إن المتابع للنتاج الثقافي والعلمي ( العربي
- الإسلامي ) منذ سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية يجد أن هذا النتاج - وبالتحديد
في نظرته إلى مستقبل الإسلام - ينقسم إلى أربعة اتجاهات رئيسة ، هي :
أولاً : اتجاه انهزامي انبهر بثقافة الغالب فنظر
إليه نظرة إعجاب : «
مرايا محدبة » ، فدعا إلى اتباعها وتقليدها ( حَذْوَالقُذَّة بالقُذَّة ) ، وذهب إلى
أننا إذا أردنا النهوض فعلينا أن نأخذ حضارة الغرب خيرَها وشرَّها وحلوَها ومرَّها
.
ونظر لكل ما هو عربي إسلامي نظرة احتقار وتهوين
« مرايا مقعرة » ، ولم يرَ في حضارة العرب وتاريخهم أي إيجابية ؛ وتغلب هذه الصفة على
أدبيات اليهود والنصارى والفِرَق الشاذة .
ومَنْ نهل من مَعِين الحضارة الغربية يسهل عليه
طَمْسُ حضارة المسلمين وتاريخهم ونتاجاتهم العلمية وإنجازاتهم خلال أربعة عشر قرناً
؛ فيصفه بأوصافِ تحقيرٍ وتهوينٍ ، ويصف أعلامه بالجمود والتقليد ، وقد يصل التطاول
إلى الإسلام وكتابه ونبيِّه - صلى الله عليه وسلم - .
ثانياً : اتجاه توفيقي يدافع عن الثقافة والحضارة
الإسلامية ويحاول أن
يردَّ الشُّبَه التي يرددها المستشرقون وتلامذتهم لكن من موقع الضعف ؛ فكأنهم تشرَّبوا
هذه الشُّبه فأوردوها نقداً وردُّوا عليها نسيئةً .
ويظهر ذلك واضحاً في ردِّهم على شُبهة انتشار
الإسلام بالسيف ، وشُبهة نظرية النشوء والارتقاء لدارون ، وشبهة المساواة وحقوق المرأة
.
هذه الردود التي تمثل قمة الانهزامية حينما قالوا
بأنهم لم يعرفوا الصورة التي خلق الله عليها آدم .
ثالثاً : اتجاه يؤمن بالإسلام وانتصاره لكنه يربط
هذا النصر بهذا الشخص
أو ذاك ، ويرى أن انتصار الإسلام في العصر الحديث لن يكون إلا بظهور « المهدي » أو
« السفياني » أو « القحطاني » ؛ وهذا الاتجاه لا يقل خطورة عن الاتجاهين السابقين ؛
لأنه دعوة إلى السلبية وانتظار المعجزات وربط النصر بالرجال .
وهذا الاتجاه - كما حدثنا الشيخ عبد المجيد الزنداني
- وقع في ثلاثة أخطاءَ ، هي :
الخطأ الأول : عدم تحقيق المناط في مراعاة انطباق النص على
الواقع : وقد ظهر ذلك في كثير من الكتابات والخطب التي جزمت بأن « السفياني » هو «
صدام حسين » ، وتعسفت في نسبته الدمشقية بأنها غير دمشق الشام وأن هناك دمشق في العراق
مع أن صدام من قرية « الحويجة » في محافظة صلاح الدين ولا توجد في صلاح الدين مدينة
اسمها « دمشق » ، وتعسفوا في نسبته إلى « أبي سفيان » مع أنه - أي صدام حسين - كان
ينسب نفسه إلى « آل البيت » وكان يطلق على نفسه : « سليل الدوحة النبوية » .
ومهما يكن فالناس مصدَّقون في أنسابهم ولا أخفي
على القارئ سراً – على الرغم من أني لم أَحفَل بهذا التوجه وهذه الكتابات - وهو أن
أحاديث السفياني تنطبق على « يزيد بن أبي سفيان » ولم يشذَّ من هذه الأحاديث إلا حديث
الخسف الذي لم يقع لجيش يزيد ، وهذا بسبب اللَّبْس الذي حصل في فهم أحاديث الغيب التي
تتحدث عن المستقبل ؛ لأن الخسف سيكون حين ظهور المهدي الحقيقي ( محمد بن عبد الله )
، وليس المهدي المنتظر ( الخرافي ) عند الرافضة الذي ينتظرون خروجه منذ ألفٍ ومائتي
سنةٍ ، والذي لن يكون مخلِّصاً وحيداً ومصلحاً يظهر طفرة ، وإنما سيكون خليفة في سلسلة
خلفاءَ راشدين بشَّر بهم النبي – صلى الله عليه وسلم - بقوله : « ثم تكون خلافة راشدة
على منهاج النبوة » [1] ، كما ذكر ابن كثير في « علامات يوم القيامة
» ، وكما في حديث : « يظهر على حين موت خلفية » الذي حاول هؤلاء الجزم بأنه الملك فهد
بن عبد العزيز .
والخطأ الثاني : يكمن في الاستدلال بأدلة أهل
الكتاب والاعتماد عليها ؛ مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا تصدقوا أهل
الكتاب ولا تكذبوهم ؛ لأنكم قد تكذبون الحق » [2] و « شَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شَرْع لنا إذا جاء
في شرعنا ما يوافقه » [3] ؛ فلا يخفى أن معرفة صحة « شرع من قَبْلَنا »
، إنما كان عن طريق شرعنا .
والخطأ الثالث : اعتماد الحساب الذي لم يُعتَمَد عند المسلمين
إنما تعتمده اليهود والنصارى والروافض والفرق الشاذة الذين يقدسون الرقم « 19 » ، ومع
أني لم أحفل بهذه الكتب وهذه الخطب ؛ إلا أنني ظللت أقمع صوتاً في داخلي بأن « صدام
حسين » هو « السفياني » [4] لا سيما وقد نزل الأمريكيون في المنطقة الخضراء
التي مضى الحديث بأن السفياني سيوقِع بالروم فيها حتى أُعدِم .
رابعاً : اتجاه موقن بانتصار الإسلام واثق من
ظهوره ويعتقد أن
النصر جهد بشري كما قال - تعالى - : { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ
يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } ( محمد : 7 ) ، وقوله - سبحانه - : {
إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } ( محمد : 7 ) ، وأن المعجزات والكرامات والعون الإلهي لن يأتي
إلا حينما تَستَنفِد الطائفة المستحِقَّة للنصر جهدها ووسائلها المادية والمعنوية ،
وحينما تقول قولَ الرسل وأتباعهم : { مَتَى نَصْرُ اللَّهِ
أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } ( البقرة : 214 ) .
وهي الحالة التي وصفها الله - تعالى - بقوله
: { حَتَّى إِذَا اْسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } ( يوسف : 110 ) .
والنصر مضمون لهذا الدين ومن تمسك به ، وليس
لفلان أو فلان أو بفلان ؛ وقد فهم المسلمون هذه الحقيقة منذ عهد الرسول - صلى الله
عليه وسلم – فجاهدوا وضحُّوا بأنفسهم وأموالهم وأعراضهم وأوقاتهم فصبروا لكل ما لا
قوه وما واجهوه من لأواء : {
فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } ( الأحزاب : 23 ) ، وقد فرّقوا بين نصر الفرد الذي يتحقق بموت
الإنسان على الطاعة فيفوز بالجنة فتجده يقول : « لئن عشت حتى آكل هذه التمرات ؛ إنها
لحياة طويلة » [5] ، و « موتوا على ما مات عليه ؛ إني لأجد ريح
الجنة دون أُحُد » [6] ، وإذا أصيب قال : « فزت ورب الكعبة » [7] ، أو { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } ( طه : 84 ) ويحكونها شعراً كقول قائلهم :
ولستُ أبالي حين أُقتَل مسلماً على أي جَنْبٍ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإنْ يشاءْ يباركْ على أوصال شِلوٍ مُمَزعِ [8]
وبين النصر الجماعي الذي هو انتصار الدين والدعوة
والمبادئ ؛ وإن مات الداعية أو قُتِل ، كما في موت النبي - صلى الله عليه وسلم - في
وقت عصيب ارتدت فيه العرب وذَهَل الأصحاب فوقف أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يبيِّن
حقيقة هذا الدين ، فقال : « إنه من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد
محمداً فإن محمداً قد مات » [9] ؛ فالنصر مربوط بالدين والمبادئ والطاعة وليس
بشي آخر ؛ وحينما تردد المسلمون في غزوة مؤتة لما بلغهم أن عدد جيش العدو مائتا ألفٍ
وقف عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - يقول : « أيها الناس إننا لا نقاتل الناس بعدد
ولا عدة وإنما نقاتلهم بهذا الدين ، وإن التي منها تهربون للتي خرجتم تطلبون : النصر
أوالشهادة ، فسيروا على بركة الله » [10] .
وكتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى سعد
بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو في القادسية ، فقال له : ( كن من المعصية أحذرَ منها
من العدو ؛ فإننا لم ننتصر إلا بطاعتنا لله ومعصيتهم له ؛ فإن تساوينا وإياهم بالمعاصي
تفوقوا علينا بالعدد والعدة ) .
وحينما أدرك أن بعض الغوغاء قد اغترُّوا بخالد
بن الوليد - رضي الله عنه - بيَّن بالتجربة العملية التي لا تقبلها العقول المادية
أن النصر لهذا الدين وليس لخالد أو غيره فعزله في أوج انتصاراته في موقعة اليرموك ،
وهي ظاهرة أممية فريدة اختص بها هذا الدين ... لقد عزل خالد بن الوليد ؛ فهل توقفت
الانتصارات ؟ وقد ظلت هذه الحقيقة واضحةً في أذهان المسلمين في مختلف العصور ؛ فهذا
نور الدين زنكي المعروف بنور الدين الشهيد لَمَّا قيل له : لا تخاطر بنفسك فلا يقوم
للدين بعدك قائمة قال : ( هذه إساءة أدب مع الله - تعالى - ومن حفظ الدين قبل نور الدين
؟ ) وكان كثيراً ما يردد الفضل لله وحده [11] .
فالنصر لهذا الدين حتميٌّ حتى يدخل إلى كل بيت
، ويبلغ ما بلغ الليل والنهار .
يقول الله - تعالى - : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ
نُورِهِوَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ( الصف : 8-9 ) .
وفي سورة التوبة يستعمل الله - جل حلاله - بدل
« لام التعليل » مع المصدر المؤول الواقع موقع الجر مع « إن » التي هي حرف مصدري ونصب
واستقبال وتُشكِّل مع الفعل المضارع مصدراً مؤولاً في محل جر ، وبدل المصدرِ الصريح
« مُتمُّ » المصدرَ المؤول « أن يُتِمَّ » المسبوق بأداة الاستثناء « إلا » المسبوقة
بالفعل المضارع « يأبى » التي فيها من الدلالة على حتمية انتصار الدين وتمام نور هذه
الحتمية التي تُذهب كلَّ شكٍّ وريبةٍ وظنٍّ من تفكير كل مسلم ؛ لأن ما يأباه الله ويرفضه
مَنْ ذا الذي يوجده أو يعمله .
إن رَبْطَ النصر بالله - تعالى - لا يعني إنكار
دور الجهد البشري والعمل من المؤمنين إنما يعني أن الله سينصر دينه ويُتِمُّ نعمته
؛ فإن قمنا نحن بدورنا وكنا في الركب وإلا فإن الله سوف يهيئ من يقوم بأمر الدين كما
قال الله تعالى : {
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ
وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ
لَوْمَةَ لاَئِمٍ } (
المائدة : 54 ) ، وقد
قيل : إنهم العجم من السلاجقة والأتراك والموحدين والأيوبيين والمغول ... وغيرهم .
وقد يكونون من الموالي العبيد كما حصل مع المماليك
الذين قضوا على خطرين عظيمين ، هما : ( الصليبيون والتتر ) حتى قال شيخ الإسلام ابن
تيمية : إنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصور في عصره وقد أحسن الشاعر المسلم محمد
محمود الزبيري في قوله :
صحونا برغمك يا ( إيدن ) فَلِلِفجر ربٌّ به نؤمن
وسيبكي من تخلَّف عن الركب كما بكى أبو خراشة
حينما دعاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام فقال : لا ، حتى ينصرك الله
على قومك ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « كن في الركب خير لك » فأصرَّ الرجل على
موقفه ؛ فلما فتح الله على رسوله أعظم فتح ( وهو فتح مكة ) جعل يبكي ؛ لأنه لم يكن
في الركب .
إن حتمية النصر تؤيدها أدلة النقل الصريح من الكتاب والسُّنة
كما تؤيدها أدلة العقل الصحيح وشواهد الواقع الحديث المعاصر ، وتتكاثر الأدلة القرآنية
الصريحة على القول بأن النصر حتمي وأن المستقبل للإسلام وقد سبق قول الله - تعالى -
:{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ
إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } (
التوبة :32 ) .
كما سبق التعرض لبعض اللفتات التفسيرية للآيات
في سورة الصف وزيادتها في سورة التوبة وهناك لفتات أخرى ، منها : إضافة النور إلى {
مُتِمُّ } ، والنور من الصفات الذاتية لله - سبحانه وتعالى - وقد وصف الله نوره في
سورة النور ، فقال : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ } (
النور : 35 ) .
فمن ذا الذي يستطيع إطفاء نورِ كوكبٍ أو نجمٍ
؟ فما بالك بنور الله ؟ ومنها الجملة الاسمية : { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } ( الصف : 8 ) التي تؤكد أن تدبير هذا الدين وحِفظَه ونَصْرَه
هو لله وحده كما يؤكد ذلك قوله - تعالى - : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ( الحجر : 9 ) ؛ ومع أن الجملة الاسمية تتصف بالثبات إلا أن استعمال القرآن
للخبر لفظ { مُتِمُّ } الذي هو مصدر صريح أفاد الجملة حركة فهذا النور لا
يزال يزيد شيئاً فشيئاً حتى يكتمل ويَتُم ، والذي لن يجد الإنسان ما يَعبِّر به عن
التاريخ الإسلامي وانتشاره حتى انتصر وهيمن خيراً من المصدر { مُتِمُّ } ؛ فالإسلام
مثل ( القمر ) الذي يزيد ويَتِم شيئاً فشيئاً حتى يكتمل ويَتِم في منتصف الشهر ، والمتتبع
لتاريخ الإسلام لا يجده يخرج عن هذا الوصف ؛ فهو كل يوم يكتسب مواقع جديدة ويزداد قوة
وإن انتكس في مكان انتصر في مكان آخر ؛ ففي الوقت الذي كان يتراجع فيه في الأندلس كان
يزحف العثمانيون في أماكن أخرى في شرق أوروبا حتى وصل المسلمون إلى ( بودابست ) عاصمة
المجر في قلب أوروبا ، وحاصروا روما بعد فتح القسطنطينية .
وكذلك المغول الذين دخلوا بغداد وقضوا على الخلافة
، سرعان ما دخلوا في دين الله أفواجاً وتوجهوا للفتح في الهند و الصين و وسط آسيا وأقاموا
دولاً عديدة ، وقُلْ مثل ذلك في إفريقيا و جنوب شرق آسيا التي دخلت في الإسلام بدون
فتحٍ ولا جيشٍ ؛ ليتأكد الجميع أن نصر هذا الدين حتمي وأن قوَّته في داخله وإلا فبماذا
يفسَّر غزو المغول ( التتر ) لبلاد المسلمين وقضاؤهم على خلافتهم وتدميرُهم لحضارتهم
وإغراقُهم لتراثهم في نهر دجلة وقتلُهم لمليونَي مسلم حتى تحول نهر دجلة إلى لون الدم
مرة وإلى لون الحبر أخرى ، ثم سرعان ما أسلموا وذهبوا في الأرض مجاهدين حتى قال بعض
المؤرخين : إن التتر انتصروا عسكرياً ، والإسلام انتصر عليهم حضارياً وثقافياً ، وإن
نظرية ابن خلدون حول ثقافة الغالب انعكست عند المسلمين .
أما دخول المسلمين في جنوب آسيا و وسط إفريقيا
، المنطقتين اللتين فيهما أكبر تجمُّعٍ إسلاميٍّ فلا تفسير له إلا قوله - تعالى -
: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } ( الصف : 9 ) .
إن الإسلام قد يتعرض لنكسات وابتلاءات بسبب معاصي
المسلمين ومخالفاتهم كما قال - تعالى - { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم
مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ } ( آل عمران : 165 ) ، لكن في هذه الانتكاسات دروس يعرف المسلمون
منها جوانب التقصير وأسباب الهزيمة فيتجنَّبونها ، ويتعرفون جوانب القوة وأسباب النصر
فيأخذون بها .
وقد خرج الإسلام من كل نكسة أو ابتلاءٍ أقوى
وأصلب وكأنَّ هذه الفتن هي النار التي تبيِّن الذهب الصحيح من غيره ، وقد أكد القرآن
على هذا في آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ
حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } ( آل عمران : 179 ) ، وقوله - تعالى - : { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ
* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الكَاذِبِينَ } (
العنكبوت : 1-3 ) ، وقوله
- تعالى - : {
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا
يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ
وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ المُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
} (
التوبة : 16 ) ، وقوله
- تعالى - : {
حَتَّى إِذَا اْسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا
عَنِ القَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } (
يوسف : 110 ) .
وكذلك أحاديث السُّنة الصحيحة التي تتناغم مع
القران وصدق الله - تعالى - إذ يقول : { وَلَوْ كَانَ مِنْ
عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } ( النساء : 82 ) ، فإذا كان القرآن قد بشّر بانتصار الإسلام وهيمنتِه
وتمامِه فلن يكون إلا ذلك ؛ لأن الله - تعالى - يقول : { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } ( التوبة : 32 ) ، وقال - تعالى - : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } ( التوبة : 33 ) ، فإن السُّنة قد بشرت بأن الإسلام سيبلغ ما
بلغ الليل والنهار ويدخل إلى كل بيت بعزِّ عزيز أو ذُلِّ ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام
وأهله وذلاً يذل الله به الكفر وأهله ، وسَيُقتَل الخنزير ، ويُكْسَر الصليب ، وينتشر
العدل والخير حتى يمر الرجل على قبر الرجل فيقول : يا ليتك معنا ! وبشَّر بفتح القسطنطينية
وروما فقيل : أيهما أولاً يا رسول الله ؟ قال : « مدينة هرقل » [12] .
أما الذين بشّروا بالفتن ويكثرون من ذكرها فلا
بد أن يعرفوا أن هذه الفتن ما هي إلا استثناءات يخرج الإسلام بعدها أقوى وأمضى ؛ فقد
خرج من الفتن الكبرى وأقام أعظم دولة فتحت مشارق الأرض ومغاربها وعاشت ما يقرب من قرن
بينما كانت الفتنة ست سنوات فقط ، وخرج من فتنة المغول الذين دمروا وقتلوا وأحرقوا
في مشرق العالم الإسلامي ما لو كان في أمة أخرى فلن تقوم لها قائمة فضلاً عن أن يدخل
أصحابها في الإسلام ، وهو ما يدحض نظرية ابن خلدون التي يقول فيها : ( إن المهزوم مولع
بثقافة الغالب ) .
وهي صحيحة إلا في حق الإسلام الذي انهزم عسكرياً
وانتصر ثقافياً وظهرت بعد هذه الفتنة بمدة قصيرة دولٌ فتية تابعت الفتوحات حتى حاصرت
روما وها هم المسلمون اليوم بعد الغزو الاستعماري وفتن القومية والوطنية والشيوعية
والديمقراطية ينهضون ويقفون في وجه أعتى القوى في العالم كما في العراق و أفغانستان
و فلسطين و الشيشان ، واستطاع المجاهدون أن يحققوا معها توازن الرعب الذي جعل الدول
العظمى تحذِّر من فشلها في مواجهة ( الإرهاب ) ؛ لأن انتصار المجاهدين وهزيمة المحتل
( البديهية المحتومة ) سيقلب موازين القوى في العالم وحينئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله
.
ومما يثبت أن أحاديث الفتن مخصوصة واستثناء قول
النبي - صلى الله عليه وسلم - : « أمتي كالغيث لا يدرى أولها خير أم آخرها » [13] ، وقوله : « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على
الحق لا يضرها من خذلها أوخالفها حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك » [14] .
وأَمْرُ الله ريحٌ طيبة يرسلها الله تقبض روح
كل مؤمن ، والأيام دول ، والدَّولة لنا عليهم ، وبشائر النصر بادية ظاهرة للعيان ،
وسيكون الكلام عنها في مقالة قادمة ، إن شاء الله .
حقيقة النصر : النصر الفردي يتمثل في رضى الله والفوز بالجنة
والنجاة من النار كما قال - تعالى - { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا
الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ } (
آل عمران : 185 ) ، وهذا
قد يتحقق للإنسان المؤمن في عهد الاستضعاف
، أو في عهد الاستخلاف في ظل حكم الفراعنة والطغاة ، أو في ظل حكم الرسل والخلفاء الراشدين ؛ فالرسل إلا القلة من بني إسرائيل
عاشوا مستضعفين ولم يؤمن لبعضهم ألا الرجل أو الرجلان
أو الرهيط [15] ، وقد يأتي النبي وليس معه أحد ؛ ف امرأة فرعون و مؤمن آل فرعون و مؤمن
آل ياسين وغيرهم كثير دخلوا الجنة في ظل حكم الطغاة ،
وكم من المنافقين والمرتدين واليهود والنصارى
يدخلون النار في ظل الحكم الإسلامي .
وما كان الله ليضيع عمل عامل ، والجزاء من جنس
العمل ، وكما تدين تدان .
وقد تساءل المسلمون حينما حُوِّلت القبلة من
المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ؛
فقالوا : « ما بال إخواننا الذين ماتوا ولم يصلوا إلى الكعبة ؟ فأنزل الله - تعالى - : { وَمَا جَعَلْنَا
القِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن
يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى
اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
} (
البقرة : 143 ) .
إذاً اتضح أن حقيقة النصر الفردي هو هذا .
فهو لن يتحقق إلا بالعبادة والثبات والعمل من
دون يأس ، كما قال الله - تعالى - : { وَكَأَيِّن مِّن
نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
} (
آل عمران : 146 ) ، ولن
يتوقف حتى يلقى المسلمُ الله ويحطَّ رحاله في الجنة كما أمر الله - سبحانه – في قوله
: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ } ( الحجر : 99 ) ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إنما
الأعمال بالخواتم » [16] .
وإلا فقد يُخشَى على الإنسان أن يكون ممن قال
فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه
وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ... » [17] .
أما نصر الدعوة : فيتمثل في انتصار المبادئ والقيم والعقائد والأخلاق
ولا علاقة بين انتصار الدعوة وانتصار الفرد ؛ فالدعوة قد تنتصر بموت الداعية .
والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها الغلام المؤمن
- كما في صحيح مسلم في تفسير سورة « البروج » - الذي قُتِل وانتصرت الدعوة حينما قال
الغلام للطاغية : « إنك لن تقتلني إلا إذا أخذت سهماً من كنانتي وقلت : باسم الله رب
الغلام . ففعل الطاغية ذلك ، فقال الناس : آمنا برب الغلام » [18] .
وقد مات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وارتدَّ
أكثر العرب ، وليس في بيته شيء فخرجت زوجته تستعير الزيت للسراج ، وانتصرت دعوته وبلغ
الإسلام مشارق الأرض ومغاربها .
وكذلك الإمام أحمد مات في إقامته الجبرية بعد
الابتلاء والمحنة وانتصرت دعوته ، وهو اليوم إمام أهل السُّنة والجماعة .
وأيضاً شيخ الإسلام مات في سجن القلعة وانتصرت
دعوته فهو اليوم لا يُعرَف إلاَّ بشيخ الإسلام ، وكذلك سيد قطب الذي مات شنقاً وانتصرت
دعوته فلا يوجد اليوم أحد لم يتأثر بسيد قطب ودعوته ولا يسمى إلا الشهيد .
إن الخطورة تأتي من الخلط بين النصر الفردي والنصر
الدعوي وبين الدعوة والداعية .
قال الله - تعالى - : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن
مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } ( آل عمران : 144 ) ، وقد اضطر الصديق – رضي الله عنه - بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما رأى
اضطراب الناس وحيرتهم وصدمتهم إلى أن يقول : « من كان يعبد
محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد
الله فإن الله حي لا يموت » ؛ ثم تلا الآية : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن
مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } ( آل عمران
: 144 ) .
وقد اضطرب أمر المسلمين في أُحُد لَمَّا أشيع
أن رسول الله قد مات فقعدوا بسبب خلطهم بين الداعية والدعوة يبكون حتى مرَّ بهم سعد
بن الربيع - رضي الله عنه - فقال لهم : ( ما يبكيكم ؟ قالوا : قُتِل رسول الله .
قال : فما قيمة الحياة بعده ؟ موتوا على ما مات
عليه ثم استقبل الصفوف وهو يقول : والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد ! ) [19] .
وقد حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم على التأكيد
على أن النصر مرتبط بالدين والدعوة وليس بفلان أو فلان ، فقال في حديث خباب بن الأرت
: « والذي نفس محمد بيده ! لَيُتمَِّن الله هذا الأمر ... » [20] ، فلم يسمِّ نفسه أو أصحابه إنما نسب النصر لله
، ورفض رفضاً قاطعاً الخلط بين الفرد والسلطة وبين الدين والدعوة حينما عرضت عليه قريش
الملك والمال والجاه ، فقال : « والله ! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على
أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أَهلِكَ دونه » [21] ، وحينما عرض الإسلام على بحيرة بن فراس شيخ
بني عامر فتفرس الرجل في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : ( لو ملكت هذا
الفتى من قريش لأكلت به العرب ، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : نبايعك على أن
يكون لنا الأمر من بعدك . فقال له : « الأمر لله يضعه حيث يشاء » ) [22] .
وهذا رد على دعاة التوريث والوصية والعهد ؛ لأن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له قائد محدَّد إنما كان له في كل غزوة قائد حتى
أمَّر أسامة بن زيد وهو ابن ست عشرة سنة وهو مولى أسود ، وهناك من هو أفضل منه بين
الناس ؛ ليبين أن النصر مربوط بهذا الدين وهذه الدعوة وأن واجب المسلمين أن يسمعوا
ويطيعوا لمن تأَمَّر عليهم ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة [23] ما دام مسلماً مصلياً .
إن الخطأ في إدراك حقيقة النصر وأن هناك فرقاً
بين نصر الفرد ونصر الدعوة هو السبب في تسرُّب اليأس والتذمر والشكوك إلى نفوس كثيرٍ
من الشباب المسلم الذي كان ذات يومٍ كله تفاؤلاً وحماساً وحركة ، وكان يفيض أملاً وثقة
بمستقبل الإسلام وانتصار المسلمين وقيام الخلافة الراشدة كما أنه السبب في إخفاق وتعثُّرِ
وفشل كثيرٍ من الحركات الإسلامية الدعوية .
وهذا الخطأ هو فهم الشباب أن النصر هو الوصول
إلى السلطة ووصول قادة الجماعة ودعاتها إلى سدَّة الحكم .
أو ما أشبه ذلك ، وهو ما أدى إلى خطأ آخر هو
الخلط بين الأهداف الغائية والأهداف المرحلية « المتغيرة » ؛ فالهدف الغائي الثابت
، هو « رضى الله والجنة » .
والأهداف المرحلية المتغيرة التي هي وسيلة الوصول
إلى الهدف الغائي ؛ لأن الدنيا كلها وسيله للآخرة .
وهذه لفتة لطيفة مهمة للعباد الذين يجعلون العبادة
غاية أو لبعض طلاب العلم الذين يجعلون العلم غاية أو لطلاب الدنيا الذين يجعلون الدنيا
غاية وللحزبيين الذين يجعلون الوصول للسلطة غاية ، حتى يعرفوا أهمية التوازن في حياة
الإنسان المسلم فيؤدون لكل ذي حق حقه ؛ لذلك كان من اللازم بيان حقيقة النصر .
إن النصر حتميٌّ في اعتقاد كل مسلم موحِّد ،
ولكن هذا النصر له شروط وأسباب لا يمكن أن أن يتحقق بدونها .
(1) مسند أحمد : (17680) .
(2) البخاري : (4125) .
(3) فتح الباري : 1/280 .
(4) ينظر : المستدرك على الصحيحين : (8580) .
(5) مسلم : (3520) .
(6) جوامع السيرة : 1/162 .
(7) عيون الأثر : 2/18 .
(8) عيون الأثر : 2/12 .
(9) البخاري : (1165) .
(10) جوامع السيرة : 1/221 .
(11) ينظر : الموسعة الميسرة في التاريخ الإسلامي ، إعداد فريق البحث
والدراسات الإسلامية ، تقديم راغب السرجاني ، القاهرة ، مؤسسة إقرأ ، ط1 ، 1426هـ
- 2005م ، 2/ 116 0103 .
(12) مسند أحمد : (6358) .
(13) عقد الدرر في أخبار المنتظر : 1/33 .
(14) عقد الدرر في أخبار المنتظر : 1/28 .
(15) مسلم : (323) .
(16) البخاري : (6117) .
(17) البخاري : (2969) ، ومسلم : (4781) .
(18) مسلم : (5327) .
(19) البخاري : (3742) .
(20) البخاري : (3343) .
(21) سيرة ابن هشام : 1/266 .
(22) سيرة ابن هشام : 1/424 .
(23) البخاري : (652) .