الأمة تعيش صراعاً على عقيدة الأجيال الناشئة وفكرها وهويتها، صراعاً غير متكافئ بين القوى الصليبية وما تملكه من أدوات التغيير الفكري ووسائل الإعلام والاتصال، وبين تلك الطلائع التي نذرت نفسـها لتربيـة الناشـئة تربية إسـلامية، والتـي لا تملك ذات القـوة والأدو
يحسن البدء بالتذكير بأنَّ التربية تعني الارتقاء بالفرد من حالته الراهنة إلى
الحالة النموذجية، لأن هذا التعريف رغم بساطته إلا أنه يشكل حجر أساس في عمليات
التفكير المتعلقة بالتربية.
والنموذج المنشود هو الذي يقرره دين المجتمع ومنهاجه، فهو يختلف باختلاف الأديان
والمناهج، لذا فإنَّ النموذج المنشود في التربية الإسلامية نموذجٌ إسلامي، شريعة
ومنهاجاً.
والعمل التربوي - إذا استصحبنا تعريف التربية - قدم لأمتنا الشيء الكثير، من خلال
طليعة ينبتها الله نباتاً حسناً في كل جيل من الأجيال، طليعة ترتقي بالجيل نحو أفضل
الحالات الممكنة، وتغرس في وجدانه النفور من الموبقات والشرور. ولا تزال الحاجة
قائمة، ولا يزال الواجب متحتماً، ولا يزال الفرض متعيناً، ولا تزال الأجيال متعطشة،
ولا يزال الصراع على عقيدتها مستمراً.
نعم! الأمة تعيش صراعاً على عقيدة الأجيال الناشئة وفكرها وهويتها، صراعاً غير
متكافئ بين القوى الصليبية وما تملكه من أدوات التغيير الفكري ووسائل الإعلام
والاتصال، وبين تلك الطلائع التي نذرت نفسـها لتربيـة الناشـئة تربية إسـلامية،
والتـي لا تملك ذات القـوة والأدوات، لكنهـا الأعلـى منهجاً وطريقة وهدفاً، تستمد
استعلاءها من قول المولى الكريم: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ
الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:
139].
فهل يعي المربون أنهم في أتون معركة سلاحها العلم وميدانها الإنسان بكل ما يحمله من
عناصر: عقله وروحه وجسده ومشاعره وأخلاقه وديانته؟ هل يَعُون أنهم في ثغرٍ مبارك
ورباط عليِّ الشأن؟ هل يعون أنَّ معركة الإنسان هي أعتى المعارك العالمية؟ كيف لا،
وقد بدأت في الملكوت الأعلى حين أسجد الله تعالى ملائكته الكرام لآدم عليه السلام،
بعد أنْ علَّمه الله الأسماء كلها، فارتفع شأنه بذلك، وهو ما أعقب العداء الإبليسي
عليه.
وهذا التصور ليس وليد اليوم، فإنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم نزل عليه قوله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:
107]
وهو وأصحابه في أشدِّ حالاتهم في مكة، حيث بلغ الأذى والاضطهاد فيهم مبلغه قبل
الهجرة، وحيث هـم ما بين خـائف ومترقب في شـعاب مكـة وبيوتها، أو فارٍّ بدينه إلى
بلاد غريبة عنه. نزلت هذه الآية لتذكرهم بالرسالة العالمية التي تنتظرهم، والتي
سيكون لعالميتها ثمن غالٍ عليهم أنْ يدفعوه، والتشريف على قدر التكليف.
ولحق نبينا صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وأصحابه أولئك على العهد، دعوة إلى
الله وجهاداً في سبيله ونشراً للعلم وانتشاراً في البلدان والأمصار، يبلِّغون الدين
ويربون الناس عليه، حتى أصبحت تلك الأمصار مداداً للإسلام علماء ومجاهدين وساسة،
ولم يكن المقاتل في الثغر بأفضل حالاً من المعلم في مكتبِه. سُئل سفيان الثوري عن
الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ فقال: يقرأ القرآن، لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال:
«خيركم
من تعلم القرآن وعلمه»[1].
يقول محمد رشيد رضا في تفسيره لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْـمُؤْمِنُونَ
لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:
122]
ما نصه:
«الآيةُ
تدل على وجوب تعميم العلم والتفقه في الدين والاستعداد لتعليمه في مواطن الإقامة
وتفقيه الناس فيه على الوجه الذي يصلح به حالهم، ويكونون به هداة لغيرهم، وأن
المتخصصين لهذا التفقه بهذه النية لا يقلون في الدرجة عند الله عن المجاهدين بالمال
والنفس لإعلاء كلمة الله والدفاع عن الملة والأمة، بل هم أفضل منهم في غير الحال
التي يكون فيها الدفاع فرضاً عينياً، والدلائل على هذا كثيرة[2].
ثغور التربية:
أفق التربية واسع، ومجالاتها رحبة، وخطوطها متعددة، وحصرها في مجال واحد تحجير
للواسع، وفي رحابتها استيعابٌ لعددٍ أكبر من العاملين لأنهم سيجدون ميادين تستوعب
قدراتهم المختلفة وشخصياتهم المتنوعة، واستيعابٌ أكبر للشرائح المستفيدة والأنماط
المختلفة، وهذا ما نحن بحاجة إليه. وهنا سأعرض لخمسة ثغور تربوية:
الثغر الأول: تربية الرواحل
وهم القلة الذين يتحملون عزائم الدين والمروءات، ويؤدون الرسالة الربانية كما أمرهم
الله تعالى دون تردد، لا يعيقهم خوف باطش أو فوات لذة، ولا يخطف أبصارهم بريق دنيا،
يبذلون في سبيل التحمل والأداء نفوسهم وأموالهم، مستلهمين قول الله تعالى:
{لَتُبْلَوُنَّ
فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن
قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى
كَثِيرًا وَإن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ
ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}
[آل
عمران:
186].
هؤلاء الرواحل ذكرهم الله في القرآن بأسماء مختلفة، ففي سورة المائدة سماهم الله
تعالى النقباء، وفي سورة آل عمران والصف سماهم الله تعالى الحواريين، وفي سورة آل
عمران أيضاً سماهم الله تعالى الربِّيين، وفي سورة الكهف سماهم الله تعالى الفتية،
وفي سورة الأحزاب والنور سماهم الله تعالى الرجال.
وفي شريف حـديث نبينا صلى الله عليه وسلم سماهم الطائفة المنصورة، فقال:
«لا
تزال طائفـة من أمتي ظـاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم
كذلك»[3].
وإنما استعرت لهم اسم الرواحل اقتداء بصنيع الإمام مسلم في صحيحه، حين ختم أحاديث
فضائل الصحابة الأخيار بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
«إنما
الناس كإبل مئة، لا تكاد تجد فيها راحلة»[4].
إنَّ الأمة المسلمة لا تقوم إلا على هؤلاء الأفذاذ. وسائلِ التاريخَ عن فعل
المهاجرين والأنصار مع نبيهم ودعوتهم، وسائله عن الذين حمى الله بهم الإسلام زمن
الردة، وسائله عن الذين حفظ الله بهم الدين حين ترأست المعتزلة، وسائله عن الذين
دافعوا عن بيضة الإسلام حين سادت الرافضة واقتحم الصليبيون، وسائله عن الذين قاموا
بواجب الوقت حين عسكر المستعمرون في بلاد المسلمين.
سائل التاريخ عن الرجال الذين يجعلون الدين أولى أولوياتهم ورأس اهتماماتهم وكل
حياتهم...
سيجيبك التاريخ عنهم، وعن اختيار الله لهم عن سائر المؤمنين،
{إن
يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ
قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِـمِينَ}
[آل
عمران:
140].
ومهمة تربية الرواحل صعبة، وهي مهمة ذات تكاليف ومشقة وهي طويلة الزمن ، لكنها من
الواجبات المتحتمات على العمل التربوي.
والذين يسلكون هـذا الدرب عليهم أنْ يعوا حجم الأهداف المطلوبة، وقدر الإجراءات
اللازمة، ونوع التأهيل الكافي للمربين[5]،
وأحسب أنَّ هناك جهوداً مشكورة قائمة في هذا الثغر، وهي تحتاج إلى الرعاية
والتكثير.
الثغر الثاني: تربية العلماء الربانيين
اعتنى الإسلام بوجه خاص بتربية العلماء الربانيين، هذا ظاهر في كتاب الله تعالى،
فلو تأملت مثلاً: السبع الطوال جيداً لوجدتها كذلك، فهي
-
في ضمن ما ترمي إليه
-
تسعى في تكوين العالم الرباني، كما قال تعالى:
{وَإنَّ
مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم
بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا
هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ
مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ
عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
78
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ
الْكِتَابَ وَالْـحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ
يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن
دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ
بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّـمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا
كُنتُمْ تَدْرُسُونَ
79
وَلا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْـمَلائِكَةَ
وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ
بَعْدَ إذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}
[آل
عمران:
78
-
80].
وقد قصدت إلى ذكر جملة الآيات هذه ليكتمل السياق الذي به يتضح المعنى، فإنَّ الله
تعالى يخبرنا بأن فريقاً من علماء أهل الكتاب يحرفون الدين الحق لأغراضهم حتى جعلوا
من دين الإسلام شركاً ووثنية، قال ابن عطية:
«معناه:
يحرفون ويتحيلون بتبديل المعاني من جهة اشتباه الألفاظ واشتراكها وتشعب التأويلات
فيها»[6].
وحكى البغوي عن ابن عباس قال:
«إنَّ
الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعاً وذلك أنهم حرفوا التوراة والإنجيل وألحقوا
بكتاب الله ما ليس منه»[7].
فردَّ الله عليهم بأنَّ الأنبياء لا يدعون إلى الشرك بعد أنْ أمرهم الله بالتوحيد،
وأنَّ العلماء يتوجب عليهم أنْ يكونوا ربانيين بما تعلموه ودرسوه. قال السعدي في
معنى الربانيين:
«...
علماء حكماء حلماء معلمين للناس ومربيهم، بصغار العلم قبل كباره، عاملين بذلك، فهم
يأمرون بالعلم والعمل والتعليم التي هي مدار السعادة، وبفوات شيء منها يحصل النقص
والخلل»[8].
العلماء الربانيون هم حفظة الدين وفقهاء الإسلام، بهم تسير الحياة على مراد الله،
وبهم ينجلي الحق حين تظهر الشبهات، هم القادرون على رسم الإطار النظري للخروج من
الأزمات التي تعصف بالأمة، وهم القادرون على نقل العلوم الإسلامية من الأجيال
السابقة إلى الأجيال اللاحقة، وهم القادرون على نزع الألوهية من الأشخاص الذين
اغتصبوها عدواناً بدافع العلم والملك والترؤس، وهم القادرون على البحث والإفتاء
والمناظرة والردود.
وقد فصلت السبع الطوال فيما ينبغي أن يكون عليه هؤلاء العلماء، وما يجب أن يجتنبوه
مما وقع من قبل في أهل الكتاب من انحراف وتفريط.
نحن بحاجة
-
كما هو الحال في كل زمن
-
إلى تخريج طلبة العلم الذين يحملون منهج الربانية، حفاظاً على شريعة الإسلام من
التحريف والتبديل، وحماية للأمة من السقوط والنكوص.
وتربية العلماء الربانيين تسعى في برامجها وأهدافها إلى:
تعليم تفسير القرآن الكريم تفسيراً تحليلياً. لأنه لوحظ على مدار التاريخ خطورة
الجهل بمعاني القرآن ومراداته.
التعليم الشرعي المؤصــــــل، سواء في الفن التخصص، أو فــــــي الفنون
المتعلقـــــــــة بالفن التخصص.
التربية على منهج أهل السنة والجماعة في العلم والعمل والدعوة، وهو باب كبير من
الأخلاقيات والأدبيات والالتزامات.
تدريس العلوم المتعلقة بقدرة العالم على الاجتهاد في زمانه:
كالتاريخ المعاصر وعلمَي النفس والاجتماع والسياسة المعاصرة ومبادئ الاقتصاد
العالمي ونحو ذلك مما يقبح بطالب العلم أن يجهلها، لأنها في واقع الأمر مؤثرة في
الكيفيات والأحكام.
التربية على إدارة الأوقات والمشاريع والأهداف والأزمات.
التربية على حراسة الدين في أبواب العلم والعمل، والتصدي لإحداث الشرك والبدع.
وثمة شواهد تاريخية تدل على معضلة العالم الذي حفظ أبواب الفقه والعقيدة، لكنه لا
يستطيع الاجتهاد في نوازل عصره، ليس هذا محل عرضها، ولكن التاريخ في جملته يجعلنا
أمام فرزٍ للعلمـاء الذين يمكنهـم الاجتهاد حقيقة والذين لم تكتمل أدوات الاجتهاد
عندهم، ناهيك عن الذين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً وأوقعوا الأمة في المآزق
والويلات.
الثغر الثالث: تربية المتخصصين في علوم الدنيا
علوم الصناعات المختلفة، والمتعلقة بالسلم والحرب، والعلوم الإنسانية والإدارية،
والتكنولوجيا الحديثة والاتصال والإعلام، وغيرها من علوم الدنيا التي بها تعمر
الأرض وتتقوى الأمم...
كلها علوم مطلوبة واجبة على مستوى الأمة، وهذا معنى كونها فرض كفاية، قال أبو حامد
الغزالي:
«فلا
يتعجب من قولنا: إنَّ الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإنَّ أصول الصناعات أيضاً من
فروض الكفايات؛ كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحجامة والخياطة؛ فإنه لو خلا
البلد من الحَجَّام تسارع الهلاك إليهم، وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك»[9].
وما دام الأمر كذلك فأهل التربية معنيون بتربية المتخصصين في هذه العلوم، وهي تربية
تسعى في برامجها وأهدافها إلى:
القوة العلمية والبراعة في التخصص، وإتقان ما يمكن من أبوابه.
التربية على منهج أهل السنة والجماعة في العلم والعمل والدعوة.
التربية على إدارة الأوقات والمشاريع والأهداف والأزمات.
تعليم أصول الإسلام ومحكمات الدين، لتكون عاصمة لهم من انحراف العلم.
تعليم الأحكام الشرعية المتعلقة بالتخصص.
تعليم تاريخ الحضارة المعاصرة، وصفاً وتحليلاً وتقويماً.
التربية على المسؤولية تجاه الأمة، من خلال تعليم الإبداع والابتكار، وغرس الاهتمام
بنهضة الأمة، ونحو ذلك.
الثغر الرابع: تربية الأسرة
الأسرة هي المحضن التربوي الأول، ويقضي فيها الإنسان شطراً من حياته على اختلاف
ظروف الأسر، وهي تقدم أولى المنظومات القيمية والأخلاقية والتعليمية، كما تقدم
إشباع الحاجات النفسية لا سيما في مرحلتَي الطفولة والمراهقة.
والأسرة هي الشريك الدائم للمحاضن التربوية، والحليف الأهم عند الحديث عن القيم
والرسالة، فوجب الاعتناء بها بخصوصها.
فالطفل لا يفتح عينيه إلا في حضن أمه، وهي أول من يسمع صراخه ويبتسم له، ثم يلبث
تلك السنين الأولى بين جدران بيت أسرته. كما أنََّ سنوات ما قبل الدراسة النظامية
هي السنوات التي تتشكل فيها الخطوط العريضة لشخصية الطفل، وهي سنوات غالباً ما
يقضيها الطفل في أحضان أسرته، لذلك نقول: إنَّ الأسرة هي المحضن التربوي الأول.
وفي حين يرى أعداء الأمة في الأسرة حصناً من حصون الإسلام؛ فيعمدون إلى هدمه وتخريب
أعمدته ليتسنى لهم نشر الفوضى الأخلاقية وتدمير القيم الإسلامية، في حين ذلك يتوجب
علينا أنْ نوليها مزيد عناية، وأنْ نمدها بأسباب القوة.
الأمة بحاجة إلى تربية الأسرة من خلال:
تعليم وتدريب الوالدين على مهارات التربية الجيدة وتقنياتها.
تعليم الوالدين الأبواب المهمـة من علـم النفس كالمراحل العمرية وخصائصها وتأثيرها.
تدريب الوالـدين على تحسين التواصـل مع الأبناء في مختلف أعمارهم.
تدريب الوالدين على معالجة الأزمات القيمية المختلفة.
تدريب الأبناء على إدارة حياتهم المنزلية والدراسية والتكنولوجية.
الثغر الخامس: تربية العامة
سائر الأمة معنية بالجهد التربوي، الكبير والصغير والغني والفقير والعالم والجاهل
والمدني والأعرابي والرجال والنساء، طالما هم مخاطبون بالشريعة ومأمورون بالعبادة
إلى انقضاء العمر، وطالما هم الشريحة الواسعة من أمة الإسلام.
وهؤلاء بحاجة إلى جهد تربوي يرتقي بهم من الجهل والضعف والتخلف والبعد عن معالم
الدين إلى العلم والقوة والتقدم والرسوخ ما أمكن ذلك، من خلال برامج وأهداف تسعى
إلى:
التربية على الاعتقاد النقي والإيمان الصافي، الخالي من البدع والشركيات.
التربية على تعظيم المحكمات الشرعية وقواعد الإسلام العلمية والعملية.
تعليم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه الكرام باعتبارهما النموذج
الأكمل في الاتباع والاقتداء.
التربية على المسؤولية والإيجابية والعطاء والبذل والنفع.
التربية على مركزية الوحي: الكتاب والسنة؛ في الحياة العامة والخاصة.
تعليم الأحكام الشرعية العملية كالطهارة وسائر العبادات والبيوع ونحوها.
التربية على التمسك بالإسلام والاعتزاز بالهـوية والانتماء للأمة ومدافعة الاعتداء
عليها.
وفي خاتمة عرض الثغور التربوية يجدر التنبيه إلى أمرين:
الأول: أنَّ ما تضمنته من محاور العمل مقترحات قابلة للاستدراك والإضافة والتعقيب،
وهذا أمر طبيعي في حالة الحديث عن اجتهادات تختلف باختلاف الرؤى والنظرات.
الثاني: لا يشترط للعمل في هذه الثغور شكل محدد أو طريقة واحدة، ويمكن للجميع أن
يقدم جهده الخاص به في إنجاح أي عملٍ من شأنه يسد ثغرة من ثغور التربية، وما على
المسلم إلا أنْ يريَ الله من نفسه خيراً.
روافد
النجاح
• الاتجاه نحو الإنتاج الإعلامي المتنوع، والمنطلق من رؤية تربوية، ليكون خادماً
للحقول التربوية.
• تنمية البحث التربوي كمّاً ونوعاً ومضموناً، فالأمة تفتقر إلى الدراسات المعمقة
والبحوث المؤصلة في جانبها التربوي، أو الجانب المرتبط بالتربية.
• تحسين العمل الاجتماعي، لأن موضوع التربية هو الإنسان، والحاجات مكون رئيسي فيه،
فلزم الاهتمام به من هذا الجانب. وهذا ظاهر في الشريعة.
• التدريب على مهارات التفكير المختلفة، والتربية على تحرير العقل من القيود
الخاطئة.
• تشجيع المبادرات والابتكارات، والتكفل بأعبائها، وتحمل أخطائها، في سبيل غرس روح
المبادرة في مجموع الأمة، ونزع فتيل الخوف الذي يقعد الناس عن العمل.
• قراءة التاريخ التربوي المنثور في التاريخ الإسلامي، بوصفه تطبيقات للنظرية
الإسلامية في التربية.
[1]
أخرجه البخاري (5027)
والأثر نقله النووي في التبيان ص21.
[2]
تفسير المنار:
11/63.
[3]
أخرجه مسلم (1920).
[4]
رقم (2547).
[5]
في مقال سابق بعنوان (صناعة الرجال) تفصيل وتوسع.
[6]
المحرر الوجيز:
1/460.
[7]
معالم التنزيل:
2/59.
[8]
التفسير:
1/136.
[9]
إحياء علوم الدين:
1/16.