اليمن.. حكمـــة غـــائبة وأزمات متعددة
لقد توالت الفتن على اليمن بشكل كبير وسريع، وأظهرت
الأيام والأحداث أخطاراً محدقة تمر بها البلاد في طولها وعرضها وشرقها وغربها؛ فلا
يزال البلد تتلاطم به الأمواج وتتقاذفه الفتن، ولا يكاد يخرج من صدمة حتى يرتطم
بصدمة أخرى، فغدت البلاد ساحة للصراعات وتصفية الحسابات، وقام الأجنبي بفرض أجندته
ووصايته عليها بشكل سافر، واتكأت الحكومة الجديدة في إدارة البلاد على الخارج
وأصبح قرارها يطبخ في المطابخ السياسية الخارجية، وابتليت البلاد بنخب سياسية
فاسدة رهنت نفسها للسفارات والملحقيات الخارجية وأخذت تخدمهم وتخدم مصالحهم على
حساب مصالح البلاد والعباد، وفُتحت الأجواء للطائرات الأمريكية لتقصف البشر والشجر
والحجر وتشرد الآلاف من الأسر وتدمر المساجد والبيوت والمزارع في ظل تواطؤ وصمت
حكومي مخيف، ودُوّلت القضية اليمنية ما جعلها اليوم تحت الوصاية الدولية وتحت
الوصاية الأمريكية على وجه الخصوص، وتكالبت عليها القوى العالمية والإقليمية كل
منها يسعى لتحقيق مصالحه وأهدافه، فاشتدت الكربة وأطلت الفتنة وتحكمت الأهواء.
إن البلاد تشهد زلازل اقتصادية وسياسية
وأمنية واجتماعية، فالأصابع على الزناد، والعواصف تهب من كل حدب وصوب على البلاد،
كل هذا مع ما حصل من تردٍّ للأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع أسعار السلع
الضرورية وتردي الخدمات الصحية وانفلات الأوضاع الأمنية وضعف العملية التعليمية
وتقلص سيطرة الدولة على عدد من المناطق، إضافة إلى ارتفاع مستوى الفقر والبطالة
رغم وفرة الموارد ووجود الثروات في البلاد، وأخطر من هذا وأشد تلك التحركات
العسكرية الأجنبية التي تستهدف البلاد وتنتهك أراضيها وتعتدي على مواطنيها، خاصة
بعد قدوم جنود المارينز إليها.
لقد تسارعت الأحداث لتقفز باليمن من
الحسابات الإقليمية إلى الحسابات الدولية، إلا أن هذا التدويل لم يأتِ من فراغ
بقدر ما هو تراكم للقضايا وتهوين للأزمات حتى استفحلت وكبرت فصارت القضية دولية
والمسألة خارجية، ولو أن الدولة عالجت الأمور بطريقة صحيحة منذ بدايتها لما وصلت
الأمور لما وصلت إليه، لكن تجاهلها للأزمات وبُعدها عن شريعة رب العباد وعنادها
وإصرارها على أن الوضع مستتب وأن الأزمة مجرد زوبعة في فنجان وهرطقات عند أصحابها؛
أزّم الأمور.
إن انتشار الفساد المالي والإداري والقضائي
وتدهور الحالة المعيشية للناس وانتشار الجوع والفقر وارتفاع معدلات البطالة
والتلاعب بالوظائف وتباطؤ الدولة في الإصلاح والتغيير؛ كل هذه الأسباب وغيرها
أفقدت الناس الأمل وعمقت عندهم فكرة الإيمان بالثورة وتغيير النظام، لا سيما
الشباب الذين يرون أمامهم طرقاً مسدودة وأبواباً مغلقة ويشاهد الواحد منهم والده
المسكين وهو يكدح ليل نهار كي يحصل على القوت الضروري وحاجات البيت الأساسية فلا
يحصل عليها، ويرى أخاه يلهث ويتابع كل يوم ليجد وظيفة فلا يجدها ثم يسمع في وسائل
الإعلام الرسمية عن آلاف الملايين والمليارات التي تهدر وتصرف في غير محلها.
إن هذه الأوضاع السيئة ناتجة بلا شك عن تلك
السياسات الخاطئة في إدارة شؤون البلاد والاستبداد في اتخاذ القرارات وتعطيل
مؤسسات الدولة عن القيام بمهامها وواجباتها ومسؤولياتها.
لقد تفاءل الكثيرون بتشكيل حكومة الوفاق
وانسحاب المظاهر المسلحة من بعض المناطق وعودة بعض الحياة إلى طبيعتها واستقرار
الأوضاع نسبياً، إلا أن الأوضاع رغم تحسنها نوعاً ما إلا أنها ما زالت هشة
باعترافهم، وما زال سفراء الغرب هم المهيمنون والآمرون والناهون في شؤون البلد،
وما زال الفرس الروافض المجوس يلعبون ببعض الملفات الساخنة في الأزمة اليمنية، ولا
يزال أمام الحكومة الجديدة عدد من الامتحانات المعقدة والاختبارات الصعبة التي
تحتاج لأن تتجاوزها بدهاء بالغ وإدارة صحيحة.
رأس البلايا وأم المصائب:
لا بد أن يدرك الجميع أنه ما دام شرع الله
معطلاً وشريعته غائبة، فإن الأوضاع لن تتغير التغير المنشود ولن تستقيم الاستقامة
المطلوبة حتى لو تحققت لنا بعض المطالب الدنيوية؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - هو
الذي خلق الخلق وهو أعلم بأسرار خلقه والأعلم بما يصلحهم، وقد أخبرنا أن الحياة لن
تستقيم إلا بشرعه ولن تصلح إلا بحكمه، يقول الله جل جلاله وعز كماله: {إنِ الْـحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ
أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]، ويقول: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الْـخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، ويقول: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْـحَاكِمِينَ} [التين: ٨].
لماذا صار الشرع وراء ظهورنا؟ ولماذا صار كل
فريق منا يطالب بأن يحكمنا نظام من الأنظمة البشرية؟ فهذا يطالب بالدولة المدنية،
وآخر يريدها دولة اتحادية، وثالث يريدها اشتراكية، ورابع فيدرالية، وآخر
ديمقراطية، ولم نسمع من يطالب بالدولة الإسلامية وتحكيم الشرع في حياتنا الفردية
والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحزبية، بل صرنا نسمع من يقول إننا لا نريد
الشريعة، وإذا وصلنا إلى كراسي الحكم فلن نحكّم الشرع.
إنهم يريدون استبدال العبير بالبعر، والثريا
بالثرى، والرحيق بالحريق، ويظنون أنهم بهذا قد أوصلوا البلد إلى قارب النجاة، وما
علموا أنهم بتنحيتهم للشريعة وتنكرهم لها ولهثهم وراء الشرق والغرب سيهلكون
ويهلكون ويغرقون ويُغرقون، ولا عودة لليمن إلى سيادتها وريادتها إلا بالعودة إلى
أصل العز ومنبع الشرف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامة العدل
ورد الحقوق ومنع الظلم والاعتداء والتعسف وإيقاف المجازر وإطلاق سراح المسجونين
والمختطفين ظلماً وعدواناً والبحث عن المفقودين وردهم إلى أهلهم وتصحيح أوضاعهم
وإصلاح أحوالهم وإعادة النظر في جميع المظالم وإزالة كل صور التمييز الحزبي
والمناطقي وإزالة الفساد المالي والإداري والقضائي والتعليمي وتبني مشاريع جادة
لتطهير أجهزة الدولة من الفساد وإصلاح القضاء وفق أحكام الشريعة الإسلامية وتحقيق
استقلاليته وجعله ملاذاً حقيقياً للمظلومين؛ لأن سنة الله سبحانه وتعالى جرت بأنه
لا استقرار يدوم مع الظلم، وأن الظلم سبب لهلاك الأمم وسقوط الدول كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن
قَبْلِكُمْ لَـمَّا ظَلَمُوا} [يونس: 13]، ويقول: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45]، ويقول: {هَلْ يُهْلَكُ إلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِـمُونَ} [الأنعام: 47]، ويقول النبي صلى الله عليه
وسلم: (إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ
فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ . وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ
الحَدّ . وأيْمُ الله، لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ
يَدَهَا).
وليعلم الشعب اليمني بكل أطيافه وفصائله أن
المخرج الوحيد من هذه الفتن والأحداث هو بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم، فمن كان يطالب بالحرية ففي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم، ومن يطالب بالعدل فالعدل في شريعة الله عز وجل، ومن يطالب برفع الظلم فشرع
الله ينهى عن الظلم، ومن يطالب برد الحقوق فحكم الله قد أعطى كل ذي حق حقه، ومن
يطالب بالرقابة على الحاكم فهذا ما ينادي ويطالب به الشرع الحنيف.. فلماذا نطلبه
في غيره من المناهج والتصورات؟
على الجميع أن يفهم أن الإسلام هو الحل
لجميع مشاكلنا، فهو الذي أنصف المظلوم من الظالم، ووضح العلاقة بين المحكوم
والحاكم، وألف بين المؤمنين ووحدهم وقضى على الطائفية والحزبية والعصبية بكل
أشكالها وألوانها، فإن ابتغينا الخير في غيره فإننا سنعيش في سراب وسنضل الطريق
وسنصل إلى الهاوية السحيقة لا قدر الله، قال تعالى: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ
جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ
بَيْنَهُمْ}
[الأنفال: 63].
خطر الروم:
لماذا كل هذا الضجيج حول ما يسمى الإرهاب في
اليمن؟ ولمصلحة من هذا الحشد والتهويل؟! ولماذا كل هذا التركيز على اليمن وبهذه
الطريقة التآمرية؟ ومن المستفيد من هذا التحالف مع العدو الصليبي الأمريكي الذي لا
يفرق بين مقاتل ومدني ويطلق الصواريخ والقنابل على الجميع حتى على النساء والأطفال
والبيوت؟
ماذا فعلت أمريكا في الدول التي زعمت أنها
ستخلصها من الطغاة أو الإرهاب؟! لم تستطع إنقاذها من كونها دولاً فاشلة، بل فاقمت
من فشلها وجعلتها دولاً غير مستقرة، بل جعلتها الأكثر فساداً والأقل استقراراً في
العالم، واليوم تريد أن تلحق اليمن بهذه الدول لتقضي على ما تبقى فيها من معالم
الإسلام والحضارة؛ لأن الغرب الصليبي هدفه الأول والأخير إشعال الفتنة في كل أرض
يستيقظ فيها الإسلام أو يرغب أهلها في الحكم بشرع الله وبما أنزل الله والتمرد على
قوانين البشر {وَلَيَزِيدَنَّ
كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا
وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْـحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْـمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].
والحكومة الجديدة تريد أن تفي بوعودها للغرب
وتريهم قدرتها كما وعدتهم من قبل بأنها ستكون شريكاً مخلصاً لهم في محاربة الإرهاب
أكثر من النظام السابق الذي يتهمونه بأنه كان يتلاعب بهذه الورقة لصالحه، أما هم
فإنهم سيكونون أصدق في الطاعة والتعاون معهم والولاء لهم وسيخدمونهم بلا مقابل لا
يريدون بذلك جزاء ولا شكوراً إلا التمكين السياسي لهم ولأحزابهم وإعطاءهم حظهم
ونصيبهم من السلطة والرئاسة، وقد أعطاهم الغرب ذلك وأدوا لهم الذي لهم وبقي الذي
عليهم وما قطعوه على أنفسهم من وعد بالتعاون معهم تعاوناً وثيقاً في مجال مكافحة
الإرهاب.
إن اليمنيين يجب أن تكون لهم رؤيتهم
المستقلة في هذا الأمر، وأن لا يكونوا مجرد أداة تستخدمها الولايات المتحدة
الأمريكية والدول الغربية، وأن يرفضوا أن يكونوا هم وقود حرب لن يجنوا منها إلا
الخراب والدمار، وأن لا يرضوا أن ينوبوا عن الغرب بشن حرب جديدة لا تحتملها اليمن
بأي شكل من الأشكال؛ فالغرب لا تهمهم سلامة اليمن ولا سلامة أهله، وإنما تهمهم
مصالحهم، فإذا تحققت لهم تركوا اليمن ليواجه المصير وحده، ويومها لن ينفع
الأمريكان اليمن إذا فتنوا أهله بعضهم ببعض وضربوا الفصائل السياسية ببعضها كما
فعلوا مع العراق الذي لا تجديه الحسرات ولا تنفعه الآهات والأنات.
إن الحقيقة التي يجب أن نفهمها هي أن الروم
بقيادة أمريكا وبريطانيا يريدون إذلالنا وتفتيت أوصالنا بحجة محاربة الإرهاب أو
محاربة القرصنة، وكل هذا ما هو إلا حجج ومداخل يدغدغون بها عواطف شعوبهم ليمزقونا
ويستبيحوا بيضتنا مثلما افتعلوا موضوع السلاح النووي في العراق فأبادوا العراق
ودمروه وقتلوا أهله ولم يجدوا السلاح النووي وهم يعلمون قبل غزو العراق أن العراق
لا يملك سلاحاً نووياً، لكنهم يريدونه باباً يدخلون منه وحجة يتذرعون بها، وهكذا
يريدون اليوم أن يفتعلوا حجة لتدمير اليمن وتقطيعه فاختلقوا حجة مكافحة الإرهاب
وهولوا الحديث حوله {وَيَمْكُرُونَ
وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْـمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
وأخرى دون طيار:
إن من أعظم النوازل هذه الأيام وأكثرها
خطورة وتهديداً لليمن وأهله تلك الغارات الصليبية والضربات الأمريكية والصواريخ
الحارقة التي تطلقها طائرات أمريكية من دون طيار تصبح وتمسي محلقة فوق الأراضي
والديار اليمنية بعد أن سمحت لهم الدولة والتزم الجميع - إلا من رحم الله - الصمت
الرهيب والسكوت المطبق إزاء هذه الجرائم، وكان الناس يظنون أن الأمر سيقتصر على من
يسمونهم الإرهابيين، فإذا بالأمر يتوسع كما هو متوقع أصلاً من أعداء الله الذين لا
يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، فإذا بهم يضربون بكل سهولة ولأدنى شبهة ودون إذن من
أحد وبلا أدلة قاطعة وبأسلوب همجي وبطريقة وحشية في استباحة بينة واحتلال واضح
وانتهاك صريح وإراقة لماء وجه أهل اليمن وإظهارهم في العالم كله أنهم عاجزون
محتلون مفرطون في بلدهم وأرضهم.
لقد كان القصف بالأمس على السيارات وإذا به
اليوم يقع على البيوت وغداً سيكون على المحافل والتجمعات والأعراس والجنائز عتواً
وإجراماً واستهانة، وسينال القصف من هب ودب ومن كان موافقاً للقاعدة ومن كان
معارضاً لها ولأفكارها {وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ
أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْـمَاكِرِينَ}
[الأنفال: 30].
وللفرس أعظم الخطر:
من أعظم الأخطار التي برزت على الساحة
اليمنية بشكل مخيف خطر الحوثيين واتضاح نواياهم الخبيثة وأطماعهم التوسعية وانفتاح
شهيتهم للسيطرة على أكبر قدر من المديريات والمحافظات، مستغلين الأوضاع المتأزمة
وانشغال الدولة بغيرهم وتركهم يسرحون ويمرحون، ومعتمدين على الانتصارات الموهومة
التي حققوها على الجيش اليمني المنهوك.
فبعد الحرب السادسة بان حقدهم الكبير وبدؤوا
بالتوسع والتمدد ونشر النقاط العسكرية وأذلوا أهل السنة واستعبدوهم وأشرعوا السجون
والمعتقلات لإسامتهم فيها سوء العذاب وأخرجوهم من أراضيهم، بل أحرقوا مساجدهم
وأخرجوهم منها بالقوة ونهبوا أموالهم وسفكوا دماءهم وهدموا بيوتهم وحاصروا قراهم
ومدنهم، فأعجبوا بأنفسهم واغتروا بقوتهم بعد أن رأوا هزالة هذه الجيوش وضعفها
وخورها، فأخذوا يعدون عدتهم لحرب أهل السنة تحركهم في ذلك أطماع عقدية وآمال
مجوسية لتحقيق حلم قيام الدولة الفارسية.
لكن الحقيقة المرة هي أن هؤلاء الحوثيين
الروافض استطاعوا بمكرهم الكبّار أن يُدخلوا أنفسهم ضمن اللعبة السياسية ويكونوا
جزءاً من مكونات الثورة، فانخدع بهم من يجهل حقيقتهم ولا يعرف عقيدتهم، فشوهوا على
أهل الثورة ثورتهم واستخدموا السياسة مطية لإقامة دولتهم وفرض سلطتهم بعد أن أصبحت
لهم سلطة وقوة وصولة وجولة.
إن اللوم عظيم على من قبل بهم وأدخلهم معهم
وسكت عن جرائمهم ورضي بهم طرفاً في اللعبة السياسية المزعومة.. كيف يرضون أن
يكونوا شركاء لهؤلاء القتلة الذين أشركوا مع الله علياً والحسن والحسين؟ كيف
يشتركون معهم ويجعلونهم مكوناً ضمن مكوناتهم أو حزباً ضمن أحزابهم وهم يعلمون
عقائدهم الباطنية وأخذهم بمذهب التقية؟
كيف يكونون إخواناً لنا كما يحلو لهؤلاء
السياسيين أن يسموهم وقد رأينا منهم ما يشيب له الرأس ويتفطر له القلب من حصار
لأعداد كبيرة من طلبة العلم في دار الحديث بدماج بمحافظة صعدة وقطعوا عنهم الغذاء
والدواء والماء ومنعوا حجاجهم من السفر إلى الحج وقاموا باستهداف الطلاب الدارسين
هناك واعتقلوا عدداً منهم وصادروا ممتلكاتهم وحاصروهم في مساحة لا تتجاوز 2
كيلومتر مربع، وعندما أرادت بعض القبائل نجدتهم وإغاثتهم قاموا بمنعها وإعاقتها..
فكيف يطيب لهؤلاء السياسيين أن يشاركوا هؤلاء المجرمين أو ينخدعوا بكلامهم
المعسول؟!
إن الحوثي الذي واجه أقوى جيشين في الجزيرة
العربية والمدعوم إعلامياً وعسكرياً وتدريبياً وتمويلاً من جهات عديدة ويتمركز في
مناطق محصورة ومعروفة يسهل تدويلها ومواجهتها؛ لم يثر قلق الإدارة الأمريكية ولم
يدفع الغرب إلى عقد المؤتمرات ومضاعفة المساعدات، ما يوحي بأن وراء الأكمة ما
وراءها وأن للفرس والروم أهدافاً أخرى يسرونها، وهي بلا شك لن تكون لصالح اليمن
واليمنيين.
فقر قاتل واقتصاد متدهور:
لا بد للدولة إن أرادت الحياة والاستقرار
بعد تحكيم الشرع وإقامة العدل أن تُحسن أوضاع الناس المعيشية وتتفقد أحوالهم
الاقتصادية، فقد ارتبط اسم اليمن بالتخلف والفقر والأمية وانخفاض دخل الفرد وتفشي
الفساد ونخره في جميع أجهزة الدولة، وأصيب الشعب بثالوث الرعب (الجهل والفقر
والمرض) في بلد غني بالثروات المتنوعة والمتعددة فوق أرضه وتحت أرضه وعلى سواحله،
ومع ذلك فاليمني هو الأقل دخلاً في البلاد العربية، حتى إن الناس أنهكوا من جراء
الغلاء وارتفاع الأسعار والجرع الجائرة والسياسات الاقتصادية الخاطئة؛ فارتفعت
معدلات الفقر والبطالة والجوع، فلا بد من زرع الأمل في قلوب الناس ورفع الجور عنهم
وتحقيق المعيشة الكريمة لهم وإيقاف الفساد والمحسوبية والنهب لثرواتهم.
شعب فقير هدّه الفقر والجوع فلا يجد كثير
منهم قوت يومه ولا إيجار سكنه ولا ثمن دوائه ولا حليب أطفاله في ظل الغلاء
والارتفاع اليومي لأسعار السلع الغذائية والاستهلاكية وأسعار المساكن والمواصلات
ووصول الأسعار إلى أرقام خيالية يصعب تصديقها ويعجز الناس عن التعايش والتكيف
معها.
هذه الأوضاع الاقتصادية المنهارة التي أوقعت
الدولة نفسها فيها بسبب بعدها عن الاقتصاد الإسلامي وعدم الالتزام به؛ جعلت الدولة
نفسها تذل نفسها للآخرين وتمد يدها إليهم وتتسولهم، وهم بالتأكيد لن يعطوها شيئاً
لوجه الله، فالواقع يقول إن من يمولك أو يدعمك لا بد أن يطلب منك شيئاً مقابل ذلك،
فهذه الدول ليست جمعيات خيرية أو مؤسسات تطلب الأجر من الله، وإنما هم طلاب مصالح وأصحاب
استراتيجيات وأهداف ويدفعون لمن يخدمهم بقدر ما يستفيدون منه.
إن هذه الحكومة رأت بأم عينها ما حصل في
كثير من المحافظات، خاصة الجنوبية منها، يوم الانتخابات الرئاسية الماضية للرئيس
اليمني عبد ربه منصور، من رفض للانتخابات بسبب الفساد الذي يئس الناس من إصلاحه
والظلم الذي يئسوا من تعديله، فكان الأولى بها أن تهتم بهموم الناس ومعاشهم وتحسين
أحوالهم ورفع المظالم عنهم، لكنها لم تستوعب الدرس ولم تفهم الشرح ونسيت ما حدث
وكأن شيئاً لم يحدث.
إن تجويع الناس والتضييق عليهم في معايشهم
ما هو إلا تفجير للوضع المتأزم أصلاً، فعلى المسؤولين أن يتقوا الله فينا وأن لا
ينظروا إلى جيوبنا ليستنزفوا ما بقي فيها من ريالات، بل عليهم أن ينظروا إلى جيوب
الناهبين والمفسدين والنافذين ليستردوا منهم ما نهبوا وليأخذوا منهم ما أخذوا وأن
يكفوا عن تلبية شروط البنك الدولي والدول المانحة، فلسنا بحاجة إلى معونات على
حساب قيمنا وثوابتنا، وليعلموا أن مثل هذه الإجراءات المقيتة هي التي تولد الظلم
وتصب الزيت على النار وتزيد الحقد والكراهية وتنشر الفساد والمحسوبية وتبعث الفتن
والقلاقل، وهذا ما حصل وما هو حاصل.
وعلى الشعب أن يتأكد ويستيقن أن كل نظام
أرضي يحكمه بغير شريعة الله فإنه نظام جائر خائر ظالم فاشل لن يجني منه إلا
الويلات والفشل والدمار، ولا أمن ولا استقرار ولا رخاء اقتصادياً واجتماعياً إلا
في شرع الله وتحت مظلة الحكم بما أنزل الله {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ
اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ} [المائدة: 45].
ولكن رضي بالتحريش بينهم:
لقد تعددت القيادات واختلفت الرايات وتفرقت
الأهواء وتباينت المقاصد وتضاربت الأهداف وكثرت الائتلافات والتجمعات في اليمن،
وصرنا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً
ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم
أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر).
لقد أثبتت الأحداث في اليمن أننا نزداد
تشرذماً وتفرقاً وصفوفنا تزداد تمزقاً وتحزباً ولم نستطع أن نوحد كلمتنا ونجمع
صفنا حتى في أحلك الظروف وأصعب المواقف؛ فكل فصيل من الفصائل يريد أن يثبت نفسه،
وكل فريق لا يريد أن يتنازل عن شيء من آرائه ومطالبه ولم يستطيعوا أن يتجاوزوا
أسباب الخلاف والتنازع، وأخذ كل فريق يرمي الآخر بالعمالة والنفاق فانشغل بعضهم
ببعض واشتعلت بينهم الضغائن والأحقاد وصاروا يتراشقون بالحجارة وسط الشوارع ويلعن
بعضهم بعضاً أمام الناس.. فأين جمع الكلمة؟ وأين وحدة الصف؟ وأين تغليب المصلحة
العامة على المصالح الخاصة؟ وأين البنيان المرصوص الذي وصف الله المؤمنين به فقال:
{كَأَنَّهُم
بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: ٤].
إن هناك تحديات صعبة تمر بها هذه الأطراف
المتنازعة، لا تتمثل في الصراع الداخلي فقط، وإنما هناك صراع دولي وإقليمي وضغط
خارجي للاستقطاب والتوظيف لتحقيق الأهداف وقطف الثمار، وربما لا يستطيع هؤلاء
الكبراء في النهاية تحقيق شيء من مطالبهم وتطلعاتهم فيكونون كالمنبت الذي لا أرضاً
قطع ولا ظهراً أبقى.
إن التلاعب بالنار وإطلاق الرصاص وإراقة
الدماء تلاعب قذر سيجر البلاد والعباد إلى فتنة سوداء مظلمة تحرق الأخضر واليابس
وتدخل البلاد في أزمات وانزلاقات صعبة وتفتح باب الانتقامات والعداوات والثارات
على مصراعيه، فلا بد من غلق هذا الباب وتطهير المجتمع من هؤلاء السفهاء والبلاطجة
والمجرمين الذين يعملون على إشعال الفتن وإثارة النزاعات وأن يُعلموهم أن الشعب
ليس حقلاً للتجارب ولا ساحة لتصفية الحسابات السياسية والقبلية والحزبية؛ لأن
الأمور إذا استمرت على هذه الطريقة يُخرج هؤلاء سفهاءهم ليعتدوا على أولئك ويُخرج
أولئك سفهاءهم ليعتدوا على هؤلاء ويكذب كل فريق على الآخر في إعلامه وكلٌّ منهما
يخرج إلى الشارع أصحابه وأنصاره، فإن النتيجة هي مزيد من الأحقاد والعداوات
والدماء والأشلاء والفتن التي لا تعد ولا تحصى، خاصة أن عوامل الفتنة في أيامنا
هذه كثيرة ومثيرات الفتن متعددة والشيطان حاضر وحريص على إشعال الحرائق والسلاح
متوافر ومنتشر، وسيكون لهذه الاعتداءات آثار سلبية كبيرة وتبعات سيئة خطيرة وفوضى
عارمة لا تبقي ولا تذر.
وختاماً:
إننا بحاجة إلى حل ناجح للأزمات التي تمر
بها البلاد بدلاً من الحلول المؤقتة والخطابات المتشنجة والترقيعات غير المجدية،
ولنبدأ التغيير فوراً إن أردنا التغيير الصحيح بإزالة المنكرات التي تغضب رب الأرض
والسموات، وأن ننحاز إلى شريعة الله سبحانه وتعالى فهي مصدر عزنا وسر قوتنا،
فاليمن يمن الإيمان والحكمة فلا مجال بيننا لمن يعلمن قوانيننا ويفسد أخلاقنا
ويوالي أعداء الله وأعداءنا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لتأمرن بالمعروف
ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله
قلوب بعضكم ببعض ثم تدعونه فلا يستجيب لكم).
إن الواجب اليوم على الجميع أن يستمعوا إلى
كلام العلماء الربانيين والرجال الصادقين والدعاة المخلصين والحكماء المحنكين
والوجهاء المخضرمين وغيرهم من أهل الحل والعقد وأن يأخذوا بتوجيهاتهم ويستمعوا إلى
آرائهم ويعملوا بما جاء في بياناتهم وخطاباتهم وأن يأخذوه بعين الاعتبار كما أمر
الله بذلك فقال: {وَإذَا
جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْـخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ
إلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 83].
وليحذروا كل الحذر من اللهث وراء شخصيات
وقيادات خائرة خائنة جوفاء عاشت في الغرب وتربت على أعين الغرب ويشيد بها صباحاً
ومساءً سفراء الغرب ويفسحون لهم المجال كي يأخذوا بزمام المبادرة لتسيير الأمور في
البلد حسبما يشتهون.
هذا هو الحل، وهذه هي النجاة، وهذا هو
المخرج؛ إن كنا نريد الحل والمخرج، أما إذا ركب كل منا هواه واغتر بنفسه ورأيه،
فإن العواقب ستكون أليمة والنهاية وخيمة وحينها سيندم الجميع في وقت لا ينفع فيه
الندم.
:: مجلة البيان العدد 310 جمادى الآخرة
1434هـ، إبريل - مايو 2013م.