• - الموافق2024/04/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
نماذج واقعية من التقسيم الحديث للعالم الإسلامي

نماذج واقعية من التقسيم الحديث للعالم الإسلامي


الدعوة الإسلامية عقد أساس من المشروع الإسلامي، وهي أولاً فريضة شرعية، وثانياً ضرورة للصعود الحضاري الإسلامي ولحماية الأمة من أعدائها، وضرورة أيضاً لتحقيق أكبر قدر من المنجزات العمرانية ورقي الأخلاق والسلوك لدى أفراد هذه الأمة.

والأمة الإسلامية طالما كانت موحدة كانت قوية وقادرة على تحقيق رسالتها، وطالما كانت مفككة كانت ضعيفة وغير قادرة على أداء رسالتها أو حماية نفسها من الأعداء، وغير قادرة على تحقيق إنجاز عمراني ذي شأن، ومنحطة أخلاقياً وسلوكياً واجتماعياً، ويمكننا أن نرصد بسهولة ذلك التلازم الحيوي بين الوحدة والصعود الحضاري للأمة الإسلامية.

الوحدة الإسلامية فريضة شرعية:

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٩].

{وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: ٢٥].

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101].

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

ونلاحظ في الآيات المذكورة سابقاً أن هناك ارتباطاً بين الوحدة والأمة الواحدة وبين عبادة الله في الأولى وتقواه في الثانية، وفي الثالثة وضع الوحدة والاعتصام كمقابل للكفر،  وحبل الوحدة والاعتصام هو الطريق إلى الصراط المستقيم.

وفي الآية الرابعة نرى أن الله تعالى جعل الوحدة والاعتصام وعدم التفريق نوعاً من النعمة، وهي بلا شك نعمة عظيمة، وجعلها أيضاً طرائق لتجنب الهلاك.

ويقول الله تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

ولأن للوحدة هذا الشأن العظيم في الدنيا والآخرة، فإن الأعداء تربصوا دائماً بنا بهدف تفكيك بلادنا على أسس طائفية أو عرقية أو جغرافية أو ثقافية، واستخدموا في ذلك كل أساليب التآمر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحركوا جيوشاً، ودعموا زعماء وكُتّاباً وأحزاباً وحركات تمرد وغيرها لتحقيق هذا الهدف المريب.

نحن بالطبع ندعو ونسعى إلى توحيد العالم الإسلامي باعتبار ذلك فريضة، ونعرف أن ذلك ممكن ومتاح؛ لأنه رغم سقوط الخلافة الإسلامية كأسمى تعبير عن الوحدة الإسلامية، فإن الظاهرة الوحدوية في وجدان الشعوب الإسلامية ما زالت قوية، فنحن جميعاً نؤمن بإله واحد وكتاب واحد ورسول واحد، ونتجه جميعاً إلى قِبلة واحدة، والإحساس بمشاكل المسلمين موجود والحمد لله في كل مكان، ولولا هذا الشعور الوحدوي القوي لدى الجماهير لما رأينا التعاطف الشعبي الواسع مع القضية الفلسطينية في كل مكان من العالم الإسلامي من تركيا إلى جنوب إفريقيا، ومن طنجة إلى جاكرتا؛ وكذا ظهر هذا التعاطف في دعم الجهاد الأفغاني ضد الروس، ثم ضد حلف الناتو، وكذلك التعاطف مع مسلمي البوسنة والهرسك، ثم كوسوفو... وغيرها من المظاهر العدوانية التي عبّرت عن وجدان وحدوي قوي لدى جماهير المسلمين.. وحتى المسلمون في الغربة أو في دول الأقليات الإسلامية يتعاطفون مع قضايا العالم الإسلامي ويدافعون عنها.

وعلينا أن نبيّن هذا الشعور الوحدوي بكل وسيلة ممكنة، وعلينا أن نسعى إلى توحيد التقويم على الأساس الهجري مثلاً في كل البلاد الإسلامية، وتوحيد بدء الصوم والأعياد في كل العالم، وعلينا الاهتمام باتساع مؤسسات إعلامية ذات طابع عالمي إسلامي ونشر المواد الإعلامية التي تؤكد قيمة الوحدة، وعلينا أن نحقق اتحادات للمنظمات المهنية في العالم الإسلامي، وكذا اتحادات الهيئات الشعبية والنقابات وغيرها، وعلينا أن ندعم أي تنسيق وتعاون في أي مجال بين الشعوب الإسلامية، بل الحكومات الإسلامية إذا أمكن.

التقسيم والتفكيك جزءٌ من صراع شامل:

لأسباب ذاتية وموضوعية فإن مساحة - كبيرة جداً - من تاريخنا الإسلامي شهدت صراعاً طويلاً في الزمان والمكان بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ويخطئ من يتصور أن الحروب الصليبية على الشرق 1095 - 1295 هي المحطة الوحيدة في هذا الصراع؛ فلقد كانت الحروب الصليبية قبل هذه المحطة وبعدها، ونقصد هنا بكلمة الصليبية «المسيحية الشمالية» كما عرّفها الأستاذ محمود محمد شاكر في كتابه «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا»، كتاب الهلال، القاهرة 1991، العدد 489؛ وهي مسيحية وثنية تستند إلى التراث اليوناني والروماني أكثر ما تستند إلى المسيحية المحرفة، ذلك أن القيصر الروماني قسطنطين حين دخل في المسيحية فإنه أدخلها في الوثنية الرومانية، ومع الاحتكاك بين الحضارة الإسلامية وأوروبا اكتشف الأوروبيون أن هناك منظومة فكرية وثقافية إسلامية شديدة التماسك، وأن المواجهة الصريحة والمباشرة مع الحضارة الإسلامية ستؤدي إلى هزيمة أوروبية لا شك فيها، ومن ثم فلا بد من اكتشاف وسائل لإضعاف القلعة الإسلامية من داخلها، وهذه الفكرة راودت لويس الرابع أثناء أسره في المنصورة بعد هزيمة الحملة الفرنجية على مصر، فقرّر إنشاء عين من الباحثين «المستشرقين» للبحث في وسائل إضعاف القلعة الإسلامية من داخلها، عن طريق عدد من الوسائل، منها: التجزئة والتقسيم عن طريق الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية، وقد تطورت تلك الوسائل فيما بعد، إلا أنها تظل فكرة قديمة حديثة.

تقول الدكتورة سوسن إسماعيل في كتابها «الجذور التاريخية للأزمة اللبنانية - مكتبة نهضة الشرق - القاهرة 1988»، إن السياسة الأوروبية عهدت إلى ترشيح قدمها عن طريق غرس بذور الخلاف بين الطوائف مستعينة بالإرساليات والتآمر السياسي والثقافي والاقتصادي.

بل إن القوى الاستعمارية استخدمت موضوع الأقليات كثيراً للغزو والعدوان والاحتلال.

التقسيم والتفرقة عن طريق الأعراق:

الإسلام لا يفرق بين المسلمين على أساس اللون والعرق واللغة، وبالنسبة للتجمعات غير الإسلامية فقد استحدثت الشريعة الإسلامية لفظ أهل الذمة، وهو يختلف اختلافاً بيّناً في الأحكام والدلالات الأخلاقية والحقوق عن لفظ الأقليات.

والاختلاف بين الناس في الشكل واللون والجنس والعرق واللغة، بل في المفاهيم والتصورات؛ حقيقة لا يمكن القفز فوقها، ولكن استخدام هذا الاختلاف في تأسيس مفاهيم الصراع والتطاحن هو المشكلة، فالإسلام يدعو إلى التعارف {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وكان هذا التنوع مصدر ثراء في المجتمعات التي تقوم على العدل.

والمجتمع الإسلامي في ذاته كان مصدر ثراء كبيراً طالما كان هناك التزام بالشريعة الإسلامية الغراء التي تحقق الإنصاف، وإذا حدث انحراف من الشريعة الإسلامية، وكان هناك نوع من الظلم والتهميش، فإن ذلك كان يقع على المجتمع كله وليس على الأقليات فقط.. ومع سقوط الخلافة وتشوشر أفكار النخبة، فإن المشكلة برزت إلى السطح، ليس كحقيقة موضوعية، ولكن كطريق لتحقيق أهداف سياسية، أو استخدام خارجي، بل نكاد نقول إن المجتمع الإسلامي هو الذي صك التجربة التاريخية والحضارية بأفضل أنواع التعاون والثراء عن طريق التنوع، فالأسود والأبيض والأحمر والعربي والتركي والإفريقي وغير المسلم أيضاً؛ أسهموا وسُمح لهم بأن يسهموا في البناء الحضاري الإسلامي.

في يونيو 2006 نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية تقريراً كتبه «رالف بيترز»، وهو كولونيل سابق في الجيش الأمريكي خدم في شعبة الاستخبارات العسكرية؛ تحدث فيه عن تقسيم الشرق الأوسط من جديد واقترح إقامة دولة شيعية في جنوب العراق وإيران ومناطق من السعودية والإمارات والكويت والبحرين، أو دولة مارونية درزية في جبل لبنان، وتفكيك إيران والسعودية وتركيا، ثم يأتي بعد ذلك الدور على مصر ليتم تفكيكها مع تفكيك السودان، والمغرب والجزائر... إلخ.

التقسيم على الأساس العرقي مثلاً يمكن أن يتضح من خلال الأكراد والأمازيج، والأكراد هم الشعب الكردي الذي يقطن في أجزاء متجاورة من العراق وتركيا وإيران وسورية، وهناك حركات انفصالية كردية موجودة وبقوة في العراق وإيران وتركيا، بل حتى في سورية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استخدمت الورقة الكردية بقوة وخاصة منذ عام 1991 وسمحت بإقامة مناطق أمنية كردية في العراق تمهيداً للتقسيم والتفكيك في أي لحظة، أو استخدامها كورقة ضغط إذا لزم الأمر مع تركيا وإيران والعراق وسورية.

أما الأمازيج، فهم مسلمون سنة لكنهم جنس عاش في بلاد البربر في شمال إفريقيا في المنطقة الجغرافية الممتدة من غرب مصر إلى جزر الكناري، ومن ساحل البحر المتوسط جنوب إلى أعماق الصحراء الكبرى في النيجر ومالي. ومع حلول الإسلام في إفريقيا استعربت غالبية الأمازيج بتبنّيها اللغة العربية بلهجاتها الأمازيجية.

والمتحدثون حالياً باللغة الأمازيجية ينتشرون في جميع الحواضر الكبرى وعلى شكل تكتلات قبلية أو عائلية في البوادي، وفي المغرب مثلاً فإن 30% من السكان يتكلمون اللغة الأمازيجية، وفي الجزائر20%، وفي ليبيا 2%، ويوجد أمازيج بنسبة قليلة في كل من تونس وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو ومصر.

منذ أن دخل الأمازيج في الإسلام قاموا بدور كبير في نشر الدين والجهاد في سبيله، حتى إن أول المسلمين الذين فتحوا الأندلس كان معظمهم من الأمازيج بقيادة الشاب الأمازيجي طارق بن زياد.

وقد ظل الأمازيج جزءاً لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، إلى أن حدثت اختراقات غربية، وبالذات فرنسية، تدعو إلى إقامة دولة أمازيجية وثقافة أمازيجية على حساب العرب والمسلمين.

التقسيم عن طريق البُعد الجغرافي:

يمكن أن تكون بنجلاديش مثلاً واضحاً في هذا الصدد، وبنجلاديش هي سادس دولة في العالم من حيث عدد السكان «160 مليون نسمة»، وفي الترتيب 94 على العالم من حيث المساحة «144 ألف كيلو متر مربع»، ويشكل المسلمون فيها نحو 99 ٪؛ 96 ٪ سنة، 3 ٪ شيعة، والباقي بوذيون أو مسيحيون أو غيرهما، ولغتها هي اللغة البنغالية، وعاصمتها دكا.

كانت بنجلاديش جزءاً من دولة باكستان التي استقلت عن الهند عام 1947، وكلها كانت تبعد عن باكستان الغربية نحو 1600 كيلو متر، ولعل إدارة المسألة بهذه الطريقة كانت تؤكد إمكانية انفصالها في أي لحظة، خاصة مع اختلاف اللغة عن باكستان الغربية، وكذلك وجود مشاكل اقتصادية وثقافية، ثم تآمر واضح من الهند والولايات المتحدة، حتى تم الانفصال عام 1971 بعد حرب دموية شارك فيها الهند ضد باكستان.

التقسيم على أساس ثقافي وعِرقي:

يمكن أن نأخذ جنوب السودان نموذجاً في هذا الصدد، وفي الحقيقة كان انفصال جنوب السودان عام 2011 محصلة تآمر إنجليزي منذ احتلال الإنجليز لمصر عام 1882، وتوقيع اتفاقية السودان عام 1899 التي أطلقت يد الإنجليز في السودان على حساب مصر، ومن يومها تم منع دخول الشماليين إلى الجنوب إلا بتأشيرة وكأنهم أجانب، وتم عمل غزو ثقافي وديني ولغوي لجنوب السودان، واستمر الدعم الكنسي للجنوب في إطار دفعه إلى التمرد، ثم دخلت أمريكا على الخط وكذا الاتحاد الأوروبي و«إسرائيل»، لكن الحقيقة الواضحة للعيان أن انفصال جنوب السودان تم عندما فُصل السودان عن مصر، وستتفاقم مشاكل التقسيم في شمال السودان وجنوبه إلى عشرات الدول والقبائل والأقاليم، ولن تُحل هذه المشكلة إلا بعودة الوحدة بين مصر والسودان.

التقسيم عن طريق المذاهب والطوائف:

تسعى الولايات المتحدة و«إسرائيل» إلى اختراق العالم الإسلامي عن طريق الأقليات المذهبية والطائفية، مثل الشيعة في العراق والبحرين والسعودية ولبنان، أو العلوية «شيعة أيضاً» في سورية، أو الزيدية في اليمن، أو حتى طوائف غير مسلمة مثل الموارنة في لبنان، فالشيعة مثلاً يتواجدون في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين والكويت ولبنان والسعودية بنسب متفاوتة، وهؤلاء من الشيعة الإثني عشرية.

أما الشيعة الإسماعيلية فتتواجد في الهند، والزيدية في اليمن، وبخصوص الموارنة مثلاً فتتواجد في لبنان أساساً، ويبلغ عدد الموارنة في العالم ستة ملايين نسمة، منهم نحو مليون في لبنان وحده، وقد هاجر عدد كبير من الموارنة إلى مختلف بقاع العالم، لا سيما كندا وفرنسا.

:: مجلة البيان العدد 305 محرم 1434هـ، نوفمبر 2012م.

أعلى