• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصهيونية في مواجهة الثورة الأكاديمية

وتعقيبًا على الأحداث؛ وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ما يجري بأنه «حالة فوضى»، بينما قال الرئيس جو بايدن: «إنها معاداة للسامية». وقد ألغت بعض الجامعات الفصول الدراسية لحين انتهاء الأحداث.


قد يرى البعض أنّ ما يجري في أكثر من 35 مؤسسة تعليمية أمريكية ظاهرة إنسانية نابعة من التأثير الكبير للجرائم الصهيونية خلال الهجوم المتواصل على قطاع غزة؛ لكن في الذاكرة السياسية الأمريكية يمكن تفسير ما يَجري بأنه ثورة ثقافية سيكون لها امتدادات سياسية كبيرة.

وهنا يجب العودة بالذاكرة إلى الوراء؛ حيث نصَب المئات من طلاب جامعة كولومبيا خيامهم في حرم الجامعة عام 1985م؛ تضامنًا مع الحالة الثورية في جنوب إفريقيا، وكان التركيز في تلك الفترة على سحب الاستثمارات الأمريكية من هناك.

أما في عام 1968م؛ فقد اندلعت الاحتجاجات -التي وُصِفَت بالتمرُّد الثقافي- ضد الحرب على فيتنام، والتي انتهت بانتكاسة كبيرة لآلة الحرب الأمريكية.

وعلى الرغم مما يُطلَق على المتظاهرين داخل المؤسسات التعليمية من صفات تجعلهم فئة ضالة داخل مجتمعهم؛ إلا أن صحيفة LOpinion وصفت ما يجري بأنه حالة ثورية تقدُّمية تستهدف بدرجة كبيرة الرأسمالية الأمريكية التي تقف خلف الصهيونية؛ فما يُحرّك مئات الآلاف من الطلبة للتضامن مع غزة ليس فقط مشاعرهم الإنسانية، وتفاعلهم مع الأحداث هناك؛ بل انكشاف واضح لغطرسة النظام السياسي الأمريكي، وانحيازه للجلاد الصهيوني في هذه الجريمة.

لقد نجحت الاحتجاجات في اجتذاب معظم التيارات الدينية والسياسية في المجتمع الطلابي الأمريكي، وضمَّت الاعتصامات مجموعات مثل «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، و«الصوت اليهودي من أجل السلام»، وغيرهم. ونظرًا لتماسك هذه التجمعات وقدرتها العالية على التنسيق وتنظيم تلك الاحتجاجات وتبنّيها شعارات واضحة وموحَّدة تستهدف بدرجة كبيرة النظام السياسي الأمريكي؛ فإن حملات الترهيب التي استهدفتها لم تستطع التأثير في مسارها؛ فقد أوقفت جامعة كولومبيا العشرات من طلابها، واستدعت عناصر الشرطة لطَرْد المعتصمين في الحرم الجامعي، وفي جامعة ييل تم اعتقال أكثر من 60 متظاهرًا، بينما في جامعة نيويورك اعتقلت الشركة 120 طالبًا كانوا يتضامنون مع سكان غزة.

لقد تحوَّلت الاعتصامات إلى أهم أداة سياسية للضغط على اللوبي الصهيوني في الإدارة الأمريكية، ولم يقتصر الأمر فقط على الاعتصامات، بل أيضًا أثَّرت على الحياة الدراسية؛ فقد ألغت جامعة كاليفورنيا بوليتكنيك المحاضرات بعد احتجاجات الطلبة، ومطالبتهم الجامعة بقطع علاقاتها بالدولة العبرية. 

وتعقيبًا على الأحداث؛ وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ما يجري بأنه «حالة فوضى»، بينما قال الرئيس جو بايدن: «إنها معاداة للسامية». وقد ألغت بعض الجامعات الفصول الدراسية لحين انتهاء الأحداث.

وفي مقالٍ نشرته جريدة «وول ستريت جورنال»، قالت: «إن المظاهرات عطَّلت عددًا لا يُحصَى من المناسبات الدينية والوطنية والسياسية والرياضية -في الولايات المتحدة-، التي يَعرف مُنظِّموها كيفية تعظيم ظهورها وتأثيرها على التصوُّرات العامَّة».

ولقمع المظاهرات؛ طالَب السيناتوران جوش هاولي وتوم كوتون الرئيس بايدن بنشر الحرس الوطني في الجامعات؛ لتفريق المتظاهرين، وقمع ما اعتبراه أنشطةً تخريبيةً.

تأتي تلك التصريحات بالتزامن مع تصريحات أطلقها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وصف فيها المتظاهرين بـــ«الغوغاء أعداء السامية»، مشيرًا إلى أنها تَستهدف الطلبة والكليات اليهودية.

فيما هدَّد رئيس مجلس النواب مايك جونسون خلال زيارة إلى جامعة كولومبيا، بأنه قد يطلب من الرئيس جو بايدن نشر الحرس الوطني في الجامعات التي تعاني فيروس «معاداة السامية».

وقد تُرجمت التصريحات المختلفة الرافضة لتلك الاعتصامات إلى تهديدات استهدفت قادة الجامعات الأمريكية؛ فقد استقالت رئيسة جامعة بنسلفانيا ليزي ماجيل التي كانت من أوائل المدافعين عن المتظاهرين. وقد تعرَّضت للضغط والمساءلة في الكونجرس، وأُجبرت على الاستقالة. 

وقد تعرَّضت ماجيل للضغط من مارك روان أحد أبرز المموّلين للجامعة، وأحد قادة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة «آيباك» ورئيس مجلس إدارة النداء اليهودي المتَّحد. وطالَب بقطع الدعم عن الجامعة حتى إقالة ماجيل بعد رفضها إلغاء مهرجان عن الأدب الفلسطيني.

ويَعتبر البعض ما يجري حالةً استثنائيةً تجاوزت التضامن المؤقّت مع قضية إنسانية إلى ثورة ثقافية تَستهدف الحدّ من التأثير الصهيوني على الولايات المتحدة، وتغلغل الفساد داخل المنظومة الحاكمة في البيت الأبيض لعدة أسباب؛ أهمها: إن مراكز انطلاق هذه المظاهرات تُعدّ الحاضنة الأكبر لمجتمع النُّخبة الأمريكي، وأهمّ مراكز العِلْم والثقافة في الولايات المتحدة؛ لذلك لا يمكن تجاوُز صانع القرار الأمريكي لمثل هذه الظاهرة، والرهان على الالتزام بالصمت، دون محاولة التفاعل مع المحتجّين الذين يُمثّلون الهوية السياسية المستقبلية للكتلة الغربية، لا سيما مع توسُّع دائرة انتشار هذه المظاهرات وطَرْقها لأبواب الجامعات الأوروبية.

 

  

أعلى