أحلام نصارى المشرق
«ذبح ونحر،
قتل وحرق، هدم وسفك دماء، معاناة يومية يلاقيها مسيحيو الشرق على أرض أجدادهم،
علاوة على ذلك: تخوين، وعمالة! فَزَّاعات يواجهها مسيحيو الشرق، والطامة الكبرى:
تآمرٌ غربيٌّ ودول المنطقة على الكيان المسيحي المشرقي بهدف خبيث، ألا وهو تجريف
المنطقة من جذورها الأصلية وهم مسيحيو الشرق.. لذلك كانت الحاجة إلى التوحد في
كيان واحد بهدف حماية التواجد المسيحي المُسْتَهْدِف لوجودهم في العراق ومصر
وسورية وفلسطين والأردن.. وكانت خطوات عديدة للوحدة، أهمها: مؤتمر مسيحيي الشرق في
لبنان المنعقد خلال يومي 2 و3 تشرين الثاني، وتم فيه تمثيل عدد من الرموز الوطنية
من مسيحيي الشرق من مصر والعراق وسورية والأردن وفلسطين ولبنان.. تمَّ فيه إلقاء
الضوء على آلامهم، وأدركنا عن قرب معاناتهم من تيارات متأسلمة تدّعي أنها تملك
الحقيقة المطلقة وتستبيح بهذا كل القيم الإنسانية والأخلاقية، بل وفي أحيان كثيرة
القيم الشيطانية، فأعمال تلك التيارات ربما تثير غثيان الشياطين في أغلبها».
هذا ما
كتبه مدحت قلادة، رئيس اتحاد المنظمات القبطية في أوروبا، وعضو الوفد المصري
المشارك في المؤتمر الأول لمسيحيي الشرق الذي انعقد في بيروت[1].
جاء في
الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، والتي ألقاها حبيب أفرايم (رئيس الرابطة السريانية):
«من نحن؟ نحن شعوب وقوميات، وكنائس وإثنيات، وطوائف مسيحية مشرقية من صلب نسيج
التنوع والتعدد في المنطقة، نحن أبناء هذه الأرض الأصيلون، هنا حتى قبل الآخرين...
ماذا نريد؟ لا نطلب لأنفسنا إلا ما نطلبه لكل إنسان ولكل جماعة، لا نخاف من أحد،
لا نتوهم أخطاراً، ولا نشوه صورة أحد، من يخطفنا ويكفّرنا ويذبحنا هو من يحرق وجه
أمته ودينه ومذهبه... (نحن) مواطنون كاملو الأوصاف، 16 مليوناً أو أكثر[2] دون
الانتشار، 13 طائفة، بكل تراثاتنا ولغاتنا وثقافاتنا وذاكرتنا وأدبنا وتاريخنا،
لنا انتماءاتنا، لا انتماء بالقوة، الهوية لا تُعَيَّن من الدولة ولا النظام... لا
نقبل من أحد أن يمحو تراثنا ووجودنا أو أن ينفيه أو يلغيه أو يحتقره».
وقبل أيام
من المؤتمر، وفي إطار التحضير له، قال الأمين العام المطران سمير مظلوم: «يهدف
(المؤتمر) إلى وضع الأسس لجهد مشترك بين المجتمع المدني والمؤسسات الكنسية لدرء
الأخطار المميتة المحدقة بالمسيحية المشرقية خصوصاً، والمجتمعات المشرقية عموماً،
وإلى تعزيز الوجود المسيحي المشرقي الذي يعود إلى ألفي سنة»[3].
قبل مؤتمر
بيروت بعام ونصف، وبالتحديد في أبريل 2012م، عقدت كنيسة مار شربل المارونية
مؤتمراً آخر في ديترويت، بولاية ميتشيجن الأمريكية، ذلك هو مؤتمر «مسيحيي الشرق
الأوسط الأمريكيين»، وكان من ضمن الحضور الوزير اللبناني جبران باسيل، الذي جاء في
كلمته: «على قدر فرحتي بلقائي معكم، يمتزج لدي شعوران من الفخر والأسى: الفخر
بالتضامن الذي تظهرونه بعقدكم لهذا المؤتمر ولتأكيد متانة علاقتكم بالمشرق، والأسى
للاضطرار للقائي معكم بعيدين آلاف الأميال عن أرض الآباء، حيث «الأقدام الأولى
للمسيحية...». إن المسيحيين في الشرق مضطربون وضائعون بين واقع دعم السياسة
الأمريكية للحركات المتطرفة التي تحدد الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، والتساؤل
حول إمكانية تغيير هذه السياسة التي تلحق الضرر ليس بالمسيحيين المشرقيين فقط، بل
بالمواطنين الأمريكيين والمصالح الأمريكية في العالم كله. إن تمدد هذه المظاهر إن
لم يتم وقفها الآن في الشرق الأوسط، فإنها ستصل بسرعة إلى أوروبا وبعدها إلى شواطئ
أمريكا، وعندها سيكون على أمريكا التعاطي معها في قلب مجتمعها. لقد أظهرت
استطلاعات الرأي الأخيرة أن الأمريكيين قلقون بنسبة 56% من الاقتصاد، بينما 26%
قلقون من الإرهاب. إن هذه الأرقام قد تنقلب في الانتخابات المقبلة إذا وصلت موجات
الكُرْه إلى شواطئكم. لقد حذرنا الغرب مراراً من جسامة الوضع وخطورة المشكلة»[4].
مَن يقرأ
هذه الكلمات لا يشك في أن مسيحيي الشرق يواجهون خطر الفناء، فهم بين ذبح ونحر وقتل
وخطف، بل إن كلمة جبران باسيل توحي بأن القوم يعقدون مؤتمراتهم في الشتات لعجزهم
عن عقد أي منها في المشرق!
على أن
جميع أجواء المؤتمر ترسم صورة أخرى تماماً!
فبخلاف
الحاضرين من بطاركة الكنائس الشرقية، حضر المؤتمر رؤساء أحزاب وفعاليات مسيحية من
لبنان والأردن وسورية والعراق وفلسطين ومصر، ومن السويد وبلجيكا وإيران، ودول
أخرى؛ كما حضره عدد من الوزراء ورؤساء مجالس النواب وسفراء سابقين وحاليين من
لبنان والعراق وفلسطين، بل وسفراء دول أجنبية مثل ألمانيا وفرنسا واليونان وروسيا؛
وحضره عدد من «رجال الدين الإسلامي»، بل وكان المؤتمر برعاية رئيس الجمهورية
اللبنانية الذي افتتحه وألقى كلمةً تَعَاطَفَ فيها مع مشكلات مسيحيي المشرق، التي
منها: عدم «الفصل بين سلطة الدولة ومؤسساتها وأحكام الشريعة»، وما يشوب «الحراك
الشعبي من تطرف وعنف»، و«تنامي الحركات الأصولية الرافضة للآخر»، كذلك وجه رئيس
الحكومة اللبنانية رسالة رقيقة داعمة للمؤتمر.
وأما
المكان الذي عُقِد فيه المؤتمر فهو مركز جديد لبطريركية الروم الكاثوليك في منطقة
الربوة، تبرّع بإنشائه سلطان عُمان[5].
وأما التوصيات فهي سماء، سماء لم
تحلم بها أقلية في العالم، هذه بعض منها:
- تشكيل
اتحاد لمسيحيي المشرق، على أن يحظى بصفة مراقب في الأمم المتحدة والمجلس الدولي
لحقوق الإنسان.
- إنشاء مرصد
يتولى رصد الانتهاكات التي يتعرض لها المسيحيون في المشرق.
- استحداث
آليات لدعم الوجود المسيحي المشرقي وزيادة فاعليته وبحث التفاصيل مع رؤساء الكنائس
المشرقية.
- تأسيس
لجنة للمتابعة والاجتماع مرات متعددة سنوية.
- إنشاء
لجنة تأسيسية من الأمانة العامة للمؤتمر، واختير حبيب أفرايم أميناً عاماً لها[6].
ولقد اعتبر
نائب رئيس المجلس النيابي (اللبناني) السابق، إيلي الفرزلي، أن «نجاح لقاء مسيحيي
المشرق فوق المتوقع»، معتبراً أنه «أهم مؤتمر؛ بسبب مستواه، ونوعية الوفود
ومستواها، ودعوة الدول المشرقية»، وصرّح أنهم بصدد «الإعداد لمؤتمر مسيحي مشرقي
يجمع مسيحيي المشرق في الاغتراب»[7].
وكان إيلي
الفرزلي مع حبيب أفرايم مع جبران باسيل ضمن وفدٍ حمل الوثيقة المنبثقة من المؤتمر
إلى رئيس قسم العلاقات الخارجية في كنيسة روسيا المطران إيلاريون، خلال لقاء في
إيطاليا، وبعد اللقاء صرَّح المطران قائلاً: «اكتشفت مرة جديدة هنا مدى صلابة
المسيحيين الذين يرفعون الصوت عالياً للدفاع عن إيمانهم، وهم مستعدون للموت من
أجله إذا تطلب الأمر»، «لن نسمح إطلاقاً بتصفية المسيحيين في هذه المنطقة، كما لا
نوافق من يعتقد أن لا مستقبل للمسيحيين في الشرق، ونحن نعمل من أجل تثبيت
المسيحيين وحمايتهم، ليس في الشرق فحسب، بل في العالم أجمع»[8].
ولم يفت الوفد المصري أن يرفع طلبات
إلى المؤتمر، كان منها:
- تأييد
«ثورة 30 يونيو» ومساندة مصر.
- مطالبة
العالم الحر بعدم التعاون ووقف المساعدات المالية والعسكرية للجماعات الإرهابية.
- مساندة
الشعب المسيحي ضد الهجمات الشرسة لجماعات الإسلام السياسي.
- الدعوة
إلى تقديم المساعدة السياسية والاقتصادية للمصريين حكومة وشعباً (!!) لمحاربة
الإرهاب والتطرف لدى المنتمين إلى الإخوان المسلمين والتيار التكفيري ومحاولتهم
تدمير الاقتصاد المصري.
- إيجاد
آلية لتعضيد القانون نحو القضاء على الأعمال الإجرامية ضد المسيحيين في مصر[9].
وإذن،
فبينما توحي كلمات المؤتمر بأنهم أقلية يتهدّدها الفناء، تدل أجواء المؤتمر على
أنهم أقوى وأهم وأسعد أقليات العالم: فالمشاركون منهم وزراء ومسؤولون ورؤساء أحزاب
وفاعليات وهيئات (أي أنهم يتمتعون بنصيب من السلطة والنفوذ في بلدانهم)، وتُعْقَد
مؤتمراتهم تحت الرعاية الرسمية، وتشارك فيها الوفود الأجنبية، بل وبعض الشخصيات
الإسلامية الرسمية، في مكان تبرّع لهم به حاكم عربي مسلم، وتحوطهم الحماية الدولية
وتتعهّد بأنها لن تسمح بتهديدهم، ثم تأتي توصياتهم لتكون بذرة لـ «تنظيم دولي»
يدعم الشعوب المسيحية سياسياً ومالياً وقانونياً، بل يشكل جزءاً من الرقابة على
تلك الدول من خلال مقعد مراقب في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان!
أليس
مدهشاً أن تكون هذه أحلام أقلية تمثل 16 مليوناً – لو أخذنا بتقديرات حبيب أفرايم
- بين 350 مليوناً في العالم العربي، أي بنسبة 4.5%؟! وإذا أضفنا تعداد تركيا
وإيران لنعرف نسبة نصارى «المشرق» لا العرب فقط، فستنخفض النسبة إلى 3% فقط!!
لم تنتهِ مواطن الدهشة والذهول بعد، بل
سنسوق إليك ثلاثة منها فقط:
1- العدو
الحبيب.. والحبيب العدو!
هؤلاء
الذين امتلأ المؤتمر بحزنهم وحسرتهم على التهديد الوجودي الذي يعاني منه نصارى
المشرق، إذا أخذت تفتش في كلامهم بحثاً عن أرقام وإحصائيات (يقولون إن نسبتهم كانت
ربع السكان بداية القرن العشرين، والآن وصلت إلى 6% فقط)؛ فإنك لن تجد تهجيراً إلا
في بلدين اثنين: فلسطين والعراق! أي أن الذين هجّروهم ليسوا مسلمين أصلاً، بل هي
قوات الاحتلال: اليهودي الإسرائيلي والمسيحي الأمريكي.
لم يجد
رئيس لبنان مثلاً يضربه على تناقص أعداد المسيحيين إلا «الصراع العربي -
الإسرائيلي»، وهو لفظ لطيف ناعم لا يؤذي المشاعر الصهيونية كما ترى، ويوزع مسؤولية
الجريمة على الطرفين، في حين كان الوزير اللبناني جبران باسيل أكثر صراحة وهو
يتكلم إلى النصارى الأمريكان داخل كنيسة، فقال بصريح العبارة: «إن أعدادنا للأسف
تناقصت في الخمسين سنة الماضية من 20% إلى 8% في المشرق، (وإلى أقل من 4% في الشرق
الأوسط). هذه الأرقام هي صاعقة في مهد المسيحية، حيث انخفضت في القدس من 53% في
عام 1922م إلى 2% حالياً، ومن 85% في بيت لحم في 1948م إلى أقل من 12% حالياً»،
وتشير تقارير أخرى إلى انخفاض عدد نصارى العراق من مليونين إلى نصف المليون[10].
لكنهم ما
إن ينتهون من عرض هذه المأساة حتى ينصب هجومهم على الإسلاميين، والجماعات
الإسلامية، والتطرف والأصولية، والإرهاب والتكفير... إلخ! فيخرج المتابع بانطباع
عام بأن التهجير إنما هو من أثر المذابح المنصوبة والمشانق المعقودة والسيوف
المشهورة التي تقطف رقاب النصارى بيد الإسلاميين!
ثم يتوجهون
بنداء الاستغاثة إلى هذا الغرب لينقذهم من هذا المصير، هذا الغرب الذي إما جاء
بنفسه في العراق أو اكتفى بالدعم والتأييد لما يحدث في فلسطين!
وإنه مما
لا يخفى من تاريخ الأمم، أن أقلية تبلغ 4% فقط لا تصمد عقوداً، فضلاً عن قرون
طويلة؛ إذا ما أُرِيد التخلص منها وإفناؤها، ولعل النصارى أولى الناس بمعرفة ذلك،
فقد فعلوه في إسبانيا وشرق أوروبا وروسيا حتى أفنوا المسلمين بالكلية من بلاد
كثيرة، بينما يشهد حتى أعداء المسلمين بأنهم كانوا يملكون إفناء نصارى الشرق لو
أرادوا لكنهم لم يفعلوا[11]، ولا بأس
أن نسوق هنا كلام المستشرق الإنجليزي توماس أرنولد: «لم نسمع عن أي محاولة مدبرة
لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه
استئصال الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية
بتلك السهولة التي أقصى بها (فرديناند وإيزابيلا) دين الإسلام من إسبانيا، أو التي
جعل بها (لويس الرابع عشر) المذهب البروتستانتي مذهباً يعاقب عليه متبعوه في
فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن إنجلترا مدة خمسين وثلاثمائة
سنة، وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالاً تاماً عن سائر العالم
المسيحي، الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحد يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن
الدين، ولهذا؛ فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي
على ما أقدمت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم»، «لقد كان
من السهل على أي حاكم من حكام الإسلام الأقوياء أن يستأصل شأفة رعاياه المسيحيين،
أو ينفيهم من بلادهم، كما فعل الإسبان بالعرب، والإنجليز باليهود مدة أربعة قرون
تقريباً»[12].
2- الدين
لنا.. والقومية لنا ولهم
فكم شكا
المؤتمرون من شيوع التعصب الديني، والحركات الأصولية، وكيف «اهتز الانتماء القومي»
(كما جاء في كلمة الرئيس اللبناني) لحساب أفكار مثل الخلافة، وصار يُنادى بتطبيق
الشريعة، وأسرف القوم في نقد هذا وفي التغزل بالعلمانية التي تحفظ المواطنة
والمساواة والعدالة.
لكنهم في
ذات اللحظة وبعد هذا الكلام بجملتيْن أو بسطريْن نجد حديثاً لهم عن «نسبة مسيحية»
في البرلمانات أو الوزارات أو المجالس والهيئات.
وهم بعد أن
يعددوا مساوئ الدولة الدينية يطالبون بالحق في احترام «خصوصياتهم» الدينية
والتعبدية والشعائرية، وهم إذ يفزعون من وجود هيئة دينية (إسلامية) تمثل ازدواجاً
في السلطة داخل الدولة، وقد تؤدي إلى تأثير غير مأمون العواقب على الشباب الذي قد
يتأثر بها فيتطرف.. هم إذ يفعلون ذلك يعبرون عن الامتنان للمجهودات التي يقوم بها
المطارنة والآباء في الدفاع عن حقوق المسيحيين والسعي في حقوقهم، وقد أوقف المؤتمر
للصلاة من أجل مطرانيْن مختطفيْن في سورية، وتلقى المؤتمرون تطمينات لبنانية
وقطرية بالمساعي المبذولة لتحريرهما.
وهم بعد أن
يتحدثوا عن خطورة وجود انتماء خارج الوطن لدى «المتطرفين والأصوليين»، يعبرون عن
الشكر والامتنان للدعم المادي والروحي الذي تتقدم به كنائس وهيئات في الشرق
والغرب، إذ هو دعم لازم وضروري لتعزيز الوجود المسيحي المشرقي وضمان مشاركته
الفعالة في الحياة.
وبهذا تعرف
أن المطلوب هو أن يلتزم المسلمون بانتمائهم القومي فلا يخرجون عن عبادة حدود سايكس
بيكو، بينما من حقهم هم أن يتمتعوا بالآفاق الرحبة للقومية (بالمشاركة في كل شيء
تحت عنوان المواطنة) وللدين (في التواصل مع الخارج والداخل وإنشاء كيانات عابرة
للحدود وتلقي الأموال والدعم من إخوان الدين).
3- لبنان..
الفردوس المنشود
وهذه هي
الخلاصة النهائية، إذ هذا النموذج المطلوب للتمتع بالقومية والدين في مقابل حصر
المسلمين في القومية وحدها، إنما يساوي النموذج اللبناني.
ولقد كثر
في كلمات المؤتمرين الإشادة بنموذج لبنان والتغزل فيه، والقوم يصرحون بأنه النموذج
المطلوب تعميمه، ويمكن للقارئ أن يعود إلى أرشيف الكلمات والتقارير الإخبارية
المصورة والمكتوبة ليرى أن لبنان صار بالنسبة لنصارى المشرق «الفردوس المنشود»!
وهنا يكمن
خطر غير محدود، فإذا نظرت إلى لبنان من أي منظور استراتيجي تراها دولة ضعيفة
متهافتة متهالكة مضطربة، ليست لها لا قوة عسكرية ولا اقتصادية ولا لها وزن سياسي
في المحيط الإقليمي، بل هي بحق نموذج لدولة الطوائف المسلحة المخترقة أمنياً، حتى
لهي واحدة من أكثر مناطق العالم أماناً لرجال المخابرات، بوسع كل دولة أن تؤثر في
أحوالها ببعض الأموال والمشروعات، ليس فيها نظام سياسي مستقر، بل بوسع طائفة أو
بعض طائفة أن تعطل تشكيل الحكومة، بل كل طائفة تستقوي بالخارج ضد الطائفة الأخرى،
حتى إن البلد كله مجرد واجهة لصراعات الأقوياء ومسرح لتنفيذها بالوكالة، جيشها
مُصَمَّم لتنفيذ عمليات خاصة ولمكافحة الإرهاب ولا طاقة له على صد احتلال رغم أن
الحدود الجنوبية يفترض أنها ما زالت محتلة بيد عدو!
فإذا كان هذا هو الحلم فكيف يكون الكابوس؟!
وإذا كان هذا هو الفردوس
فماذا يكون الجحيم؟!
::
مجلة البيان العدد 318 صفر 1435هـ،
ديسمبر 2013م.
[1] موقع
الأقباط متحدون، بتاريخ 7/11/2013م.
[2] لن نناقش
الآن مزاعم الأعداد هذه، وسنتقبل - في هذا المقال - هذه الأرقام على سبيل الجدال.
[3] تقرير
مصور أذيع على قناة تلي لوميار المسيحية بتاريخ 11/10/2013م.
[4] نص الكلمة
منشور على صفحة الوزير بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، بتاريخ 30/9/2012، وألقيت قبل
هذا التاريخ بيومين.
[5] مقال الأب
رفعت بدر، الكاهن في بطريركية القدس اللاتين، ورئيس تحرير «الاتحاد
الكاثوليكي العالمي للصحافة»، صحيفة الرأي الأردنية بتاريخ 31/10/2013م.
[6] مقال مدحت
قلادة، وتقرير صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 27/10/2013م، وتقرير
صحيفة الصنارة الفلسطينية المسيحية 1/11/2013م.
[7] صحيفة
الأخبار اللبنانية بتاريخ 4/11/2013م.
[8] صحيفة
النهار اللبنانية بتاريخ 12/11/2013م.
[9] نُشرت
الوثيقة المصورة في عديد من المواقع القبطية، وهي صادرة عن «هيئة الأقباط
العامة في مصر».
[10] تقرير صحيفة
الشرق الأوسط بتاريخ
27/10/2013م، تقرير الجزيرة نت 26/10/2013م، كلمة جبران
باسيل السابق ذكرها.
[11] برنارد
لويس: السياسة
والحرب، ص
228 (ضمن «تراث الإسلام» بإشراف شاخت وبوزوروث).
[12] توماس
أرنولد: الدعوة إلى
الإسلام، ص
228،
464.