الإعلام الصهيوني يقود المعركة

الإعلام الصهيوني يقود المعركة

 

ويرى من يقود هذه الدبلوماسية الإعلامية أن مسوغها يأتي لأن معركة كسب القلوب والعقول في السنوات الأخيرة باتت حملة متعددة الأوجه في إسرائيل، خاصة في ضوء أن المنظمات المسلحة التي تخوض حرباً معها تلجأ لهذه المعركة للتأثير على معنويات صنع القرار الإسرائيلي.

ويسعى هؤلاء لتحديد مسارات فريدة من نوعها في إسرائيل لخوض هذه المعركة، من خلال الاستعانة بنماذجها المتقدمة في دول أخرى خاضت صراعات مماثلة، من خلال الكشف عن قرار الحكومة الإسرائيلية تشكيل طاقم عمل وطني في مكتب رئيس الوزراء، مهمته بالدرجة الأولى تنسيق عمل جميع وكالات العلاقات العامة في إسرائيل لتقديم معلومات موثوقة وموحدة ومتناسقة، على طريق التقدم نحو نظام لا مركزي للدبلوماسية العامة.

تتضمن الاستراتيجية الصهيونية الجديدة انتقادات حادة لصنّاع القرار في إسرائيل، وتحديداً في وزارة الخارجية ومكتب الإعلام الحكومي، اللذين أظهرا مرات عدة في العقد الأخير نقاط ضعف إسرائيل أمام الفلسطينيين؛ لأنهما لم يواكبا التطور الذي حصل في الحروب الكلاسيكية، وأبقيا اهتمامهما بالساحة الدبلوماسية العامة في أدنى مستوياتها، ولذلك تصل إلى استنتاجات قاسية تجيب عن السؤال الذي أرق إسرائيل كثيراً في السنوات الأخيرة: لماذا فشلت مراراً في حملاتها الإعلامية الدبلوماسية رغم النتائج الإيجابية للحملات العسكرية؟

تتناول الاستراتيجية الصهيونية الإعلامية الجديدة، الأحداث الكبرى التي عكست «الحرب على الوعي» بين إسرائيل والفلسطينيين، من خلال عدة نماذج تمثل أبرزها في حادثة استشهاد الطفل محمد الدرة عام 2000 الذي فجر انتفاضة الأقصى، وحادثة سفينة «مرمرة» أمام شواطئ غزة أواسط عام 2010 وتسببت بقطيعة في العلاقات مع تركيا.

وتصل إلى توصية لرجال السياسة وجنرالات الجيش في إسرائيل مفادها أن المنتصر في الحروب خلال السنوات الأخيرة هو من نجح في الجمع بين التحركات العسكرية الميدانية على الأرض، وبين الماراثون المتواصل للدبلوماسيين ووسائل الإعلام؛ لأننا بتنا نشهد عهداً جديداً للدبلوماسية الإعلامية، عبر جميع وسائلها التقليدية، والابتكارية من خلال الشبكات الاجتماعية.

ورغم أن إسرائيل تمتلك جيشاً قوياً جداً من الجيوش الأولى في العالم، لكنها تعجز في مواجهة حرب الكاميرا والصورة، وكذا حصل في حرب غزة الأخيرة، بتنفيذ جرعة ثقيلة من الغارات الجوية على حركة حماس، لكنها في المقابل حققت انتصاراً بواسطة صواريخها التي أطلقت في المرة الأولى تجاه مدينتي تل أبيب والقدس؛ لأننا بدونا مجتمعاً متفككاً خائفاً مذعوراً.

حتى يصل واضعو هذه الاستراتيجية الإعلامية إلى مقارنة جديدة من نوعها بين «القوة الناعمة أمام القوة الصلبة»، الأولى انتصر فيها الفلسطينيون والعرب من خلال النضال الدبلوماسي، والعوامل القانونية والاقتصادية، والذهاب للمحاكم الدولية، والمقاطعة الرائدة لإسرائيل، والانتقال للأمم المتحدة، بدلاً من تفجير الحافلات في إسرائيل، وإثارة العداء ضدهم.. فيما حققت إسرائيل في استخدام القوة الصلبة نجاحات باهرة، لكن العالم والمجتمع الدولي اليوم يمنح أفضلية للطرف الأول؛ لأن الطرف الثاني لم يستطع تسويغ وشرعنة خطواته العنيفة ضده.

مع العلم أن الحروب في الساحة الدبلوماسية والإعلامية لا تحتاج لكثير من الموارد، ولذلك تحتاج إسرائيل لإنشاء حملة إعلامية للدبلوماسية العامة تخضع لنائب رئيس مجلس الوزراء، مقترحاً إنشاء إذاعة إسرائيلية باللغتين العربية والإنجليزية موجهة للمنطقة العربية، على غرار قناة الجزيرة القطرية، التي استطاعت ترويج الرواية العربية الفلسطينية بصورة منقطعة النظير.

كما تقترح الدبلوماسية الإعلامية الجديدة الاستعانة بآلاف الأفراد المنتشرين في عدد كبير من دول العالم، من اليهود وغير اليهود المؤيدين لإسرائيل، لنقل المعلومات في أي ركن من أركان العالم، وعدم الاكتفاء بما تمليه السلطة والأجهزة الأمنية من معطيات، وضرورة انتهاج هذه الدبلوماسية الإعلامية مبادئ أساسية في حديثها وتغطيتها للصراع مع الفلسطينيين والعرب، من أهمها: اللمسة الإنسانية، والاعتراف بوجود فروق ثقافية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كي يجد الغربيون أنفسهم قريبين من الإسرائيليين، نظراً لاشتراكهم في الثقافة نفسها معهم، والتقاليد والقيم.

كما أن ما تبذله الحكومة الإسرائيلية بمختلف وزاراتها من جهود حثيثة على المستوى الإعلامي تحقيقاً لأهدافها السياسية؛ لا يجد طريقه للنجاح، رغم وجود سلسلة من الإدارات المتخصصة في وزارة الخارجية التي تعد بكاملها جهازاً إعلامياً متكامل النشاطات، بل هي ركيزة الإعلام الإسرائيلي الخارجي الموجه لدول وشعوب العالم الخارجي.

وتحقيقاً لهذا الغرض، ينظم الإعلام الحكومي بمختلف أقسامه المحاضرات والاجتماعات العامة في طول إسرائيل وعرضها، ويصدر عدداً كبيراً من المنشورات تزيد على المائة منشور خلال عام واحد، يوزع منها مئات الآلاف من النسخ داخلياً وخارجياً، مستذكراً العبارة الشهيرة لـ «ديفيد بن غوريون»، أول رئيس حكومة إسرائيلية: إن مهمة وزارة الخارجية أن تبرر وتفسر للعالم المغزى الكامن وراء عمليات الجيش الإسرائيلي.

ويقترح أصحاب هذا التوجه الإعلامي الصهيوني الجديد، جملة من النشاطات الإعلامية والدبلوماسية لتفادي الإخفاق الذي تواجهه إسرائيل، من قبيل: الاتفاق مع كبرى الصحف العالمية على إصدار ملاحق خاصة عن إسرائيل، وتنظيم مقابلات صحفية حول المناسبات اليهودية، مثل: حرب 1948، وحرب 1967، والمجازر النازية ضد اليهود في أوروبا، ونشرها على أوسع نطاق؛ وإصدار نشرات إعلامية بلغات متعددة حول الأحداث المحلية والعالمية وموقف إسرائيل منها.

إلى جانب تنظيم جولات وزيارات ميدانية في شتى المدن والتجمعات السكنية، ومرافقة وفود أجنبية، لا سيما اصطحاب هذه الوفود إلى أماكن العمليات الفدائية، وسقوط الصواريخ، وإقامة علاقات وثيقة مع شبكات التلفزة الأجنبية، والاتفاق معها لتزويدها بالأفلام الوثائقية الخاصة بإسرائيل، واستقدام المفكرين والإعلاميين العالميين إلى إسرائيل لإلقاء محاضرات وندوات تخدم الأهداف العامة للدولة.

ويوجهون جملة من الملاحظات والتوصيات لدوائر الدبلوماسية الإعلامية الإسرائيلية، من أهمها: التعامل مع الصحفيين والإعلاميين بصورة مهنية تكسبهم احترام وسائل الإعلام الأجنبية، واستغلال طاقات اليهود الذين هاجروا من أوروبا الشرقية والغربية ممن يمتلكون خبرة صحفية راقية، نقلوا هذه الخبرة والتجربة ووظفوها في دوائر الإعلام الحكومية.

فضلاً عن مطالبة الحكومة الإسرائيلية باستقطاب كوادر إعلامية في جميع بلدان العالم للعمل ضمن هذه الدوائر، والتعاقد مع شركات كبرى تعمل في مجال الدعاية، بجانب تسفير إعلاميين وصحفيين يهود إلى الخارج لتبادل الآراء والخبرات بين الداخل والخارج عن طريق الدورات التدريبية، وتبادل المعلومات، وتصدير التقنيات.

:: مجلة البيان العدد  322 جمادى الآخرة 1435هـ، إبريل  2014م.

أعلى