• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
نكبة فلسطينية أم انتكاسة صهيونية؟

نكبة فلسطينية أم انتكاسة صهيونية؟


أحيا الفلسطينيون هذه الأيام ذكرى نكبتهم الرابعة والستين، فيما احتفل الصهاينة بذكرى تأسيس كيانهم على أرض فلسطين المحتلة، ممَّا دعا المؤرخ الصهيوني الراحل «بنتسيون نتنياهو» والد رئيس الحكومة الحالي، للربط بين المناسبتين المتناقضتين المتعارضتين بقوله: «طالما أن الفلسطينيين يعدُّون يوم استقلالنا يوماً لنكبتهم، فلا مجال لحل الصراع بيننا وبينهم»!

تحلُّ هذه الذكرى على الجانبين، في وقت اضطرت فيه إسرائيل للانسحاب من أجزاء مختلفة من الأراضي الفلسطينية والعربية بفعل ضراوة المقاومة، وتواترت اعترافات القادة العسكريين والمفكرين الإسرائيليين بأن الاضطرار لتنفيذ انسحابات ميدانية من أراض محتلة، مثل تراجعاً واضحاً للمشروع الصهيوني الذي جُند للنيل من الشعب الفلسطيني.

وجاءت هذه الاعترافات على النحو التالي:

- الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية (شاباك) «آفي ديختر» يقول: لا أحد ينكر أن الفلسطينيين حققوا إنجازاً كبيراً بدفع إسرائيل لإخلاء مستوطناتها من قِطَاع غزة بدون مقابل سياسي، وبالتالي فإن الاستنتاج الذي توصل إليه الفلسطينيون أن نضالهم المسلح أثمر انتصاراً عليها.

- القائد السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال «شلومو غازيت» يرى أن على إسرائيل تعلّم الدرس من اضطرارها لتنفيذ الانسحابات من بعض الأراضي العربية، خاصة من فلسطين ولبنان، وهو أنه عاجلاً أو آجلاً ستكون مضطرة للجلاء عن الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ لأنه لا يمكن إعطاء توصيف آخر للاحتلال غير هذا المصطلح.. «الاحتلال».

- وزير البُنى التحتية «عوزي لانداو» يقول: إن الاضطرار للجلاء عن بعض الأراضي العربية والفلسطينية في الوقت الذي تتواصل فيه المقاومة، يدلُّ على انتصارها، وهزيمة تاريخية لإسرائيل.

- رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» يقول: إن خطة فكِّ الارتباط عن قطاع غزة تمثل انتصاراً مهماً لحركة حماس ولفكرها المقاوم، وبإمكان الفلسطينيين أن يعبّروا عن فرحتهم بهذا النصر الكبير الذي لم يكن له مثيل في كل مواجهات دولة إسرائيل.

- زعيم المستوطنين في قطاع غزة وعضو الكنيست السابق «تسيفي هندل» يقول: قالوا لنا دائماً، دعوا الجيش ينتصر، لكن الذي حدث أن الفلسطينيين انتصروا، وإذا كانت الحكومة تجعل الجيش يفرُّ على هذا النحو المخزي، فلماذا جعلونا نستثمر هذا الجهد ببناء المستوطنات وتقديم تضحيات من أجلها؟

- «شالوم يروشالمي» المعلق السياسي في صحيفة «معاريف» طالب صناع القرار في تل أبيب بالإقرار بالحقيقة أمام الرأي العام الإسرائيلي، والاعتراف بهزيمة المشروع الاستيطاني، مشيراً إلى أن الحيرة الأساسية تكمن في المستوى المعنوي، فالانسحاب من الأراضي العربية والفلسطينية انتصار للمقاومة، ولا يمكن إنكار ذلك.

- مستشار الأمن القومي الحالي «يعكوف عميدرور» يعدُّ أن قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة المقاومة الفلسطينية انهارت بعد تنفيذ الانسحابات من أراض عربية وفلسطينية، لأن الأمر الذي بات معروفاً للفلسطينيين والعرب أن بإمكانهم الحصول على منجزات سياسية إذا واصلوا استخدام الضغط على إسرائيل، وللأسف فإننا ننسحب بعدما تبين للفلسطينيين أنه بالإمكان هزيمتنا!

كما تحيي إسرائيل ذكرى تأسيسها وهي تعتقد جازمة بأن المسوغ الأساسي لقيامها على أنقاض الأرض الفلسطينية، جاء لتكون قاعدة عسكرية متقدمة للمشروع الغربي في المنطقة العربية، وفي مراحل لاحقة تحولت لتصبح «حاملة طائرات» بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ممَّا جعلها «الطفل المدلل» للعواصم الغربية، ليس بالضرورة حباً في سواد عيون اليهود، ولكن لأنهم يقدمون خدمات جليلة «غير مجانية» لتلك العواصم.

ومع ذلك، فإن الضلع الثاني من أضلاع الأزمة الإستراتيجية لإسرائيل إقليمياً ودولياً يتمثل بشعورها بفقدان الدور والوظيفة المناطة بها منذ تأسيسها، خاصة بالنسبة إلى الغرب.

وتمثل ذلك فيما عرضته شعبة التخطيط في هيئة الأركان العامة للجيش، من تقديرات متشائمة للأوضاع السياسية والأمنية بشكل استثنائي، واعتقادها بأن الذكرى السنوية الحالية لاستقلال الدولة تشهد تفاقماً لبيئتها الإستراتيجية بشكل خطير، ممَّا سيجعلها تقف في وضع بالغ الصعوبة أكثر من الوضع الحالي.

ويتزامن هذا الأمر بصورة وثيقة بما يسمى «تآكل» المواقف الأميركية في الساحة العالمية، ممَّا سيجعل من قدرتها على تحقيق استقرار الشرق الأوسط مقيدة مقارنة بالماضي.

ولمحاولة استدراك تراجع الوظيفة الغربية للدولة «الإسرائيلية»، تطالب تلك الأوساط صناع القرار بالتصدي للتحديات العسكرية والسياسية المناطقية، وللتآكل في أساس قوة ردعها، لأن ذلك سيتركها فترة من الزمن تقف بانتظار الحسم في مواضيع سياسية وأمنية جوهرية، وسيكون لها تأثير حتمي على الحلبة السياسية الداخلية والخارجية.

فإسرائيل موجودة في وضع يمكن فيه أن تهتز، وكل جهد لمنع هذه الاهتزازات سيكون منوطاً بثمن دبلوماسي، وبصعوبة في استيعاب التحديات الأمنية.

أما على الصعيد الخارجي، فإنها تعيش فترة تتميز بتفاقم سريع للتهديدات الأمنية والسياسية المحدقة بها، وتدهور وضعها الإستراتيجي في ظل الحراك العربي المتلاحق، وفقدانها لأنظمة شكلت لها على الدوام مخزوناً احتياطياً عزَّ نظيره.

والمثير أن سيطرة إسرائيل باتت محدودة على حجم التغيرات وآثارها، مما سيجعلها تجد نفسها عالقة في وضع لا تملك فيه ردوداً على التحديات التي تؤثر في مكانتها السياسية ووضعها الأمني في السنوات المقبلة.

وربما ما يزيد الأمور تعقيداً وسواداً لدى مراكز التفكير الإسرائيلية، ما تشهده العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أزمة غير مسبوقة في حدّتها حول جملة من المواقف، لعل أهمها الصراع مع الفلسطينيين، وجميع المؤشرات تقطع بما لا يدع مجالاً للشك أن شرخاً أصاب «الحليفين الإستراتيجيين»!

ويشهد المراقب لحال إسرائيل بعد مرور 64 عاما على تأسيسها، سلَّماً بيانياً يميل إلى التراجع في مختلف المستويات السياسية والأخلاقية والسكانية. وتقتضي الضرورة العلمية الإشارة إلى أن هذه التراجعات باتت على أبواب المستوى العسكري، على الرغم من أنه شهد طفرات كبيرة - وكبيرة جداً - خلال العقود الماضية.

ولكن، ما الذي جعل ذات الجيش -ودولته صاحبة القوة العسكرية الرابعة على مستوى العالم- يتوقف عن ذلك المسلسل من الانتصارات؟ وما الذي حلَّ به من تراجعات وعيوب وثغرات؟ ولماذا وصل قطار الانتصارات الإسرائيلية إلى محطته الأخيرة؛ ليبدأ مسلسل الهزائم والإخفاقات؟

الإجابة عن هذا التساؤل المزمن في تل أبيب وجد إجابته على لسان أحد قادتها بقوله: «حظيَ أعداؤنا بنجاح عسكري، ولاشك أن هذا النجاح سيثير شهيتهم لإحراز نجاحات جديدة.. فقد ولدت الحرب الاحتلال، والاحتلال ولد المقاومة، والمقاومة ولدت الخطوات الوقائية، والقيود والاعتقالات والتحقيقات، ومقابلها الردود، والردود على الردود، وحسابات الدم متواصلة، وأحلام الانتقام، وما نضج مجدداً هو روح الكراهية المتبادلة، وولدت المقاومة الواسعة».

:: مجلة البيان العدد 300 شعبان 1433هـ، يوليو 2012م.

 


أعلى