• - الموافق2025/06/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الأقليات المسلمة  بين اللامبالاة والعاطفة الموقوتة

وقد لا يعرف كثير من المسلمين، أن الأقليات المسلمة تُشكِّل -في مجموعها- نصف الأمة الإسلامية، وهذه حقيقة تجعل من أوضاع هذه الأقليات همًّا إسلاميًّا كبيرًا، وتبرز لا كقضايا فرعية أو هامشية


مفهوم «الأُمَّة» كركن من أركان التصوُّر الإسلامي، يُمثّل التجسيد الواقعي الحي لإنسانية الإسلام والأنموذج الكامل لعالمية الدين الحنيف، فالأُمَّة هي الرباط العقيدي الذي يَشُدّ الإنسان المسلم إلى أخيه بحبل الله المتين، ويحوط التآخي الإنساني بسياجٍ من هدى الله، وبصيرة الحقّ، ويُغذّي القلوب المتآلفة حول دين الله، بمَدَد من رحمة الله ورضوانه، ومن هذا المعنى المتسامي، أتَى التعبير النبوي الشريف، لكي يمثل لنا ذلك «البناء الإسلامي»، ويضرب له الأمثال؛ «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكى منه عُضْوٌ تَداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى»[1].

والمَثل النبوي الكريم تتسع له آفاق مديدة، لاستخراج ما به من دلالة؛ إذ الجسد الواحد يعطي معنى الترابط العضوي، والترابط العضوي يُعطي أن حياة كلّ عضو أو جزء من أجزاء الجسد الواحد تتأثر -سلبًا أو إيجابًا- بما يعتري الأجزاء الأخرى من تحوُّلات، إن قوةً فقوةٌ، وإن ضعفًا فضعفٌ، وإن حياةً فحياةٌ، وإن موتًا فموتٌ.

والجسد الواحد يعطي الحسّ المشترك، بل الحس الواحد؛ لأن شبكة الأعصاب، وجهاز الإحساس واحد، فإذا اشتكى عضو واحد، فإن التوجع «يهزّ الجسم كله»، وليس فقط ذلك الجزء المصاب، وهكذا المسلمون، وهكذا أُمَّة الإسلام.

والأمة في الإسلام، قاعدة عقيدية سامية، وتصوُّر إيماني يمتدّ في الزمان والمكان، إنها رابطة قدسية ينتمي إليها الإنسان بمجرد إعلانه بشهادة الحق، ودخوله الإسلام، وهي رابطة تضرب في عمق التاريخ لتصل إلى أول خطو إنساني خطا على وجه الأرض، ثم تمتد في آفاق الزمن المقدور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي أيضًا لا تتحدَّد بمكان ولا بأرض، ولا بدولة ولا سلطان، فهي انتماء عقيدي، وتيار روحي فكري شفّاف يسري في حنايا النفس المسلمة، ويخترق الجبال والسهول، ويقطع الفيافي والقفار، ويعبر البحار، ليشد قلب المسلم في «ميندناو» الجزيرة النائية في أرخبيل الفلبين، إلى قلب أخيه المسلم في «وهران» و«مراكش» في مرتفعات المغرب العربي المسلم، ويجعل الإنسان المسلم في «الملايو» يفيض حنانًا وشوقًا كلما ذُكرت عنده «مكة المكرمة»، ثم لا يذكر أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- العربيين إلا على وجه الفخر والمباهاة، كأبطاله التاريخيين، ونسبه الإنساني الذي يعتز به.

ومن هذا المعنى الإسلامي الفذ، يجيء الحديث عن «الأقليات المسلمة»؛ أي: التجمعات الإسلامية التي تعيش تحت سلطان غير المسلمين، والتجمعات الإسلامية التي تمثل نسبة غير غالبة في التوزيع السكاني لمواطنها ومجتمعاتها التي تحيا فيها؛ تجيء قضية هذه الأقليات تعريفًا على ركن عقيدي ركين، وإلزامًا شرعيًّا تكليفيًّا محتومًا، بموجب قاعدة تصورية إسلامية راسخة.

وقضية الأقليات المسلمة، لم تتفجر بهذه القوة وذلك الإلحاح إلا في العصر الحديث؛ حيث وقعت الهزة الكبرى في مجتمعات المسلمين، وانفرط عقد الخلافة العثمانية، كآخر سياج تنظيمي يمثل الوحدة السياسية لإرادة الأمة، ووقعت الغالبية العظمى من ديار الإسلام تحت السيطرة الأجنبية، ودخلت الأمة في مرحلة جديدة من «إعادة التشكيل» القسري للخارطة الجغرافية والديموغرافية (التوزيع السكاني)، حرصت فيه القوى الاستعمارية والصليبية، ومن بعدها الشيوعية، على تفتيت الجسد السياسي والحضاري للأُمَّة من ناحية، ومن ناحية أخرى إعادة توزيع السكان في «أطراف» الأُمّة، بما يضمن جعل المسلمين أقلية في تلك المناطق، وذلك عن طريق الإبادة الجماعية، أو التهجير الجماعي، أو الاستعماري الاستيطاني في المناطق الإسلامية، هذا بالإضافة إلى النشاط التنفيذي المكثّف بهدف تحويل المسلمين عن دينهم.

الإرساليات التنصيرية

حرصت القوى الاستعمارية على إبعاد المسلمين عن مراكز السلطة والإدارة والفاعلية في المجتمعات التي أخضعوها لهم، وذلك بعد أن وجدوا الإسلام القوة الوحيدة التي تُهدِّد وجودهم، وترفض سيادتهم تحت أيّ شكل كان، كما حدث في الهند وفي إفريقيا الشرقية والغربية، وفي التركستان الشرقية والغربية، وحتى بعد زوال القوى الاستعمارية، فقد حرصت على تسليم قيادة مستعمراتها، إلى القوى غير الإسلامية، كائنة ما كانت، المهم أن تكون غير إسلامية.

وقد استطاعت أن تُؤهِّل الكوادر العلمية والإدارية والاقتصادية والسياسية، فمن خلال المؤسسات التعليمية التي أنشأتها، والتي كانت تحتكرها -إلى حد كبير- الإرساليات التبشيرية، مما جعل المسلمين يعزفون عن إلحاق أبنائهم بها حرصًا على دينهم، فانعكس ذلك على الأوضاع الاجتماعية التي تميزت بالتخلُّف العلمي والثقافي، وضعف الفاعلية السياسية، مما جعل التوجيه الثقافي والسياسي للدولة حكرًا على غير المسلمين، أحيانًا مع وجود أغلبية سكانية مسلمة، كما وقع في إثيوبيا ونيجيريا.

وقد لا يعرف كثير من المسلمين، أن الأقليات المسلمة تُشكِّل -في مجموعها- نصف الأمة الإسلامية[2]، وهذه حقيقة تجعل من أوضاع هذه الأقليات همًّا إسلاميًّا كبيرًا، وتبرز لا كقضايا فرعية أو هامشية، تناقش كتذييلات على بعض مؤتمراتنا الإسلامية، كما هو الحادث اليوم مع الأسف، وإنما تبرز كقضايا الأقليات المسلمة كقضية كبرى، ومحورية في مجال نشاطنا الديني والثقافي والسياسي، بل في نشاطنا الأخلاقي، وكذلك فهي حَرِيّة بأن تقام لها المؤتمرات الخاصة، والتي تتمخض عن برامج، ومناهج، ووسائل ونقاط محددة للعمل في هذا المجال، وليس مجرد توصيات عامة تقف عند حد النصيحة الأخلاقية.

إن مواقفنا تجاه قضايا ومشكلات الأقليات المسلمة، مازالت تتردد -مع الأسف- بين اللامبالاة أو العاطفية الموقوتة؛ أما اللامبالاة فتتجسد واضحة في عدم الاهتمام بأخبار المسلمين في المواطن المختلفة، وضعف الرغبة في البحث والدرس لأوضاع الأقليات المسلمة، وانعدام أسباب الاتصال بين كثير منها وبين «جسد الأمة» إلى الحدّ الذي أصبحت فيه مقاطعات إسلامية كاملة شبه غائبة عن الحضور الإسلامي، بل الإنساني العام، ولا يُعلَم عنها شيء ألبتة، كما هو الحال في جمهوريتي «باشكيريا» و«تتاريا» الواقعتين في شرقي الاتحاد السوفييتي[3].

ولقد كان المسلمون والإسلام يواجهون حملة إبادة وحشية في «ألبانيا»، على يد الحاكم الشيوعي طوال عقد كامل (1967- 1977م)، وكانت المساجد تُنْسَف بالديناميت، ويتحوَّل بعضها إلى خمارات واصطبلات للخيول، إلى الحد الذي أثار حفيظة علماء الآثار الغربيين. في حين أن صوتًا واحدًا في العالم الإسلامي لم يرتفع لمجرد التنبيه على هذه الوحشية التي يُبَاد بها الإسلام، وذلك راجع في المقام الأول لانعدام المعرفة والمتابعة.

أما الانفعالية، فهي ناتج طبيعي لهشاشة الاتصال، وضعف الأبحاث الميدانية، وضحالة المعلومات المتوفرة، وغيبة المؤسسات العلمية والتنفيذية المتخصصة، وضياع العمل التخطيطي المنظَّم، فيبقى عملنا مجرد رد فعل عاطفيّ لحظيّ، كلما تفلتت أخبار من هنا أو هناك، لتكشف عن المعاناة القاسية التي يعانيها المسلمون تحت السيطرة الأجنبية، وهذا ما حدث في قضية المسلمين البلغار التي تفجَّرت مؤخرًا، فبعد حوالي ربع قرن من الإبادة والسحق الحضاري، بدأنا نكتشف ونكتب «إنهم يُبيدون الإسلام في بلغاريا»[4].

ولا نريد أن نفتق جروح العار، باستحضار ما وقع في جزيرة قبرص عندما أتت أيام، كان فيها بعض المسلمين يقدم العون المادي والدعائي للعصابات الصليبية التي تضطهد المسلمين هناك، ويصل الأسقف «مكاريوس» -سفَّاح المسلمين-، ليُستقبَل استقبال الفاتحين في إحدى مؤسساتنا الإسلامية الثقافية والعلمية الكبرى!! والجهالة وعدم المتابعة الجادة لأحوال الأقليات تفعل أكثر من ذلك.

المشروع المُرتَجى

إن قضية الأقليات المسلمة في حاجة ماسَّة إلى إعادة النظر في موقف الأمة منها، إنها في حاجة إلى بناء جديد، جدة كاملة، يقوم على أُسس تنظيمية وإدارية عالية، وعلى منهجية علمية، عقيديًّا وخُلقيًّا وفي سبيل هذا المشروع المأمول والمُرتَجى، نحاول أن نُقدّم عددًا من الاقتراحات، التي نرى أنها تُسهم في تنشيط العمل، وجدّيته، وتجعل النتائج والثمرات أكثر قربًا.

أولًا: إنشاء مراكز علمية متخصّصة للأبحاث الميدانية

تنظّم وتوجّه الأبحاث الميدانية في مواطن الأقليات المسلمة، بما تملكه من كوادر علمية وحركة قادرة، وتعين أيضًا المتطوعين من الباحثين الذين يقمون بمثل هذه الأبحاث في صورة مبادرات فردية.

ومثل هذه الدراسات الميدانية هي الأساس لكل عمل بعد ذلك، وبدونها يصبح جهدها خبط عشواء، وذلك أن هذا النوع من الأبحاث والدراسات، هو المنوط به تقديم المعلومة الصحيحة والواقعية والمباشرة، وهذه المعلومة هي التي تكشف الواقع، وتُحدّد المؤثرات الاجتماعية، وتُعطي التصوُّر القريب عن البناء النفسي للمجتمع، وهي أيضًا التي تمنحنا الإحصاءات المختلفة، الأقرب إلى الدقة والحقيقة، وهذه الأبحاث ينبغي أن تقوم على التخصُّص؛ فيُوجّه باحثون لدراسة الأوضاع الثقافية، وغيرهم لدراسة الأوضاع السياسية، وآخر لدراسة الأوضاع الاقتصادية وهكذا؛ إذ إن التخصُّص في مجال البحث جدير بأن يُعطي المعلومة الأكثر دقة أو الأوفر كمية واتساعًا. وعلى الباحث الميداني أن يقوم بانتقاء عينات بحثه بنفسه، ويُحدّد مجال رصده بحسب تقديره هو، دون التزام بنصائح وإرشادات المؤسسات المحلية، والتي من عادتها أن تُوجّه الباحثين نحو المظاهر الدعائية، وتباعد بينهم وبين الدراسة الجادة في جذور البناء الاجتماعي وأوضاعه الحقيقية.

ثانيًا: تكوين اتحاد عالمي للأقليات المسلمة

 يختص هذا الاتحاد بمتابعة هذه القضية؛ بحثًا ودراسةً وعونًا وتوجيهًا وتنبيهًا لباقي المؤسسات الإسلامية المسؤولة في ديار المسلمين، تُمنح عضوية هذا الاتحاد لممثلين عن التجمعات الإسلامية في مختلف أقطار العالم. ومن الضروري أن يُعطَى هذا الاتحاد دعمًا إسلاميًّا حكوميًا في المحافل الرسمية، على الصورة التي يُقرّرها المختصون، بحيث يملك الاتحاد مصداقية دولية تُتيح له حيوية مناسبة في مجال النشاط والعمل، وتفرض احترامه وتقديره لدى الدول التي تخضع لها أقليات إسلامية.

وهذا الاتحاد من شأنه أن يُمثّل حركة الوصل بين الأقليات وجسد الأمة، ويضمن أن يسير العمل وفق خطط منظمة، وبرامج مضبوطة، تتابع تطورات الأحداث، وترصد مجرى التحولات الاجتماعية، بما يضمن مد يد العون، في الوقت المناسب وبالحجم المناسب، بدلًا من أن نُفاجَأ كل حين بمأساة جديدة، تقع للمسلمين، دون أن نملك القدرة على تقديرها أسبابًا ومظاهر ونتائج.

ثالثًا: تكوين ملحقيات خاصة في السفارات الإسلامية

إنشاء ملحقيات في البلاد غير الإسلامية، تكون مشتركة بين وزارة الخارجية وبين المؤسسات الدينية الرسمية، وهذه الملحقيات تقوم بما يشبه عمل «الملحقيات الثقافية»، فهي تقوم بمختلف النشاطات المسموح بها في العرف الدبلوماسي الدولي، وتكون بمثابة قناة اتصال ثابتة بين الأقليات المسلمة وجسد الأمة، وتعمل على تيسير وصول الثقافة الإسلامية والتراثية والمعاصرة إلى أبناء الإسلام في مناطق تجمعهم، وكذلك تقوم بمتابعة أوضاع الأقليات المسلمة اقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا ونفسيًّا، وتُقدّم الاقتراحات والتوصيات بالمساعدات أو الخدمات التي يمكن تقديمها إلى هذه الأقليات، بقدر احتياجاتها، وبما يسمح به الوضع السياسي القائم في بلادها.

وهذه الملحقيات، من الممكن أن تكون لجانًا متفرّعة عن «الملحقيات الثقافية»، ولكن بشرط أن تتوافر لها الكوادر الإنسانية المتخصصة، والتي تجمع بين الوعي الإسلامي الراشد والحنكة الدبلوماسية المتفتحة.

رابعًا: ضبط وتنشيط حرة المِنَح الدراسية

إن الأوضاع في هذا المجال مزعجة، وعلى سبيل المثال قدّرت بعض الأبحاث «المِنَح» التي يُقدّمها الاتحاد السوفييتي لمواطني «زنجبار» (وهي مقاطعة إسلامية تتبع اليوم دولة تنزانيا)، في العام الواحد، فوجدتها تعادل مجموع المِنَح التي تُقدّمها الدول العربية مجتمعةً لمواطني زنجبار في أربعة أعوام كاملة[5].

والمِنَح الدراسية من أرحب المجالات التي يمكن الإفادة منها في نشر الثقافة الإسلامية، وإحياء عقيدة الإسلام في أوساط الأقليات المنعزلة عن الأُمَّة، بل وتكوين القيادات الإسلامية الواعية التي تأخذ بيد أهلها، وتُوجّه فعالياتهم ونشاطاتهم على هدى وبصيرة.

وهذه الكوادر هي بمثابة أركان البناء الجديد، والنهضة الجديدة في تلك المجتمعات؛ لأنهم الأقرب إلى قلوب أهليهم، والأخبر بمكنونات ضمائرهم، ودواخل نفوسهم، فإذا استطعنا أن نُوفّر هذه النماذج الصالحة فسوف نستغني عن كثير من الجهود ونختصر مجاهدات الطريق ومسافاته.

وهذه الأهمية توجب علينا أن نهتم بتوجيه المِنَح، بحيث يقوم العمل في هذا المجال وفق منهج وتخطيط، فترشح النماذج المختارة للمِنَح -جهد الطاقة-، ويمكن الاستعانة في هذا المجال باقتراحات ذوي السبق من أبناء الأقليات، بالإضافة إلى المؤسسات المأمول إنجازها، والتي أشرنا لها آنفًا. وعلى جانب آخر، فإن صاحب المنحة في حاجة إلى أجواء نفسية واجتماعية وتربوية خاصة، ينبغي مراعاتها، وهو أمر متعارف عليه بين عامة الدول التي ترى أنها صاحبة عقيدة أو رسالة، وكذا، فالمناهج العلمية التي يُوجَّه إليها الطالب الوافد تحتاج إلى ترشيح وتكثيف؛ لأنها مناهج غير عادية لطالب غير عادي.

خامسًا: إيجاد حركة إعلامية إسلامية قوية

تهتم بشؤون الأقليات، تنقل إليهم أخبار العالم الإسلامي، وتمدّهم بالبرامج العلمية والثقافية والدينية المناسبة، والتي تنشط من حركة الفكر، وتُرشّد القِيَم والسلوك، وتُوسّع المدارك والآفاق، وفي جانب آخر، تنقل أخبار الأقليات وقضاياهم ومطالبهم إلى العالم الإسلامي، وتعرف عامة المسلمين بأوضاع إخوانهم هناك، مما يُسهم في تكوين رأي عام إسلامي شعبي يَقِظ وفعَّال، تجاه الأقليات، يُسهم في الضغط العالمي على الحكومات المضطهِدة للأقليات المسلمة.

والحركة الإعلامية متعددة الدرجات، ومتنوّعة الأساليب، فيدخل فيها المجلة والصحيفة، ويدخل فيها الإذاعات الموجَّهة، كما يدخل فيها الشرائط المسجّلة، المسموعة والمرئية، ويكفي هنا أن نذكر بأن في إفريقيا وحدها، أكثر من خمسين إذاعة كَنَسِيَّة مُوجّهة للتنصير تبثّ برامجها بمختلف اللغات واللهجات الإفريقية، بما فيها اللغة العربية.

ومن الضروري في هذا المجال تنشيط التحقيقات الصحافية الإسلامية في مناطق الأقليات المسلمة، ويلزم لذلك أن يخضع قسم التحقيقات في المجلات الإسلامية لخطة موضوعة، وتنسيق جيد، ويُختار الصحافيون الذين يتشرفون بذلك الجهد الرسالي، من بين ذوي الكفاءة والخبرة، وممَّن يحملون بين جوانحهم همًّا إسلاميًّا حيًّا.

سادسًا: الانتباه للمؤسسات التعليمية والمنظمات الاجتماعية القطاعية التي تُقام في مواطن الأقليات المسلمة

وهي على درجة كبيرة من الأهمية؛ إذ إن الكثير مما أصاب المسلمين من تراجُع وتخلُّف عن المكانة الاجتماعية، كان مردّه إلى غيبة المؤسسات التعليمية التي تُؤهّل الكوادر العلمية والإدارية والثقافية، فبقيت معظم هذه المؤسسات بيد الجمعيات التنصيرية، فأحجَم المسلمون عن إرسال أبنائهم إليها، حرصًا على دينهم، ومن هنا كانت الدعوة مُلِحَّة إلى تحريك وتنشيط بناء المؤسسات التعليمية المتخصصة، وليس فقط المعاهد الدينية، بحيث تُؤهّل أبناء المسلمين للجامعات والمعاهد العليا، وتفتح أمامهم الطريق لتبوّأ المواقع الريادية في بلدانهم، وبما يتناسب مع حَجْم وجودهم.

وعلى جانب آخر، فإن المنظمات الاجتماعية القطاعية؛ مثل منظمات الطفل، المرأة، الشباب، الطلبة، ... إلخ، تمثل إحدى البؤر الإشعاعية المهمة للوعي الإسلامي عقيديًّا وثقافيًّا وخلقيًّا وتربويًّا، وهذه المنظمات القطاعية أصبحت إحدى سمات العصر الحديث، وقد ثبت بالقطع، ما لها من فاعلية واسعة في توجيه النشاط الاجتماعي، بالإضافة إلى مؤسساتها الخدمية كالمستشفيات.

وفي هذا المجال لا غِنَى عن التنسيق بين حكومات العالم الإسلامي، بما يضمن توزيع الجهد، وعدم تركُّزه على منطقة واحدة، وبما يضمن إبعاد هذا العمل الحضاري والرسالي، عن المؤثرات السياسية والمذهبية، المتباينة أحيانًا، بين أبناء الدول الإسلامية.

هذه مقترحات عجلى، قد تُمثّل مجرد لفت نظر إلى مداخل للفاعلية، أو أوْجُه القصور، في قضية الأقليات المسلمة، وهي مساهمة متواضعة، ورسالة مفتوحة، نُقدّمها إلى أُولي الأمر، ونعرضها على المؤسسات الثقافية والعلمية الإسلامية، ونبعثها من قبل إلى ضمير كل مسلم، عسى أن يقوم كلّ منا بدَوْره، على قدر طاقته، في نُصرة إخوانه المستضعفين.

 


 


[1] أخرجه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦).

[2] عبد الله عمر نصيف: جريدة أخبار العالم الإسلامي، عدد (1096)، 5 ربيع الثاني 1409هـ.

[3] المسلمون تحت السيطرة الشيوعية: محمود شاكر، المكتب الإسلامي، بيروت، 1982م.

[4] عنوان كتاب للصحافي: محمد جلال كشك بذل فيه جهدًا مشكورًا.

[5] أوضاع الأقليات المسلمة في القارة الإفريقية: عبد الرحمن سوار الذهب، ورقة مقدمة إلى المؤتمر الحادي عشر لمجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، 1408هـ.

أعلى