• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الجامع والجامعة ودورهما في حماية إسلام المغاربة واللغة العربية

فقد دافع المغاربة خاصة النخبة المثقفة خريجة القرويين عن وطنهم ومقوماته الأصيلة، ولم يرضوا بالوجود الفرنسي على أرضهم، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة ومتعددة


تُعدّ مدينة فاس المغربية عبر تاريخها مركزًا للإشعاع السياسي والروحي والثقافي والحضاري في بلاد المغرب، فهي مدينة العلم والعلماء وموطن المدارس والجامعات، ومصدر الحركة السلفية المغربية التي قاومت الاستعمار الفرنسي وفلسفته الغربية المادية الساعية لفرنسة المجتمع المغربي، كيف لا وهي تحتضن أول جامعة في العالم -القرويين- التي ساهمت في حماية عقيدة المغاربة ولُغتهم ووحدتهم.

وذلك ما سنتطرق له في هذه المقالة؛ حيث سنتعرض فيها للنقاط الآتية:

- في أصل التسمية والبناء.

- القرويين مقصد طلبة العلم.

- القرويين وحماية إسلام ولغة المغاربة ووحدتهم.

 أولاً: في أصل التسمية والبناء

هاجر إلى مدينة فاس ثلاثة آلاف من عرب القيروان في تونس، وأسكنهم أميرها الضفة الشرقية لوادي فاس، وسمّاها عدوة القيروانيين، والتي خُفِّفت بسبب كثرة الاستعمال فأصبحت القرويين. وكانت الحاجة ماسَّة بالعدوة الجديدة لمسجد لأداء الصلوات الخمس؛ فتقدّمت فاطمة بنت محمد بن عبد لله الفهري بما ورثته من أموال عن أبيها. فبدأت في حفر أساسه ولبناته الأولى بعد مُطالعة رأي عاهل الأدارسة يحيى الأول في مستهل رمضان سنة 245هـ/859م، وظلت هذه المُحسنة صائمة محتسبة لربها حتى تم البناء، ففكت صيامها بالصلاة في الجامع؛ شكرًا لله الذي وفَّقها لذلك العمل الصالح. فتسمية جامع القرويين ترجع نسبة إلى القيروان مدينة فاطمة أم البنين.

ثانيًا: القرويين مقصد طلبة العلم

منذ أن لمع نجم القرويين في سماء العلم والمعرفة، أخذ العلماء من مغارب الأرض ومشارقها يشدّون إليها الرحال؛ للدراسة فيها، ولمعرفة الشرع الإسلامي، لا سيما مذهب الإمام مالك الذي تعتمده بلاد المغرب.

فقد انتقل إليها كثير من علماء الأندلس، خصوصًا بعد سقوط آخر إمارة إسلامية بها، وهي غرناطة سنة 1492م، ومنهم أبو بكر بن باجة الفيلسوف، وأبو العلاء بن أحمد الطبيب المشهور بتشريح الأمراض، وأبو الوليد بن رشد الفيلسوف الذي كان له تأثير في نهضة أوروبا. كما درس فيها ابن ميمون وهو طبيب وفيلسوف يهودي، كما مر بها صاحب «المقدمة» المشهورة المؤرخ ومُؤسّس علم الاجتماع؛ ابن خلدون. كما مرت منها أسماء وازنة في الثقافة العربية الإسلامية؛ مثل: لسان الدين ابن الخطيب، وابن عربي الحكيم، وابن البناء المراكشي، وابن حزم، كما زارها الشريف الإدريسي.

 بل انتقل إليها حتى بعض الأوروبيين، مثل: سيلفستر الثاني الذي شغل منصب البابا ما بين 999م- 1003م؛ حيث درس وتعلم بالقرويين ما جعله يكون أول مَن أدخل الأعداد العربية إلى أوروبا.

القرويين قلب المغرب النابض عبر تاريخه الوسيط والحديث والمعاصر، فهي العقل المدبّر والرافض لكل التدخلات الأجنبية، التي استهدفت البلاد وخيراتها، ومحو هويته العربية الإسلامية المغربية؛ فعلماؤها وخريجوها وطلبتها هم من قادوا المقاومة ضد التدخل الأجنبي، وعلماؤها بايعوا ملوك المغرب وعَزلوا من تَخاذل عن حماية البلاد والعباد؛ مثل عَزْلهم للسلطان المولى عبد العزيز؛ لعدم قدرته على صد محاولات استعمار المغرب، ومبايعتهم لأخيه المولى عبد الحفيظ البيعة المشروطة.

ثالثًا: القرويين وحماية إسلام ولغة المغاربة ووحدتهم

نشأت القرويين عبر تاريخها مدرسة دينية، يأتي إليها الطلاب من مختلف أنحاء المغرب: مداشرها ومدنها، ومن دول وأمصار مختلفة. وكان ذلك رغبةً في المعرفة والتمكن من علوم الدين، ورغبةً في ثواب الآخرة؛ فرسالتها روحية تهدف إلى إحياء القيم الروحية عن طريق تخريج علماء، ساهموا في حماية وصيانة التراث الروحي للمغاربة واللغة العربية ومقومات المجتمع الأصيلة من الذوبان والتبعية والتلاشي. 

فقد قاومت جامعة القرويين ثلاثة أخطار؛ هي:

- محو اللغة العربية وفرنسة المجتمع المغربي.

- تشويه الإسلام ونشر الأفكار القائلة بكون مبادئه تتنافى مع العلم والمدنية والتحضر.

- تمزيق وحدة الشعب المغربي، عن طريق السياسة البربرية ومحاولات الإدماج والتجزئة في القضاء أو تمزيق وحدة العرب والأمازيغ.

بالنسبة للخطر الأول؛ فقد قامت القرويين بحماية اللغة العربية؛ لأن فرنسا عملت منذ السنوات الأولى لاحتلال المغرب، على فرنسة الإدارة المغربية. وأصبحت مواد التعليم تدرس باللغة الفرنسية، ما عدا المواد الدينية؛ سعيًا للنَّيْل من اللغة العربية، واعتقاد منها بأن من يتكلم العربية متعصّب للإسلام، وينادي بالجامعة الإسلامية. كما اتجهت سلطات الاحتلال إلى منع تدريسها اللغة العربية بالمدارس البربرية. وفي ذلك يقول ليوطي -أول مقيم عام فرنسي بالمغرب-: «..تدريس اللغة العربية للسكان البربر، الذين عاشوا بدونها، ليس شأننا. اللغة العربية عنصر أسلمة، لأنها تُؤخذ بتلاوة القرآن، ومن مصلحتنا جعل البربر يتطورون خارج الإسلام»[1].

ويقول كذلك في دورية له، بتاريخ 16 يونيو 1921م، لرؤساء المناطق المدنية والعسكرية لسلطات الحماية بالمغرب، أوردها عبد العلي الودغيري، في كتابه «الفرانكفونية والسياسة اللغوية والتعليمية بفرنسا»: «.. فليس علينا، أن نُعلِّم العربية للسكان الذين امتنعوا دائمًا عن تعلُّمها.. إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام؛ لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن، بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر، خارج إطار الإسلام»[2].

بالنسبة للخطرين الثاني والثالث، فقد حمت القرويين عقيدة المغاربة عبر حماية علوم الدين وتدريس مواده في أروقتها، وتخريج علماء أسهموا في نشر الدين الإسلامي بين الناس. كما وقفت سدًّا منيعًا ضد تقسيم المجتمع المغربي؛ فقد نهجت سلطات الاحتلال السياسة البربرية خصوصًا في مجال التعليم، عن طريق استهداف اللغة والدين. وقد انطلقت هذه السياسة بتعيين «ليوطي» لـ«هنريس» -جنرال فرنسي- للإشراف على اتخاذ التدابير الأولى الخاصة، بتنظيم الإدارة الفرنسية بالمناطق البربرية. حيث تم بمكناس إحداث مركز خاص لتكوين المعلمين، خاصّ بالتدريس بالمناطق البربرية، وذلك بمقتضى ظهير 1914م. كما قامت سلطات الحماية، بالعديد من الاستشارات مع مختصين وقادة المناطق البربرية كالمقدم «نيفل»، الذي اعتبر المدرسة سلاحًا مكملًا، «فالمدفع يدفع الثوار، والمدرسة تجلب السكان»[3]، كما قال: «... فلضمان وجود دائم علينا الاعتماد على الجبهة البربرية، ننشر الثقافة الفرنسية، وتعويض فيلق بمدرسة قصد إلغاء اللغة وفرنستها»[4].

 فقد دافع المغاربة خاصة النخبة المثقفة خريجة القرويين عن وطنهم ومقوماته الأصيلة، ولم يرضوا بالوجود الفرنسي على أرضهم، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة ومتعددة. فالقرويين هي مهد ومصدر الحركة السلفية المغربية، التي شكَّلت نواة الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار الفرنسي من خلال مقاومة سياسية وثقافية، ومن ذلك: وقوف القرويين أساتذة وطلبة ضد سياسة الظهير البربري لسنة 1930م الذي استهدفت منه فرنسا تمزيق وحدة الشعب المغربي، عبر تقسيمه لعرب وبربر، وعزل سكان المناطق البربرية عن سكان الحواضر؛ سواء من حيث التعليم واللغة، أو من حيث الأحكام والقوانين والتشريعات، لتعمّ المظاهرات الشعبية مختلف مناطق المغرب و«قراءة اللطيف» عبر ترديد «اللهم يا لطيف.. نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، لا تفرّق بيننا وبين إخواننا».

فمظاهرات واحتجاجات مدينة فاس كان مصدرها القرويين مسجدًا وجامعة؛ حيث تجمع به الناس ما بين 1930/7/4  و1930/7/17 وقرؤوا اللطيف،  واحتجوا ضد الظهير، وكوّنوا لجنة لمفاوضة نائب الجنرال «بيتان» حاكم ناحية فاس.

خلاصة القول: لقد تم استهداف الهوية اللغوية والدينية والحضارية للمغاربة خلال فترة الحماية، في إطار السعي لسَلْخهم عن تاريخهم، ولغتهم، وثقافتهم. وبالتالي هويتهم، في إطار سياسة إخضاع النفوس، بعد أن تم إخضاع الأبدان، حسب جورج هاردي. إلا أنه في مقابل ذلك، شكَّلت القرويين، معقل لمقاومة سياسة الهيمنة الفرنسية؛ حيث كانت ملاذًا لعلوم الدين، ومعقلًا حصينًا للغة العربية، التي احتفظت في أروقتها بحيويتها، وقوتها، ممَّا مكَّنها من مغالبة الغزاة.

 


 


[1] اهنية ابن محمد، سياسة الإصلاح التعليمي والتربوي في المغرب بين الأمس واليوم، تقديم علال بن العزمية، نشر وتوزيع شوسبريس، الدار  البيضاء، 2004م، ص 58.

[2] مادي لحسن، السياسة التعليمية بالمغرب ورهانات المستقبل، منشورات مجلة علوم التربية، الشركة المغربية للطباعة والنشر، لرباط، 1999م، ص 22.

[3] الجابري محمد عابد، أضواء على مشكل التعليم بالمغرب، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1985، ص30.

[4] اليزيدي محمد، التنظير للتعليم الاستعماري ضمن التعليم والمسألة التعليمية عبر تاريخ المغرب). مجلة أمل، عدد مزدوج: 28-29، 2003م، ص ص73-92.

أعلى