• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العقل الاستراتيجي الإسرائيلي

العقل الاستراتيجي الإسرائيلي

 

لم يكن العالم العربي والإسلامي بعيداً عن أصل الصراع على أرض فلسطين منذ انهيار الخلافة العثمانية وقدوم المستعمر البريطاني إلى هذه الأرض المباركة وتحويلها لاحقاً إلى موطن لليهود المهجَّرين من أوروبا وروسيا وإفريقيا بدافع الشفقة عليهم وأحقيّتهم في هذه الأرض.

ومنذ عام 1948م، العامُ الذي أُعلن فيه نشأة الكيان الصهيوني؛ سخّر هذا الكيان إمكانياته لتوفير محيط أمني يخدم مصالحه، وأنشأ علاقاته مع القوى الإقليمية والعالمية في هذا السياق. ومن أهم القضايا التي ركّزت الحكومات الصهيونية المتعاقبة عليها: تدشين علاقات أمنية عالية المستوى في دائرة ما يسمى «دول الطوق»، وهو مصطلح أُطلق بالتزامن مع احتلال فلسطين على الدول المجاورة لها، وهي: «الأردن، مصر، سورية، ولبنان». وللتعمّق في ذلك نحاول الاستفادة من كتاب للدكتور صالح النعامي، ينقل - من خلال متابعة مراكز الأبحاث العبرية المهتمة بهذا الشأن - ما يتم تداوله عن التدهور في العلاقات بين الكيان الصهيوني والبيئة السياسية المتغيّرة من حوله.

تعتقد مراكز الأبحاث الصهيونية أن أكبر خطر عاشه الكيان الصهيوني خلال فترة ما سمي بـ «الربيع العربي»، هو حالة التحول التي شهدتها بعض الدول العربية، ومن بينها مصر، التي لها شراكات استراتيجية مع الكيان الصهيوني منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» عام 1978م. فمنذ بدء ثورة يناير عام 2011 لوحظ صعود كبير للتيار الإسلامي ونمو نظرية العداء للكيان الصهيوني داخل الأوساط الحكومية والعامة في مصر، بعد أن كان ذلك مقتصراً على أحزاب المعارضة في عهد نظام الرئيس حسني مبارك، ويقول الجنرال المتقاعد جون تيرا، الباحث في «مركز أبحاث الأمن القومي»: «إن أكبر خطر استراتيجي يمكن أن يهدد أمن الكيان، يتمثل في نكوص الحكومات القادمة في مصر عن الالتزام باتفاقية كامب ديفيد»، التي ألغت حالة العداء بين الطرفين. ويرى تيرا أن من المكاسب الاستراتيجية في هذه الاتفاقية:

- إخراج مصر من دائرة العداء مع الكيان الصهيوني، ما جعلها بوابة لعلاقات جديدة مع دول العالم العربي، وإقامة اتفاقيات سلام لاحقة مع «الأردن»، والدخول في مفاوضات غير مباشرة مع النظام السوري قبل الثورة السورية.

- ساعدت الاتفاقية الحكومات الصهيونية المتعاقبة على تنفيذ هجمات على بلدان عربية في ظل وجود حياد من الطرف المصري المتمثل في نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وكان آخرها الحرب التي شُنّت على قطاع غزة عام 2008م وسميت عملية «الرصاص المصبوب».

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن الحكومة الصهيونية ضغطت على الإدارة الأمريكية لوقف المساعدات المالية المقدمة لمصر في سبيل الضغط على مصر خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي؛ للحفاظ على موقفها المحايد من القضايا العربية، لا سيما القضية الفلسطينية، لكنها فشلت في ذلك.

ولاختصار كثير من النصوص في شرح طبيعة العلاقات بين النظام المصري في عهد مبارك والحكومات الصهيونية السابقة؛ يمكن الاستشهاد بقول الباحث في الشؤون الاستخبارية يوسي ميلمان، الذي يقول: «إن عمر سليمان أقام اتصالات دائمة مع معظم قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ومن ضمنها: الموساد، والمخابرات الداخلية «الشاباك»، وشعبة الاستخبارات العسكرية». ويشير إلى أن عمر سليمان لم يسهم في محاصرة غزة وضرب «حماس» فقط، بل تحوّل إلى محرّض للكيان الصهيوني والقوى الغربية لاعتماد القوة فقط في مواجهة الجماعات الإسلامية.

من جانبه، يرى الجنرال المتقاعد الدكتور شلومو بروم، أن نظام مبارك لم يتسبّب فقط في جمود السياسة الخارجية لمصر، بل إنه أنهى دورها على صعيد ريادة الفكر، وما تخشاه الحكومة الصهيونية بعد الثورة أن تقوم مصر بتصدير نموذجها الجديد المعادي للكيان الصهيوني إلى الدول المجاورة.

ومع صعود الإسلاميين إلى السلطة خرجت صيحات مختلفة من قادة الرأي في الكيان الصهيوني مطالبةً الغرب باستخدام المادة لتأليب العسكر لحسم معركتهم مع الإسلاميين.

وقال البروفيسور هيلير فريتش، الباحث في معهد «بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية»: «إن إسرائيل والغرب مطالبان بالعمل من وراء الكواليس من أجل تمكين العسكر من حسم المواجهة مع الإسلاميين». ويؤكد أن الحكومة الصهيونية حاولت التشكيك في مآلات الثورات العربية بهدف إرباك الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية، بحيث يكون أمامها اثنان من الخيارات: الأول يتمثل في ارتهانها للطبقة الحاكمة، والثاني يتمثل في السير في فلك الإسلام السياسي.

ويتطرق الكاتب صالح النعامي إلى تعويل مراكز الأبحاث الصهيونية على الدور السعودي الجديد في التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة، على اعتبار أن السعودية تدرك جيداً خطر استغلال إيران الأقليات الشيعية في المنطقة العربية لتعزيز نفوذها وتوسيع خريطة وجودها في المنطقة. ويشير إلى أن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، وخصوصاً عجز الولايات المتحدة عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري؛ جعل الصهاينة يراهنون على القوة الخليجية التي تسعى للتصدي لإيران في المنطقة؛ فبعد اتفاق جنيف الذي وقّعته إيران مع الولايات المتحدة مؤخراً، فقدت الحكومة الصهيونية الأمل في تنفيذ ضربة عسكرية لإيران لتحجيم نفوذها النووي من قبل الغرب.

لم تخفِ الأوساط العسكرية الصهيونية قلقها من الملف السوري منذ بداية الثورة، وذلك نظراً للحدود الطويلة المفتوحة بين الطرفين ومخاوف الكيان الصهيوني من تسلل جماعات جهادية إلى الداخل. وأجمع كثير من الباحثين الصهاينة والخبراء العسكريين على أن بقاء النظام السوري الحالي يصب في مصلحة الأمن القومي الصهيوني.

ويقول الجنرال المتقاعد عاموس يدلين: «إن موازين القوى تميل لصالح النظام، وفي ظل هذا الوضع فإن الثورة ستتحول إلى حرب أهلية سيطول مداها».

ويضيف يدلين أن النظام السوري يتمتع بميزتين لا يتمتع بهما نظام مبارك، وهما:

- وجود جيش لا يتردد في قتل الناس للدفاع عن النظام.

- وجود غطاء روسي يوفر له دعماً دولياً ويخفف عنه الضغط الخارجي.

ومن إفرازات الرؤية الصهيونية للوضع في سورية، يمكن القول إن أي نظام قادم في سورية سيكون وجوده في صالح الكيان الصهيوني؛ لأنه سيكون نظاماً ضعيفاً بعد الحرب التي أنهكت البلاد ودمرت البنية التحتية للجيش السوري، كما أن الحرب الأهلية الأخيرة كفيلة بإبعاد النظام السوري الجديد عن التحالف مع حزب الله وإيران؛ طمعاً في إرضاء المجتمع الدولي، وفقاً للرؤية الصهيونية.

وتطرق الكاتب إلى تأثير «الربيع العربي» في مسار المفاوضات مع الكيان الصهيوني، فأكد أن الثورات العربية أضعفت من فرص نجاح أي تسوية بين الحكومة الصهيونية والسلطة الفلسطينية في ظل ضعف التأثير الأمريكي في المنطقة، وضعف الأنظمة التي كانت توفر غطاء ورعاية للمفاوضات بين الجانبين.

وفي ظل الانقسام الفلسطيني الحاصل، فإن مراكز البحث الصهيونية ترى أنه من الصعب على الرئيس محمود عباس تمرير أي اتفاق للسلام دون أن يحوز إجماع الفلسطينيين، إضافة إلى أن طول أمد المفاوضات وعدم وجود نتائج مجدية قد يتسبّب في اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، وهذا الأمر جعل عوزي ديان، رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، يقول: «يتوجب على صنّاع القرار في تل أبيب الإصرار على تجريد مناطق السلطة الفلسطينية من السلاح، إضافة إلى استمرار سيطرة الحكومة الصهيونية على الحدود بين الدول العربية والمناطق الفلسطينية».

وفي ظل وجود الأردن ضمن النطاق الجغرافي للكيان الصهيوني، فإنها تعد عمقاً استراتيجياً له، ويجمع الباحثون الصهاينة على أن العلاقات مع الأردن تمنع اشتعال الجبهة الشرقية، وتعطي للكيان الوقت الكافي للاستعداد لأي مواجهة قد تكون قادمة من الحدود الشرقية.

ويقول البروفيسور إفرايم عنبار: إن الأردن يمثل للكيان الصهيوني منطقة عازلة تمنحه إنذاراً مسبقاً قبل توجه طرف ثالث لشنّ عدوان عليه، مشيراً إلى التجربة خلال الحرب مع العراق، إضافة إلى منع الجيش الصهيوني اجتياح سورية الأراضي الأردنية عام 1970. ولا ينبع القلق من القرب الجغرافي من الأردن وطول الحدود فقط، بل إنها أقرب حدود للمدن الحيوية، مثل القدس وتل أبيب وحيفا.

ويقول الباحث في مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني، عوديد عيران: إن النظام الأردني يواجه عدة تحديات، أهمها:

- تدهور الأوضاع الاقتصادية.

- تراجع فرص حل القضية الفلسطينية، وخشية النظام من فكرة الوطن البديل.

- خروج الأمريكيين من العراق، ما قد يتسبّب في موجة هجرة جديدة إلى الأردن بسبب التوتر القائم.

- الفوضى في سورية.

وفي 12 /3 / 2007م نشرت صحيفة «هآرتس» أنباء عن تعاون أردني - صهيوني للتصدي لأنشطة زعيم الحركة الإسلامية داخل مناطق 48م، الشيخ رائد صلاح، المقاوِمة لعمليات التهويد التي تستهدف المسجد الأقصى، مع العلم أن الأردن تمنع الشيخ صلاح ونائبه جمال الخطيب من دخول أراضيها.

ومن أحد الأخطار التي تهدد الأمن القومي الصهيوني، كما يقول كتاب «العقل الاستراتيجي»؛ تنظيم «القاعدة»، الذي سخرت حكومة بنيامين نتنياهو موارد خاصة لمحاربته، واعتبره نتنياهو ضمن التأثيرات الاستراتيجية الخطيرة على أمن الكيان الصهيوني، حيث تم تكليف جهاز الموساد بالإشراف على العمليات التي تستهدف التنظيم والجماعات الدولية القريبة منه.

تعيش الحكومة الصهيونية حالة من القلق في ظل الانسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط. وتعتبر أقطاب صهيونية أن الإدارة الأمريكية أخطأت حينما رفعت يدها عن نظام مبارك، وكذلك نظام العقيد الليبي معمر القذافي، إضافة إلى تسليط اهتمامها على منطقة جنوب شرق آسيا في إطار المحافظة على مصالحها الاقتصادية في ظل التوسع الصيني والروسي.

ويقول الجنرال الصهيوني المتقاعد داني روتشرد، إن غياب الدول العظمى عن الشرق الأوسط سيؤدي إلى نتيجتين:

أولاً: تعاظم دور الإسلام السياسي.

ثانياً: عدم استقرار المنطقة.

ومن النتائج الذي يذكرها الباحثون الصهاينة للربيع العربي على الكيان الصهيوني؛ تضاعف التكاليف الأمنية على الكيان الصهيوني في ظل التوتر المحيط بحدوده، الأمر الذي يستدعي حاجة الحكومة الصهيونية إلى التقرب من الإدارة الأمريكية على حساب استقلالية القرار الصهيوني. لكن الباحثين الصهاينة يشيرون إلى أن الكيان الصهيوني هو الحليف الأبرز للغرب في المنطقة العربية، وهذا يجبرهم على دعمه والوقوف بجانبه.

في جانب آخر من نفس القضية، فإن العلاقات التركية - الصهيونية توترت بدرجات بالغة خلال الخمسة أعوام الماضية، واتجهت تركيا إلى لغة التصعيد والعداء مع الكيان الصهيوني، لا سيما عام 2010 بعد استشهاد 9 أتراك خلال استهدف الجيش الصهيوني سفينة مرمرة التركية أثناء توجّهها إلى قطاع غزة؛ للمساهمة في حملة لرفع الحصار عنه.

وفي ظل تصاعد «الربيع العربي»، ترى مراكز البحث الصهيونية أن ذلك وفّر بيئة جيدة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لزيادة تعميق علاقته بالعالم العربي، لا سيما في ظل مساندته الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ومن هذا المنطلق ذهبت مراكز البحث الصهيونية إلى إطلاق توصيات تشمل إيذاء تركيا وإشغالها بأوضاعها الداخلية من خلال استغلال ورقة الأقليات؛ لذلك يقول الجنرال عوزي ديان: يجب تشجيع الأكراد البالغ عددهم 30 مليوناً، على المطالبة بوطن لهم. وما يزيد من شهية تركيا لفتح مزيد من المواجهات مع الكيان الصهيوني، هو سعيها إلى لعب دور الدولة الضامنة لتوصيل الطاقة إلى أوروبا؛ لذلك ذهبت إلى حد تهديد قبرص بسبب تعاونها مع الحكومة الصهيونية في التنقيب عن الغاز بالبحر المتوسط. ولا يُستبعد أن تقدم تركيا على احتلال ما تبقى من قبرص على غرار الخطوة التي أقدمت عليها عام 1974 عندما احتلت الجزء الشمالي من الجزيرة في ظل الضعف الذي تعانيه اليونان، الأمر الذي سيشكل ضربة قوية لمصالح الغرب والكيان الصهيوني.

وأجبرت الحالة السياسية المتأزمة بين تركيا والكيان الصهيوني، الجانب الأخير على وضع تركيا ضمن الحسابات الاستراتيجية في حال رغب الجيش الصهيوني تنفيذ هجوم ضد طرف معين.

ولم يستثنِ الباحثون الصهاينة إيران من قائمة المخاطرة المحيطة بالكيان الصهيوني، حيث نبّه كثير منهم إلى خطورة استقرار الأمور لإيران في سورية، وقدرتها الكبيرة على التغلغل داخل العراق والتحكم في موارده الاقتصادية، إضافة إلى تمددها من خلال استغلال الأقليات المحلية.

ويقول الجنرال رون تيرا: إن الصراع في العراق بين إيران والسنة يمثل مصلحة بالنسبة للكيان الصهيوني؛ لأنه ضمانة لانشغال بعضهما ببعض.

كما يعول الصهاينة على الثورات العربية التي أظهرت عداء كبيراً لإيران بصفتها راعية التشيّع؛ لإحداث فجوة بين إيران والعالم العربي.

وفي النهاية، فإن رون تيرا يرى أن أهم متطلبات حماية الأمن القومي الصهيوني في ظل «الربيع العربي»:

- مراكمة القوة في المجالين التقليدي وغير التقليدي.

- مراعاة الرأي العام العربي والعالمي.

- الاستثمار في مجال الاستخبارات.

 - العمل خلف خطوط العدو.

:: مجلة البيان العدد  322 جمادى الآخرة 1435هـ، إبريل  2014م.

 

أعلى