عداوة اليهود

فقتلوا من الأنبياء حزقيال وأشعيا وآراميا ويحيى وزكريا -عليهم الصلاة والسلام-، وحاولوا قتل عيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-، وهؤلاء إنَّما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم، وكان مقتضى العقل والمنطق أن يقابلوا الإحسان بالإحسان، لكن هذا دأبهم وهذه عقيدتهم إلى ا


يرى اليهود أن لهم الوجود المطلق، والحق المطلق في الحياة، دون غيرهم من البشر، وهذه النظرة الاستقصائية لا تختص بالمسلمين فقط، وإنَّما هي تبدأ بهم وتنتهي بغيرهم، حتى لا يبقى على وجه الأرض إلا اليهود.

هذه النزعة المتطرفة يرى اليهود فيها أنفسهم أنهم شعب الله المختار، أو أنَّهم شعب مقدَّس يحل فيه الإله، أمَّا باقي الشعوب فمثلهم مثل الحمير، خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار، وكلما نفق منهم حمار ركبوا حمارًا آخر[1].

ويرون أن اليهودي يحل له اغتصاب الطفلة غير اليهودية متى بلغت من العمر ثلاث سنوات، وأن لليهود الحق في اغتصاب النساء غير المؤمنات، أي غير اليهوديات، وأنَّ اليهودي لا يخطئ إذا اغتصب امرأة مسيحية، وأن زواج المسيحيين هو من قبيل وطء الحيوانات لبعضهم البعض، وكل عقد نكاح عند الأجانب فاسد؛ لأن المرأة غير اليهودية تُعتبر بهيمة، والعقد لا يوجد بين البهائم[2].

ومثل هذا جاء في سفر أشعياء: «ويقف الأجانب ويرعون غنمكم، ويكون بنو الغريب حراثيكم وكراميكم. أما أنتم فتُدعَون كهنة الرب تُسمَّون خدام إلهنا، تأكلون ثروة الأمم، وعلى مجدهم تتأمَّرون»[3]. وكما جاء في سفر ميخا: «قومي ودوسي يا بنت صهيون؛ لأني أجعل قرنك حديدًا، وأظلافك أجعلها نحاسًا، فتسحقين شعوبًا كثيرين»[4].

عداوتهم لله -سبحانه وتعالى-:

من ذلك ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، فقال أبو بكر: ويلك يا فنحاص! اتق الله وأسْلِم، فوالله أنك لتعلم أن محمدًا رسول الله؛ تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة.

فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنَّا عنه لأغنياء، ولو كان غنيًّا عنا ما استقرض منا، كما يزعم صاحبكم؛ ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنيًّا عنا ما أعطانا الربا.

فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله.

فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد: انظر ما صنع صاحبك بي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لأبي بكر: «ما حملك على ما صنعتَ؟»، قال: «يا رسول الله! قال قولاً عظيمًا؛ يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء، فلما قال ذلك غضبتُ لله مما قال فضربت وجهه. فجحد فنحاص، فقال: ما قلت ذلك؛ فأنزل الله فيما قال فنحاص تصديقًا لأبي بكر: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْـحَرِيقِ} [آل عمران: ١٨١].

عداوتهم للملائكة:

وذلك أنَّهم اختبروا النبي صلى الله عليه وسلم  في أمور خمسة؛ فكان منها قولهم: «إنما بقيتْ واحدةٌ، وهي التِي نُبايعك إن أخبرتَنا بها، فإنه ليس من نبيّ إلا له مَلَكٌ يأتيه بالخبر، فأخْبِرْنا مَنْ صاحبُك؟ قال: «جبريل عليه السلام»، قالوا: «جبريل! ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب، عدوُّنا!!، لو قلتَ ميكائيل، الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر، لكان»؛ فأنزل الله -عز وجل-: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّـمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٧٩].

فهذه عداوتهم لجبريل؛ لأنَّه ينزل بوحي من الله -تعالى- لا يوافق هواهم، مع أنَّهم يُثبتون أنَّه مَلَك مُرسَل من الله أتى بالهداية والرحمة، ومع ذلك يُضْمِرون له العداوة والبغضاء، ويتطاولون عليه، وهذا من أحطّ دركات الانحطاط في العقل والعقيدة[5]. ومردّ ذلك عندهم أنَّه حمل الرسالة إلى أرض غير أرضهم وجنس غير جنسهم، وهم يرون أنَّ الله هو إلههم وحدهم، ورحمته مقصورة عليهم وحدهم دون سواهم.

عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم :

عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم  جزء من عداوتهم للأنبياء، وقتل الأنبياء عندهم إرث موروث من أجدادهم؛ قال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70]، وقال تعالى: {وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران: ١٨١]؛ فقتلوا من الأنبياء حزقيال وأشعيا وآراميا ويحيى وزكريا -عليهم الصلاة والسلام-، وحاولوا قتل عيسى ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-، وهؤلاء إنَّما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم، وكان مقتضى العقل والمنطق أن يقابلوا الإحسان بالإحسان، لكن هذا دأبهم وهذه عقيدتهم إلى اليوم، ولو سُئلوا لأيِّ وجهٍ تقتتلون أولياء الله وتعتدون على أرض الله وعباد الله وإماء الله؟ ما ذكروا لذلك وجهًا؛ {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: ٤].

وسبب عداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : خروج النبوة منهم. وهذه النظرة الاستعلائية العنصرية لا تُنتج إلا كراهة وعداوة وتعصُّبًا. وهذا قولهم عندما رأى يهودي شامة النبوة على رسول الله صلى الله عليه وسلم  عند مولده وقع مغشيًا عليه، وقال: «ذهبت -والله- النبوة من بني إسرائيل»[6]، وعملوا منذ هذه اللحظة على القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم  ومحو دعوته؛ فدبَّروا وأحكموا الوقيعة والخديعة بين النبي صلى الله عليه وسلم  والمشركين.

ولمَّا لم يُفلحوا أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ مرةً بإلقاء الحجر، ومرة بدسّ السم، وكان ذلك لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم  «إلى بني النضير ليستعين بهم على دفع دية رجلين مُعاهَدين قتلهما خطأً عمرو بن أمية الضمري في أعقاب حادثة بئر معونة، فجلس النبي إلى جدار لبني النضير، فهمُّوا بإلقاء حجر عليه وقَتْله؛ فأخبره الوحي بذلك، فانصرف عنهم مسرعًا إلى المدينة، ثم أمر بحصارهم، فنزلوا على الصلح بعد حصار ست ليال، على أن لهم ما حملت الإبل[7].

وبينما لم يفلح رجال يهود في الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم  سارع إلى ذلك نساؤهم، وكأنَّهم استهموا عليه، أيهم أشد بهتًا وأسرع مكرًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأيهم يقضي عليه ويُخلّص اليهود منه من غير أن يُحوجهم ذلك إلى كثرة سلاح وعتاد؛ فقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ «يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم  بشاة مسمومة ليأكل منها، فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألها عن ذلك؟ فقالت: «أردتُ قتلك»؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «ما كان الله ليُسلِّطك على ذلك». قالوا: «أفلا نقتلها؟ قال: «لا»[8]. وظلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  يعاني أثر هذا السُّمّ فترةً من الزمن، حتى قال في مرض موته: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السُّمّ»[9].

كل ذلك وهم يعلمون أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  نبي مُرسَل من ربه، لكنَّه البُهت والحسد الذي ملأ قلوبهم يؤكد ذلك ما روته صفية بنت حيي -رضي الله عنها- حينما سمعت عمَّها أبا ياسر وهو يقول لأبيها حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتُثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: «عداوته والله ما بقيت»[10].

عداوتهم للمسلمين:

وهم أشد خلق الله عداوةً لأتباع رُسل الله؛ لقوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: 82]، وإذا كان هؤلاء تجرأوا على الله، وتطاولوا على ملائكته، وقتلوا رسله؛ فما تراهم يفعلون بعباد الله إذا قدروا عليهم؟! وهم قد ورثوا أخلاق أسلافهم وعداوتهم للرسل وأتباعهم، ولهذا رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم : «ما خلا يهودي قط بمسلم إلا همَّ بقتله»[11].

وهذا يُفسِّر قسوتهم في قتل أهلنا في فلسطين، واستحلالهم دم أطفالهم ونسائهم، وتفجيرهم البيوت والمشافي على من فيها، فلا شك أنَّ يهود اليوم هم يهود الأمس ما داموا مدّعين أنَّهم شعب الله المختار، وأنهم لن يدخلوا النار مهما فعلوا إِلا أَيامًا معدودات. ولهذا استباحوا الحُرمات، وهتكوا الأعراض، وفعلوا المنكرات، وسرقوا الأموال، وانتهكوا الحدود، ولا يزال هذا دأبهم إلى أن يتحقق فينا قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْـخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].


 


[1] الكنز المرصود في قواعد التلمود، للدكتور يوسف نصر الله، ترجمة لكتاب (اليهودي على حسب التلمود) للدكتور الفرنسي (روهلنج)، ص47.

[2] الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص58.

[3] سفر أشعياء (61/5-6).

[4] سفر ميخا (4/13).

[5] انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور، 1/621، سنة النشر: 1984هـ، الدار التونسية للنشر تونس.

[6] دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة للبيهقي، 1/109، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ.

[7] السِّيرة النَّبَويَّة الصَّحيْحَة: مُحَاوَلَة لِتَطبِيْق قَوَاعِد المُحَدِّثين فِي نَقْد روَايَات السِّيْرَة النَّبَويَّة، د. أكرم ضياء العمري، 1/307، الطبعة: السادسة، 1415هـ -1994م، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.

[8] أخلاق النبي وآدابه لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق: صالح بن محمد الونيان، 1/256، الطبعة: الأولى، 1998م، دار المسلم للنشر والتوزيع.

[9] صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، 6/9، الطبعة: الأولى، 1422هـ، دار طوق النجاة.

[10] الصَّحيِح من أحاديث السّيرة النبوية، لأبي عمر، محمد بن حمد الصوياني، ص170، الطبعة: الأولى، 1432هـ- 2011م،  مدار الوطن للنشر.

[11] تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي بن محمد سلامة، 3/166، الطبعة: الثانية 1420هـ-1999م، دار طيبة للنشر والتوزيع.

أعلى