وما من مسألةٍ أثبتَها الشرع يمكن الاحتجاج لها عقلاً إلا وقد جاء دليلُها العقلي في النقل، عَلِمَ ذلك مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه؛ فبيان الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- للاعتقاد غير مقتصرٍ على بَيان المسائل، بل هو شاملٌ لتقرير الدلائل، وتكميل الله -تع
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن مِن توفيق الله لعبده أن يَجْمع بين العلم النافع، والإيمان القوي الذي يصل بصاحبه لمقام اليقين، وكل واحد منهما مستلزم للآخر؛ قال الله -تعالى-: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7]، وقال: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 162]. وقال تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 108]. وقال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الحج: 54].
«واليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضَل العارفون، وفيه تنافَس المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني، وبهما قوامه، وهما يُمدّان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تَصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقُوّتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما يُثمران كلّ عمل صالح، وعِلْم نافع وهدًى مستقيم»[1].
ومن هنا فإن تقوية اليقين وترسيخه مما تشتدّ الحاجة إليه في كل وقت، وفي أوقات الفتن خصوصًا، ويمكن إجمال أهم وسائل تقوية اليقين في الجوانب التالية:
1- حشد الأدلة التي تُقوِّي وتُرسِّخ اليقين، وعلى رأسها أدلة القرآن العظيم؛ فقد أنكَرَ الله -سبحانه- على مَن طلب الآيات على صِدْق نبيِّه عدمَ اكتفائهم بالقُرآن؛ فقال: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ 50 أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 51 قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 50 - 52]؛ فدلَّ ذلك على أنَّ مَن أراد الإيمانَ واليقين، ولم يردَّه عنه سوى طلب الدليل والبُرهان، لا التعصُّب أو الهوى، أنَّ القرآن كافٍ في ذلك غايةَ الكفاية، وأنَّه لا رجاءَ لأحدٍ بعده في الإيمان؛ قال -تعالى-: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: 6]. وقال -سبحانه-: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون} [الأعراف: 185].
وما من مسألةٍ أثبتَها الشرع يمكن الاحتجاج لها عقلاً إلا وقد جاء دليلُها العقلي في النقل، عَلِمَ ذلك مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه؛ فبيان الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- للاعتقاد غير مقتصرٍ على بَيان المسائل، بل هو شاملٌ لتقرير الدلائل، وتكميل الله -تعالى- لدِينه شاملٌ للمسائل والدلائل، وكذلك تبليغ الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- للرسالة شاملٌ للمسائل والدلائل[2].
وقال ابن القيم -رحمه الله-: «والله -سبحانه- حاجَّ عبادَه على ألسُن رسله وأنبيائه فيما أراد تقريرهم به وإلزامهم إيَّاه بأقرب الطرق إلى العقل، وأسهلها تناولًا، وأقلّها تكلفًا، وأعظمها غَناءً ونفعًا، وأجلّها ثمرةً وفائدةً، فحُجَجه -سبحانه- العَقليَّة التي بيَّنها في كتابه جمعت بين كونها عقليةً سمعيةً، ظاهرةً واضحةً، قليلة المقدمات، سهلة الفهم، قريبة التناول، قاطعة للشكوك والشُّبَه، ملزمة للمعاند والجاحد، ولهذا كانت المعارف التي استُنبطت منها في القلوب أرسخ، ولعموم الخلق أنفع.
وإذا تتبَّع المتتبِّع ما في كتاب الله مما حاجَّ به عبادَه في إقامة التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات الرسالة والنبوة، وإثبات المعاد، وحشر الأجساد، وطرق إثبات علمه بكل خفيّ وظاهر، وعموم قدرته ومشيئته، وتفرُّده بالملك والتدبير، وأنه لا يستحق العبادة سواه؛ وجد الأمر في ذلك على ما ذكرناه من تصرُّف المخاطبة منه -سبحانه- في ذلك على أجلّ وجوه الحِجَاج، وأسبقها إلى القلوب، وأعظمها ملاءمة للعقول، وأبعدَها من الشكوك والشُّبَه، في أوجز لفظ وأبينه وأعذبه وأحسنه وأرشقه وأَدلِّه على المراد».[3]
ولا يمنع هذا من الاستفادة من الأدلة العقلية من المصادر الأخرى؛ فإن الحكمة ضالة المؤمن، ما دامت صحيحة مُحرَّرة، والحقّ لا يحتاج إلى كثرة الأدلة بقَدْر ما يحتاج إلى قوة الأدلة وتماسكها وانضباطها، «فدليلٌ واحدٌ صحيحُ المقدمات سليمٌ عن المعارَضَة خيرٌ من عشرين دليلًا مُقدّماتها ضعيفة»[4]
وكلّما تحققت هذه الصفة فتعدُّد الأدلة وتنوُّعها يزيد النفس طمأنينة، والقلب يقينًا؛ وللإيمان درجات متفاوتة كما هو معلوم.
2- سدّ المنافذ التي تُضْعِف الإيمان، وذلك بالجواب العلمي المقنع عن الشبهات التي تَعصف بأذهان كثير من الشباب في هذا الوقت، وما من شبهة إلا ولها جواب، شأنها في ذلك شأن الأدواء؛ فما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، عَلِمَه مَن عَلِمَه وجَهِلَهُ مَن جَهِلَه.
ومما ينبغي أن يُنتَبه له أن تعزيز اليقين لا يكون بتتبُّع الشُّبهات والانشغال بالبحث عن جوابها دون أهلية علمية وحِجَاجيَّة؛ فإن ذلك من موارد الهلاك، وإنما ذلك للمتخصصين من أهل العلم الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن عقيدة الإسلام وشريعته، ويُكتفى في هذا المجال بمعرفة الرد العلمي الرصين والمُبْطِل للشبهة، بعد تأصيل المسألة محلّ الاشتباه والجدل.
وكذلك ينبغي على الدعاة أن يَحْذَرُوا وأن يُحَذِّرُوا الأُمَّة، وشبابها خاصةً، من أن يفتحوا ثغرةً يَنْفذ منها أعداء الإسلام ليُضْعِفُوا الإيمان في النفوس.
ولْيُعْلَم أنَّ مَن كانت نيتُه إصابةَ الحق، وحرَص على ذلك ليعبُدَ الله وَفْق ما شرع؛ وَفَّقه الله لإصابة الحق، ومن كانت نيته موافقة الحقّ لهواه فيدَع المُحْكَم ويتمسَّك بالمتشابه؛ كما قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]؛ فلن يزيدَه اللهُ إلا ضلالًا. وقال: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} [الشورى: 13]. وقال: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر: 13].
قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي: «فبيَّن الله -تعالى- لهم في عدة آيات أنه ليس على الرسول إلا البلاغ، وأن الهدايةَ بيدِ الله، وأن ما أُوتيَه من الآيات كافٍ لأنْ يُؤمن مَن في قلبه خير، وأن الله لو شاء لهدى الناس جميعًا، لكنَّ حِكْمته إنما اقتضت أنْ يهديَ مَن أنابَ؛ بأن كان يُحِب الهدى، ويُؤثِره على الهوى، فأما مَن كَرِه الحق واستسلم للهوى، فإنما يستحق أن يزيدَه اللهُ -تعالى- ضلالًا»[5].
وقال: «فتلخَّص أن حكمة الحق في الخَلْق اقتضت أن تكون هناك بيناتٌ وشُبهات، وألا تكون البينات قاهرة، ولا الشبهات غالبة، فمَن جرى مع فطرته مِن حُبّ الحق وربَّاها ونمَّاها وآثَر مقتضاها، وتفقد مسالك الهوى إلى نفسه فاحترس منها؛ لم تزَلْ تتجلَّى له البينات، وتتضاءَل عنده الشُّبهات، حتى يتجلَّى له الحق يقينًا فيما يطلب فيه اليقين، ورجحانًا فيما يكفي فيه الرجحان، وبذلك يثبُت له الهدى، ويستحقّ الفوز، والحمد والكمال على ما يليق بالمخلوق، ومَن اتبع الهوى وآثَر الحياة الدنيا، تبرقعت دونه البينات، واستهوَتْه الشبهات، فذهبت به إلى حيث ألقت رَحْلها أمُّ قشعم»[6].
3- من أعظم ما يُقوِّي الإيمان ويُثبِّت يقين العبد: الاجتهاد في العمل بما يعلم؛ فعلاً للأوامر واجتنابًا للنواهي، قال الله -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]، قال الطبري: «يعني -جلَّ ثناؤه- بذلك: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنـزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدُّون عنك صدودًا {فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ}، يعني: ما يُذَكَّرُون به من طاعة الله والانتهاء إلى أمره {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}، في عاجل دنياهم، وآجل معادهم {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}، وأثبت لهم في أمورهم، وأقوم لهم عليها. وذلك أن المنافق يعمل على شكٍّ، فعَمَله يذهب باطلاً، وعناؤه يضمحلّ فيصير هباءً، وهو بشكِّه يعمل على وَنَاءٍ وضعف. ولو عمل على بصيرة، لاكتسب بعمله أجرًا، ولكان له عند الله ذُخرًا، وكان على عمله الذي يعمل أقوى، ولنفسه أشدَّ تثبيتًا؛ لإيمانه بوعد الله على طاعته، وعمله الذي يعمله. ولذلك قال مَن قال: معنى قوله: {وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}؛ تصديقًا»[7].
وقال السعدي: «فإن الله يُثبِّت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان، الذي هو القيام بما وُعِظُوا به، فيُثَبِّتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثبات؛ يُوفَّقُون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فِعْلها، وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد. فيُوفّق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر. فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر. وأيضًا فإن العبد القائم بما أُمِرَ به، لا يزال يتمرَّن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات»[8].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وفساد الدين: إما أن يقع بالاعتقاد الباطل، والتكلم به، أو يقع في العمل بخلاف الاعتقاد الحق، والأول: هو البدع ونحوها. والثاني: فسق الأعمال ونحوها. والأول: من جهة الشبهات. والثاني: من جهة الشهوات؛ ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين؛ صاحب هوًى قد فتَنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه. وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، فهذا يشبه المغضوب عليهم، الذين يعلمون الحق ولا يتبعونه، وهذا يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم... وقد وصف الله أئمة المتقين؛ فقال: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]؛ فبالصبر تُتْرَك الشهوات، وباليقين تُدْفَع الشبهات... قال -سبحانه-: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69]؛ فقوله -سبحانه-: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ} إشارة إلى اتباع الشهوات، وهو داء العصاة، وقوله: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} إشارة إلى اتباع الشبهات، وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات، وكثيرًا ما يَجتمعان فقلَّ مَن تجد في اعتقاده فسادًا إلا وهو يظهر في عمله».[9]
4- الاجتهاد في دعاء الله تعالى أن يرزقه اليقين، وقد كان ذلك من سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد صحَّ أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قلَّما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: «اللهم اقْسِم لنا من خشيتك ما يَحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تُبلّغنا به جنّتك، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدنيا...» [10]. وفي الحديث الآخر كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله اليقين، فيقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ اليقين والعفو والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».[11]
فالأصل أن يسأل المرء ربه العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ويسأله أن يرزقه اليقين الراسخ الذي لا شك فيه، وهذا ما أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أُوتِيَ أحدٌ بعد اليقين خيرًا من العافية».[12]
نسأل الله اليقين والعفو والعافية والمعافاة.
[1] مدارج السالكين: (2/397).
[2] للتوسُّع: يُنظَر كتاب الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد، للدكتور سعود العريفي.
[3] الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة لابن القيم: (2/ 458).
[4] منهاج السنة النبوية لابن تيمية: (8 / 421).
[5] التنكيل: (2/ 186).
[6] التنكيل: (2/ 188).
[7] تفسير الطبري جامع البيان - ط هجر: (٧/٢٠٩).
[8] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن: (ص١٨٥).
[9] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: (١/١١٨).
[10] أخرجه الترمذي (٣٥٠٢)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (١٠٢٣٤)، والطبراني في ((الدعاء)) (١٩١١)، وحسَّنه الألباني.
[11] أخرجه الترمذي (٣٥١٤)، والبخاري في الأدب المفرد (٧٢٦).
[12] أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٥) و(١٧)، والنسائي في الكبرى (١٠٧١٧)، وابن ماجه (٣٨٤٩) وهو حديث صحيح.