تصعيد الحرب الأوكرانية: ضغوط لبدء التفاوض أم تمدد وانفلات وحرب أوسع؟

تكاثرت تلميحات الرئيس البيلاروسي حول دور فاجنر على أراضي بلاده، وكان أغربها ما ظهر من حديث علني له في لقاء مع بوتين؛ إذ تحدّث وكأنه يشكو لبوتين من أن فاجنر تتحرَّك صوب الحدود البولندية.


شهدت فعاليات الحرب الروسية على أوكرانيا تطورات وتغييرات متسارعة في الأسابيع الأخيرة، بما منَح الحرب ملامح جديدة، ودفَع الصراع لوضع أكثر وضوحًا، وأضاف أبعادًا أشد تأثيرًا في تحديد مستقبل الصراع -حربًا أو سِلْمًا-، وفي تعيين الأوضاع الاستراتيجية المستقبلية لطرفي الحرب.

لقد اندفعت الحرب مؤخرًا نحو توسيع مسرح عملياتها لتشمل أراضي وأهدافًا جديدة، كما أعادت رسم المعادلات العسكرية بين الجيشين المتقاتلين، هجومًا ودفاعًا، وفرضت معادلات جديدة، لم تكن قائمة في بداية الحرب. والأخطر أنها باتت تُرسل إشارات جدية على احتمالات تمدُّد الأعمال العسكرية إلى أراضي الدول المجاورة لأوكرانيا.

لقد أظهرت فعاليات الحرب في مرحلتها الأخيرة توسُّعًا في المساحة التي تشملها العمليات -بعد دخول أنواع جديدة من الأسلحة ساحات المعارك-؛ إذ تمدَّدت إلى مناطق أعمق جغرافيًّا على جانبي طرفي الحرب -أي روسيا وأوكرانيا-، بما غيَّر من طبيعتها، وحوَّلها من حرب في شرق أوكرانيا إلى وضعية الحرب التي تشمل أراضي روسيا أيضًا، وهو ما يعني أنه لا حسم لها على الأرض التي شهدت انطلاق الأعمال العسكرية عند بداية الحرب.

كما تكاثرت المؤشرات على احتمال توسع الحرب باتجاهات أبعد من الأراضي الأوكرانية والأراضي الروسية. فلقد نشطت التهديدات، ووقعت أحداث مُتعدِّدة تَشِي باحتمال توسُّع الحرب شمالًا وغربًا لتشمل بيلاروسيا وبولندا، وتوسُّعها جنوبًا إلى كامل البحر الأسود ومولدافيا، وربما رومانيا. وهو ما بات يُهدِّد باندلاع حرب كبرى بين روسيا وحلف الناتو.

وزاد من هذا الخطر: تعقُّد العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، وحدوث احتكاكات بين القوات الأمريكية والروسية في أجواء البحر الأسود، وفي الأجواء السورية أيضًا.

فهل تتطوَّر الحرب على الأرض الأوكرانية دون الخروج إلى الإطار الخارجي؟ وهل المعادلات التي تتحرّك الحرب نحو إظهارها وتثبيتها، هي خطوات محسوبة للوصول إلى تفاوض واتفاقيات، أو لوقف إطلاق النار كأمر واقع؟ أم أن الحرب تخطَّت الخطوط الحمراء، وأن الأطراف المتصارعة باتت مدفوعة إلى خيارات توسُّع الأعمال الحربية باتجاه دول أخرى؟

تغييرات جديدة في المشهد العملياتي

شهدت الحرب المتواصلة لأكثر من 500 يوم، تحوُّلات جديدة في المشهد العسكري العملياتي، خلال الفترة الأخيرة.

لقد بدأت القوات الأوكرانية «الهجوم المنتظر» الذي جرى وَصْفه بالهجوم المضادّ. وجاءت تلك العودة للهجوم مدعومة بتدريب وتسليح متصاعد من حلف الأطلنطي لتلك القُوَّات، وعلى نحو لم يكن «متصورًا» عند اندلاع الحرب.

لقد ظهرت القوات الأوكرانية خلال هذا الهجوم، وكأنها أحد جيوش حلف الناتو، بعدما جرى تزويدها بدبابات تشالنجر الألمانية وصواريخ شادو البريطانية بعيدة المدى، ودبابات ليوبارد الألمانية وعربات برادلي الأمريكية وبمنظومات دفاع جويّ، أهمها منظومات باتريوت.

كما بدا أن تسليح الناتو لتلك القوات لن يتوقَّف عند أيّ خطوط حمراء، بعد أن جرى إمداد الجيش الأوكراني بالذخائر العنقودية المُحرَّمة دوليًّا، وبعد الإعلان عن قرب إمداد الجيش الأوكراني بطائرات إف 16 التي يمكن لها حمل صواريخ ذات رؤوس نووية. وهو ما يفتح الحرب على احتمالات خطرة، وخطرة للغاية. 

بدأت القوات الأوكرانية هجومها المضادّ بعمليات استكشاف أولية لدفاعات القوات الروسية، ثم طوّرت هجومها في مرحلة تالية باتجاهات أوسع. وهنا كان لافتًا أن بدت خطة الهجوم المضاد كحركة متوسعة مكانيًّا ومتطاولة زمنيًّا، وأن القوات الأوكرانية لم تأخذ بخطة هجوم مضاد سريع وناجز. وهو ما عكَس تقدير القوات الأوكرانية «لحدود» ما تمتلكه من عوامل القوة في مواجهة تفوُّق القوات الروسية في الوقت الراهن، وأن لديها خطة لتطوير أوضاعها الاستراتيجية.

لكنَّ الهجوم المضادّ حمل ملامح جديدة أهم من ذلك؛ فلقد شهد الهجوم توسيع القوات الأوكرانية لمسرح عمليات الحرب؛ إذ نقلت فعالياتها العسكرية إلى مناطق كانت احتلتها روسيا في جولة الصراع الأولى (2014م)، كما هو الحال في شبه جزيرة القرم التي تكرَّر قَصْفها وقصف الجسر الواصل بينها وبين الأراضي الروسية. كما تمكّن الهجوم المضاد، ومن خلال الهجمات الأوكرانية الدقيقة بالطائرات المسيَّرة، من الوصول إلى مناطق بعيدة وعميقة في الأراضي الروسية؛ إذ وصل حد قصف العاصمة الروسية موسكو عدة مرات. كما شهد الهجوم المضاد تطويرًا جديدًا على صعيد العمليات البحرية؛ إذ هاجمت القوات الأوكرانية موانئ وقِطَعًا بحرية روسية، باستخدام زوارق مُسيَّرة آليًّا.

وهو ما شكَّل تغييرًا في معادلات الحرب من جانب القوات الأوكرانية؛ إذ باتت قادرة على مُبادَلة القوات الروسية قصف العمق بالعمق.

وفي مقابل الهجوم الأوكراني المضادّ؛ فقد بدا أن القوات الروسية قد عدَّلت هي الأخرى من أوضاعها، وباتت أكثر كفاءة على صعيد التسليح والإعداد والتكتيكات في مواجهة الهجوم الأوكراني قياسًا أو مقارنةً بأوضاعها خلال الهجوم المضاد الأول الذي نجحت خلاله القوات الأوكرانية في تحرير خاركيف والجانب الشمالي من مقاطعة زباروجيا وعدة مدن من مقاطعتي لوهانسك ودونيك.

لقد قابلت القوات الروسية الهجوم المضاد في مناطق زباروجيا وباموت -في وسط الجبهة الممتدة من خاركيف وحتى جزيرة القرم- بالصمود عبر خطوط دفاع قوية، وعبر تكتيكات دفاع ديناميكية تعتمد التراجع والاستيعاب للهجمات، ثم العودة للهجوم والتقدم لإعادة القوات المُهاجِمَة إلى نقاط انطلاقها الأولى، وهو ما بدَّد فعاليَّات الهجوم الأوكراني في تلك المنطقة.

كما شنَّت القوات الروسية هجومًا متواصلًا في المناطق الغربية من مقاطعتي لوهانسك ودونييسك، باتجاه مدينتي كبويانسك وليمان؛ لإجبار قيادة القوات الأوكرانية على عدم تركيز مجهودها وقوّاتها في مناطق هجومها المضاد في زباروجيا وباموت، ولوضعها تحت ضغط خسارة مواقعها في الغرب (كبويانسك وليمان)، بما يحمل من مخاطر تطويق القوات الروسية للقوات الأوكرانية المهاجمة- في الوسط.

وكان الأهم أن وسَّعت القوات الروسية هي الأخرى مسرح العمليات على نحو منهجي.

فقد كثَّفت ضرباتها الصاروخية باتجاه مدينة أوديسا وموانئها -وقبلها شمل القصف كلّ أهداف البنية الأساسية والمصانع في كل أرجاء أوكرانيا-؛ بهدف إخراجها من الخدمة وتحويل أوكرانيا إلى دولة حبيسة محرومة من مياهها الإقليمية على البحر الأسود. وقد امتدَّ القصف الروسي ليصل حتى الموانئ النهرية الأوكرانية -بعد الانسحاب من صفقة تصدير الحبوب-، وكان المثال الأهم هو القصف الروسي لميناء إسماعيل النهري، قرب الحدود الأوكرانية الرومانية.

وهكذا فقد تمدَّد مسرح عمليات الحرب، وصارت الحرب تجري وَفْق معادلات قصف العمق بالعمق، وإن بشكل يعكس اختلاف معادلات القدرة، وميل التوازن لمصلحة القوات الروسية بحكم امتلاكها لصواريخ بعيدة المدى وللطائرات متعدِّدة المهام؛ إذ يظل القصف الأوكراني رمزيًّا وقليل الأضرار وذا أهداف سياسية أكثر منها عسكريًّا؛ بينما القصف الروسي قصف تدمير شامل.

تهديدات بتوسُّع المعركة إلى خارج أوكرانيا

وإذ توسّعت الحرب ميدانيًّا، وباتت مفتوحة على معادلات جديدة؛ فقد حملت أيضًا مخاطر تتعلق باحتمال التمدد إلى دول أخرى -شمال وجنوب أوكرانيا-، بما يُغيِّر طبيعة الحرب جذريًّا، ويُحوِّلها إلى حرب كبرى.

فقد حملت التصريحات الروسية إشارات مهمة حول احتمال توسُّع الحرب على الأراضي الأوكرانية. لقد تحدثت القيادات في روسيا عن أنها ستُوسِّع مساحة احتلالها في عمق أوكرانيا؛ لمواجهة تطوُّر مدى الصواريخ التي يمنحها حلف الناتو للجيش الأوكراني. كما حملت التصريحات الروسية تهديدات باحتلال أراضي القطاع الشمالي وصولًا إلى غرب أوكرانيا، وبشكل خاص مدينة (لفيف) القريبة من الحدود الأوكرانية البولندية؛ وذلك لمنع وصول الإمدادات الغربية عبر أراضي بولندا.

لكنَّ وصول المجموعات القتالية لشركة فاجنر إلى بيلاروسيا طرح بُعْدًا جديدًا وخطيرًا لتلك التهديدات.

فقد تكاثرت تلميحات الرئيس البيلاروسي حول دور فاجنر على أراضي بلاده، وكان أغربها ما ظهر من حديث علني له في لقاء مع بوتين؛ إذ تحدّث وكأنه يشكو لبوتين من أن فاجنر تتحرَّك صوب الحدود البولندية.

وبالفعل تحدثت بولندا عن استفزازات تمارسها ميلشيات فاجنر على حدودها، وبدأت في إرسال تعزيزات عسكرية إلى مناطقها الحدودية مع بيلاروسيا، بعد أن تحدّث الرئيس البولندي ورئيس الوزراء ووزير الدفاع عن شعور بولندا بالخطر بعد انتشار شركة فاجنر على حدود بلادهم مع بيلاروسيا.

وزاد من خطورة الأوضاع ما ظهر من أحاديث وتكهنات حول احتمال قيام قوات فاجنر بتحرُّك مفاجئ لاحتلال ممر سوالكي الذي يفصل بين بولندا ولاتفيا، ويمثل الممر البري الوحيد بين روسيا -عبر بيلاروسيا- إلى منطقة كلينجراد التابعة لها على بحر البلطيق.

وإذ يمكن القول بأن ما يجري على الحدود البيلاروسية البولندية هو محاولة تثبيت وإشغال للقوات البولندية تمهيدًا لهجوم روسي -سواء عبر فاجنر أو غيرها- هدفه الوصول إلى (لفيف) على الحدود البولندية الأوكرانية -لمنع تهريب سلاح الأطلنطي إلى أوكرانيا-؛ فهناك مَن يتصور أن فاجنر هناك بهدف القيام بحركة مباغتة لاحتلال ممر سوالكي على الحدود بين بولندا ولاتفيا، حال اندلاع حرب بين الناتو وروسيا؛ إذ يسهم احتلال هذا الممر في فتح طريق الإمداد والتموين البري بين روسيا وقواتها في كلينجراد، كما يفصل ويعزل احتلال هذا الممر لاتفيا وأستونيا عن بولندا وعن باقي دول الناتو بريًّا.

وفي فعاليات الحرب في جنوب أوكرانيا؛ فقد تصاعدت مخاطر تمدُّد الحرب أيضًا.

فمع تواصل أعمال القصف الروسية بالصواريخ بعيدة المدى لأراضي أوكرانيا؛ تحدَّثت بعض المصادر الغربية عن أن بعض تلك الصواريخ التي انطلقت من السفن الحربية الروسية الرابضة في البحر الأسود، قد مرَّت فعليًّا عبر أجواء إحدى الدول الأعضاء في الناتو.

كما توسَّعت الحرب فعليًّا في البحر الأسود، بعد القرار الروسي بإنهاء صفقة الحبوب، واعتبار السفن التجارية هدفًا حربيًّا؛ فقد تحركت دول الناتو -في المقابل-، وساعدت أوكرانيا بأسلحة جديدة مكَّنتها من تصعيد أعمال استهدافها للأهداف الروسية البحرية وللموانئ الروسية؛ خشيةَ سيطرة روسيا على البحر الأسود الذي تطل عليه ثلاث دول من الناتو؛ هي بلغاريا ورومانيا وتركيا.

كما برزت مخاوف جدية من تطوير روسيا لسيطرتها على المياه الإقليمية الأوكرانية في البحر الأسود، إلى تحرك عسكري باتجاه إقليم ترانسدنيستريا الموالي لروسيا، والتابع رسميًّا لدولة مولدوفيا، وهو ما يعني توسع الحرب وتحولها إلى حرب بين روسيا وحلف الناتو.

وهكذا ظهرت إرهاصات على احتمال توسُّع الحرب أو تمدُّدها إلى دول الإقليم، شمال وجنوب أوكرانيا.

توسُّع الحرب أم ضغط للتفاوض؟

ثمة تطورات وتغييرات لأوضاع الحرب في داخل أوكرانيا؛ فهناك تبادل في الدفاع والهجوم في الأعمال البرية، وهناك سَيْر نحو معادلات توازن القصف -حتى لو كانت أولية-؛ إذ تقصف روسيا في مختلف مناطق أوكرانيا، فتُنهي قدراتها الاستراتيجية، وتخرج موانئها عن الخدمة، وتعزلها عن البحار، فيما تتصاعد قدرة الجيش الأوكراني على القصف الذي وصلت به إلى عمق المناطق الأوكرانية المحتلة منذ عام 2014م (شبه جزيرة القرم)، وإلى العاصمة الروسية. وطال القصف موانئ روسية مهمة وسُفنًا في البحر الأسود.

وثمة مؤشرات وتلويحات ومُلابسات وتهديدات بتوسيع الحرب إلى خارج الأراضي الأوكرانية؛ سواءٌ باتجاه بولندا وكاليننجراد في الشمال، أو باتجاه البحر الأسود ورومانيا ومولدوفيا في الجنوب.

فهل يُفْضِي التوازن البادي في المعادلات الجديدة للعمليات العسكرية، والتهديدات الجارية بتوسيع الحرب إلى حرب بين الناتو وروسيا، أم أن الجديد هو أنَّ الأوضاع باتت مهيأة الآن أكثر لبدء مفاوضات للتسوية أو على الأقل لوقف الاشتباكات العسكرية وتعليق الحرب؟

في تقدير احتمالات تطوُّر اتجاهات تلك الحالة تتفاوت التقديرات المستقبلية.

فهناك تقدير بأن تتعمق حالة قصف العمق بالعمق، وأن تُراكم أوكرانيا قُدُراتها لتمتدّ الحرب إلى داخل روسيا بشكل أقوى وأشد تأثيرًا.

وهو تقدير يعني أن روسيا ستُوسِّع رقعة الحرب جغرافيًّا، سواءٌ باتجاه الشَّمال أو الجنوب في أوكرانيا، وأنها ستوسّع عمليات التدمير التي تقوم بها.

وهناك تقدير أو أحاديث عن أنَّ الحرب يمكن أن تتوسَّع في الشمال والجنوب باتجاه دول أخرى، بما يُهدِّد باندلاع حرب بين الناتو وروسيا. لكنَّ هذا التقدير ما يزال مُستبعدًا عند كلّ الخبراء والمحللين، ببساطة لأنَّه لا فائز في مثل تلك الحرب؛ إذ كلّ طرف سيُدمِّر الآخر كليًّا. وفي ذلك، فكلّ أعمال التهويل بتمدُّد وتوسُّع الحرب لا وظيفة لها سوى الضغط وتعميق المناورة لأجل الوصول للتفاوض والحصول على أقصى قَدْر من المكاسب.

والحاصل أن البعض يخلط بين خطط الحرب الموضوعة في الأدراج، وإمكانيَّة وشروط واحتمالات اندلاع الحرب، فيُروِّج للخطط دون النظر للاحتمالات الفعلية لاندلاع الحرب.

والتقدير الراجح، هو أن ما تعيشه الأزمة الآن هو آخر مدًى يمكن أن تصل إليه الحرب، وأن الطَّرفين باتا على مرمى حجر من وقف الحرب التي لم يَعُد مقبولًا لها أن تستمر؛ إلا باعتبارها عامل استنزاف، وعامل ضغط للوصول للتفاوض، لا لتحقيق انتصار كاسح لأحد الطرفين.

ويمكن القول بأن الغرب وروسيا دخلا محطة المفاوضات، أو محطة وقف الحرب.

لقد اعتمد الغرب في المرحلة الأخيرة خطة تقوم على الوصول إلى هذا التوازن في الحرب البرية والجوية من جهة، وإحراز أوكرانيا لبعض التَّقدُّم العسكري على جبهات القتال من جهة أخرى؛ لكي يجري وقف الحرب وبدء التفاوض، أو حتى الوصول إلى وقف عملي للقتال دون اتفاق على السلام على غرار ما حدث في الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي. وهو ما تحقَّق الآن، وليس هناك إمكانية لتحقيق اختراق استراتيجي يؤدي إلى نتائج أخرى.

وقد اعتمد الروس بالمقابل -المرحلة نفسها- خطة تقوم على الحفاظ على ما تحقَّق من احتلال في شرق أوكرانيا ومنع الهجوم الأوكراني المضادّ من تحقيق أيّ اختراقات تُؤثِّر على ما حقَّقته القوات الروسية، وتقوم على إيصال أوكرانيا والناتو إلى تقدير أنّ كل يوم قتال يمرّ تكون خسائر أوكرانيا ضخمة تتعلق باستمرار وجودها.

وبعد كلّ ما تحقَّق؛ لا ترى روسيا أن بإمكانها تحقيق أهداف أبعد، وإلا وقعت في محظور الاستنزاف الاستراتيجي لقدراتها كدولة؛ إذ إن  قيام جيشها بالتمدُّد في شمال أوكرانيا أو جنوبها لن يؤدّي إلا إلى توفير أفضل فرصة للناتو لاستنزاف كلّ قُدُراتها، وقد لا يكون أمامها إلا استخدام السلاح النووي للخروج من هذا المأزق.

الطرفان الآن أقرب إلى وقف الحرب والتفاوض أو وقف الحرب كأمر واقع. 

والأغلب أن منصة جدة التي انعقدت خلال الأيام الأخيرة لبحث خطة السلام في أوكرانيا؛ ستقدم بداية الإجابات، وطبيعة الاستجابات لتلك الحالة الجديدة بشأن الحرب الأوكرانية.

أعلى