يبحث هذا المقال في احتمالات ثبات الموقف المصري من قضية تهجير سكان غزة منها رغبةً أو قسرًا، والتي اكتسبت زخمًا كبيرًا خلال الأيام الماضية، بعد أن خرج ترامب بتصريحات مفاجئة باحتلال أمريكا للقطاع وإفراغه من سكانه، وتحويله إلى شاطئ ريفيرا سياحي، أشبه بالشاطئ
في وقتٍ
يُكثِّف فيه الرئيس الأمريكي تصريحاته بشأن تهجير أهل غزة منها؛ بدا الموقف الرسمي
المصري حتى الآن صلبًا وحازمًا إزاء الضغوط الأمريكية والصهيونية على الحكومة
المصرية، ورافضًا لقبول تهجير أهل غزة إلى الأراضي المصرية، حتى إن الرئيس المصري
رفض أو أجَّل تلبية دعوة الإدارة الأمريكية لزيارة الولايات المتحدة لمناقشة خطة
ترامب.
بل إن
الجانب المصري اتخذ موقفًا عمليًّا، فقام بتحريك قواته وأسلحته الثقيلة تجاه رفح
المصرية؛ لردع أيّ إجراء يمكن أن يُقْدِم عليه الكيان الصهيوني بالتهجير القسري
لأهل غزة.
ولكن هل سيظل الموقف المصري صلبًا؟ وإلى أيّ مدى؟
يبحث هذا
المقال في احتمالات ثبات الموقف المصري من قضية تهجير سكان غزة منها رغبةً أو
قسرًا، والتي اكتسبت زخمًا كبيرًا خلال الأيام الماضية، بعد أن خرج ترامب بتصريحات
مفاجئة باحتلال أمريكا للقطاع وإفراغه من سكانه، وتحويله إلى شاطئ ريفيرا سياحي،
أشبه بالشاطئ الفرنسي الشهير.
ولكي
نستطيع توقُّع استمرارية صلابة الموقف المصري؛ لا بد من تفكيك هذا الدور وإدراك
خلفياته وتحولاته ودوافع هذا التحوُّل، ثم تقييم الإستراتيجيات التي ينتهجها الحكم
المصري في التعامل مع تلك الأزمة.
تحوُّل الموقف المصري
«ستجدني
بكل قوة ووضوح داعمًا لأيِّ مساعٍ لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية في صفقة القرن،
ومتأكّد أنك تستطيع أن تحلّها»؛
هكذا سمعت آذان العالم لأول مرة مصطلح
«صفقة
القرن»
على لسان قائد سياسي، وكان القائل هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مُوجِّهًا
حديثه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أثناء لقائهما بالعاصمة واشنطن في أبريل
من عام 2017م، أثناء فترة ترامب الأولى في الرئاسة الأمريكية.
في حين ترامب نفسه لم ينطق هذا المصطلح في لقاء رسمي أو تصريح صحفي أو حتى تغريداته
على منصات التواصل الاجتماعي، واكتفى الرئيس الأمريكي وقتئذ بالرد على نظيره المصري
قائلاً:
«سنفعل
ذلك سويًّا، سنحارب الإرهاب سويًّا، وستمتد صداقتنا طويلًا».
وتزامَن
ذلك مع إعلان ترامب تفاصيل ما سماها خطة السلام في الشرق الأوسط؛ وأثناء ذلك حاولت
مصر الظهور ضمن صفوف المؤيدين، بشكلٍ يُوحي بأنها مُشارِكَة في صنع تلك الخطة.
ثم بدأ التحوُّل بعد عام ونصف، وبالتحديد في نوفمبر عام 2018م، وخلال فعاليات منتدى
الشباب العالمي في مصر، فإذا بشابّ يطرح سؤالًا موجهًا للسيسي عن رأيه في صفقة
القرن، فكانت الإجابة الصادمة مِن قِبَل الرئيس قائلًا:
«إنه
لا يَمتلك معلومات عما يُطلق عليه صفقة القرن، فهو قد سمعه مِن قِبَل وسائل الإعلام»،
مضيفًا أنه
«لا
يمكن لمصر الحديث باسم الفلسطينيين أو نيابةً عنهم، أو أن تفرض القاهرة عليهم شيئًا».
وهنا
يثور تساؤل عن سرّ ذلك التحوُّل الرسمي المصري؟
للإجابة
عن ذلك السؤال، لا بد في البداية من تتبُّع الأسباب التي جعلت الحكومة المصرية تبدو
وكأنها هي التي تتبنَّى ما يُعرَف بصفقة القرن.
تجيب
صحيفة
«هآرتس»
الإسرائيلية عن هذا السؤال عبر تقريرٍ نشرته عشية تصريحات الرئيس المصري حول صفقة
القرن في أبريل 2017م؛ حيث أوضحت أن السيسي لديه ثلاثة أهداف رئيسية؛ هي: الدعم
المالي لإنقاذ الاقتصاد المصري، وزيادة المساعدات العسكرية لمكافحة الإرهاب، وإدراج
الجماعات الإسلامية كمنظمات إرهابية.
ولكن
يظلّ الهدف الاقتصادي هو الشأن الأبرز لدى الحكومة المصرية؛ نظرًا لشبه الانهيار
الذي أصبح يعانيه الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة.
ويُلاحَظ
أنه بعد تصريحات الرئيس المصري عن صفقة القرن بأسابيع، تم عقد ورشة عمل اقتصادية في
العاصمة البحرينية المنامة تحت عنوان
«السلام
من أجل الازدهار»،
والتي اعتبرها مراقبون الخطة الاقتصادية لصفقة القرن.
وفي
البدء، نَفَت مصر المشاركة في الورشة التي عُرفت إعلاميًّا بمؤتمر المنامة، ثم عادت
وزارة الخارجية المصرية لتؤكد المشاركة بشكل رمزي تحت اسم
«مشارك
مستمع».
وبحسب
الخطة الاقتصادية التي نشرها البيت الأبيض قبل يومين من ورشة المنامة؛ تُسهم الدول
المانحة بنحو خمسين مليار دولار، تذهب 28 مليارًا منها للفلسطينيين في الضفة
الغربية وغزة، و9.176 مليارات لمصر، و7.5 مليارات للأردن، و6 مليارات للبنان.
وهنا
يكمن أحد أهم الأسباب التي دفعت الحكومة المصرية إلى انقلاب موقفها الداعم للتهجير
إلى رفضه في ذلك التوقيت؛ حيث يبدو أن مبلغ ٩ مليارات دولار، والتي تم وعد مصر
بأخذها ثمنًا للموافقة على الصفقة، لم تُرْضِ الحكومة المصرية واعتبرته ثمنًا
ضئيلًا جدًّا.
السبب
الثاني الذي دفَع مصر إلى تبنّي صفقة القرن، هو ما يتعلق بالعلاقة السيئة مع
الجماعات الإسلامية، ومن بينها بالطبع
«حماس»
التي تُدير أمور غزة. فبعد مجيء الحكم الجديد في مصر عام ٢٠١٣م، تدهورت العلاقة بين
الحكومة المصرية وحماس، والتي اتهمتها الحكومة المصرية في ذلك الوقت بتأييد النظام
السابق، ودعم الجماعات المسلحة في سيناء. على الرغم من نفي حماس لتقديم ذلك الدعم،
وتأكيدها أنها نفسها كانت متضررة من تلك الجماعات المسلحة.
ونتيجةً
لذلك بدأت الحكومة المصرية إنشاء سور أو أسوار لزيادة عزل غزة وحصارها، وردمت
المئات من الأنفاق، والتي تبدأ في سيناء إلى داخل غزة، وقيل: إنها بالآلاف، كما تم
بحث خطة لإغراق ما تبقَّى منها.
ولكن بعد
الامتعاض المصري من الثمن الذي يَخصُّها من الصفقة، بدأت في التفكير بطريقة أخرى،
أو بالأحرى عادت إلى السلوك المصري الطبيعي تجاه غزة.
وقد
ارتبط توثيق الحكومة المصرية علاقتها بغزة عن طريق ياسر عرفات؛ لمعرفتها بشعبية
الرجل، فضلاً عن أنه ليس له ولاء خارجي، كما أن الرجل لم يُعرَف عنه ارتباطات
بأجهزة مخابرات يعمل لحسابها، ولذلك عند وفاة عرفات أو اغتياله، رأت الأجهزة
المصرية في خليفته عباس شخصًا ضعيفًا ليس له شعبية وغير قادر على تحدّي التوغل
الصهيوني، أما بقية القيادات الأخرى فهي مرتبطة بشكل أو بآخر بأجهزة الأمن
الصهيونية، فانتقل الرهان المصري على الطرف الأكثر شعبية، والبعيد عن تُهَم العمالة
والخيانة، ألا وهو حركة
«حماس».
ومن هنا
جاء تطوير مصر علاقتها بحماس، خاصةً مع صعود يحيى السنوار لقيادة المكتب السياسي
لحماس داخل غزة، والذي كان قد بدأ يُخطِّط للهجوم على الكيان، ويُدرك جيدًا أهمية
الدور المصري، والذي يُعدّ المَنْفَذ الوحيد له إلى العالم الخارجي.
ففي
نوفمبر ٢٠١٨م، شارك وفد من المخابرات المصرية برئاسة نائب رئيس جهاز المخابرات
المصري؛ اللواء أحمد عبد الخالق، وهو المسؤول عن الملف الفلسطيني في الجهاز، في حفل
تأبين لشهداء القسام.
والتقطت
عدسات المصورين صورة لهذا المسؤول الاستخباراتي في الحفل، وهو يُقبِّل أحد أبناء
شهداء القسام على مرأى من الحضور والمصوّرين والشخصيات المشارِكة، كما لفت الانتباه
مدى حفاوة الاستقبال الفلسطيني للواء عبد الخالق، ومدى حميمية العلاقة بينه وبين
قيادات فصائل المقاومة الحاضرة للاحتفال، مع العلم أن فيديو هذه الفعالية لم يظهر
إلا بعد
«طوفان
الأقصى».
ثم
انتقلت العلاقات بين حماس والحكومة المصرية نقلة أخرى، بالزيارة العلنية التي قام
بها رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لغزة في عام ٢٠٢١م.
ولا شك
أن المَخفيّ في العلاقة بين حماس والحكومة المصرية أكبر بكثير مما يبدو في الظاهر.
ولكن،
لماذا بدأت مصر بتقوية علاقاتها مع حماس على الرغم من موقفها السابق؟
يعود ذلك
إلى موقف ترامب، والذي قابل رفض مصر لصفقة القرن بتهميش الدور المصري في المنطقة.
حيث بدأ
ترامب بطرح مشروع
«الإبراهيمية»،
والذي يهدف إلى دمج العرب بالكيان الصهيوني، في مشروع ثقافي واقتصادي، هذا المشروع
الذي لم يتم فيه تجاهل مصر فقط، بل تعدَّاه إلى إلحاق الضرر بها، وذلك عند طرح
مشروع نقل التجارة القادمة من الشرق إلى البحر المتوسط بخط تجاري يبدأ من الخليج،
وينتهي بالموانئ الصهيونية على المتوسط، ومنها إلى أوروبا. وما يستتبعه ذلك من
تهميش دور قناة السويس، والتي تُعدّ ركيزة مُهمَّة في مدخلات الاقتصاد المصري،
والذي يعاني أصلًا من أزمات كبرى ناتجة عن فساد وسوء إدارة.
فأضاف
هذا المشروع عنصرًا مُهمًّا في زيادة التوتر بين الكيان بزعامة
«نتنياهو»
والحكومة المصرية، والتي أصبحت تُراهن بدرجة أكبر على علاقتها بمَن يحكم غزة، ولديه
مشروع طَمُوح مُعادٍ للكيان؛ بصرف النظر عن فكره وانتماءاته.
ولكن لا
يمكن إغفال سبب إضافي في تحوُّل الموقف المصري؛ وهو ما يتعلق بالوضع الداخلي في
مصر، وتصاعُد صراعات داخل النخبة العسكرية الحاكمة في القاهرة؛ الأمر الذي أدَّى
إلى استبعاد أيّ قبول مصريّ لأيّ شكل من أشكال التهجير، باعتبار أن مشروع التهجير
يمسّ بالأمن القومي المصري.
وازداد
التوتر في العلاقات الصهيونية المصرية مع العملية التي قام بها المجنّد في الأمن
المصري
«محمد
صلاح»،
والذي تسلَّل إلى داخل الكيان ليقتل ثلاثة من الجنود الصهاينة قبل استشهاده.
حيث جاءت
رسالة التعزية من وزير الدفاع المصري إلى نظيره الصهيوني، والذي ترحَّم على قتلى
العملية من الجانبين لتثير الغضب الصهيوني، والذي ردّ بعدها بأسابيع قليلة بتفجير
مبنى الأمن الوطني المصري في العريش، في عملية صمتت عليها كلٌّ من الحكومة المصرية
والصهيونية، ولكن تحدَّثت عنها منظمات حقوقية وإخبارية مصرية مستقلة ذات مصداقية،
نقلًا عن شهود عيان.
ومنذ
عودة العلاقات مع حماس، وفضلًا عن اللقاءات السرية مع رجال المخابرات المصرية؛
اتخذت مصر ذراعًا آخر في هذه العلاقة، تمثَّل في جماعة قبلية مسلحة من بدو سيناء
برئاسة إبراهيم العرجاني، والذي ينحدر من أصول غزاوية من جهة الأم، وتشعَّبت شبكة
علاقات العرجاني داخل غزة لتضمَّ تُجارًا ورجال أعمال، وتنوعت المعاملات المتبادلة
فيما بينهم؛ فشملت بضائع وأسلحة ومعدات ضخمة للحفر، أظهر الكيان الصهيوني صورها بعد
ذلك.
ثم جاء
الطوفان، فانتقل التوتر في العلاقات بين الكيان والحكومة المصرية إلى السطح، حتى إن
«نتنياهو»
لم يُجْرِ اتصالًا بالرئيس المصري منذ ذلك الوقت.
فالكيان
ألقى باللوم على الحكومة المصرية في تمرير السلاح إلى المقاومة، بل أيضًا بمعرفتها
بالهجوم الذي تم قبل وقوعه.
ومع بدء
العملية البرية لجيش الاحتلال في غزة، بدأت مراكز الأبحاث الصهيونية والوزراء
المقربون من
«نتنياهو»،
في إعادة طرح مشروعات التهجير على الجانب المصري، ولكن هذه المرة بشكل تفصيلي، حتى
إن إحدى تلك الخطط احتوت على تفاصيل عدد الشقق المطلوبة لتهجير مليون ونصف من أهل
غزة، في مناطق مصرية بعيدة عن سيناء، وتتوافر فيها شقق خالية، وتم حساب تكلفة كل
شقة وسعرها المطروح في السوق، وفي النهاية تم حساب إجمالي تكلفة شراء هذه الشقق
بالدولار، وإضافة نحو عشرة مليارات إضافية، لتبلغ القيمة أكثر من 30 مليار دولار،
يدفعها الكيان الصهيوني للحكومة المصرية لتقبل بالتهجير.
ولكن
الكيان لم يستوعب بعدُ أن الحسابات المصرية في صفقة التهجير لم تَعُد كما كانت، وأن
الجانب الأمني في التهجير أصبح هاجسًا إضافيًّا للرفض المصري استقبال مليون ونص
غزاوي، فضلًا عن الجانب الإستراتيجي، والذي يتمثل في أمرين؛ الأول: أن التهجير يعني
فَقْد مصر الدرع الشرقي لحدودها. والآخر أن انتهاء مشكلة غزة بالتهجير يعني تراجع
مكانة مصر الدولية، والتي تقزمت فأصبحت تقتصر أهميتها الدولية على الحاجة إليها عند
حروب غزة، التي صارت بدَوْرها إحدى بؤر الأزمات العالمية.
ومن هنا،
فإن حسابات الأمن القومي المصري، تقتضي تحويل غزة إلى بؤرة تعمل على إشغال العدو
الطامع في مصر من جهة الشرق بمعارك تحدث في هذه الرقعة من الأرض، وبذلك يظل التهديد
الصهيوني منشغلًا وغارقًا في مستنقع غزة بعيدًا عن تهديد الأراضي المصرية، مع
احتفاظ مصر باهتمام القوى الإقليمية والدولية.
وبالرغم
من حرب الإبادة في غزة التي شنَّها جيش الكيان؛ فإن خسائره نتيجة للضربات الموجعة
التي يشنّها رجال المقاومة، جعلته عاجزًا عن تحقيق أيّ صورة للنصر سوى المباني
المهدمة ومشاهد قتل الأطفال والنساء.
ومن هنا
ازداد اللوم الصهيوني للموقف المصري، حتى إن صحيفة
«يديعوت
أحرنوت»
الصهيونية نشرت صورًا لخرائط أنفاق تحت رفح قادمة من مصر، بل إنها نشرت خرائط
لأنفاق مصرية تتبع الجيش المصري بعيدة عن غزة تأتي من وسط سيناء إلى الحدود المصرية
مع الكيان في صحراء النقب، هذه الأنفاق تتسع لمرور أسلحة ثقيلة إلى تلك الحدود التي
يُحظَر وجود تلك الأسلحة بها وفقًا لبنود معاهدة
«كامب
ديفيد».
وزعمت الصحيفة أن هذه الخرائط قدَّمها رئيس الموساد لمصر في زيارة له لمصر لهذا
السبب.
وقبل
الهدنة الأخيرة تكثفت إعلانات الجيش الصهيوني، عن إسقاط مُسيَّرات مصرية قادمة من
سيناء تحمل شحنات أسلحة.
وامتلأ
الإعلام الصهيوني في صُحُفه وقنواته بتحليلات وندوات تنتقد الدور المصري وتتبع
تفصيلاته.
وبلغ
الانتقاد حدّ التهديد، فمنذ أسابيع نشرت صحيفة
«جيروزاليم
بوست»
المُقرَّبة من اليمين الصهيوني تصريحات الرئيس المصري الرافضة للتهجير مرفقًا بها
صورة أرشيفية للقاء سابق جمع
«السيسي»
بالرئيس الإيراني الراحل
«إبراهيم
رئيسي»،
والذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية بإسقاط طائرته؛ حيث اعتبر خبراء مصريون -خرجوا
على قناة العربية- أن الصورة تحمل صيغة تهديدية ورسالة مقصودة للرئيس المصري.
ومما يدل
على أن الحكومة المصرية قد أخذت تلك التهديدات على محمل الجد، هو امتناع الرئيس
المصري عن ركوب الطائرات في الآونة الأخيرة؛ بحسب مصادر للمخابرات المركزية
الأمريكية تداولتها وسائل إعلام مؤخرًا.
التامل المصري مع تصريحات ترامب
ثم جاءت
تصريحات ترامب الصادمة المتعلقة برغبته في امتلاك أراضي القطاع، فحاولت الحكومة
المصرية التعامل معها من خلال ثلاثة مسارات إستراتيجية:
تضمَّن
المسار الأول الإعلان عن الرفض والتحدي من خلف الكواليس؛ حيث قام
الرئيس المصري بتأجيل أو الامتناع عن تلبية دعوة ترامب إلى البيت الأبيض لمناقشة
خطة التهجير؛ الأمر الذي اعتبره مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق
«مارك
كميت»
خلال مداخلة على قناة
«سكاي
نيوز عربية»
بأنه إهانة للولايات المتحدة برفضه زيارة البيت الأبيض.
ومن
مظاهر التحدي المصري لرفض التهجير هو تحريك قوات كبيرة تتضمَّن آليات ومشاة إلى قرب
الحدود مع رفح؛ كإستراتيجية لردع أيّ محاولات صهيونية لتهجير قسري للفلسطينيين.
أما
المسار الثاني، فهو العمل على الاحتماء بجدار عربي، وبلورة موقف
مُوحَّد قائم على رفض مشروع ترامب لتهجير أهل غزة، الأمر الذي أسفَر عن الدعوة لقمة
عربية في 27 فبراير في القاهرة، وجرى تأجيلها للأسبوع الأول من مارس، كما جرى
الاتفاق على عقد قمة مصغرة بالرياض يوم 21 فبراير، يحضرها قادة كلّ من مصر والأردن
والإمارات وقطر، فضلًا عن السعودية الدولة المستضيفة.
خطط بديلة
تبلور
المسار الثالث الذي سارت به الإستراتيجية المصرية، وهو تجهيز خطط
بديلة لخطة التهجير، بعد أن صدرت إشارات أمريكية تطلب من العرب إعداد مخطط بديل
يقبل التفاوض والنقاش حوله، وهذا ما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي
«ماركو
روبيو»؛
الذي صرَّح بأن المقترح الذي تقدَّم به الرئيس دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة،
هو المخطط الوحيد المتاح، وإن على الحلفاء تقديم بديل؛ إذا كانت لديهم خطة أفضل.
بعدها
توالت الخطط -والمُقدَّمة من مصر بشكل أساسي- التي تسربت إلى الصحافة الغربية
والصهيونية.
فقد نقلت
صحيفة
«وول
ستريت جورنال الأمريكية»
عن أشخاص مطّلعين قولهم:
«إن
الحكومة المصرية بدأت في طرح مشروع بديل لخطة ترامب، يتلخّص في إبقاء الفلسطينيين
في أماكنهم، وتشكيل لجنة من الخبراء الفنيين من مختلف أنحاء غزة لإدارة القطاع».
ووفقًا
للخطة المصرية، سيعمل الفلسطينيون المُدرَّبون، على أيدي قوات عربية، على توفير
الأمن. وبحسب ما تابعت الصحيفة؛ فإن المسؤولين المصريين يسعون حاليًّا لإيجاد مصادر
تمويل عامة وخاصة، في مختلف أنحاء المنطقة، ويأملون عقد مؤتمر للمانحين لتأمين
الالتزامات.
ومن
المتوقع أن تستغرق خطة إعادة الإعمار ما يصل إلى 5 أعوام، وسوف يتمّ تنفيذها على
مراحل؛ حيث تُركّز المرحلة الأولى على استعادة الخدمات الأساسية وتوفير المأوى؛
بحسب ما أضافته
«وول
ستريت جورنال».
ولكن لم
تتطرق الصحيفة إلى سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة، وهل ستتولى اللجنة الفلسطينية
وأفرادها المُدرَّبون أمنيًّا نزع هذا السلاح؟
وفي
اليوم التالي من نشر الصحيفة الأمريكية للخطة المصرية، نشرت صحيفة
«معاريف»
الصهيونية تفاصيل أخرى للخطة بشكل أكثر تفصيلًا، وهي مبادرة كانت قد قُدِّمت للكيان
قبل نحو ثلاثة أشهر بهدف معالجة الوضع في قطاع غزة. تنبع هذه المبادرة من إدراك مصر
لاستمرار وجود حركة حماس كقوة فاعلة في القطاع، ورغم أنها ليست مثالية، إلا أن
القاهرة تَعتبرها أفضل الخيارات المتاحة حاليًّا.
وتتضمَّن المبادرة المصرية ثلاثة ملامح رئيسة؛ أهمها:
أولًا: الإعلان عن أن السلطة الفلسطينية لها السيادة الرسمية على قطاع غزة:
وتحظى هذه الخطوة بدعم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وتحت هذه المظلة، سيتم
تشكيل حكومة خبراء لإدارة جهود إعادة الإعمار وتلبية احتياجات السكان.
وثاني هذه الملامح: نشر قوات أمنية من خمس دول عربية:
ستتولى هذه القوات، التي تضم مصر، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، والسعودية
والولايات المتحدة، مسؤولية حفظ القانون والنظام في القطاع.
أما الملمح الأخير فهو يتحدث عن دور حركة حماس في الهيكلة المقترحة:
فوفقًا للمبادرة، ستشارك حركة حماس في الحكم دون أن تكون السلطة الحاكمة الوحيدة.
فمصر -وفق هذه الخطة- تدرك أن أيّ حل في غزة يجب أن يشمل حركة حماس بالتوافق،
وتَعتبر أن بناء جهة حاكمة قوية ومستقرة بدعم دولي إلى جانب حركة حماس قد يؤدي
تدريجيًّا إلى تقليص نفوذ الحركة، ولذلك ترى مصر أن هذه الخطة تتطلب الصبر والوقت.
ولكن
الصحيفة الصهيونية تقول:
«إن
هذا المُقتَرح قد قُوبِلَ برفضٍ واستخفاف صهيوني».
وفي يوم
١٥ فبراير 2025م أضافت وكالة رويترز تفاصيل إضافية للمقترح المصري؛ فطبقًا لتقرير
للوكالة، فإنها قد تحدّثت إلى 15 مصدرًا في عدة دول عربية حول التوافق على خطة
جديدة يمكن تسويقها للرئيس الأمريكي، مع عدم استبعاد تسميتها
«خطة
ترامب»؛
للفوز بموافقته.
ونقلًا
عن مصدر حكومي عربي، فقد أبرزت الوكالة أنّ: هناك أربعة مقترحات على الأقل قد تمَّت
صياغتها بالفعل بشأن مستقبل غزة، غير أن مقترحًا مصريًّا يبدو حاليًّا هو الأساس
للمسعى العربي لطرح بديل لفكرة ترامب.
وبحسب
ثلاثة مصادر أمنية مصرية؛ فإنّ: أحدث مقترح قدَّمته القاهرة يتضمَّن تشكيل لجنة
فلسطينية لحكم قطاع غزة دون مشاركة حركة حماس، بالتزامن مع تعاون دوليّ في إعادة
الإعمار دون تهجير الفلسطينيين، إضافةً إلى المضي نحو حلّ الدولتين.
وأكدّت
المصادر أيضًا أنَّ المقترح يتضمَّن إنشاء منطقة عازلة، وحاجزًا لعرقلة حفر الأنفاق
عبر حدود غزة مع مصر. وبمجرد إزالة الأنقاض، سوف يتم إنشاء 20 منطقة إسكان مؤقت.
وسوف تعمل نحو 50 شركة مصرية وأجنبية أخرى؛ من أجل إنجاز ذلك.
أما
بخصوص التمويل، فأردفت المصادر: سوف يجمع التمويل المقترح بين أموال دولية وخليجية،
فيما لم يستبعد المسؤولون إنشاء صندوق قد يُطلَق عليه اسم
«صندوق
ترامب لإعادة الإعمار».
وذكر
المسؤول العربي والمصادر المصرية الثلاثة لرويترز، أن إجبار حماس على التخلّي عن
أيّ دور في غزة سوف يكون ضروريًّا؛ بحسب المصادر نفسها التي نقلت عنها الوكالة.
وتابعت:
سبق أن قالت حماس: إنها مستعدَّة للتخلّي عن حكم غزة للجنة وطنية، لكنها تريد أن
يكون لها دور في اختيار أعضائها، ولن تقبل نشر أيّ قوات برية دون موافقتها، فيما
أبرزت المصادر المصرية الثلاثة أنهم يعتقدون أنّ الخطة كافية لتغيير رأي ترامب،
ويمكن فَرْضها على حماس والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس.
وذكرت
الوكالة أن تلك الخطة سوف تُعرَض على القمة المصغرة في الرياض، والتي سيحضرها،
بالإضافة إلى السعودية، قادة الإمارات وقطر ومصر والأردن.
خيار المقاومة
في
النهاية يبدو أن المقصود من تصريحات ترامب المتعلقة بالتهجير هو تعلية سقف
المساومات الأمريكية ليتم التفاوض على ما دونها.
فالتحالف
الأمريكي الصهيوني عجَز عسكريًّا عن تهجير أهل غزة طوال خمسة عشر شهرًا، بالرغم من
استخدامه أطنان القنابل لإبادة أهل غزة، حتى بعد أن طبّق خطة الجنرالات، وشرع الجيش
الصهيوني بالفعل في تطبيق تلك الخطة في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، وتم إجبار
أهالي المناطق الثلاث على تركها بعد أن سُوِّيت البيوت بالأرض، ولكن خرج رجال
المقاومة من الأنفاق، ومن تحت المباني المُهدَّمة، ليُذيقوا قوات الكيان خسائر
فادحة في المعدات والأفراد.
وبذلك
تكون المقاومة الفلسطينية لا تزال كامنة في موقع القوة.
يقول القيادي في حماس أسامة حمدان:
«حماس
لن تتنازل عن غزة، ولن تخرج منها تحت أيّ تفاهمات، ولن تقدم أيّ تنازلات ثمنًا
لإعادة الإعمار... نحن انتصرنا ولم نُهزَم، ولن ندفع ثمن الهزيمة التي مُنِيَ بها
الاحتلال تحت أيّ ظرف».