• - الموافق2024/04/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل الإسلاميين والنفط.. مفاتيح الحل

لا تمتلك الأمم المتحدة دورًا منفصلًا عن الإرادة الأمريكية في ليبيا؛ لذلك يمكن اختصار تحركها في سياق: إيجاد آليات تخدم النهج الأمريكي هناك.


لا تزال ليبيا أسيرة لمعادلة القوة من أجل تسوية الخلافات بين الأطراف السياسية المتناحرة؛ ففي الأسابيع الأخيرة شهدت العاصمة طرابلس اشتباكات متعدّدة راح ضحيتها 32 شخصًا، وأُصيب أكثر من 100 آخرين.

هذا التطور يعكس انتكاسة دبلوماسية للجهود الأممية، ويُطلق صافرة إنذار تحذّر من تجدُّد الصراع بين الشرق والغرب عقب فشل أطراف الصراع في الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر خلال شهر ديسمبر المنصرم.

كما فشل وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا -الذي يستند إلى دعم من قوات خليفة حفتر- في دخول العاصمة طرابلس والإطاحة بحكومة عبدالحميد الدبيبة؛ الذي بدوره يستند إلى شرعيته الأممية والكتل المسلحة التي تدعمه في طرابلس؛ لأسباب منها سياسية ومنها مالية.

وفي فبراير 2021م نجحت القوى الليبية في إيجاد توافق لتعيين الدبيبة رئيسًا لحكومة وحدة وطنية برعاية الأمم المتحدة، بصفتها حكومة مؤقتة؛ على أن يتم تنظيم انتخابات عامة تُنْهِي دائرة الصراع، لكنَّ البيئة السياسية والأمنية غير المستقرة سمحت للدبيبة وحلفائه برفض القبول بمعادلة سياسية أرادت قوى الشرق بقيادة عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، والقائد العسكري خليفة حفتر، فَرْضها لدخول طرابلس من بوابة الانتخابات والشرعية السياسية عقب فشلهم في ذلك عسكريًّا؛ إثر التدخل التركي في 2019م.

حصل الدبيبة على شرعيته جراء محادثات تمت بوساطة الأمم المتحدة في فبراير 2021م، بينما حصل وزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، على شرعيته السياسية إثر تحالفه مع قوات شرق ليبيا بقيادة حفتر، وإجراء تصويت صوري مِن قِبَل البرلمان على مَنْحه الثقة لتشكيل حكومة في طبرق رفضت الأمم المتحدة الاعتراف بها.

رغم محاولاته الأمنية والعسكرية للإطاحة بالدبيبة؛ إلا أن باشاغا فشل فشلًا ذريعًا في ذلك؛ لعدة أسباب؛ أبرزها وجود فصائل ليبية تعتقد أن باشاغا أحد خيارات حفتر للعودة لطرابلس عقب هزيمته عام 2019م في المواجهة العسكرية، لذلك يحتفظ الأخير بباشاغا كورقة للمناوشة السياسية، ويعزز من محاولات فرضه سياسيًّا؛ من خلال دعمه مِن قِبَل كتلة برلمانية في الشرق.

يقول وزير الداخلية السابق، والذي كان أحد الأطراف التي تدعمها تركيا في موجهات 2019م: «إنه يعطي الأولوية لتعديل الدستور، وتنظيم انتخابات في عام 2023م»، بينما يؤكد الدبيبة أنه ملتزم بالبقاء في السلطة حتى تنظيم انتخابات تشريعية في المناطق التي يسيطر عليها خلال الأشهر المقبلة.

بينما ظهر توجُّه آخر يدفع باتجاه طريق ثالث بخلاف الدبيبة وباشاغا للخروج من الأزمة، لكن مثل هذا البرنامج السياسي يفتقد إلى الخارطة التي يمكن السير عليها، بالإضافة إلى عدم وجود قوَّة بعينها توفّر له الدعم وتحميه على الأرض.

فكلا الطرفين المركزيين في الصراع الليبي يستندان إلى تحالفات خارجية هي التي تحدد مسار الصراع؛ فالمجموعة الأولى تُمثّل الجزائر وتركيا، وتدعمان الدبيبة، وعزمه المعلن على إجراء انتخابات برلمانية قبل المنافسة الرئاسية، وتأتي هذه الخطوة لاعتقاد تلك الأطراف بعدم قدرة فتحي باشاغا على الحصول على الاعتراف الدولي، أو إمكانية نجاحه في تشكيل حكومة في طرابلس.

أما المجموعة الثانية والتي تضم مصر وفرنسا والولايات المتحدة، والتي تعترف ظاهريًّا بحكومة الدبيبة، لكنها تدعم باشاغا ضمنًا؛ فهذا المحور يعتقد أن مصالحه ستكون متطابقة مع وجود تحالف بين حفتر وباشاغا، قد يَحُدّ نجاحه من فرص الإسلاميين في الوصول إلى السلطة.

وهناك مجموعة ثالثة يُعتَقد أن بريطانيا ستعلب فيها دورًا محوريًّا في المرحلة المقبلة، عقب إعلانها في يونيو الماضي عن فتح سفارتها في العاصمة طرابلس، ويضم هذا التحالف ألمانيا وإيطاليا، وجميعها تعترف بحكومة الدبيبة، لكنها لا تمانع في التعاطي مع باشاغا، لكنها قَلِقَة بصورة كبيرة من صعود حفتر للسلطة في ليبيا؛ بسبب علاقاته الوطيدة مع موسكو، واستعانته بمليشيات فاغنر الروسية. ويعزز من ذلك تعيين ليز تراس، رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة، لمارك فولبروك، رئيسًا لموظفيها، وهو يمتلك علاقات وطيدة مع البرلمان الليبي وشخصيات ليبية رفيعة.

بالتزامن مع هذه المواقف هناك أيضًا تحركات تركية قطرية لا يجب تجاهلها في هذا الملف، فمؤخرًا زار رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، الدوحة، وخصه أمير قطر، تميم بن حمد، بلقاء خاص متجاوزًا البروتوكول عقب سنوات من وَصْف صالح لقطر بأنها راعية لـــ«الإرهاب»، وهي إشارة لتحرُّك قطري هدفه تطوير العلاقات مع جميع أطراف الصراع الليبي، فقد جاء اللقاء بعد اجتماع سبقه بأيام مع رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة تناول نفس المحاور؛ وقد فُسِّر خمول التحركات القطرية في السنوات القليلة الماضية نتيجة المصالحة الخليجية، وسعيها لإنجاح تنظيمها لكأس العالم.

كذلك شهد الملف تحركات تركية تَوَّجَها استقبال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان لطرفي الصراع في مطلع سبتمبر الجاري، وبحسب معهد الدراسات الاستراتيجية الإسباني (IEEE)، يقف خلف هذا التحرك أهمية ليبيا بصفتها بوابة لإفريقيا، والتدخل الروسي هناك، وكذلك للحد من المنافسة الإقليمية مع مصر، وأزمة الغاز في شرق المتوسط بين تركيا والدولة العبرية واليونان، ومحاولة احتواء جميع الأطراف السياسية في ليبيا؛ تمهيدًا لحوار وطني، خصوصًا عقب نجاح تركيا في حسم نتائج المواجهة العسكرية في عام 2019م لصالح حكومة طرابلس.

أما بالنسبة للأمم المتحدة فهي تقوم بدور متوازٍ مع الموقف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، فمؤخرًا تم تعيين الدبلوماسي السنغالي عبد الله باتلي مبعوثًا جديدًا في ليبيا خلفًا للسلوفاكي يان كوبيتش؛ رغم رفض حكومة الدبيبة لهذا الترشيح الذي جاء بضغط من روسيا والصين عقب ضغوط تمَّت ممارستها لرفض المرشح الجزائري، صبري بوقادوم.

ولا تمتلك الأمم المتحدة دورًا منفصلًا عن الإرادة الأمريكية في ليبيا؛ لذلك يمكن اختصار تحركها في سياق: إيجاد آليات تخدم النهج الأمريكي هناك. فعلى سبيل المثال لا الحصر: رفض رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي مؤخرًا، خطة أممية وضعها السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند للسيطرة على إيرادات النفط الليبي؛ بذريعة وجود خلافات حول أحقية المتصرّف في إيرادات الدولة من الصادرات النفطية.

وبموجب الخطة الأمريكية التي تم إلباسها اللباس الأممي؛ فإنه سيتم تجميد عائدات النفط في حسابات المؤسسة الوطنية للنفط في البنوك الغربية، وصرف دفعات طارئة فقط من خلال لجنة تُحدِّد أعضاءها واشنطن، ويبقى هذا التجميد على الأموال الليبية رهينةً بالتوصل لحل سياسي بين الأطراف المتصارعة.

قد يكون أحد عوامل عدم تصاعد الاشتباكات بين قوات الشرق وقوات الحكومة في طرابلس: انشغال الأطراف الخارجية النافذة في ليبيا بالمواجهة الحالية في أوكرانيا، وعدم رغبتها في تجديد المواجهة بالوكالة على الأراضي الليبية، لذلك يقول الصحفي الليبي محمد حميدة: «إن الاشتباكات الأخيرة في طرابلس هي جولة أولى من حربٍ ربما تكون أوسع ضراوة، ستكون هي المعيار الأهم في حسم الخلافات؛ لأن مقترحات الأمم المتحدة لا تهدف إلى تقديم حلول، وإنما تهدف إلى تقليل التوتر وتأجيل الصراع».

لذلك يبقى الرهان في ليبيا مرتبطًا بصورة كبيرة بطبيعة العلاقات الخارجية لأطراف الصراع، فقد دعمت كل من القاهرة وموسكو تنصيب حكومة باشاغا في الشرق، وفي حين تتمتع تركيا بعلاقات ودية مع باشاغا؛ إلا أنها تمسكت بتحالفها مع الدبيبة، بينما تتمسك قطر باتصالاتها مع الطرفين، أما بالنسبة للإمارات فقد غيّرت توجهاتها تمامًا في هذا الملف؛ إذ أظهرت دعمها لحكومة الدبيبة، بينما كانت سابقًا تدعم تحالف حفتر!

لكن الدعم السياسي مرهون أيضًا بدرجة كبيرة باللاعبين الكبار؛ فالتوازن القَلِق بين تركيا وروسيا في أزمة أوكرانيا قد ينعكس على الأوضاع في ليبيا؛ فتركيا لديها قوات في العاصمة طرابلس بموجب حلف دفاعي برَّر تدخُّلها، بينما روسيا تمتلك طائرات حربية ومتعاقدين عسكريين من مجموعات فاغنر في الشرق. ولذلك فإن موسكو هي الحكومة الأجنبية الوحيدة التي رحَّبت بحكومة باشاغا.

أما الجزء الأهم والحاسم في الخلافات الداخلية الليبية فهو السيطرة على حقول النفط، وهي أمنيًّا تخضع حاليًا لقوات يقودها خليفة حفتر، بينما تمتلك الحكومة في طرابلس الشرعية الدولية لبيع إنتاجها واستلام إيراداتها وإدارة موازنة الدولة؛ ولذلك هناك إجماع على أن مستقبل الأزمة الليبية رهينة بإيجاد حسم لهذه القضية، وكذلك طبيعة الحراك الدولي، ومن المستفيد من تعثُّر الحل السياسي.

 

 


أعلى