الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقـيره
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد النبي
الأمين خير الأولين والآخرين، أما بعد:
فمحبة المسلمين للرسول
الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم وتوقيرهم له
والذبّ عنه، ليس مجرد عمل عاطفي تجاه شخصية محبوبة، وإنما هو دين يتديّنون به
أثبته الله تعالى في كتابه، وجعل الفلاح من نصيب القائمين به، كما قال تعالى: {فَالَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ
مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]. وقد
قام أصحاب الرسول الكرام الأماجد - رضي الله عنهم - بذلك
خيرَ قيام، وتابعهم في ذلك التابعون، وذلك مستمر بإذن الله تعالى إلى يوم الدين
يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقد اقتضت سنة الله تعالى
أن يكون للحق أعداء محاربون كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْـمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31]،
وكما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ
عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنسِ وَالْـجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ
الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]،
وقوله: {مَا يُقَالُ لَكَ إلاَّ مَا قَدْ قِيلَ
لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت: 43]،
وكلما كان الحق أوضح وأشد نصاعة؛ جَهِد الأعداء المحاربون لله ورسله من الجن
والإنس في عداوتهم للحق والسعي الشديد والكيد لإطفاء نوره. وأشد
صور الحق نصاعة هو ما جاءت به رسل الله تعالى - صلوات
الله وسلامه عليهم جميعاً -، وما جاء به رسولنا
الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في
الذروة العليا في ذلك. ومن شأن الحق الواضح الجلي الذي لا تشوبه
شائبة أن يمتلك القدرة الفائقة التي لا يُستطاع مقاومتها على خلع المشركين وأهل
الجهل والضلالة مما هم فيه، ونقلهم بسرعة وقوة إلى معسكر الإيمان والتوحيد؛
ليكونوا من جنده المخلصين، ومن ثم كانت عداوة أهل الشرك والضلالة له صلى الله عليه وسلم،
سواء في القديم أو الحديث، أشد وأشد، فقالوا عنه صلى الله عليه وسلم في
القديم شاعر، وقالوا ساحر، وقالوا مجنون، لكن أقوالهم الفاجرة الآثمة، إضافة إلى
حربهم، لم تقوَ على إطفاء نور الحق أو حجبه عن الناس، فآمن به مَن كان مِن أشد
الناس له عداوة وانتقل إلى حزب المؤمنين وصار من المدافعين بأموالهم وأنفسهم عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كله تصديق لقوله
تعالى له: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31]،
فقد تكفّل الله تعالى بهدايته للحق وتبصيره بالرشد، وضمن له النصر على من ناوأه
وعاداه من الإنس والجن جميعهم.
ولم تقتصر عداوة من عاداه صلى الله عليه وسلم على
القديم، بل في العصر الحديث أيضاً، وربما كانت العداوة الآن أشد وأقسى، وذلك من
جانبين:
1- جانب تيقن المشركين من
قوة هذا الدين وثبات حقائقه ومن ثم ثبات أهله وتيقنهم منه، ومن ثم لا بد من بذل
الجهود القوية المضاعفة لزحزحة بعض أتباعه عنه.
2- ضعف المسلمين الآن
بالقياس إلى قوتهم في الأزمنة الغابرة، والذي يغري المشركين بالتطاول عليهم والطمع
في تحقيق اختراق في جبهتهم، تمهيداً لإزالة الحق دين الإسلام، وهيهات ثم هيهات،
ولو اجتمع من بأقطارها على ذلك فلن يفلحوا ولن ينجحوا.
فبعدما بَهرت أضواء الحق
أبصار المشركين، وغزت دلائله وبيّناته عقولهم وقلوبهم، رغم ضعف إمكانات المسلمين
العسكرية والتقنية، وانتقال كثير من المشركين من دائرة الكفر والشرك إلى دائرة
التوحيد والإسلام والإيمان، وشعور أهل الكفر بغلبة الإسلام لهم وأنه قادم إلى عقر
دارهم ليقتلع جذور الشرك من أرضهم النكدة؛ رأوا بأفكارهم العفنة وعقولهم النتنة أن
القدح والطعن في سيد الخلق أجمعين محمد رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم إلى
الإنس والجن أجمعين، ربما يعوق تقدم الإسلام في ديارهم، فاعتمدوا هذه الخطة
الخبيثة وراحوا يطعنون ويسخرون ويرسمون ويمثلون بزعم حقهم في حرية التعبير. والحقيقة
التي تفضحها الوقائع أن المسألة ليست مسألة حرية تعبير، بل هي الحرب والكيد
للإسلام ولرسوله العظيم، وذلك:
أولاً:
لأن ما يذكرونه ليس تعبيراً عن رأي في مسألة في الإسلام أو في رسوله صلى الله عليه وسلم،
وإنما هو كذب واختلاق وسخرية واستهزاء، وليس ذلك رأياً، بل فجور وسفاهة وإجرام
وعدوان، ونحن نتحداهم إن كان لهم رأي يقوم على أدلة وبراهين أن يبرزوا لمناظرة
علماء الإسلام وليستعينوا في ذلك بما شاؤوا، وليس ينتظرهم غير الخيبة والخسران
وانكشاف باطلهم كما حاق بمن قبلهم من بني جلدتهم في كل مناظراتهم التي حدثت مع
علماء المسلمين.
ثانياً:
أن الحرية التي يزعمون يكبتونها ويسنون لها القوانين لمنعها وعقوبة فاعلها إذا كان
في ذلك ما يحقق للمسلمين بعض أحكام دينهم؛ كما منعت فرنسا ارتداء المسلمات لحجابهن
الشرعي، ثم سنت قانوناً لمعاقبة كل من تخالف ذلك من النسوة المسلمات، ولم ينظروا لمسألة
الحرية التي بها يتشدّقون؛ وكذلك منعت هولندا بناء المآذن ولم تنظر لمسألة الحرية.
ثالثاً:
أن هناك من الأمور التي يمكن بقوة إدراجها في حرية التعبير، إلا أنه يُمنع الناس
من التعبير فيها، بل سُنّت القوانين لتجريم من يخالف الرواية المعتمدة من السلطات،
ولم ينظروا لمسألة الحرية؛ فحرق اليهود في أفران الغاز من قبل النازيين مسألة
تاريخية تثبت أو تنفى بالدلائل، ومع ذلك اعتمدت سلطات كثير من البلدان الرواية
اليهودية في حرقهم في أفران الغاز بحيث يجرّم من خالفها ويعاقب على ذلك بالسجن،
ولم ينظروا لحرية الرأي، ولا للأدلة التي يقدمها من ينفي هذه الواقعة أو من يبين
المبالغة المتعمدة فيها.
فحرية الفكر المدّعاة
أكذوبة من أكذوباتهم التي لا تفنّد.
ولو قُدّر أن هؤلاء القوم
عندهم حرية تعبير فعلاً ويقدرونها حق قدرها، فإن مسائل ديننا لا تؤخذ من مجرد
الفكر والتصور، بل هي قائمة على أدلة، وما يزعم من فكر في هذا المجال فهو من كذبهم
واختلاقهم.
ولا ينبغي لنا أن نسكت على كذبهم وإفكهم وسخريتهم
برسولنا الكريم واستهزائهم به لرؤيتهم أن هذا من قبيل حرية التعبير، فديننا ورسولنا
ورسل الله جميعهم لا يمكن للمسلم أن يتنازل في حقهم وتعظيمهم لمن يرى أن من حقه السخرية
منهم والطعن فيهم، وما تجرّأ الكفار المشركون على تكرار التنقص من رسولنا الكريم إلا
لما رأوا من ضعف رد المسلمين على إفكهم، ولو كان رد المسلمين رداً مكافئاً لجرمهم بالمقياس
الشرعي لما كرّروا ذلك الأمر ولأدبهم الرد الشرعي عن محاولة تكراره، فقد بدأ ذلك المجرم
المرتد سلمان رشدي بكتابة آيات شيطانية، وقد لعبت السياسة دورها في حصر المشكلة في
رد فعل الشيعة على سلمان رشدي، لكن الفتوى التي أصدرها إمام الشيعة في زمنه أخافته
وأخافتهم كثيراً، فلما هدأت العاصفة كرّمت ملكة بريطانيا المرتد سلمان رشدي وقلدته
وسام الفارس وهو لم يقدم شيئاً يخدم به أمة الإنجليز، وكان الذي قدمه هو كتابه الفاجر
«آيات
شيطانية»، فهي تكرمه على قدحه في الإسلام، ما يدل على
أن المسألة خارجة عن حرية التعبير، ثم قامت جريدة دنماركية بنشر رسوم كاريكاتورية فيها
سخرية بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم،
وكان رد الفعل ضعيفاً لم يتجاوز المقاطعة الاقتصادية التي ما لبثت أن تروجع عنها ولم
تمكث طويلاً، ثم كانت ثالثة الأثافي الفيلم الذي أنتجه النصارى العرب في أمريكا يسخرون
فيه من سيد البشرية، ولم يزد رد الفعل عن مقاطعة موقعي «جوجل» و«يوتيوب» المسؤولين
عن نشره على المواقع الإلكترونية، والمقاطعة ليست كافية في ذلك ولا تمنع من هذا العمل
ولا من تكراره مرة أخرى، كما أن هناك حكماً شرعياً فيمن سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو
سخر منه أو تنقصه، وحكمه في ذلك القتل حداً، فلو أسلم وتاب لم يسقط عنه حد القتل، فالساب
أو المستهزئ أو الساخر من سيد ولد آدم يقتل حداً، سواء كان مسلماً أو كافراً معاهداً
أو كافراً حربياً، ولن يوقف هذا المسلك المشين من هؤلاء المشركين إخوان القردة والخنازير؛
غير تطبيق الحكم الشرعي عليهم، والذي أراه في ذلك أن يحدَّد القائمون بذلك العمل العدواني
على مقدسات المسلمين، وتجرى التحقيقات حول ذلك، وتطالب البلدان التي تأويهم بتسليمهم
لمحاكمتهم على ما اقترفوه، فإن أبت تلك الدول تسليمهم حوكموا غيابياً، فإذا صدرت الأحكام
بحقهم طولبت تلك الدول طلباً حثيثاً بتسليمهم، فإن لم تقبل بتسليمهم نظر لتلك الدول
على أنها دول تأوي مجرمين مطلوبين للعدالة الإسلامية، ثم تبيح الدولة التي أصدر قضاتها
الحكم لرعاياها العمل على تنفيذ الحكم الصادر، ومثل هذا سيؤدي بكل تأكيد إلى دخول هذه
الفئران إلى جحورها وعدم قدرتها على الظهور العلني، وسيقلص إلى أكبر حد ممكن من هذه
التصرفات المجرمة، وستشعر تلك الدول التي تأوي هذه الجراثيم البشرية أن المسلمين جادون
في عقوبة من ينتقص دينهم بكل سبيل، عقوبة حقيقية موجعة، ومن ثم فإنهم سيتعاهدون على
كف سفهائهم عن تلك التصرفات. لقد أباحت أمريكا لقواتها
أن تقوم بتنفيذ العدالة من وجهة نظرهم على من يعاديها، وسنت لذلك القوانين، ورأينا
لذلك الطائرات التي تعمل من دون طيار تخترق أجواء الدول دون أذن، وتقوم بالدخول إلى
المناطق التي يظنون فيها وجود من يبحثون عنهم، وقتلهم، ويعدون ذلك التصرف تصرفاً قانونياً،
فلا يصلح أن يكون حرص هؤلاء على دنياهم أشد من حرصنا على ديننا وتعظيم رسولنا والذبّ
عنه، فليس هناك ما يحول بيننا وبين إجراء هذه المحاكمات إذا كنا ننوي الانتصار لرسول
الله صلى الله عليه وسلم.