عسكرية عملياتية تضع التصور المتوقع لدى الأجنحة المسلحة في غزة للاجتياح الإسرائيلي القادم، جاء فيها: «سيكون الهدف الأساسي للحرب الإسرائيلية القادمة إعادة الردع الذي تلاشى بعد حرب 2012، وستكون المواجهة بين جيشين، وليست بين جيش ومنظمات عصابية، لإحداث حالة من الذهول والصدمة للفلسطينيين تضعف قدرتهم على الرد، عبر قطعها لوسائل الاتصالات والكهرباء والبث الفضائي».

وختمت الدراسة التي وزعت على نطاق ضيق بين المحافل العسكرية في غزة: «الاجتياح الإسرائيلي القادم سيكون عبر الاندفاع البري بالمدرعات والآليات نحو المناطق المفتوحة شرق قطاع غزة؛ لتقطيعه، وصولاً إلى خط الساحل على البحر للالتقاء بالقوات البرمائية، ما سيفتح الباب واسعاً أمام دخول القوات إلى التجمعات السكنية، وهو ما سيصعّب على المقاومة الفلسطينية استخدام أسلحتها».

:: مجلة البيان العدد  323 رجب 1435هـ، مايو  2014م.

أعلى