الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أحمعين، وبعد:
لقد مرَّ عام وانصرم، جرت فيه أحداث وتغيرت فيه موازين، ولا ينبغي أن يمرَّ هذا العام هكذا؛ دون استعادة لأهم أحداثه والتمعُّن في دلائل ما جرى.
وإذا كنا نمعن النظر في أحداث عالمنا الإسلامي، فلا يمكننا إغفال أحداثٍ جرت في البعيد مكاناً القريب تأثيراً؛ فمثلاً لا يمكن إغفال توالي الأحداث في الشرق الأقصى؛ حيث انشغل الناس عن كوريا الشمالية وبرنامجها النووي وقضية إغراق فرقاطة كورية الجنوبية بسبب اشتعال الخلافات الحدودية بين كلٍّ من اليابان وجارتيها اللدودتين (الصين وروسيا)؛ حيث صعَّدت الصين قضية احتجاز اليابان لقبطان سفينة صيد صينية، وتبعتها روسيا بزيارة للرئيس الروسي لمنطقة الكوريل؛ (وهي مجموعة جزر يابانية احتلها الاتحاد السوفييتي سابقاً أواخر الحرب العالمية الثانية)، وكان الرد الروسي على الاحتجاج الياباني المبرر عنيفاً؛ حيث أكدت الخارجية الروسية أنه لا معنى للاحتجاج الياباني؛ لأن الجُزُر أراضٍ روسيةٌ، والملاحظ هنا ليس فقط التحرش باليابان أو بالأصح: الاستفراد بها؛ بل الغياب الواضح للولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو دليل ضعف إستراتيجي يمنعها من اتخاذ مواقف مباشرة ضد بلدين يستطيعان بسهولة تعميق الحفرة التي وقعت فيها في أفغانستان، إنه ضعف يبرر الحرص الشديد، بل الهوس في سبيل استرضاء الهند والتعامل معها كحليف إستراتيجي، ويبرز ذلك في طبيعة المواضيع المطروحة أثناء الزيارات الرسمية المتبادلة بين الطرفين، التي تصب في محاولة استمالة الهند للمعسكر الغـربي؛ حتى لو كـان علـى حساب باكسـتان. ولا ننسى تصريح رئيس الوزراء البريطاني بأن بريطانيا لن تسمح أن تكون باكستان مصدراً للإرهاب، وهو الذي يعتبر عدائياً إذا صدر من لندن وأكثر عدائية من إسلام آباد؛ ولكنه قمة العدائية إذا كان صادراً من نيودلهي، إنه يمثل قمة النفاق السياسي للهند ومنتهى الاستخفاف بباكستان وحكومتها التي يديرها حالياً الشيعة. إن النظرة الغربية لباكستان أنها بلد سُنِّي فيه أقلية شيعية؛ ولذا فإنه في الظروف الحالية وعلى الرغم من أنه بلد خادم ومطيع، وكان دوره حاسماً في إخراج الروس من أفغانستان ومن ثَمَّ سقوط الاتحاد السوفييتي سابقاً، فإن إضعاف باكستان أو تدميرها سيكون ضرورياً لبقاء أمريكا في أفغانستان. ومن هنا نفهم إقحامَ الحكومة ودفعَها دفعاً للدخول في صراع داخلي في أقاليم القبائل السُّنية، ونفهم كذلك انتهاكَ أمريكا شبه اليومي للسيادة في هذه المناطق بالذات؛ إنه مشروع تقسيمٍ قسريٍّ لباكستان؛ فمن الطبيعي عندما يقوم جيش الحكومة بتدمير مدن وقرى إقليم كامل وتشريد أهله بدون استثناء، والإعلان عن تكرار العملية تباعاً في أقاليم أخرى، نقول: من الطبيعي أن يكون الردُّ ظهورَ دعوات انفصال عامٍّ وتمرُّد.
إن باكستان تُدفَع دفعاً نحو الهاوية؛ فهل يعي المسلمون ذلك؟ وإذا كانت الورطة الأمريكية في أفغانستان قد تسببت في رزوح باكستان تحت ظغوط هائلة، فإنه أعطى أيران مجال مناورة كبير؛ فوزير الدفاع الأمريكي يحذر دول أمريكا الجنوبية من التعاون مع إيران في المجال النووي؛ أي أن نفوذ إيران ومجالها الحيوي يتمدد في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتمت الغلبة أخيراً لرجل إيران في العراق؛ وهو الذي حكم العراق بعد انتهاء حكمه بصورة مُطْلَقة، ولم تستطع أمريكا أن تفرض الشيعي الآخر الذي هو الأقرب إليها؛ وهذا ليس لأن أمريكا غير قادرة، بل لأنها ما زالت تحتاج إيرانَ وأدواتها في المنطقة؛ فلم يعد هناك شك في أن الغرب استوعب أنه كما كانت إيران الصفوية حليفة للغرب ضد الدولة العثمانية في الماضي، فماذا يمنع أن تكون إيران اليوم حليفة للغرب وشريكة في السيطرة على العراق واليمن ولبنان وبقية المناطق التي لهم فيها وجود.
وهنا لا ننسى أنه بعد تمكُّنهم حالياً من السيطرة على العراق تحت المظلة الأمريكية، ظهر لنا مَنْ نَزَع غطاء التقية وصرح بما كان حبيس الكتب والمجامع الخاصة وجرى إعادة العمل بالسب العلني والوقيعة في الصحابة وأمهات المؤمنين، رضي الله عنهم جميعاً، وجرى نقل ذلك في الفضائيات وكانت ردَّة الفعل السُّنية دليلاً على أصالة أمتنا ونبض الحياة في أوصالها، وكان ردُّ الشيعة ما بين منكر، وبين متهجم على مثيري الفتنة، ويقصد بهم أهل السُّنة الذين أظهروا سخطهم وغضبهم، وبين من كان أكثر واقعية وأفتى بحرمة التعرض لرموز السُّنة، ليس لأنها محترمة لدية فهي ليست من رموزه؛ بل لخوفه من تأثير إظهار هذا المعتقد على فرص التمدد الشيعي في المجتمعات السُّنية.
إنها عملية جس نبض. وإذا كان الغرب يمعن في تكرار التعرض للرسول صلى الله عليه وسلم واتخاذ محاربة النقاب راية يلتف حولها كلُّ كاره للإسلام؛ وإن تستروا بالحفاظ على العَلمانية، فإن من يتعرض لرموزنا يشاركهم في الخندق نفسه.
إننـا نحـن المسلمين سنظل نفخـر بأبي بكـر الصديق - رضي الله عنه - قاهـر المـرتدين وفاتح العراق، وبعمر الفاروق - رضي الله عنه - الذي دك عروش فارس وأتم فتوح الشام ومصر، وبعثمان الذي جمع القرآن وأتم الفتوح في الشرق وإفريقيا، وبعلي - رضي الله عنه - الذي نُصِر به الدين، وأُعليَت به راية سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وسنفخر بجميع أمهات المؤمنين وآل بيت نبينا الطيبين الطاهرين، وسنفخر كذلك بكل عَلَم في تاريخ أمتنا: من قتيبة بن مسلم إلى طارق وصلاح الدين وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب... وغيرهم كثير.