هل ستعود طالبان إلى حكم أفغانستان؟
«مكثنا في أفغانستان طَوال عشرين سنة وكنا نحاول حماية هذا البلد، وأعتقد أن الأفغان يجب أن يحموا بلدهم الآن... انتهى ذلك الزمن الذي كنا نقوم خلاله بهذا الدور».
هذا تصريح للرئيس الأمركي دونالد ترامب في أعقاب توقيع الولايات المتحدة اتفاقاً تاريخياً للانسحاب من أفغانستان في نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي.
ويكمل ترامب حديثه فيقـول: إن بلاده قد تقـدِّم يد العـون لدولة معيَّنة لمدة محددة، ولكن عليها العودة للاهتمام بشؤونها الداخلية، ويجب على الآخرين أن يفهموا هذا الأمر بوضوح.
هكذا لخص ترامب نهاية الحقبة الأمريكية في أفغانستان ودوافع إنهاء هذه الفترة؛ فماذا تم في هذا الاتفاق ودفع الرئيس الأمريكي لاتخاذ قرار الانسحاب؟
بموجب هذا الاتفاق - كما جاء في بنوده - تمتنع طالبان عن إعطاء أي لجوء إلا وَفْقَ القانون الدولي، فلن يكون هناك أي لاجئ في أفغانستان تعتبره الولايات المتحدة يشكل تهديداً لها، ليس لها فحسب بل لحلفائها أيضاً... لا معسكرات ولا جمعيات دعم مالية كل هذا مرفوض متى اعترضت الولايات المتحدة، حتى الوثائق القانونية مثل جوازات السفر؛ كل هذا سيجري التنسيق فيه مع الولايات المتحدة حتى لا يذهب إلى جهات مرفوضة، وفي الوقت نفسه سيكون للحركة موقف حازم من الجماعات التي تصنفها أمريكا على أنها إرهابية.
وفي المقابل تقوم الولايات المتحدة الأمريكيـة باستكمال سحب باقي قواتها وقوات حلفائها، بما في ذلك جميع الموظفـين المدنيين غير الدبلوماسيين، والأمن الخاص والمقاولين وموظفي الخدمات المساندة من أفغانستان خلال 14 شهراً، وتتعهد بعدم بقاء أي قوة مكافحة للإرهاب أو أي تدريب للجيش الأفغاني. وفي البداية ستقوم الولايات المتحدة مبدئياً بخفض قواتها في أفغانستان إلى 8600 عنصر خلال 135 يوماً من الاتفاق مع طالبان، كما ستسحب الولايات المتحدة وحلفاؤها جميع قواتهم من خمس قواعد عسكرية، بينما ستكمل الولايات المتحدة وحلفاؤها انسحاب ما تبقى من قوات من أفغانستان في غضون تسعة أشهر ونصف، كما ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية مع كافة الأطراف المعنية في الاتفاق على الإفراج عن السجناء السياسيين، والسجناء لأسباب متعلقة بالصراع، لما يصل إلى خمسة آلاف سجين تابعين لحركة طالبان؛ وذلك بهـدف بناء الثقـة بين الأطراف وتعزيز التنسيق بينهم كما ينص الاتفاق على بدء طالبان بمفاوضات مع مختلف الفصائل والأطياف الأفغانية.
والاتفاق يكون على مراحل لاختبار تطبيق طالبان له، ويبدأ بالموقف من الجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها (إرهابية)، ثم يتبعه دعم لإعادة إعمار أفغانستان.
وبالعودة إلى الوراء نجد أن الحكومة الأفغانية الحالية التي تسيطر على كابول منذ ديسمبر عام 2001م قد تشكلت عقب سقوط طالبان نتيجة للضربات الأمريكية الموجهة لأفغانستان انتقاماً للهجمات التي شنتها القاعدة على نيويورك وواشنطون؛ فقد عقد الزعماء الأفغان لقاءً في ألمانيا، عرف باسم مؤتمر بون برعاية أمريكية، حيث جرى انتخاب حامد كرزاي، الذي انتخب لاحقاً رئيساً للبلاد، لقيادة الحكومة المؤقتة الأفغانية.
تتكون الحكومة الأفغانية أساساً من التحالف الشمالي أو الجبهة الموحدة الذي يضم تحت سيطرته مجموعة من الفصائل السياسية والجماعات العرقية المعارضة لحركة طالبان، وتهيمن عرقية الطاجيك على التحالف، لكنه يضم أيضاً جماعات تمثل الأقليات مثل الأوزبك والهازارا، علماً بأن عرقية الباشتون التي تنتمي إليها طالبان يشكلون ما يقرب من 65 % من السكان. وسيطر تحالف الشمال على أكثر من نصف الوزارات الثلاثين في الإدارة المؤقتة الجديدة التي انبثقت عن اجتماعات بون، بما فيها وزارات مهمة كالخارجية والدفاع والداخلية، وأعطي الباشتون وزارات غير مهمة.
وجرت عدة انتخابات في أفغانستان ونتائجها كانت دائماً تشهد تنازعاً واختلافات بين الحركات السياسية الأفغانية، واتهامات متبادلة بالتزوير وبعد عدة شهور من كل انتخابات يستسلم الزعماء الأفغان المتنازعون للضغوط الأمريكية ويشكلون الحكومة ويختارون الرئيس على تباعد وافتراق، وهو ما جعل النظام السياسي الأفغاني عقب سقوط طالبان مهترئاً وممزقاً.
في نظري أن أهم بند في الاتفاقية بين طالبان وأمريكا التي جرت خلال هذا العام؛ هو البند الذي يتعلق بالمفاوضات بين الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيا وبين طالبان وبقية فصائل أفغانستان حيث لم يتم النص صراحة في هذا الاتفاق على تحديد من يحكم أفغانستان وبأي آلية يمكن الوصول إلى السلطة؛ إنما نص فقط على مفاوضات تجري بين الأطراف الأفغانية المختلفة؛ فهل ستستمر المفاوضات بين الفصائل والحكومة الموجودة في كابول إلى ما لا نهاية؟ فالاتفاق بين طالبان وأمريكا لا ينص عما سيحدث إذا فشلت المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، ومن ثَمَّ لم يتم تحديد آلية الوصول إلى السلطة سواء بالتراضي أو انتخـابات أو غيرها من الآليات السلمية.
ويبدو أن عدم وجود هذا البند بالتحديد هو ما يقلق الحكومة الأفغانية وهو ما يعززه تصريح ترامب الذي ذكر فيه أن أمريكا لن تحمي أفغانستان وعلى الآخرين أن يهتموا بشؤونهم الداخلية؛ قد فهم منه أنه يقصد تلك الحكومة ورفع الغطاء عنها وأن موضوع من يحكم أفغانستان لم يعد شأناً أمريكياً طالما التزم الجميع بالضوابط التي تضعها أمريكا وأهمها عدم استضافة أعدائها والمساس بأمنها القومي. والذي يعزز هذه الفرضية؛ أن الحكومة لم تكن مُمثَّلةً في حفل التوقيع، مثلما جرى تغييبها بالكامل عن جولات المفاوضات.
لذلك سارعت هذه الحكومة إلى محاولة عرقلة الاتفاق الأمريكي مع طالبان بالتقاعس عن إطلاق سراح أسرى طالبان، مع أن الاتفاق ينص صراحة على إطلاق سراحهم في غضون خمسة أشهر من الاتفاق.
ولهذا بات السيناريو المطروح لمصير الحكومة الحالية هو مثل ما جرى في عام 1994م عندما نشأت حركة طالبان؛ فماذ جرى في هذا التاريخ (أي عام 1994م؟).
بدأت في هذا التاريخ وبالتحـديد في يوليـو 1994م أول خلية لحركة طالبان نشاطها في منطقة (سنج سار) بمدينة قندهار، وهي مجموعة من طلبة العلوم الشرعية ساءهم تردي الأحوال في قريتهم وسيادة عصابات السلب والنهب والقتل في ظل غياب حكومة مركزية قوية فبدؤوا بتطبيق الشريعة في منطقتهم، وبعدها بسبعة أشهر سقطت قندهار كاملة بيد طالبان ثم توالى سقوط الدومينو وتوالى سقوط أغلب ولايات وأقاليم أفغانستان في يد الحركة التي لاقت ترحيباً شعبياً واسعاً نظراً للفوضى التي عمت أفغانستان قبلها، وفي سبتمبر من عام 1996م سقطت العاصمة كابل في يد الحركة بعد انسحاب القوات الحكومية إلى الشمال.
وقد تمكنت الحركة في عام 2000م من بسط نفوذها على قرابة 90% من الأراضي الأفغانية.
طبعاً كانت المساعدة العسكرية واللوجستية وحتى السياسية الباكستانية هي العامل الأبرز في هـذا الانتصار، فضلاً عن الدعم المعنوي من الشعب الأفغاني الذي كان قد سئم الاقتتال الداخلي بين فصائل المجاهدين؛ فهل سيتكرر ذلك السيناريو الآن بعدما يقرب من ستة وعشرين عاماً مضت؟
هناك عدة عوامل يعتمد عليها تكرار هذا السيناريو،
منها: بقاء الحاضنة الشعبية والتفاف غالبية الأفغان حول الحركة. ومنها أيضاً: تطور حركة طالبان نفسها مع متغيرات الواقع، ثم الأهم هو بقاء واستمرار الدعم الباكستاني، وأيضاً تأثير التدخل العسكري الأجنبي في أفغانستان.
وسنتحدث في هذا المقال عن العاملين الأهم في هذا السينــــــــاريو وهما الحاضنة الشعبية، والدعـــــم الباكستاني.
بقاء الحاضنة الشعبية:
هنا تطرح تساؤلات: هل الزخم ودعم الحاضنة الشعبية لطالبان الآن بالقدر نفسه الذي كان عليه قبل سقوطها عام 2001م؟
أم تأثرت بحرب الأفكـار وهي الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الشعب الأفغاني لتسير جنباً إلى جنب مع الحرب العسكرية؟
فمن بين مفردات حرب الأفكار تلك؛ ما اقترحه الكـاتب الأمريكي الشهير (توماس فريدمان)[1] من إنشاء المدارس العلمانية. ويعـرِّف فريدمان مصطلح المدارس العلمانية بأنها: تلك المدارس التي أقامها الأمريكيون في كل أفغانستان وباكستان. وكان ذلك عند حضـوره حفل افتتاح لأحد رجال الأعمال الأمريكيين ويدعى (غريغ مورتنسون) لمدرسته لتعليم الفتيات في قرية نائية في جبال هندوكوش في أفغانستان، ويعلق فريدمان على هذه المدرسة قائلاً: أجـد لزاماً عليَّ أن أقول: إنني بعد مشاهدة البهجة على وجوه الفتيات الأفغانيات الصغيرات اللاتي جلسن في انتظار الدرس أجد صعوبة في المطالبة برحيل قواتنا من هناك.
ويربط فريدمان بين هذه المدارس والحرب على الأفكار فيقول بالنص: «إن جهود مورتنستون تذكرنا بماهية جوهر الحرب على الإرهاب، إنها حرب الأفكار داخل الإسلام، حرب بين متشددين إسلاميين يمجدون الاستشهاد ويرغبون في عزل الإسلام عن المدنيَّة والأديان الأخرى وعدم تمكين النساء من تبوؤ مناصب، وبين من يرغبـون في اللحاق بركب الحـداثة وانفتاح الإسلام على الأفكار الجديدة، ومنها مساواة المرأة بالرجل في تبوؤ المناصب شأنها في ذلك شأن الرجل».
مع العلم بأن الاهتمام بهذا الأمر لم يقتصر على فريدمان بل إن الأمـر في الأساس يتعلـق باهتمـام رسمي أمريكي بهذا الأمر وبأنه مرتبط بنجاح الخطط العسكرية حتى أن الجنرال (مايك مولن) رئيس هيئة الأركان المشتركة قطع مسافة نصف يوم كي يصل إلى مدرسة مورتنستون الجديدة ليقص شريط افتتاحها ووزع بنفسه الكراسات على الطلاب في هذه المدرسة.
وينقل فريدمان عن مورتنستون السبب وراء تكريس حياته لبناء 131 مدرسة علمانية للفتيات في باكستان و48 في أفغانستان فيقول: إذا أُنفِقَت النقود بصورة جيدة فهذه المدارس ستخرج جيلاً جديداً من الأولاد يحملون وجهة نظر أوسع عن العالم، ونحن نركز على المناطق المحرومة من التعليم؛ فالمتشددون الدينيون يَنْشؤون في المناطق المنعزلة ووسط مناطق الصراع وعندما تتعلم الفتاة وتصير أمّاً ستصبح أقل رغبة في أن يصبح ابنها مقاتلاً أو متمرداً، وستنجب أطفالاً أقل، وعندما تتعلم البنت القراءة والكتابة يكون أول ما تقوم به تعليم أمها القراءة والكتابة، ستُحضر الفتياتُ إلى المنزل اللحم والخضراوات ملفوفة في أوراق الصحف وسوف تطلب الأم من ابنتها قراءة الصحيفة لها وستتعلم الأم عن السياسة والنساء اللاتي يتم استغلالهن.
ولكن ما نتائج معركة الأفكار تلك، وهل أثَّرت بالفعل على الشعب الأفغاني؟
في تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية[2] نقلاً عن تقرير وزعته المخابرات الأمريكية سرّاً عام 2007م بعنوان «كيف تخسر الولايات المتحدة المعركة من أجل القلوب والعقول؟»، كشف عن ردود أفعال القرويين الأفغان غير المتحمسين لمحاولات الجيش الأمريكي بناء جسور الثقة معه «لا أحد يريد أن يفعل أي شيء معنا»، يقول واضع تقرير المهمـة بحـزن، لكن قادته الأعلى كانوا يكتبون غير ذلك، ويتحدثون عن «نجاحات منقطعة النظير في التعاون مع الشعب الأفغاني» اعتماداً على تجمعات خادعة كان ينظمها متعاقدون محليون يقبضون كثيراً من المال مقابلها، بينما التقريرُ (الحقيقي) كان يصف زيارة الجنـود الأمريكيين لقرية أفغانية نائية بأنَّها أشبه بـ «الوقوع في كمين، فأبواب البيوت ونوافذها أغلقت ولا أحد يقبل الحديث إلينا».
على ما يبدو فإن التقرير المخابراتي الأمريكي الذي نشرته الغارديان البريطانية يتحدث عن منطقة القبائل التي يسكنها الباشتون الذين يمثلون ما يقرب من 65% من الشعب الأفغاني وهم الأقل تأثُّراً بهذه المعركة، بينما في المناطق العرقية الأخرى كانوا أكثر تأثراً نظراً لعداوة بعضهم مع طالبان وهذا ما تنقله وسائل الإعلام الغربية، ولكن لا توجد أرقام أو استطلاعات توضح أثر حرب الأفكار تلك على هذه المناطق.
بقاء الدعم الباكستاني واستمراره:
ظلت قضية كشمير هي القضية الجوهرية والمركزية لصانع القرار الباكستاني لا يمكن أن يتجاوزها بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف كان؛ فكشمير تتعلق بمظلومية تتخلل الوجدان والضمير الجمعي الباكستاني منذ نشأة الدولة وحتى هذه اللحظة.
كما ترتبط هذه القضية بالإحساس الباكستاني - وهو حقيقي إلى حد كبير - بأن الهنـد تريد ابتلاعها وإعادتها إلى السيطرة الهندوسية، كما كان لانفصال بنغلاديش أو باكستان الشرقية أثر كبير في تفكير صانع القرار السياسي الباكستاني في إستراتيجية تحافظ على كيان الدولة الباكستانية وتَحُول دون التفسخ أو الوقوع في أحضان الهند.
ارتكزت تلك الإستراتيجية على ثلاث دعائم:
أولاً: إحياء الإسلام في نفوس الناس باعتباره الوسيلة لتوحيد الباكستانيين بدلاً عن تحزبهم لانتماءاتهم العرقية والقبلية.
ثانياً: تطوير سلاح نووي ليكون بمثابة ردع للهند عن الاستيلاء على باكستان.
ثالثاً: الهيمنة على أفغانستان واتخاذها امتداداً خلفياً لها تعوضها عن فقد كشمير وإشغال الهند فيها.
وهذا يفسر استماتة باكستان في الدفاع عن مصالحها في باكستان.
عند الاجتياح السوفييتي لأفغانستان استغلت باكستان الوضع لتمد إستراتيجيتها إلى أفغانستان بالتعاون مع الولايات المتحدة التي اعتبرتها الفرصة السانحة لإسقاط الاتحـاد السوفييتي دون إراقة دمــــاء أمريكية.
حرصت باكستان على أن يتم الدعم الأمريكي أو غير الأمريكي للمجاهدين في أفغانستان في تلك الحقبة عبرها فقط لضمان أن يكون الموقف متوافقاً مع الإستراتيجية الباكستانية للمنطقة؛ فكانت الأموال والأسلحة تأتي فقط من الخارج ولا يسمح لعميل أجنبي بالاتصال بالمجاهدين إلا إذا كان فصيلاً خارجاً عن طوع باكستان مثل مجموعة أحمد شاه مسعود. كما شاركت المخابرات الباكستانية في تدريب المجاهدين وفتح المعسكرات لهم؛ بل أدارت عمليات المقاتلين داخل أفغانستان ثم برزت طالبـان عام 1994م فكانت الأمل بالنسبة لباكستان لاستعادة إستراتيجيتها في أفغانستان التي ضعفت بعد الانسحاب السوفييتي وتقاتُل الأطراف الأفغان؛ فدعمت الحركة وكان على رأس عملاء الجهاز في هذا الأمر مَن اشتهر بلقبه الحركي (العميد إمام) واسمه الحقيقي (أمير سلطان طرار) وعين قنصلاً عامّاً لباكستان في قندهار ثم في هرات وأمدَّ طالبان بالسلاح اللازم لبسط سيطرتهم على جميع أنحاء أفغانستان، وقد أثبت هذا الدور بنفسه في حديث نادر لصحيفة بريطانية نفى فيه ما تداولته تقارير المخابرات الأفغانية والأمريكية من اشتراكه مع طالبان في القتال بولاية هلمند قائلاً إنه لم يعمل منذ ثماني سنوات؛ أي أنه يثبت على نفسه أنه قد عمل مع طالبان حتى الإطاحة بها عام 2001م. وتنفي المخابرات الباكستانية دورها في إنشاء طالبان أصلاً، ولكن لا تنفي دعمها بعد ذلك، وفي أوائل عام 1996م عندما كانت (بنازير بوتو) في ولايتها الثانية رئيسة للوزراء أصبحت تشعر بالقلق من صِلات باكستان القوية مع طالبان ومن هيمنة وكالة الاستخبارات الباكستانية على السياسة الأفغانية وجرت دعوة اجتماع لكبار مسؤولي الحكومة لمناقشة الانسحاب من العلاقة مع طالبان، وطالب الجنرال (جيهانجير كرامات) رئيس القوات المسلحة بإيقاف نشاطات الوكالة داخل أفغانستان، وقد انتصرت وكالة الاستخبارات ولم تنسحب باكستان. وتقول مصادر غربية إن وكالة الاستخبارات الباكستانية قامت بتدريب حوالي ثلاثة و ثمانين ألفاً من المجاهدين الأفغان بين عامي 1983 و 1997م.
ولكن الدعم الباكستاني الأبرز كان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفي يوم 17 سبتمبر عام 2001م وقبل الضربة الأمريكية على أفغانستان أرسلت باكستان بضغط أمريكي رئيس مخابراتها الجنرال (محمود أحمد) للقاء (الملا عمر) في قندهار لإقناعه بتسليم (ابن لادن)، وأصر الجنرال على أن يدخل للمقابلة مع الملا عمر وحيداً، ويبدو أن هذا اللقاء قد تسرب إلى الأمريكان بشكل مَّا؛ فقد قالت الصحافة الغربية إن محمود طلب من الملا عمر الثبات على موقفه وعدم الخضوع للضغط الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى إقالته بعد ذلك بناء على نصيحة أمريكية.
ولكن أخطر ما في هذه العلاقة هو ما جرى في عام 2010م عندما اعتقلت القوات الباكستانية ما يقرب من نصف قيادة حركة طالبان في أفغانستان وهم ما يسمى بـ (مجلس شورى كويتا) بما في ذلك القائد العسكري لحركة طالبان أفغانستان (الملا عبد الغني برادار)، وقد فسرت صحيفة نيويورك تايمز هذا الاعتقال حينها بأنه من أجل إفشال محادثات سرية أجرتها الحركة مع كابول ونقلـت عن مسؤول أمني باكستاني قوله: نحمي طالبان التابعين لنا ولن نتركهم يبرمون اتفاقاً مع الرئيس الأفغاني (حميد كارزاي) والهنود.
وتمضي الصحيفـة لتدلل على كلامها فتقـول: إن أجهزة الأمن الباكستانية قد أطلقت معظم القادة الـ 22 الذي اعتقلتهم بعد أسابيع من توقيف الملا برادر، بحسب نيويورك تايمز، بعد استجابتهم للطلبات الباكستانية.
إن استمرار الدعم الإستراتيجي الباكستاني لطالبان، مع عدم تراجع الدعم الشعبي للحركة، وفي الوقت نفسه الانسحاب الأمريكي في ظل ضمان طالبان لمتطلبات الأمن القومي الأمريكي... كل ذلك يجعل السيناريو الأقوى هو عودة الحركة إلى السلطة في أفغانستان بالحل العسكري وبمساندة باكستانية مرة أخرى.
[1] http://www.nytimes.com/2009/07/19/opinion/19friedman.html?_r=1
[2] Simon Tisdall-Afghan war logs: How the US is losing the battle for hearts and minds-the guardian-Mon 26 Jul 2010
https://www.theguardian.com/world/2010/jul/26/us-battle-hearts-minds-afghanistan