صناعية الكراهية في إسرائيل
إن كان ثمة
من يبحث عن أدلة ومسوغات تعكس طوفان الكراهية والعنصرية تجاه الفلسطينيين
والمسلمين بشكل عام، الذي يكتسح الكيان الصهيوني؛ فبإمكانه أن يقرأ نتائج
الانتخابات المحلية التي أجريت مؤخراً. لقد فاز فقط المرشحون الذين تبنّوا خطاباً
عنصرياً موغلاً في الكراهية والحقد على العرب والمسلمين؛ لأن هؤلاء المرشحين
أدركوا طابع التوجهات العامة للجمهور الصهيوني. إن أوضح مثال يفسر ذلك كان فوز
الفاشي العنصري شمعون جافسكو برئاسة بلدية "الناصرة العليا"، الذي خاض
الانتخابات البلدية بعد أن قدم برنامجاً انتخابياً طغت عليه التعهدات الصارمة
بالمس بحقوق الفلسطينيين المسلمين الذين يقطنون المدينة، والذين يشكلون نحو ثلث
السكان.. فقد تعهد جافسكو في برنامجه بعدم بناء أي مسجد لآلاف المسلمين، أو مدرسة
خاصة بأبنائهم، وتعهد بسلسلة من الإجراءات التي تحوّل حياة الفلسطينيين إلى جحيم
لا يطاق. المفارقة أن الجمهور الصهيوني اختار جافسكو على غيره من المرشحين، رغم أن
محكمة صهيونية قد أدانته بقضايا فساد مالي كبيرة. وقد مثلت نتائج الانتخابات
المحلية في القدس المحتلة مثالاً آخر على استفحال العنصرية الصهيونية تجاه
المسلمين، فقد فاز العنصري نير بركات بولاية ثانية، حيث تضمن برنامجه الانتخابي
تذكيراً بجملة "إنجازاته" في الولاية السابقة، والتي تضمنت: تدمير آلاف
المنازل الفلسطينية في المدينة المقدسة، تضييق الخناق على الأهالي الفلسطينيين
لدفعهم لمغادرة المدينة، وبناء عدد كبير من المشاريع الهادفة إلى تهويد المدينة
وطمس طابعها العربي والإسلامي.
تنكيل
"فتية التلال" وفتاوى الحاخامات
إن أوضح
نتاج لصناعة الكراهية في إسرائيل هو تنظيم "فتية التلال"، أخطر الجماعات
الإرهابية اليهودية التي تعمل علناً ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، وهو تنظيم
يضم شباباً وفتياناً من المستوطنين اليهود، الذين ينحصر دورهم في سلب الأراضي
الفلسطينية عبر إقامة نقاط استيطانية عليها عنوة، وتنفيذ اعتداءات عنصرية، على
رأسها: تدنيس وإحراق المساجد، والاعتداء على المدارس، واقتحام البلدات والقرى،
والتنكيل بالمدنيين الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص المزارعين. ولقد تبيّن بشكل واضح
أن أعضاء هذا التنظيم، كما هو الحال مع جميع أعضاء التنظيمات اليهودية، يعملون
بناءً على فتاوى يصدرها حاخامات يهود يعملون في المؤسسات الدينية ويتلقون رواتب من
خزانة الكيان. وقد أصدر هؤلاء الحاخامات عشرات الفتاوى التي تتضمن "مسوغات
فقهية" تسمح بقتل غير اليهود، سواءً كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً. ولعل
أخطر الفتاوى كانت تلك التي أصدرها الحاخام إسحاق شابيرا، مدير إحدى المدارس
الدينية اليهودية في الضفة الغربية، والتي جاءت على شكل كتاب، وتضمنت ما اعتبره
"المسوغات الفقهية" التي تسمح بقتل غير اليهود، سواءً كانوا رجالاً أو
نساءً أو أطفالاً، وفق الشريعة اليهودية. وقد رفدت الفتوى بعشرات "الأدلة
الفقهية" التي تبيح قتل غير اليهودي حتى لو كان رضيعاً. وفي هذا السياق، لا
يمكن أيضاً إغفال الفتوى التي أصدرها الحاخام مردخاي إلياهو، زعيم التيار الديني
الصهيوني، أهم مرجعيات الإفتاء في إسرائيل على الإطلاق؛ والتي لا تبيح فقط المس
بالرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين، بل أيضاً تدعو إلى قتل
"بهائمهم". وتنص الفتوى على وجوب قتل حتى الأطفال الرضع. وقام إلياهو بـ
"التأصيل الفقهي" لفتواه عبر المقارنة بين الفلسطينيين الحاليين
والعمالقة الذين كانوا يقطنون فلسطين عندما دخل يوشع بن نون أريحا عام 1190 ق.م،
حيث يدَّعي إلياهو أن الرب أنزل على يوشع بن نون حكماً يقضي بوجوب قتل العمالقة
رجالاً ونساءً وأطفالاً، حتى البهائم. واعتبر إلياهو أن الفلسطينيين هم
"عمالقة هذا العصر"، وبالتالي يتوجب معاملتهم مثلما تمت معاملة العمالقة
القدماء. وحرص إلياهو على تضمين الفتوى نص الحكم الذي يزعم أنه نزل على يوشع بن
نون، حيث جاء في هذا الحكم المزعوم "اقضوا على عملاق من البداية حتى
النهاية.. اقتلوهم وجردوهم من ممتلكاتهم، لا تأخذكم بهم رأفة، فليكن القتل
متواصلاً، شخص يتبعه شخص، لا تتركوا طفلاً، لا تتركوا زرعاً أو شجراً، اقتلوا
بهائمهم من الجمل حتى الحمار". وقد استند الحاخام منيس فريدمان، مدير
"مركز حنا لدراسة التاريخ اليهودي"، إلى فتوى إلياهو ليطالب الشبيبة
اليهودية بوجوب تدمير الأماكن المقدسة للفلسطينيين، علاوة على قتل رجالهم ونسائهم
وأطفالهم. وعندما يقدم "فتية التلال" على تسميم آبار المياه التي يشرب
منها القرويون الفلسطينيون الذين يقطنون في محيط المستوطنات، وينهبون محاصيلهم
الزراعية، لدفعهم للفرار؛ فإن هذا السلوك جاء نتاج فتاوى الحاخامات.
تحريض
الجيش الصهيوني على ارتكاب المجازر
لم يكتفِ
الحاخامات بالتأثير على الجمهور الصهيوني، خصوصاً الشباب، بل يتعداه إلى التأثير
على قيادة الجيش الصهيوني عبر ممارسة أكبر قدر من التأثير لدفعها نحو ارتكاب مزيد
من المجازر، على اعتبار أن ذلك تعبير عن تعاليم التوراة. وقد وقّع عدد من كبار
الحاخامات اليهود، يشكلون ما يعرف بـ "رابطة حاخامات أرض إسرائيل"
برئاسة الحاخام دوف ليئور؛ على فتوى تبيح للجيش الصهيوني قصف التجمعات السكانية
الفلسطينية دون تمييز، والتي استند إليها عدد من الوزراء المتدينين لإبداء حماسهم
للمسّ بالمدنيين الفلسطينيين أثناء الحرب الإجرامية الأخيرة التي شنتها إسرائيل
على غزة. وجاء في هذه الفتوى أن "الشريعة اليهودية تبيح قصف التجمعات
السكانية المدنية الفلسطينية، والتوراة يجيز إطلاق قذائف على مصدر النيران حتى لو
كان يتواجد فيه سكان مدنيون". ولم يفت الموقّعون على الفتوى التأكيد على أنه
لا يتوجب على الجيش تحذير المدنيين قبل عملية القصف. وحثت بعض الفتاوى الشباب
اليهودي على المبادرة للانتقام من المدنيين الفلسطينيين بعد كل عملية تنفذها حركات
المقاومة؛ فقد أصدر 15 حاخاماً برئاسة الحاخام يعكوف يوسيف، فتوى صريحة تدعو للمسّ
بالمدنيين الفلسطينيين بعد كل عمل مقاوم يستهدف اليهود، حيث أجازت الفتوى أيضاً
تدمير ممتلكات المدنيين الفلسطينيين، على اعتبار أن هذا السلوك يمثل عملاً
"رادعاً يوضح للفلسطينيين الثمن الباهظ الذي تنطوي عليه محاولة المس باليهود".
وبحسب هذه الفتوى، فإنه ليس شرطاً أن يقوم الفلسطينيون بتنفيذ عمل مقاوم ضد اليهود
حتى يتوجب القيام بعمليات انتقامية ضدهم، بل يكفي أن تكون هناك دلائل على وجود نية
لديهم للقيام بهذا العمل. وأصدرت مجموعة أخرى من الحاخامات فتوى ضمّنتها رسالة
وُجّهت إلى الحكومة الإسرائيلية حثّتها فيها على عدم التردد في المسّ بالمدنيين
الفلسطينيين خلال المواجهات التي كانت مندلعة في الأراضي المحتلة، وجاء في الفتوى:
"نحن الموقعون أدناه، ندعو الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي إلى العمل
حسب مبدأ: من يقم لقتلك سارع واقتله". وأضافت الفتوى: "لا وجود في
العالم لحرب يمكن فيها التمييز بشكل مطلق بين المدنيين والجيش، لم يحدث ذلك في
الحربين العالميتين، ولا في حرب الولايات المتحدة في العراق، وحرب روسيا في
الشيشان، ولا في حروب إسرائيل ضد أعدائها، ففي الحرب قومية تحارب قومية، قومية
تنتصر على قومية"، على حد تعبير الموقّعين على الفتوى. وأردف الحاخامات:
"والسؤال المطروح أمامنا هو: هل نحارب العدو من خلال هجوم يقتل خلاله مدنيون
من صفوفه، أو نمتنع عن الحرب بسبب المدنيين فنخاطر بذلك بالمدنيين لدينا؟ الجواب
على السؤال نجده ببساطة لدى الحاخام عكيفا (أحد مرجعيات الافتاء لليهود في العصور
الغابرة)، الذي قال: حياتنا أولى". وفي الترغيب على الانتقام من العرب، قال
أحد الحاخامات: "ألف عربي لا يساوون يهودياً واحداً".
الاحتفاء
بالحاخامات المحرضين
ومما
يدلِّل على طوفان الكراهية الذي يعتمل في الكيان الصهيوني، مظاهر الاحتفاء الكبير
بالحاخامات الذين كان لهم الباع الأطول في التحريض على العرب والمسلمين. وسيذكر
تاريخ "إسرائيل" أن الجنازة الأكبر، والتي شارك فيها أضخم عدد من
المشيّعين، كانت تحديداً للحاخام عفوديا يوسيف، مؤسس حركة "شاس"، والذي
توفي قبل شهرين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة: ما الإرث الذي خلّفه وراءه هذا
الحاخام حتى يحظى بكل هذه الحفاوة؟ فقد حثَّ هذا الحاخام على قتل العرب لمجرد أنهم
عرب، حيث قال: "يتوجب إبادة العرب، ببساطة، لا يجوز أن نرحمهم، يجب أن
يُضربوا بصواريخ، أعني هؤلاء الأشرار الملاعين". وفي موضع آخر، وصف يوسيف
العرب بـ "الصراصير والأفاعي". ليس هذا فحسب، بل إنه كان يداعب جمهوره
خلال "المواعظ الدينية" التي كان يلقيها، بالإساءة للإسلام ونبيه #، حيث
كانت "مواعظه" تنقل على الهواء مباشرة عبر فضائيات وإذاعات عبرية.
تحويل قبور
منفذي المجازر إلى مزارات
تحت تأثير
موجات الكراهية والحقد الأعمى، حوَّل الصهاينة مؤخراً قبور عدد من الذين برزوا
بفعل سجلهم الإجرامي ضد العرب والمسلمين، إلى مزارات يقوم الشباب اليهودي بزيارتها
من أجل "التبرك"، مع العلم أن بعض هؤلاء المجرمين ليسوا متدينين؛ فعلى
سبيل المثال تحوَّل قبر أبراهام شطيرن، زعيم عصابة "الأرغون" التي نفذت
مجزرة دير ياسين في 9-4-1948، إلى مزار، وهذه المجزرة قتل فيها كل من تواجد في هذه
القرية التي دمرت على رؤوس قاطنيها، واعتبر شطرين "بطلاً قومياً"، حيث
يتم تدريس سيرته في المدارس، على اعتبار أن له دوراً حاسماً في إقامة الكيان
الصهيوني. وقد حوَّل الصهاينة أيضاً قبر باروخ جولدشتاين، منفذ مجزرة المسجد
الإبراهيمي بتاريخ 15-2-1994، إلى مزار، والتي قتل فيها 29 فلسطينياً أثناء ركوعهم
في صلاة الفجر في المسجد، حيث أطلق عليهم النار من الخلف. وقد اعتبر الحاخام دوف
ليئور أن غولدشتاين "أقدس" من قُتل من اليهود في العهد الحديث، ورفض
الحاخامات تغسيل جسده بزعم أنه "شهيد". من هنا لم يكن من المستهجن أن
يحث الحاخام ليئور على تفخيخ وتفجير الحافلات التي تقل الفلسطينيين على طرق الضفة
الغربية المؤدية للقدس.
الحث على
التمييز العنصري
لعبت
المرجعيات الدينية اليهودية دوراً في تكريس التمييز العنصري ضد غير اليهود. فقد
أفتى الحاخام شاؤول جولشميت، الحاخام الأكبر لمدينة "كفار سابا"، بعدم
جواز أن يتبرّع اليهودي بدمه لغير اليهودي. ورداً على استفسار أحد الأطباء اليهود
المتدينين، قال جولشميت إنه لا يتوجب بحال من الأحوال الموافقة على حصول
الفلسطينيين الذين يعالَجون في المستشفيات الإسرائيلية على الدم من اليهود، على
اعتبار أنه "لا يجوز المساواة بين الدم اليهودي وغير اليهودي". وأفتى
الحاخام دوف ليئور بعدم جواز تقديم الإسعاف الطبي لغير اليهود، حتى لو كان من
حلفاء اليهود. وقد استند بعض الأطباء والممرضين المتدينين في الجيش الإسرائيلي إلى
هذه الفتوى ورفضوا إسعاف جنود دروز يخدمون في الجيش الإسرائيلي بعد إصابتهم خلال
المواجهات مع المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. وقد أصدر الحاخام شلومو
أفنير، مدير مدرسة "مركاز هراب"، أكبر المدارس الدينية التابعة للتيار
الديني الصهيوني في إسرائيل، فتوى قاطعة تدعو لعدم السماح بتمثيل فلسطينيي 48 في
الكنيست الإسرائيلي، على اعتبار أنهم "ألدّ أعداء إسرائيل". وأصدر 15 من
كبار الحاخامات اليهود فتوى تدعو إلى عدم السماح بتشغيل العرب في إسرائيل، على
اعتبار أن تشغيلهم بات يمثل "خطراً وجودياً" على مستقبل الدولة. وجاء في
الفتوى: "مرة تلو مرة يتبيّن بالدليل القاطع أن المجتمع الإسرائيلي يدفع ثمناً
دموياً كبيراً بسبب سماحه بالعمالة العربية الرخيصة". وأضافت الفتوى
"لقد تحولت هذه المشكلة إلى خطر يتهدد وجود الدولة والشعب اليهودي، حيث إنها
تؤدي إلى سيطرة العرب على فرص العمل، وإبعاد اليهود عن كل مكان". ويذكر أن
الفلسطينيين يقومون بالأعمال التي يرفض اليهود القيام بها أصلاً، مثل: البناء
والزراعة وجميع المهن التي تتطلب مجهوداً بدنياً.
مشجعو
كرة القدم وشعار "الموت للعرب"
إن من
مظاهر استفحال العنصرية والكراهية في المجتمع الصهيوني، ما يحدث خلال مباريات كرة
القدم. فعلى سبيل المثال، الشعار الذي يردده مشجعو فريق كرة القدم "بيتار
يروشليم"، الذي يعتبر أكبر فريق كرة قدم في الكيان الصهيوني، عندما يقوم
فريقهم بتسجيل هدف؛ هو "الموت للعرب"، أو كما يقولون بالعبرية
"مافت لعرفيم". ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر بجمهور هذا الفريق إلى سب
النبي محمد # من خلال ترديد الهتافات المشجّعة للفريق، رغم عدم وجود عربي أو مسلم
في المحيط. وبعد انتهاء أي مباراة يشارك فيها هذا الفريق، فإن مشجعيه لا يتردّدون
بالفتك بأي فلسطيني يجدونه في طريقهم. ولم يقنع سلوك هؤلاء المشجعين دوائر الحكم
في الكيان الصهيوني بالتحرك لوقف هذه الظاهرة، بل على العكس تماماً، فإن الكثيرين
من أركان الدولة يحرصون على حضور مباريات هذا الفريق، بل يشيدون بسلوك المشجعين،
كما فعل وزير الحرب موشيه يعلون.
من الأسف، في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالتحريض
على المسلمين وإلصاق التهم بهم جزافاً، فإن أحداً لا يفتح ملف التحريض العنصري
الأعمى الذي تدأب عليه المرجعيات اليهودية.
::
مجلة البيان العدد 318 صفر 1435هـ،
ديسمبر 2013م.