البيان/متابعات : توفي عصر أمس الجمعة 18 يوليو 2025 في العاصمة السعودية الرياض، البروفيسور جعفر شيخ إدريس، أحد أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين، عن عمر ناهز الرابعة والتسعين عاماً، بعد رحلة علمية وفكرية حافلة امتدت لأكثر من سبعين عامًا. وقد نعت مؤسسات علمية ودعوية في العالم الإسلامي الشيخ الجليل رحمه الله، مشيدة بإسهاماته المتميزة في مجالات الفكر والعقيدة والدعوة، ومؤكدة أن وفاته تمثل خسارة كبيرة للأمة الإسلامية في وقت تتعاظم فيه الحاجة إلى العلماء الراسخين وأهل الدعوة والقرآن.
وُلد الشيخ جعفر شيخ إدريس عام 1931 في مدينة بورتسودان بشرق السودان، وينتمي إلى قبيلة الشايقية المعروفة في شمال البلاد. نشأ في بيئة محافظة وكان والده من حفظة القرآن الكريم، فجمع بين الدراسة النظامية وتعلم القرآن، وبدأ في وقت مبكر دراسته على يد عدد من علماء السودان وشنقيط الذين مرّوا ببورتسودان، فقرأ في الحديث والعقيدة والفقه المالكي والنحو، وتأثر منذ نعومة أظافره بمنهج أهل السنة والجماعة، وخاصة تراث شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، بعد أن انضم إلى جماعة أنصار السنة المحمدية.
وانضم إلى حركة التحرير الإسلامي التي شكلت النواة الأولى للعمل الإسلامي المنظم في السودان، ثم درس في جامعة الخرطوم وانتقل إلى مصر لفترة، ثم عاد لاستكمال دراسته في قسم الفلسفة والاقتصاد، قبل أن يُبتعث إلى جامعة لندن حيث حصل على درجة الدكتوراه، ليصبح أحد القلائل الذين جمعوا بين التكوين الفلسفي الأكاديمي والعمق الشرعي المتين.
مارس رحمه الله التدريس الجامعي في عدد من الجامعات المرموقة، فبدأ أستاذًا للفلسفة بجامعة الخرطوم، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية حيث عمل أستاذًا في جامعة الملك سعود، ثم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ودرّس في كليتي الدعوة والإعلام وأصول الدين، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وكان له دور كبير في تأسيس مناهج دراسات العقيدة والفكر الإسلامي. كما عمل في الولايات المتحدة الأمريكية مديرًا لقسم البحث في معهد العلوم الإسلامية والعربية، ثم أصبح من أبرز الشخصيات العلمية المساهمة في الجامعة الأمريكية المفتوحة، بالإضافة إلى كونه مستشارًا لعدد من المؤسسات الإسلامية العالمية.
لم تقتصر جهوده على الجانب الأكاديمي، بل امتدت إلى النشاط الدعوي والفكري في أنحاء متفرقة من العالم، فقد ألقى محاضرات ودروسًا ودورات علمية في قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا، وشارك في عدد كبير من المؤتمرات الفكرية والعلمية، وكان له حضور بارز في الدفاع عن العقيدة الإسلامية والرد على الشبهات الفكرية، بأسلوب علمي وفلسفي دقيق جمع فيه بين العقل والنقل. وقد كتب مقالات مؤثرة بالعربية والإنجليزية، ونشر زاويتين معروفتين هما: "جنة الشوك" في صحيفة الميثاق الإسلامي، و"الإسلام لعصرنا" في مجلة البيان الصادرة من لندن.
وعرف الشيخ رحمه الله بالتواضع وعلو الهمة، وحسن الخلق، وكان ممن لازموا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وتأثروا به. وقد نعاه عدد من العلماء والدعاة وتلاميذه الذين تتلمذوا على يديه داخل السودان وخارجه، مستذكرين أثره الكبير في صناعة العقلية الإسلامية الواعية، وتقديم نموذج المفكر الذي يجمع بين المعرفة الأصيلة والفهم المعاصر.