المهجرون من دماج.. والمصير المجهول
إثر قرار
ظالم نتيجة الحصار والحرب الحوثية بالتزامن مع التواطؤ الحكومي الواضح، خرج الآلاف
من أبناء منطقة دماج التي يتواجد فيها أكبر مركز سلفي في المنطقة (مركز دار
الحديث)
لتعليم العلم الشرعي الذي أسسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي عام 1979م.
قرابة
ثلاثة أشهر ونيف تعرضت خلالها منطقة دماج لحصار ظالم وحرب قاسية من قبل ميليشيات
الحوثي الشيعية التي تسيطر على محافظة صعدة شمال اليمن منذ بداية مارس 2011م بعد أن
خاضت ست حروب متتالية ضد الدولة منذ عام 2004م.
وخلال
الحصار الذي استخدمت فيه الحركة الحوثية مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة
بالقصف على دماج، سقط إثرها ما يزيد على 800 ما بين قتيل وجريح، إضافة إلى تهدم المركز والمسجد
ومساكن الطلاب ومنازل أهالي قرية دماج.
وعندما وصل
أبناء دماج إلى حالة من اليأس بعد أن نفذ منهم كل شيء بسبب الحصار المطبق عليهم من
كل جهة؛ تدخلت لجنة وساطة حكومية لإيقاف الحصار، حيث فوض الشيخ يحيى الحجوري رئيس
الجمهورية بالحل الذي يراه مناسباً لأهل دماج، فاقترح الرئيس هادي تهجير سلفيي
دماج إلى محافظة أخرى تجنباً لحصول مواجهات في المستقبل.
قرار
الاتفاق الذي عمده رئيس الجمهورية قضى بخروج الشيخ يحيى الحجوري، رئيس دار الحديث،
وطلابه إلى محافظة الحديدة غرب اليمن، لكن أطرافاً حاولت التأجيج على السلفيين
ومنعت من انتقالهم إلى الحديدة، الأمر الذي جعلهم يحرفون طريقهم إلى العاصمة صنعاء.
آلاف من
النساء والأطفال وطلاب العلم خرجوا من دماج عبر ناقلات كبيرة التزمت الدولة بدفع
إيجاراتها، لكنها تنصلت من وعودها ولم تدفع إلا نصف المبالغ المفترضة، حسب شهادات
لعدد من السلفيين الذين قابلناهم.
في صنعاء
وصلت مئات من الناقلات التي تحمل الأسر والأثاث المنزلي، ولم تجد تلك الأسر إلا
المساجد والساحات الخالية لتفترشها للسكن، في ظل التقاعس الحكومي عن إيجاد مأوى أو
مخيم متكامل يجمعهم في مكان واحد، وهو الأمر الذي أكده الناطق الرسمي لدماج الشيخ
سرور الوادعي، حيث قال إن الحكومة تخلّفت عن دفع تكاليف النقل من دماج بعد أن
وعدتهم، ولم تعطهم إلا الجزء البسيط من مبلغ المواصلات وأجرة وسائل النقل، فيما
تكفل ببقية المبالغ فاعلو خير.
وتحدث
الوادعي عن عدم وجود مساكن تؤوي الناس والمهجَّرين، حيث بقي بعضهم في المخيمات
وبعضهم مع عوائلهم في الفنادق، والبعض في المساجد، ناهيك عن صعوبة المعيشة التي
يلاقونها وعدم توافر الأكل الكافي للناس[1].
مصير مجهول
قرابة 15000 نسمة من
مهجَّري دماج يتوزعون على مخيمات ومساجد وبعض المنازل التي آوتهم في العاصمة
صنعاء، في انتظار الوعود الحكومية التي قُطعت لهم بتجهيز مكان مناسب لهم ولأسرهم
وتعويضهم التعويض العادل مقابل الخروج من دماج وإنهاء الحرب مع الحوثيين.
وفي الوقت
الذي قدمت فيه بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية بعض الرعاية والدعم الغذائي
والدوائي لأسر دماج، تباطأت الدولة في تقديم العون الغذائي وتسكين العوائل
المهجَّرة، حتى اضطرت بعض الأسر لافتراش الأرض في مخيمات متوزعة على مناطق مختلفة
في العاصمة صنعاء.
والحقيقة
أن كثيراً من المراقبين لديهم تخوف من التفريط بسلفيي دماج، وتركهم دون رعاية أو
تعويض بعد أن تم تهجيرهم من منازلهم.
وتحدث
محللون عن أن هناك ضغوطات دولية ومحلية تريد أن تكسر شوكة السلفيين وتفرق أنصار
الشيخ الحجوري وتمنع اجتماعهم في كتلة موحدة.
وتحدث
البعض عن مؤامرة كبيرة على أهل السنة في اليمن من أجل تمزيق شوكتهم، والسماح
للحوثيين
(الشيعة)
بالتوسع في مناطق مختلفة من اليمن.
وقد حذر
مسؤول كبير في لجنة الوساطة الرئاسية من محاولة تفكيك طلاب الشيخ الحجوري وتفريقهم
من أجل إضعاف الجبهة السلفية، خصوصاً بعد خروجهم من حالة حرب وحشية قتل فيها وأصيب
ما يزيد على
800 شخص من أقربائهم وزملائهم.
وأكد
المسؤول أن هناك محاولة تفضي إلى تفكيك سلفيي دار الحديث، وتفريق الطلاب عن الشيخ
الحجوري، حتى يصبح كأي شيخ سلفي بسيط يدرّس بعض طلاب العلم ولا يمثل أي قوة.
المسؤول
نفسه أكد أن الوعود التي قطعتها الحكومة للحجوري ببناء مركز جديد وسكن للطلاب، قد
لا تُطبّق على أرض الواقع إلا إذا حصل ضغط من قبل الحجوري وطلابه بالاستمرار في
مخيماتهم والمطالبة المستمرة بالتعويض[2].
كما أن
الوعود التي قطعتها الدولة للسلفيين كانت تحت واقع الضغط والخوف من استمرار الحرب
واجتثاث الحوثي لدماج بطريقة وحشية قد تسيء للدولة، ولذلك وافق الرئيس على التعويض
الكامل لأبناء دماج في حال موافقتهم على الخروج، ويخشى أن يذهب ذلك الوعد أدراج
الرياح بعد أن هدأت الأوضاع وتفرق الناس إلى مناطق مختلفة.
والبعض
يقول إن الدولة قد تتخلّف عن وعدها بسبب حجم المبلغ الهائل الذي يفترض أن تعوض به
طلاب مركز دماج وأهاليها، كونها ستعوض 15000 ألف نسمة تركوا منازلهم
ومزارعهم وخرجوا إلى المجهول.
مَن
المستفيد من تهجير السلفيين
عندما تحدث
الأحداث عليك أن تبحث عن المستفيد، وتهجير السلفيين في دماج لن يقل أهمية عن غيره
من الأحداث التي تجري في اليمن، ولذلك لا يمكن إغفال الفاعلين المحليين والخارجيين
في المساهمة بتنفيذ هذا التهجير القسري الموجع لأهل السنة في اليمن.
لن تكون
الحركة الحوثية المستفيد الأول من تهجير السلفيين من دماج، فهناك أطراف أخرى محلية
ودولية كانت تنتظر قرار تهجيرهم على أحرّ من الجمر، نظراً لدور هذا المركز الذي
أوصل العلم الشرعي إلى مختلف البلاد العربية والغربية.
مئات من
الطلاب الأجانب من دول أوروبية وأمريكية وعربية وإفريقية كانوا يتلقون العلم
الشرعي الصحيح على يد المشايخ في مركز دار الحديث بدماج، وكانوا يعودون إلى
بلدانهم فاتحين بالدعوة وعمل الخير وإرشاد الناس إلى دينهم وتعليمهم تعاليم الدين
الإسلامي الحنيف؛ ولذلك لا يشك المتابع الحصيف في وجود دور غربي وإقليمي لإبطال
مفعول تأثير مركز دماج ومحاولة تفكيكه وتفريخه بسبب دافع الخوف من تأثيره.
وفي الوقت
الذي يرى فيه بعض المتابعين، وبحسب شهادات لأهالي دماج، أن الدولة اليمنية كانت
أحد المشاركين في تهجير أبناء دماج من ديارهم، إلا أن هناك على ما يبدو أطرافاً
دولية وإقليمية غضت الطرف على العنف الذي مارسه الحوثي تجاه أبناء دماج، إن لم يكن
قد تلقى التوجيهات والدعم من تلك الأطراف.
والدليل على ذلك العنجهية والغطرسة التي يتمتع بها الحوثي حالياً، حيث فتح
أكثر من جبهة على محاور مختلفة شمال اليمن، وحقق نجاحات كبيرة في السيطرة على
منطقة كتاف ودماج وحاشد ومناطق أخرى، ما يدل على أن هناك ضوءاً أخضر خارجياً
وداخلياً لتعبيد الطريق أمام تشيّع اليمن.
وبحسب
المحلل السياسي عارف أبو حاتم، فإن قرار تهجير السلفيين من دماج ليس نتاج حرب
حاصلة، بل رغبة أمريكية إيرانية سابقة بتهيئة الشمال في اليمن ليكون جغرافياً ذا
صبغة دينية واحدة لا تقبل التعايش أو الاختلاف، بدءاً بتهجير يهود صعدة في 2007 و2008 ليستقر بهم
المقام في سبع شقق في المدينة السكنية بصنعاء بعد أن أهملت الدولة رعايتهم وتخلت
سفارة واشنطن عن دعمهم[3].
كما أن
البعض يتحدث عن تواطؤ غربي واضح مع حركة الحوثي، والدليل على ذلك التعامل الأمريكي
الناعم مع حركة الحوثي، ففي الوقت الذي يمتلك فيه الحوثي مختلف أنواع الأسلحة
الثقيلة وتصله السفن المحمّلة بأسلحة حديثة وخطيرة من إيران، ومع ذلك يستمرون في
غض الطرف ولا يوجد أي تحذير دولي من حركة الحوثي المسلحة.
بل إن
السفير الأمريكي السابق لدى صنعاء أدلى بتصريح للصحفيين اليمنيين، وقال «إن ما
يردده الحوثي من شعارات ضد أمريكا مجرد شعار، ولا أساس له في الواقع، وأمريكا ليست
عدواً للحوثي»[4].
ماذا يريد
الحوثيون؟
بعد خروج
السلفيين من منطقة دماج، وبعد أن تمت تصفية الخصوم السياسيين للحوثيين؛ أصبحت
محافظة صعدة خالصة لهم، وهذا يعني أن الخطر الذي كان يخشاه الحوثي من جهة السلفيين
في دماج قد زال، وإذن لا بد من فتح أبواب جديدة والمحافظة على المناطق التي تمت
السيطرة عليها.
ومن لا
يعرف محافظة صعدة فإن مساحتها تفوق مساحة لبنان، حيث تصل مساحة لبنان لنحو 10,452
كلم²، بينما تبلغ مساحة محافظة صعدة نحو 11375 كلم²، وبالتالي لا يسيطر الحوثي على
ضاحية جنوبية فقط، بل أكثر من مساحة الضاحية الجنوبية التابعة لحزب الله في لبنان
بأضعاف مضاعفة.
وفي الحديث
عن الحركة الحوثية، لا يمكن إغفال الدور الإيراني الكبير الذي تسعى إيران من خلال
حركة الحوثي إلى أن تكون لها مساحة كبيرة للتحرك في المنطقة.
ولعل إيران
استغلت الأوضاع المتفاقمة في اليمن، وقدمت للحوثيين ما استطاعت من الدعم المالي
والعسكري والإعلامي، من أجل الدخول في تلك المعارك التي يخوضها بقدرة وإحكام.
والهدف
الأول لطهران أن تحصل على نفوذ في المناطق الشمالية اليمنية المحاذية للمملكة
العربية السعودية، فالهدف الأكبر لإيران ليس اليمن، لكنها تريد أن تضرب في العمق
السعودي عن طريق التحرك باتجاه المناطق الشرقية عبر بوابة الحوثيين.
أما
بالنسبة للحوثيين فإنهم في الأول مجرد أدوات تستخدمها إيران حسب الرغبة والخطط
الاستراتيجية التي تعمل عليها، ولعل الحوثيين يستغلون الأوضاع الأمنية وغياب وضعف
الدولة خلال الفترة الانتقالية من أجل الانقضاض على مساحات جديدة يستطيعون من
خلالها أن يوسّعوا من نفوذهم وينشروا معتقدهم بحرية، وبالتالي يملكون وسيلة أقوى
للضغط على الدولة من أجل الحصول على التسهيلات التي يريدونها.
ولعل
الانتصارات الأخيرة التي حققها الحوثي في جبهة كتاف وجبهة حاشد، وإخراج السلفيين
من دماج؛ قد فتحت الشهية لميليشياته من أجل استغلال الأوضاع واحتلال مناطق جديدة
في المناطق الشمالية.
كما أن
البعض يقول إن الحوثي يريد أن يستبق الإعلان عن التقسيم الجديد للدولة اليمنية
الاتحادية المكونة من ستة أقاليم، من أجل حجز مساحة خاصة به قد تساوي إقليماً
مكتملاً يظل تحت سيطرته الكاملة.
ولعل من
أبرز أهداف الحوثيين وراء تلك الحروب التي يفتعلها، هو الهروب من مخرجات الحوار
الوطني، وعدم القبول ببسط سيادة الدولة على محافظة صعدة، وتسليم الأسلحة الثقيلة
للدولة.
وتزداد
أطماع الحوثي كلما كانت الأوضاع الأمنية متوترة، والدولة أكثر غياباً؛ فأحلامه
تتركز على الحصول على إقليم خاص به في ظل الدولة الاتحادية الجديدة، وإن استطاع أن
يتوسع أكثر فإنه لن يمانع أن يحصل على أكبر مساحة من أجل إعلان عودة الإمامة
وإسقاط النظام الجمهوري.
ولعل
المعارك التي دارت في مناطق قبيلة حاشد، أكبر القبائل اليمنية، كان هدفها الأول
محاولة ميليشيات الحوثي تركيع قبائل قفلة وعذر والعصيمات، بغرض الانتقام من أبناء
هذه القبائل التي قاتلت ضد الحوثيين على مدار الحروب الست السابقة في صعدة، إضافة
إلى غرض استرداد ما تعتبره حركة الحوثي الحق من مزارع وبيوت في وادي خيوان، ودنان،
وإعادتها لأصحابها، في إطار طبقي سلالي، باعتبار أن تلك المزارع كانت قبل ثورة 26
سبتمبر 1962م، من أملاك آل حميد الدين الحاكمة آنذاك.
وعلى ما يبدو أن الواقع يقول: إن رغبة الحوثي الحالية
هي الحصول على الحكم الذاتي لثلاث محافظات على الأقل (صعدة وحجة وجزء من الجوف
وجزء من عمران)، التي بدأ يطرق أبوابها عبر السيطرة على منطقة حاشد والعصيمات.
::
مجلة البيان العدد 321 جمادى الأولى
1435هـ، مارس 2014م.
[1] راجع: صحيفة أخبار
اليوم، الوادعي: الدولة تخلت
عن كل وعودها وما زال مهجرو دماج في البرد والعراء.
http://www.akhbaralyom.net/news_details.php?sid=75339.
[2] راجع: موقع الخبر: مسؤول في لجان
الوساطة يروي قصة تهجير أبناء دماج.
http://www.alkhabarnow.net/news/80026/2013/10/31/.
[3] راجع: الجزيرة نت: تهجير سلفيي
اليمن.. الانطلاق نحو
الطائفية.
http://www.aljazeera.net/opinions/pages/9aaef5e3-728e-4ca9-913a-2355e1e54271.
[4] راجع: المصدر
أونلاين، السفير الأمريكي بصنعاء: شعارات الحوثيين ضد أمريكا مضحكة وسخيفة ولسنا عدواً لهم.
http://almasdaronline.com/article/33594.