• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
فوبيا الإسلام.. الاستهداف الديني للمسلمين

في مارس عام 1968م صرّحت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة جولدا مائير، عندما وقفت في خليج نعمة في شبه جزيرة سيناء التي كانت تحتلها الدولة العبرية آنذاك قائلةً: «إنني أشمّ رائحة أجدادي في خيبر ويثرب وتيماء وصحراء فاران».


الاستهداف الممنهج للأقليات المسلمة حول العالم، وكذلك كثرة تفجُّر الصراعات في المنطقة يجعل كثيرًا من الناس يعتقدون أنها مجرد صراعات ذات هوية سياسية واقتصادية غالبًا ما يهدف مخططوها إلى تحقيق المزيد من المصالح الاقتصادية على حساب الشعوب الأخرى، لا سيما أهل الإسلام، لكن حينما نفصل في الحديث عن كتاب «العودة إلى مكة»، لضابط الموساد اليهودي «دينيس آفي ليبكين»، والذي يظهر على غلافه الكعبة المشرفة محاطة بشريطين باللون الأسود، ويعلو الصورة رمز «التفيلين» اليهودي، يزيد اليقين لدينا بأن وعي الأمة المسلمة بحاجة لانتفاضة توجّه بوصلته؛ فالكتاب يُمثّل هوية حقيقية لأكثر الأفكار الصهيونية اليهودية تطرفًا وعدوانيةً، فهو فِكْر قائم على ادّعاء اليهود أحقيتهم في الوجود في شبه الجزيرة العربية، ومبرّرهم في ذلك ما يحمله التراث التاريخي من أفكار بشأن وجود «قبائل يهودية» عاشت لسنين طويلة في بلاد العرب، ثم قام المسلمون بإخراجهم من جزيرة العرب؛ مثل يهود بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير الذين حاول بعضهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم، ونقض بعضهم العهد مع المسلمين وتحالفوا مع المشركين في غزوة الأحزاب.

وتماشيًا مع هذه الأفكار التي يجري تحويلها إلى تشريعات أُممية من خلال لجان حكومية صهيونية تطالب بتعويضات من العرب نظير ممتلكات اليهود الذين تم تهجيرهم من تونس وليبيا ومصر والعراق والمغرب واليمن، وغيرها من بلدان العالم العربي؛ لذلك نجد كتاب «العودة إلى مكة» يكشف الوجه القبيح للأطماع الصهيونية من خلال وضع  صورة الحرم والكعبة، ورمز «التفيلين» اليهودي، وهو عبارة عن علبتين صغيرتين من الجلد الأسود ترتبطان بقاعدة، وتحتوي هاتين العلبتين على عدد من الإصحاحات من كتاب اليهود المقدس، تكون مدوّنة على رقّ، وتُربَط هاتان العلبتان على الذراعين والرأس بواسطة أشرطة جلدية سوداء (تشبه الأشرطة التي تحيط بالكعبة في غلاف الكتاب)، ويبدأ وضع التفيلين على رأس الصبيان في سن الثالثة عشرة، في صلاة الصبح في بعض أيام الأسبوع، وهو رمز يجب حفظه بعناية، ويُمنَع وضعه في مكان قذر؛ وفقًا للمعتقدات اليهودية.

وسنجد في كتاب «العودة إلى مكة Return to mecca » محاولةً من الكاتب لربط هذا الرمز بالكعبة المشرّفة، للوصول إلى ما يريده من استنتاجات تزعم أن الكعبة هي حق لليهود وليست للمسلمين.

وفي مارس عام 1968م صرّحت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة جولدا مائير، عندما وقفت في خليج نعمة في شبه جزيرة سيناء التي كانت تحتلها الدولة العبرية آنذاك قائلةً: «إنني أشمّ رائحة أجدادي في خيبر ويثرب وتيماء وصحراء فاران».

يطرح «آفي ليبكين» في كتابه «العودة إلى مكة»، سؤالاً تحريضيًّا يقول فيه: «هل يُهزَم الإسلام وينتهي عندما يغزو الغرب اليهودي-المسيحي مكة والمدينة ويقوم باحتلالهما؟»، ثم يزيد في التصريح بالادعاء أن الجبل الذي تجلَّى الله إليه، وكلَّم نبيه موسى عنده، ليس هو جبل الطور في شبه جزيرة سيناء المصرية. بل ذهب إلى القول بأن هذا الجبل يقع في السعودية، وبالتحديد في محافظة تبوك، ويسمى جبل اللوز.

أقوال الضابط الصهيوني السابق، أكدتها الباحثة المصرية الدكتورة هبة جمال الدين، حينما قالت: «إن الكتاب نُشِرَ بدعم من وزارة الخارجية الصهيونية التي تُشرِف على تمويل الدار الناشرة في الولايات المتحدة الأمريكيةThe Prophecy Watchers ، وهي من أدوات وزارة الخارجية الصهيونية، وتقوم الأخيرة بتمويل مثل هذه المشاريع التي تُروّج للفكر الصهيوني».

وتضيف «أن مُعِدّ الكتاب يَستخدم نصوص العهد القديم والجديد، لكي يصل إلى القول بأن الكعبة المشرفة يجب أن تتحوَّل إلى مكان خاضع «للتدويل»، بإدارة  تتبع الأمم المتحدة، وهي قضية تم طرحها بقوة خلال المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة العبرية في أوسلو ومدريد».

الصدام الديني بين المسلمين واليهود جعل العرب في قائمة المستهدفين عِرقيًّا في العقلية اليهودية، ولا شك أن ذلك نتيجة دور العرب البارز في قيادة الحضارة الإسلامية والدفاع عنها؛ لذلك نجد خطاب التحريض ضد العرب بارزًا وحادًّا لدى الحاخامات اليهود، ففي تصريحات أدلى بها الحاخام دوف ليئور، ونقلتها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قال: «يجب تطهير فلسطين المحتلة من العرب»، واصفًا العرب بأنهم دعاة حرب لا يمكنهم استيعاب مفهوم «الديمقراطية». وطالب بترحيل الفلسطينيين إلى «السعودية»، ووصف العرب بـــ «الذئاب الذين يكرهون السلام».

وخلال مسيرة الأعلام التي تنظّمها جماعات يهودية في القدس المحتلة كل عام في ذكرى احتلال القدس عام 1967م؛ تخرج هتافات واضحة بــــ«الموت للعرب». وفي مقال نشرته صحيفة هارتس كتب أرييل ديفيد مقالة بعنوان «قبل الإسلام: عندما كانت العربية السعودية مملكة يهودية».

استهداف المسلمين ومكة المكرمة بصفتها قِبْلة أكثر من مليار مسلم في هذا العالم، ليس فقط استهدافًا يهوديًّا أو مسيحيًّا توجّهه الحضارة الغربية بكافة أدواتها، بل أيضًا يجتمع معهم في ذلك الاستهداف الممنهج: الهندوس في الهند التي شهدت عشرات المجازر التي استهدفت قتل المسلمين وتهجيرهم، منها مجزرة كالكوتا عام 1946م، ومجزرة نيلي عام 1983م، وهجوم مسجد بابري عام 1992م ومجزرة غوجارات عام 2002م، وليس آخرها هجمات نيودلهي عام 2020م.

وليس مستغربًا على الباحثين في قضية استهداف المسلمين مِن قِبَل المسيحية واليهودية والهندوسية أن يجدوا أنها تجتمع في نفس المشتركات العدائية، وأبرز أدواتها: التحريض والمجازر الجماعية، فقبل أشهر ظهر راهب هندوسي يُدْعَى (ياتي كريشناناند) في الفيديو مرتديًا العمامة والزي البرتقالي قائلًا: «أنا أفكّر أن نبدأ مذابح جماعية ضد المسلمين من بورفانش في شرق ولاية أوتار براديش الهندية» .وأضاف الراهب الهندوسي قائلًا: «إنها عملية بسيطة.. سوف يَرُدّون علينا؛ ومِن ثَمَّ نزيد الهجوم ونقضي عليهم».

وعقب ظهور الراهب أقدم مغني شعبي يدعى سانديب تشاترفيدي، على تسجيل أغنية جديدة في مدينة أيوديا الواقعة بولاية أوتار براديش في شمال الهند، تتحدث عن التحريض على المسلمين والسيطرة على مساجدهم وتحويلها مراكز للعبادة الهندوسية.

أغاني تشاترفيدي تنتمي إلى تيار موسيقي مُتنامٍ على يوتيوب وغيره من منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث ينفث أنصار اليمين الهندوسي سمومهم ضد المسلمين. كما أن كلمات تلك الأغاني إما مسيئة أو تحتوي على التهديد والوعيد. وعادةً ما تَستند إلى فكرة أن الهندوس رزحوا لقرون تحت وطأة حكم المسلمين، والآن حان الوقت لكي يدفعوا الثمن.

الخطاب الهندوسي التحريضي ضد المسلمين لم يكن وليدًا لثقافة الكراهية التي يتبنّاها الحزب الحاكم بقيادة، نارندرا مودي، فقط؛ بل هي ميراث لدعوات قديمة قِدَم تاريخ الهند؛ فقد برز في هوية الكراهية التي يتبنَّاها الهندوس تجاه المسلمين عمومًا ومكة خصوصًا الشعار المعروف: «من السويس إلى سنغافورة، ومن كوريا إلى الكعبة»، ثم: «بناء معبد الإله راما على أنقاض الكعبة».

هذا الشعار ترجمه كتاب بعنوان «من أخطاء التأريخ للهند»، وتحت عنوان: «تجاهل الأصل الحقيقي للكعبة كمبعد هندوسي»؛ يزعم مؤلف الكتاب أن الكعبة كانت معبدًا للإله رام؛ وأنه مع مجيء محمد -صلى الله عليه وسلم- قام بتحويلها إلى مسجد، وأنه لا بد أن يأتي اليوم الذي يعود فيه الهندوس إلى الجزيرة العربية، ويقومون ببناء معبد الإله رام على أنقاض الكعبة.

الفيلسوف الهندي الشهير (بي. إن. أوك) أضاف في كتابه: «أن هناك دلائل عديدة يُستنتَج منها أن الجزيرة العربية خضعت لسلطان الملك الهندوسي فيكراماديتيا، كما أن هناك أدلة أخرى تؤكد أن المعبد -الكعبة- يعود في بنائه إلى عام 58 ق.م على يد الملك فيكراماديتيا بدليل وجود شعار المهاديف -أحد آلهة الهندوس- في الكعبة ذاتها، وهو ما يُطلق عليها اليوم اسم الحجر الأسود عند المسلمين!!

ويقول تحت عنوان: «تجاهل حكومة الملوك الهندوس من جزيرة بالي إلى حدود البلطيق، ومن كوريا إلى الكعبة.. إن هذه الدولة العظمى كان يُطلَق عليها بهارت ورشا، كما أن المصطلح نفسه كان يُطلَق على المعمورة بأكملها، وهذه الدولة كانت تشمل معظم البلاد في قارتي آسيا وأوروبا».

أحد كبار الدبلوماسيين الهندوس الدكتور إس. آر. باتيل في كتابه «السياسة الخارجية للهند» قال: «بقيت أفغانستان لمدة طويلة جزءًا من الهند، وإن إيران مهمة جدًّا للهند؛ نظرًا لحاجتها إلى البترول في العهد الحاضر، وكذلك حاجة الهند للبترول تجعلها تهتم بالبلاد العربية أيضًا.. ومن الضروري جدًّا بالنسبة للهند أن تسيطر على سنغافورة والسويس اللتين هما بمثابة الباب الرئيس، وإذا تغلبت عليهما قوة معادية أخرى فستُعرّض الهند واستقلالها للتهديد».

لذلك يمكن القول: إن التعبئة ضد الأقليات المسلمة في الهند والعديد من بلدان العالم ليست مجرد حالة من التحريض المدفوع بأزمات توسُّع جغرافي أو نتيجة تصادم أمني فرَضه الواقع العالمي اليوم، وإنما هي موجة منتظمة يأتي في مقدمتها استهداف الأقليات المسلمة، وصولًا إلى مهاجمة أهل الإسلام في ديارهم؛ فعقب هجمات 11 سبتمبر الشهيرة عام 2001م خرجت تصريحات أمريكية تُحرّض على استهداف مكة في رسالة تحمل الكثير من العداء للمسلمين، ومن ذلك ما كتبه الكاتب الأمريكي (ريتش لوري) في مجلة «ناشيونال ريفيو»؛ حيث اقترح ضرب مكة المكرمة بالقنبلة النووية، وادَّعى الكاتب أنَّ عددًا من القراء تجاوبوا معه برسائل احتوت تأييدًا كبيرًا لضرب مكة بقنبلة نووية.

تبعه تصريح من (توم تانكريدو) وهو مرشّح جمهوريّ سابق للرئاسة ونائب في الكونغرس الأمريكي، مهدِّدًا بضرب مكة وقصفها بالنووي؛ بحجَّة منع أي هجوم نووي مِن قِبَل بعض الجماعات الجهادية على الولايات المتحدة الأمريكية، ولا شكَّ أن الكثير من المجازر التي استهدفت المسلمين في كندا والنرويج وغيرها من البلاد الأوروبية كانت عناوينها واضحة ليس لها علاقة بالعِرْق بقَدْر ما لها علاقة بالهوية الحضارية للمسلمين، وهذا الأمر كشفه تواطؤ الكتيبة الهولندية في مجزرة سربرنيتسا عام 1995م مع مجرمي الحرب الصرب.

 

 


أعلى